فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)}
سترناكم عن الأسباب الظاهرة، ويَسَّرنا لكم ما تدفعون به صنوفَ المضار عنكم بما مَكَّنَّا لكم من وجوه المنافع.
ثم قال: {وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} فإن اللباس الظاهر يقي آفاتِ الدنيا، ولباس التقوى يصون عن الآفات التي توجب سخط المولى، ولباس التقوى بجميع أجزاء العبد وأعضائه. وللنَّفْس لباسٌ من التقوى وهو بذل الجهد والروح والقلب، لباس من التقوى وهو صدق القصد بنفي الطمع. وللروح لباس من التقوى وهو ترك العلائق وحذف العوائق. وللسرِّ لباسٌ من التقوى وهو نفي المساكنات والتصاون من الملاحظات.
ويقال تقوى العُبَّاد ترك الحرام، وتقوى العارفين نفي مساكنة الأنام. ويقال للعوام التقوى، وللخواص للباس التقوى عن شهود التقوى. اهـ.

.كلام نفيس لابن القيم:

قال عليه الرحمة:
قوله في الحديث «إن الله جميل يحب الجمال» الترمذي باب ما جاء في النظافة يتناول جمال الثياب المسؤول عنه في نفس الحديث. ويدخل فيه بطريق العموم الجمال من كل شيء كما في الحديث الآخر: «إن الله نظيف يحب النظافة»وفي الصحيح: «إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا» وفي السنن: «إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده» وفيها عن أبي الأحوص الجشمي، قال: رآني النبي صلى الله عليه وسلم وعليّ أطمار، فقال: «هل لك من مال؟» قلت نعم قال: من أي مال؟ قلت: من كل مل أتى الله من الإبل والشاء قال: «فلتر نعمته وكرامته عليك». فهو سبحانه يحب ظهور أثر نعمته على عبده، فإنه من الجمال الذي يحبه وذلك من شكره على نعمه وهو جمال باطن فيحب أن يرى على عبده الجمال الظاهر بالنعمة والجمال الباطن بالشكر عليها ولمحبته سبحانه للجمال أنزل على عباده لباسا وزينة تجمّل ظواهرهم وتقوى تجمّل بواطنهم فقال: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} وقال في أهل الجنة: {وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا} فجمّل وجوههم بالنضرة وبواطنهم بالسرور وأبدانهم بالحرير.وهو سبحانه كما يحب الجمال في الأقوال والأفعال واللباس والهيئة يبغض القبيح من الأقوال والأفعال والثياب والهيئة فيبغض القبيح وأهله ويحب الجمال وأهله. ولكن ضل في هذا الموضوع فريقان: فريق قالوا كل ما خلقه جميل، فهو يحب كل ما خلقه ونحن نحب جميع ما خلقه فلا نبغض منه شيئا، قالوا: ومن رأى الكائنات منه رآها كلها جميلة وأنشد منشدهم:
وإذا رأيت الكائنات بعينهم ** فجميع ما يحوي الوجود مليح

واحتجوا بقول الله تعال: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} وقوله: {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} وقوله: {مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ} والعارف عندهم هو الذي يصرح بإطلاق الجمال ولا يرى في الوجود قبيحا.وهؤلاء قد عدمت الغيرة لله من قلوبهم والبغض في الله، والمعاداة فيه وإنكار المنكر والجهاد في سبيله، وإقامة حدوده ويرى جمال الصور من الذكور والإناث من الجمال الذي يحبه الله فيتعبدون بفسقهم وربما غلا بعضهم حتى يزعم أن معبوده يظهر في تلك الصورة ويحل فيها وإن كان اتحاديا ومعناه من يقول أن الخالق هو عين المخلوق قال: هي مظهر من مظاهر الحق، ويسميها المظاهر الجمالية.
فصل:
وقابلهم الفريق الثاني فقالوا: قد ذم الله سبحانه وتعالى جمال الصور وتمام القامة والخلقة فقال عن المنافقين: {وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ} وقال: {وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيًا} أي أموالا ومناظر. قال الحسن: هو الصور تفسير ابن كثير 3/ 134 وفي صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم» كتاب البر والصلة 4/ 1986. قالوا: ومعلوم أنه لم ينف نظر الإدراك وإنما نفى نظر المحبة قالوا: وقد حرّم علينا لباس الحرير والذهب وآنية الذهب والفضة، وذلك من أعظم جمال الدنيا، وقال: {ولا تمدّن عينيك إلى ما متّعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الدنيا لنفتنهم فيه} طه 131، وفي الحديث «البذاذة من الإيمان» وقد ذم الله المسرفين. والسرف كما يكون في الطعام والشراب يكون في اللباس.
وفصل النزاع أن يقال: الجمال في الصورة واللباس والهيئة ثلاثة أنواع: منه ما يحمد ومنه ما يذم ومنه ما لا يتعلق به مدح ولا ذم فالمحمود منه ما كان لله وأعان على طاعة الله وتنفيذ أوامره والاستجابة له كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجمّل للوفود وهو نظير لباس آلة الحرب للقتال ولباس الحرير في الحرب والخيلاء فيه فإن ذلك محمود إذا تضمّن إعلاء كلمة الله ونصر دينه وغيظ عدوّه والمذموم منه ما كان للدنيا والرئاسة والفخر والخيلاء والتوسل إلى الشهوات، وأن يكون هو غاية العبد وأقصى مطلبه فإن كثيرا من النفوس ليس لها همّة في سوى ذلك وأما ما لا يحمد ولا يذم هو ما خلا عن هذين القصدين، وتجرّد عن الوصفين.
والمقصود أن هذا الحديث الشريف مشتمل على أصلين عظيمين: فأوله معرفة وآخره سلوك فيعرف الله سبحانه بالجمال الذي لا يماثله فيه شيء ويعبد بالجمال الذي يحبه من الأقوال والأعمال والأخلاق فيحب من عبده أن يجمل لسانه بالصدق وقلبه بالإخلاص والمحبة والإنابة والتوكل وجوارحه بالطاعة وبدنه بإظهار نعمه عليه في لباسه وتطهيره له من الأنجاس والأحداث والأوساخ والشعور المكروهة والختان وتقليم الأظافر فيعرفه بصفات الجمال الذي هو وصفه ويعبده بالجمال الذي هو شرعه ودينه فجمع الحديث قاعدتين: المعرفة والسلوك. اهـ.

.تفسير الآية رقم (27):

قوله تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان المقصود من ذكر القصص لاسيما قصص الأنبياء الاعتبار بها، فكان بيان ما وقع بين آدم عليه السلام وبين الشيطان من شديد العدواة مقتضيًا للتحذير من الشيطان، وكان المقام خطرًا والتخلص عسرًا، أشار إلى ذلك بالتأكيد وبيان ما سلط الشيطان به من المكايد الخفية والأسباب الدقيقة ليعلم الناجي أنه إنما نجا بمحض التوفيق ومجرد اللطف فيقبل على الشكر متبرئًا من الحول والقوة، فقال مناديًا لهم بما يفهم الاستعطاف والتراؤف والتحنن والترفق والاستضعاف: {يا بني آدم} أي الذي خلقته بيدي وأسكنته جنتي ثم أنزلته إلى دار محبتي إرادة الإعلاء لكم إلى الذروة من عبادتي والإسفال إلى الحضيض من معصيتي {لا يفتننكم} أي لا يخالطنكم بما يميلكم عن الاعتدال {الشيطان} أي البعيد المحترق بالذنوب، يصدكم عما يكون سببًا لردكم إلى وطنكم بتزيين ما ينزع عنكم من لباس التقوى المفضي إلى هتك العورات الموجب لخزي الدنيا، فيمنعكم بذلك من دخول الجنة ويدخلكم النار {كما أخرج أبويكم من الجنة} بما فتنهما به بعد أن كانا سكناها وتمكنا فيها وتوطناها، وقد علمتم أن الدفع أسهل من الرفع فإياكم ثم إياكم! فالآية من الاحتباك: ذكر الفتنة أولًا دليلًا على حذفها ثانيًا، والإخراج ثانيًا دليلًا على حذف ضده أو نظيره أولًا.
ولما كان قد بذل الجهد في إخراجهما، فسر الإخراج- مشيرًا إلى ذلك- بإطالة الوسواس وإدامة المكر والخديعة بالتعبير بالفعل المضارع فقال في موضع الحال من ضمير {الشيطان}: {ينزع عنهما} أي بالتسبيب بإدامة التزيين والأخذ من المأمن {لباسهما} أي الذي كان الله سبحانه قد سترهما به ما داما حافظين لأنفسهما من مواقعة ما نهيا عنه، ودل على منافاة الكشف للجنة بالتعليل بقوله: {ليريهما سوءاتهما} فإن ذلك مبدأ ترك الحياة والحياء والإيمان في قرن- كما أخرجه الطبراني وأبو نعيم في الحلية عن ابن عمر رضي الله عنهما، و«الحياء لا يأتي إلا بخير»- كما رواه الشيخان عن عمران بن حصين رضي الله عنهما.
ولما كان نهي الشيطان عن فتنتنا إنما هو في الحقيقة نهي لنا عن الافتتان به، فهو في قوة ليشتد حذركم من فتنته فإنه دقيق الكيد بعيد الغور بديع المخاتله؛ علل ذلك بقوله: {إنه يراكم} أي الشيطان {هو وقبيله} أي جنوده {من حيث لا ترونهم} عن مالك بن دينار أن عدوًا يراك ولا تراه لشديد المؤنة إلا من عصمه الله.
ولما كان كأنه قيل: لم سلطوا علينا هذا التسليط العظيم الذي لا يكاد يسلم معه أحد، قال مخففًا لأمرهم موهيًا في الحقيقة لكيدهم: {إنا} أي فعلنا ذلك لأنا بما لنا من العظمة {جعلنا الشياطين} أي المحترقين بالغضب البعيدين من الرحمة {أولياء} أي قرباء وقرناء {للذين لا يؤمنون} أي يجددون الإيمان، لأن بينهم تناسبًا في الطباع يوجب الاتباع، وأما أولياؤنا الذين منعناهم بقوتنا منه أو فتناهم يسيرًا بهم، ثم خلصناهم بلطفنا منهم فليسوا لهم بأولياء، بل هم لهم أعداء وآيتهم أنهم يؤمنون، والمعنى أنا مكناهم من مخاتلتكم بسترهم عنكم وإظهاركم لهم، فسلطناهم بذلك على من حكمنا بأنه لا يؤمن بتزيينهم لهم وتسويلهم واستخفافهم بأن ينصروهم في بعض المواطن ويوصلوهم إلى شيء من المطالب، فعلنا ذلك ليتبين الرجل الكامل- الذي يستحق الدرجات العلى ويتردد إليه الملائكة بالسلام والجنى- من غير فخذوا حذركم فإن الأمر خطر والخلاص عسر، وبعبارة أخرى: إنا سلكناكم طريقًا وجعلنا بجنبتيها أعداء يرونكم ولا ترونهم، وأقدرناهم على بعضكم، فمن سلك سواء السبيل نجا ومن شذ أسره العدو، ومن دنا من الحافات بمرافقة الشبهات قارب العدو ومن قاربه استغواه، فكلما دنا منه تمكن من أسره، وكل من تمكن من أسره بعد الخلاص فاحذروا، وعدم رؤيتنا لهم في الجملة لا يقتضي امتناع رؤيتهم على أنه قد صح تصورهم في الأجسام الكثيفة ورؤية بني آدم لهم في تلك الأجسام كالشيطان الذي رآه أبو هريره رضي الله عنه حين أمره رسول الله صلى الله عليه وسلم بحفظ الصدقة، وكذا أبي بن كعب رضي الله عنه، وحديث خالد بن الوليد رضي الله عنه في شيطان العزي معروف في السير، وكذا حديث سواد بن قارب رضي الله عنه في إرشاد رئيه من الجن له، وكذا خطر ابن مالك رضي الله عنه في مثل ذلك وغيرهما، وفي شرحي لنظمي للسيرة كثير من ذلك، وكذا حديث العفريت الذي تفلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشعلة من نار ليقطع عليه صلاته فأخزاه الله وأمكن منه رسول الله، وقال النبي صلى الله عليه وسلم «لولا دعوة أخي سليمان عليه السلام لأصبح مربوطًا بسارية المسجد يتلعب به ولدان أهل المدينة» قال أبو حيان: إلا أن رؤيتهم في الصور نادرة كما أن الملائكة عليهم السلام تبدو في صور كحديث جبريل عليه السلام. اهـ.