فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



إذن فالشيطان لا يتمثل، هكذا قال بعض العلماء، ونقول لهم: أنتم فهمتم أن الشيطان حين يتمثل، يتمثل تمثلًا استمراريًا، لا. هو يتمثل تمثل الومضة؛ لأن الشيطان يعلم أنه لو تشكل بصورة إنسان أو لصورة مادية لحكمته الصورة التي انتقل إليها، وإذا حكمته الصورة التي انتقل إليها فقد يقتله من يملك سلاحًا، إنه يخاف منا أكثر مما نخاف منه، ويخاف أن يظهر ظهورًا استمراريًا؛ لذلك يختار التمثل كومضة، ثم يختفي، والإنسان إذا تأمل الجني المشكل. سيجد فيه شيئًا مخالفًا، كأن يتمثل- مثلا- في هيئة رجل له ساق عنزة لتلتفت إليه كومضة ويختفي؛ أنه يخاف أن تكون قد عرفت أن الصورة التي يتشكل بها تحكمه. وإذا عرفت ذلك أمكنك أن تصرعه.
ويتابع الحق سبحانه: {... إِنَّا جَعَلْنَا الشياطين أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 27]
والشياطين من جَعْل الله، وسبحانه خلّى بينهم وبين الذين يريدون أن يفتنوهم والا لو أراد الله منعهم من أن يفتنوهم. لفعل.. إذن فكل شيء في الوجود، أو كل حدث في الوجود يحتاج إلى أمرين: طاقة تفعل الفعل، وداع لفعل الفعل. فإذا ما كانت عند الإنسان الطاقة للفعل، والداعي إلى الفعل، فإبراز الفعل في الصورة النهائية نستمدها من عطاء الله من الطاقة التي منحها الله للإنسان. فأنت تقول: العامل النساج نسج قطعة من القماش في غاية الدقة، ونقول: إن العامل لم ينسج، وإنما الآلة، والآلة لم تنسج، لكن الصانع الذي صنعها أرادها كذلك، والصانع لم يصممها الا بالعالم الذي ابتكر قانون الحركة بها.
إذن فالعامل قد وجّه الطاقة المخلوقة للمهندس في أن تعمل، واعتمد على طاقة المهندس الذي صنعها في المصنع، والمهندس اعتمد على طاقة الابتكار وعلى العالم الذي ابتكر قانون الحركة، والعالم قد ابتكرها بعقل خلقه الله، وفي مادة خلقها الله.
إذن فكل شيء يعود إلى الله فعلًا؛ لأنه خالق الطاقة، وخالق من يستعمل الطاقة، والإنسان يوجه الطاقة فقط، فإذا قلت: العامل نسج يصح قولك، وإذا قلت: الآلة نسجت، صح قولك، وإذا قلت: إن المصنع هو الذي نسج صح قولك.
إذن فالمسألة كلها مردها في الفعل إلى الله، وأنت وجهت الطاقة المخلوقة لله بالقدرة المخلوقة لله في فعل أمر من الأمور. فإذا قال الله: {إِنَّا جَعَلْنَا الشياطين} أي خلّينا بينهم وبينهم المفتونين بهم، غير أننا لو أردنا الا يفتنوا أحدًا لما فتنوه. وهذا ما فهمه إبليس. {... لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ المخلصين} [ص: 82-83]
إذن من يريده الله معصومًا لا يستطيع الشيطان أن يغويه، وتعلم الشياطين أن الله خلّى بينهم في الاختيار، هذه اسمها تخلية؛ ولذلك لا معركة بين العلماء. فمنهجهم أن الطاقة مخلوقة لله، ونسب كل فعل إلى الله، ومنهم من رأى أنَّ موجّه الطاقة من البشر فينسب الفعل للبشر، ومنهم من رأى طلاقة قدرة الله في أنه الفاعل لكل شيء، ومنهم من قال: إن الإنسان هو الذي فعل المعصية.. أي أنه وجه الطاقة إلى عمل والطاقة صالحة له، فربنا يعذبه على توجيه الطاقة للفعل الضار ولا خلاف بينهم جميعًا. {... إِنَّا جَعَلْنَا الشياطين أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ} [الأعراف: 27]
إذن جعل الله الشياطين أولياء لمن لم يؤمن، ولكن الذي آمن لا يتخذه الشيطان وليًا. اهـ.

.التفسير المأثور:

{يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26) يَا بَنِي آَدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ (27)}
أخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم} قال: كان أناس من العرب يطوفون بالبيت عراة فلا يلبس أحدهم ثوبًا طاف فيه {ورياشًا} قال: المال.
وأخرج ابن المنذر عن عكرمة في قوله: {قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم} قال: نزلت في الحمس من قريش، ومن كان يأخذ مأخذها من قبائل العرب الأنصار: الأوس، والخزرج، وخزاعة، وثقيف، وبني عامر بن صعصعة، وبطون كنانة بن بكر كانوا لا يأكلون اللحم، ولا يأتون البيوت إلا من أدبارها، ولا يضطربون وبرًا ولا شعرًا، إنما يضطربون الادم ويلبسون صبيانهم الرهاط، وكانوا يطوفون عراة إلا قريشًا، فإذا قدموا طرحوا ثيابهم التي قدموا فيها، وقالوا: هذه ثيابنا التي تطهرنا إلى ربنا فيها من الذنوب والخطايا، ثم قالوا لقريش: من يعيرنا مئزرًا؟ فإن لم يجدوا طافوا عراة، فإذا فرغوا من طوافهم أخذوا ثيابهم التي كانوا وضعوا.
وأخرج ابن جرير عن عروة بن الزبير في قوله: {لباسًا يواري سوءاتكم} قال: الثياب {ورياشًا} قال: المال {ولباس التقوى} قال: خشية الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن علي في قوله: {لباسًا يواري سوءاتكم} قال: لباس العامة {وريشًا} قال: لباس الزينة {ولباس التقوى} قال: الإِسلام.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس في قوله: {وريشًا} قال: المال واللباس والعيش والنعيم. وفي قوله: {ولباس التقوى} قال: الإِيمان والعمل الصالح {ذلك خير} قال: الإِيمان والعمل خير من الريش واللباس.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ورياشًا} يقول: مالا.
وأخرج أحمد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن علي قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا لبس ثوبًا جديدًا قال «الحمد لله الذي كساني من الرياش ما أواري به عورتي وأتجمل به في الناس».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد قال: الرياش: الجمال.
وأخرج الطستي عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {وريشًا} قال: الرياش: المال قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم أما سمعت الشاعر وهو يقول:
فرشني بخير طال ما قد ربيتني ** وخير الموالي من يريش ولا يبري

وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة في قوله: {لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا} قال: هو اللباس {ولباس التقوى} قال: هو الإِيمان، وقد أنزل الله اللباس، ثم قال: خير اللباس التقوى.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد.
أنه قرأها {وريشًا ولباس التقوى} بالرفع.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {وريشًا} بغير ألف {ولباس التقوى} بالرفع.
وأخرج ابن مردويه عن عثمان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ {ورياشًا} ولم يقل: وريشًا.
وأخرج ابن جرير عن زر بن حبيش. إنه قرأها {ورياشًا}.
وأخرج أبو عبيد وعبد بن حميد والحكيم الترمذي وابن المنذر وابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن معبد الجهني في قوله: {ولباس التقوى} قال: هو الحياء، ألم تر أن الله قال: {يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسًا يواري سوءاتكم وريشًا ولباس التقوى} فاللباس الذي يواري سوءاتكم: هو لبوسكم، والرياش المعاش، ولباس التقوى: الحياء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {ولباس التقوى} قال: يتقي الله فيواري عورته، ذلك لباس التقوى.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله: {ولباس التقوى} قال: ما يلبس المتقون يوم القيامة {ذلك خير} من لباس أهل الدنيا.
وأخرج أبو الشيخ عن عطاء في قوله: {ولباس التقوى ذلك خير} قال: ما يلبس المتقون يوم القيامة خير مما يلبس أهل الدنيا.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {ولباس التقوى} قال: السمت الحسن في الوجه.
وأخرج أبو الشيخ عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من عبد عمل خيرًا أو شرًا إلا كسى رداه عمله حتى يعرفوه، وتصديق ذلك في كتاب الله: {ولباس التقوى ذلك خير...} الآية».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن الحسن قال: رأيت عثمان على المنبر قال: يا أيها الناس اتقوا الله في هذه السرائر، فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «والذي نفس محمد بيده ما عمل أحد عملًا قط سرًا إلا ألبسه الله رداه علانية إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر» ثم تلا هذه الآية {ورياشًا} ولم يقل وريشًا {ولباس التقوى ذلك خير} قال: السمت الحسن.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: {لباسًا يواري سوءاتكم} قال: هي الثياب {ورياشًا} قال: المال {ولباس التقوى} قال: الإِيمان {ذلك خير} يقول: ذلك خير من الرياش واللباس يواري سوءاتكم.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {ينزع عنهما لباسهما} قال: التقوى. وفي قوله: {إنه يراكم هو وقبيله} قال: الجن والشياطين.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن منبه {ينزع عنهما لباسهما} قال: النور.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {وقبيله} قال: نسله.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} قال: والله ان عدوًا يراك من حيث لا تراه لشديد المؤنة إلا من عصم الله.
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد قال: سأل أن يرى ولا يرى، وأن يخرج من تحت الثرى، وإنه متى شاب عاد فتى فأجيب.
وأخرج ابن أبي شيبة عن مطرف. أنه كان يقول: لو أن رجلًا رأى صيدًا والصيد لا يراه فختله ألم يوشك أن يأخذه؟ قالوا: بلى. قال: فإن الشيطان يرانا ونحن لا نراه، وهو يصيب منا.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن ابن عباس قال: أيّما رجل منكم تخيل له الشيطان حتى يراه فلا يَصُدَّنَّ عنه، وليمضِ قدمًا فإنهم منكم أشد فرقًا منكم منهم، فإنه إن صد عنه ركبه وإن مضى هرب منه. قال مجاهد: فانا ابتليت به حتى رأيته، فذكرت قول ابن عباس، فمضيت قدمًا فهرب.
وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن نعيم بن عمر قال: الجن لا يرون الشياطين بمنزلة الإِنس. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قرأ ابن وثَّابٍ وإبْرَاهِيمُ: {لا يُفْتِنَنَّكُمْ} بضمّ حرف المضارعة من أفْتَنَهُ بمعنى حَمَلَهُ على الفِتْنَةِ.
وقرأ زَيْدُ بْنُ عَلِيٍّ: {لا يَفْتِنْكُم} بغير نون توكيدٍ.
قوله: {كَمَا أخْرَجَ}: نعت لمصدر محذوف أي: لا يَفْتننكم فتنةً مثل فتنة إخْرَاجِ أبَويكُم.
ويجوزُ أن يكُون التَّقْدِيرُ: لا يُخْرِجّنَّكم بفتنته إخراجًا مثل إخْرَاجِ أبويكم.
و{أبَويْكُم} واحد أبٌ للمذكَّر، وأبة للمُؤنَّثِ، فعلى هذا قيل أبَوَانِ.
قوله: {يَنْزعُ} جملة في محل نَصْبٍ على الحالِ، وفي صاحبها احتمالان:
أحدهما: أنَّه الضَّميرُ في أخْرَجَ العائدُ على الشَّيْطَانِ، وأضاف نزع اللِّبَاسِ إلى الشَّيْطَانِ، وإن لم يباشر ذلك؛ لأنَّهُ كان بسبب منه، فأُسند إليه كما تقول: أنْتَ فعلت هذا لمن حصل ذلك الفعل بسبب منه.
والثاني: أنَّهُ حال من أبَوَيْكُم، وجاز الوجْهَان؛ لأنَّ المعنى يَصِحُّ على كلِّ من التَّقديرَيْنِ، والصِّناعَةُ مساعدة لذلك، فإنَّ الجملة مشتملةٌ على ضمير الأبَويْنِ، وعلى ضَميرِ الشَّيْطَانِ.