فصل: تفسير الآية رقم (30):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (30):

قوله تعالى: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{فريقًا هدى} أي خلق الهداية في قلوبهم فحق لهم ثواب الهداية {وفريقًا} أضل، ثم فسر أضل- لأنه واجب التقدير بالنصب- بقوله: {حق} أي ثبت ووجب {عليهم الضلالة} أي لأنه أضلهم فيحشرون على ما كانو عليه في الدنيا من الأديان، والأبدان، وقد تبين أن هاهنا احتباكين: أثبت في أولهما بدا دليلًا على حذف يعيد وذكر تعودون دليلًا على حذف تبتدئون، وأثبت في الثاني هدى دليلًا على حذف أضل وذكر حقوق الضلالة دليلًا على حذف حقوق الهدى.
ولما كرر سبحانه ذكر البعث كما تدعو إليه الحكمة في تقرير ما ينكره المخاطب تأنيسًا له به وكسرًا لشوكته وإيهانًا لقوته وقمعًا لسورته إلى أن ختم بما هو أدل عليه مما قبل من قوله ومنها تخرجون {فلنسئلن الذين أرسل إليهم} [الأعراف: 6] علل ما ختم به هذا الدليل من حقوق الضلالة أي وجوبها أي وجوب وبالها عليهم بقوله: {إنهم اتخذوا} أي كلفوا أنفسهم ضد ما دعتهم إليه الفطرة الأولى بأن أخذوا {الشياطين أولياء} أي أقرباء وأنصارًا {من دون الله} أي الملك الأعلى الذي لا مثل له {ويحسبون} أي والحال أنهم يظنون بقلة عقولهم {أنهم مهتدون} فأشار بذلك إلى أنهم استحقوا النكال لأنهم قنعوا في الأصول- التي يجب فيها الابتهال إلى القطع- بالظنون. اهـ.

.قال الفخر:

قوله تعالى: {فَرِيقًا هدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة} فيه بحثان:
البحث الأول: احتج أصحابنا بهذه الآية على أن الهدى والضلال من الله تعالى.
قالت المعتزلة: المراد فريقًا هدى إلى الجنة والثواب، وفريقًا حق عليهم الضلالة، أي العذاب والصرف عن طريق الثواب.
قال القاضي: لأن هذا هو الذي يحق عليهم دون غيرهم، إذ العبد لا يستحق، لأن يضل عن الدين، إذ لو استحق ذلك لجاز أن يأمر أنبياءه بإضلالهم عن الدين، كما أمرهم بإقامة الحدود المستحقة، وفي ذلك زوال الثقة بالنبوات.
واعلم أن هذا الجواب ضعيف من وجهين: الأول: أن قوله: {فَرِيقًا هدى} إشارة إلى الماضي وعلى التأويل الذي يذكرونه يصير المعنى إلى أنه تعالى سيهديهم في المستقبل، ولو كان المراد أنه تعالى حكم في الماضي بأنه سيهديهم إلى الجنة، كان هذا عدولًا عن الظاهر من غير حاجة، لأنا بينا بالدلائل العقلية القاطعة أن الهدى والضلال ليسا إلا من الله تعالى.
والثاني: نقول هب أن المراد من الهداية والضلال حكم الله تعالى بذلك، إلا أنه لما حصل هذا الحكم امتنع من العبد صدور غيره، وإلا لزم انقلاب ذلك الحكم كذبًا، والكذب على الله محال، والمفضي إلى المحال محال، فكان صدور غير ذلك الفعل من العبد محالًا، وذلك يوجب فساد مذهب المعتزلة من هذا الوجه. والله أعلم.
البحث الثاني: انتصاب قوله: {وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة} بفعل يفسره ما بعده، كأنه قيل: وخذل فريقًا حق عليهم الضلالة، ثم بين تعالى أن الذي لأجله حقت على هذه الفرقة الضلالة، هو أنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله فقبلوا ما دعوهم إليه، ولم يتأملوا في التمييز بين الحق والباطل.
فإن قيل: كيف يستقيم هذا التفصيل مع قولكم، بأن الهدى والضلال إنما يحصل بخلق الله تعالى ابتداء.
فنقول: عندنا مجموع القدرة، والداعي يوجب الفعل، والداعية التي دعتهم إلى ذلك الفعل، هي: أنهم اتخذوا الشيطان أولياء من دون الله.
ثم قال تعالى: {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} قال ابن عباس: يريد ما بين لهم عمرو بن لحي، وهذا بعيد، بل هو محمول على عمومه، فكل من شرع في باطل، فهو يستحق الذم والعذاب سواء حسب كونه حقًا، أو لم يحسب ذلك، وهذا الآية تدل على أن مجرد الظن والحسبان لا يكفي في صحة الدين، بل لابد فيه من الجزم والقطع واليقين، لأنه تعالى عاب الكفار بأنهم يحسبون كونهم مهتدين، ولولا أن هذا الحسبان مذموم، وإلا لما ذمهم بذلك، والله أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي:

{فَرِيقًا هدى} وهم المؤمنون فعلم الله تعالى منهم الطاعة ويكرمهم بالمعرفة {وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة} أي وجب عليهم الضلالة، فخذلهم ولم يكرمهم بالتوحيد حيث علم منهم المعصية والكفر {إِنَّهُمُ اتخذوا الشياطين} يعني: لأنهم اتخذوا الشياطين {أَوْلِيَاء مِن دُونِ الله} يعني: اتخذوهم أولياء وأطاعوهم بالمعصية {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} أي يظنون أنهم على الهدى.
قال الزجاج: فيه دليل أن من لا يعلم أنه كافر وهو كافر يكون كافرًا لأن بعضهم قال: لا يكون كافرًا وهو لا يعلم.
وذلك القول باطل لأن الله تعالى قال: {وَمَا خَلَقْنَا السماء والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا باطلا ذلك ظَنُّ الذين كَفَرُواْ فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنَ النار} [ص: 27] وقال: {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ}. اهـ.

.قال ابن عطية:

الضمير في {إنهم} عائد على الفريق الذين حق عليهم الضلالة، و{أولياء} معناه: أنصارًا وأصحابًا وإخوانًا، {ويحسبون} معناه يظنون يقال: حسبت أحسب حسبانًا وحسبًا ومحسبة، قال الطبري: وهذه الآية دليل على خطأ قول من زعم أن الله تعالى لا يعذب أحدًا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلا أن يأتيها على علم منه بموضع الصواب، وقرأ العباس بن الفضل وسهل بن شعيب وعيسى بن عمر {أنهم اتخذوا} بفتح الألف. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {فريقًا هدى}
قال الفراء: نصب الفريق بـ {تعودون}.
وقال ابن الأنباري: نصب {فريقًا} و{فريقًا} على الحال من الضمير الذي في {تعودون}، يريد: تعودون كما ابتدأ خلقكم مختلفين، بعضكم سعداء، وبعضكم أشقياء.
قوله تعالى: {حق عليهم الضلالة} أي بالكلمة القديمة، والإرادة السابقة. اهـ.

.قال القرطبي:

{فَرِيقًا هدى} {فريقًا} نصب على الحال من المضمر في {تَعُودُونَ} أي تعودون فريقين: سعداء، وأشقياء.
يقوّي هذا قراءة أُبَيّ {تعودون فريقينِ فريقًا هدى وفريقًا حق عليهِم الضلالة}؛ عن الكسائي.
وقال محمد بن كعب القرظِيّ في قوله تعالى: {فَرِيقًا هدى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة} قال: من ابتدأ الله خلقه للضلالة صيّره إلى الضلالة، وإن عمِل بأعمال أهل الهدى.
ومن ابتدأ الله خلقه على الهدى صيره إلى الهدى، وإن عمِل بأعمال الضلالة.
ابتدأ الله خلق إبليس على الضلالة، وعمِل بأعمال السعادة مع الملائكة، ثم ردّه الله إلى ما ابتدأ عليه خلقه.
قال: {وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ}.
وفي هذا رد واضح على القدرية ومن تابعهم.
وقيل: {فَرِيقًا} نصب ب {هَدَى}، {وفَرِيقًا} الثاني نصب بإضمار فعل؛ أي وأضل فريقًا.
وأنشد سيبويه:
أصبحتُ لا أحمل السِّلاحَ ولا ** أملِك رأسَ البعير إن نَفَرًا

والذِّئْبُ أخشاه إن مررتُ به ** وَحْدِي وأخشَى الرياحَ والمطرا

قال الفرّاء: ولو كان مرفوعًا لجاز.
{إِنَّهُمُ اتخذوا الشياطين أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الله} وقرأ عيسى بن عمر: {أنهم} بفتح الهمزة، يعني لأنهم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {فريقًا هدى} يعني هداهم إلى الإيمان به ومعرفته ووفقهم لطاعته وعبادته {وفريقًا حق عليهم الضلالة} يعني وخذل فريقًا حتى وجبت عليهم الضلالة للسابقة التي سبقت لهم في الأزل بأنهم أشقياء وفيه دليل على أن الهدى والضلالة من الله عز وجل، ولما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص روى الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الله خلق خلقه في ظلمة فألقى عليهم من نوره فمن أصابه من ذلك النور اهتدى ومن أخطأه ضل» أخرجه الترمذي.
وقوله تعالى: {إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله} يعني أن الفريق الذي حق عليهم الضلالة اتخذوا الشياطين نصراء وأعوانًا أطاعوهم فيما أمروهم به من الكفر والمعاصي والمعنى أن الداعي الذي دعاهم إلى الكفر والمعاصي هو أنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله لأن الشياطين لا يقدرون على إضلال أحد.
وقوله: {ويحسبون أنهم مهتدون} يعني أنهم مع ضلالتهم يظنون ويحسبون أنهم على هداية وحق وفيه دليل على أن الكافر الذي يظن أنه في دينه على الحق والجاحد والمعاند في الكفر سواء. اهـ.

.قال أبو حيان:

قال الزمخشري: {فريقًا هدى} وهم الذين أسلموا أي وفّقهم للإيمان {وفريقًا حقّ عليهم الضلالة} أي كلمة الضلالة وعلم الله تعالى أنهم يضلون ولا يهتدون وانتصاب قوله تعالى: {وفريقًا} بفعل يفسره ما بعده كأنه قيل وخذل فريقًا حقّ عليهم الضلالة انتهى؛ وهي تقادير على مذهب الاعتزال، وقيل المعنى تعودون لا ناصر لكم ولا معين لقوله: {ولقد جئتمونا فرادى}، وقال الحسن: كما بدأكم من التراب يعيدكم إلى التراب، وقيل: معناه كما خلقكم عراة تبعثون عراة ومعنى {حقّ عليهم الضلالة} أي حقّ عليهم من الله أو حقّ عليهم عقوبة الضّلالة هكذا قدّره بعضهم، وجاء إسناد الهدى إلى الله ولم يجيء مقابله وفريقًا أضلّ لأنّ المساق مساق من نهي عن أن يفتنه الشيطان وإخبار أنّ الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون وأنّ الله لا يأمر بالفشحاء وأمر بالقسط وإقامة الصلاة فناسب هذا المساق أن لا يسند إليه تعالى الضّلال، وإن كان تعالى هو الهادي وفاعل الضلالة فكذلك عدل إلى قوله: {حقّ عليهم الضلالة}.
{إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون} أي إنّ الفريق الضالّ {اتخذوا الشياطين أولياء} أنصارًا وأعوانًا يتولونهم وينتصرون بهم كقول بعضهم أعل هبل أعل هبل والظاهر أن المراد حقيقة الشياطين فهم يعينونهم على كفرهم والضالّون يتولونهم بانقيادهم إلى وسوستهم، وقيل: الشياطين أحبارهم وكبراؤهم، قال الطبري: وهذه الآية دليل على خطأ قول من زعم أنّ الله تعالى لا يعذّب أحدًا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها إلاّ أن يأتيها على علم منه بموضع الصّواب انتهى، ووجه الدلالة قوله: {ويحسبون} والمحسبة الظنّ لا العلم، وقرأ العباس بن الفضل وسهل بن شعيب وعيسى بن عمر {إنهم اتّخذوا} بفتح الهمزة وهو تعليل لحقّ الضلالة عليهم والكسر يحتمل التعليل من حيث المعنى، وقال الزمخشري: أي تولّوهم بالطاعة فيما أمروهم به وهذا دليل على أنّ علم الله تعالى لا أثر له في ضلالهم وأنهم هم الضالون باختيارهم وتوليهم الشياطين دون الله تعالى انتهى، وهو على طريقة الاعتزال. اهـ.