فصل: (سورة الأعراف: الآيات 16- 17)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة الأعراف: الآيات 16- 17]

{قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ (16) ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ (17)}
{فَبِما أَغْوَيْتَنِي} فبسبب إغوائك إياى {لأقعدنّ لهم} وهو تكليفه إياه ما وقع به في الغى ولم يثبت كما ثبتت الملائكة، مع كونهم أفضل منه ومن آدم أنفسا ومناصب. وعن الأصم: أمرتنى بالسجود فحملني الأنف على معصيتك. والمعنى: فبسبب وقوعى في الغىّ لأجتهدن في إغوائهم حتى يفسدوا بسببي، كما فسدت بسببهم. فإن قلت: بم تعلقت الباء، فإن تعلقها بلأقعدنّ يصدّ عنه لام القسم، لا تقول: واللّه بزيد لأمرّنّ؟ قلت: تعلقت بفعل القسم المحذوف تقديره: فبما أغويتنى أقسم باللّه لأقعدنّ، أي فبسبب إغوائك أقسم. ويجوز أن تكون الباء للقسم، أي: فأقسم بإغوائك لأقعدنّ، وإنما أقسم بالإغواء، لأنه كان تكليفا، والتكليف من أحسن أفعال اللّه، لكونه تعريضًا لسعادة الأبد، فكان جديرًا بأن يقسم به. ومن تكاذيب المجبرة ما حكوه عن طاوس أنه كان في المسجد الحرام فجاء رجل من كبار الفقهاء يرمى بالقدر، فجلس إليه فقال له طاوس: تقوم أو تقام، فقام الرجل، فقيل له: أتقول هذا لرجل فقيه؟ فقال: إبليس أفقه منه، قال رب بما أغويتنى، وهذا يقول: أنا أغوى نفسي، وما ظنك بقوم بلغ من تهالكهم على إضافة القبائح إلى اللّه سبحانه، أن لفقوا الأكاذيب على الرسول والصحابة والتابعين. وقيل ما للاستفهام، كأنه قيل: بأى شيء أغويتنى، ثم ابتدأ لأقعدنّ. وإثبات الألف إذا أدخل حرف الجر على ما الاستفهامية، قليل شاذ. وأصل الغىّ الفساد. ومنه: غوى الفصيل، إذا بشم. والبشم: فساد في المعدة {لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ} لأعترضن لهم على طريق الإسلام كما يعترض العدوّ على الطريق ليقطعه على السابلة وانتصابه على الظرف، كقوله:
كَمَا عَسَلَ الطَّرِيقَ الثَّعْلَبُ

وشبهه الزجاج بقولهم: ضرب زيد الظهر والبطن، أي على الظهر والبطن. وعن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم «إن الشيطان قعد لابن آدم بأطرقة: قعد له بطريق الإسلام فقال له:
تدع دين آبائك، فعصاه فأسلم. ثم قعد له بطريق الهجرة فقال له: تدع ديارك وتتغرب، فعصاه فهاجر. ثم قعد له بطريق الجهاد فقال له: تقاتل فتقتل فيقسم مالك وتنكح امرأتك، فعصاه فقاتل»
{ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ} من الجهات الأربع التي يأتى منها العدوّ في الغالب. وهذا مثل لوسوسته إليهم وتسويله ما أمكنه وقدر عليه، كقوله: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ}. فإن قلت: كيف قيل {مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} بحرف الابتداء {وَعَنْ أَيْمانِهِمْ وَعَنْ شَمائِلِهِمْ} بحرف المجاوزة؟ قلت: المفعول فيه عدّى إليه الفعل نحو تعديته إلى المفعول به فكما اختلفت حروف التعدية في ذاك اختلفت في هذا، وكانت لغة تؤخذ ولا تقاس. وإنما يفتش عن صحة موقعها فقط، فلما سمعناهم يقولون: جلس عن يمينه وعلى يمينه، وعن شماله وعلى شماله، قلنا: معنى على يمينه أنه تمكن من جهة اليمين تمكن المستعلى من المستعلى عليه. ومعنى عن يمينه أنه جلس متجافيا عن صاحب اليمين منحرفا عنه غير ملاصق له. ثم كثر حتى استعمل في المتجافي وغيره، كما ذكرنا في تعالى. ونحوه من المفعول به قولهم رميت عن القوس، وعلى القوس، ومن القول، لأنّ السهم يبعد عنها، ويستعليها إذا وضع على كبدها للرمي، ويبتدئ الرمي منها. كذلك قالوا: جلس بين يديه وخلفه بمعنى فيه، لأنهما ظرفان للفعل.
ومن بين يديه ومن خلفه: لأن الفعل يقع في بعض الجهتين، كما تقول: جئته من الليل، تريد بعض الليل، وعن شقيق: ما من صباح إلا قعد لي الشيطان على أربع مراصد: من بين يدىّ، ومن خلفي، وعن يمينى، وعن شمالي: أمّا من بين يدي فيقول: لا تخف، فإن اللّه غفور رحيم، فأقرأ {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحًا} وأمّا من خلفي، فيخوّفنى الضيعة على مخلفي فأقرأ {وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُها} وأمّا من قبل يمينى، فيأتينى من قبل الثناء فأقرأ {وَالْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ} وأمّا من قبل شمالي فيأتينى من قبل الشهوات فأقرأ {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ ما يَشْتَهُونَ}. {وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شاكِرِينَ} قاله تظنينًا، بدليل قوله: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} وقيل: سمعه من الملائكة بإخبار اللّه تعالى لهم.

.[سورة الأعراف: آية 18]

{قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُمًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ (18)}
{مَذْؤُمًا} من ذأمه إذا ذمّه. وقرأ الزهري: {مذوما} بالتخفيف، مثل مسول في مسؤل.
واللام في {لَمَنْ تَبِعَكَ} موطئة للقسم. {ولَأَمْلَأَنَّ} جوابه، وهو سادّ مسدّ جواب الشرط مِنْكُمْ منك ومنهم، نغلب ضمير المخاطب، كما في قوله: {إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ}. وروى عصمة عن عاصم: {لمن تبعك}، بكسر اللام، بمعنى: لمن تبعك منهم هذا الوعيد، وهو قوله: {لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ}، على أن {لَأَمْلَأَنَّ} في محل الابتداء، {ولَمَنْ تَبِعَكَ} خبره.

.[سورة الأعراف: الآيات 19- 22]

{وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ (19) فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاَّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ (20) وَقاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ (21) فَدَلاَّهُما بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَطَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَناداهُما رَبُّهُما أَلَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ (22)}
{وَيا آدَمُ} وقلنا يا آدم. وقرئ: {هذى الشجرة}، والأصل الياء، والهاء بدل منها. ويقال: وسوس، إذا تكلم كلامًا خفيا يكرره. ومنه وسوس الحلىّ، وهو فعل غير متعدّ، كولولت المرأة ووعوع الذئب، ورجل موسوس- بكسر الواو- ولا يقال موسوس بالفتح، ولكن موسوس له، وموسوس إليه، وهو الذي تلقى إليه الوسوسة. ومعنى وسوس له: فعل الوسوسة لأجله، ووسوس إليه: ألقاها إليه {لِيُبْدِيَ} جعل ذلك غرضًا له ليسوءهما إذا رأيا ما يؤثران ستره وأن لا يطلع عليه مكشوفًا. وفيه دليل على أن كشف العورة من عظائم الأمور وأنه لم يزل مستهجنًا في الطباع مستقبحًا في العقول. فإن قلت: ما للواو المضمومة في {وروى} لم تقلب همزة كما قلت في أو يصل؟ قلت: لأن الثانية مدّة كألف وارى. وقد جاء في قراءة عبد اللّه {أورى}، بالقلب {إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ} إلا كراهة أن تكونا ملكين. وفيه دليل على أن الملكية بالمنظر الأعلى، وأن البشرية تلمح مرتبتها كلا ولا. وقرئ: {ملكين}، بكسر اللام، كقوله وَمُلْكٍ لا يَبْلى. {مِنَ الْخالِدِينَ} من الذين لا يموتون ويبقون في الجنة ساكنين. وقرئ: {من سوأتهما}، بالتوحيد. و{سوّاتهما}، بالواو المشدّدة {وَقاسَمَهُما} وأقسم لهما {إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ}. فإن قلت: المقاسمة أن تقسم لصاحبك ويقسم لك تقول: قاسمت فلانًا حالفته، وتقاسما تحالفا. ومنه قوله تعالى: {تَقاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ}. قلت: كأنه قال لهما: أقسم لكما إنى لمن الناصحين، وقالا له: أتقسم باللّه إنك لمن الناصحين، فجعل ذلك مقاسمة بينهم. أو أقسم لهما بالنصيحة وأقسما له بقبولها. أو أخرج قسم إبليس على زنة المفاعلة، لأنه اجتهد فيه اجتهاد المقاسم {فَدَلَّاهُما} فنزّلهما إلى الأكل من الشجرة {بِغُرُورٍ} بما غرهما به من القسم باللّه. وعن قتادة: وإنما يخدع المؤمن باللّه. وعن ابن عمر رضي الله عنه: أنه كان إذا رأى من عبده طاعة وحسن صلاة أعتقه، فكان عبيده يفعلون ذلك طلبًا للعتق، فقيل له: إنهم يخدعونك، فقال: من خدعنا باللّه انخدعنا له {فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ} وجدا طعمها آخذين في الأكل منها. وقيل: الشجرة هي السنبلة. وقيل: شجرة الكرم {بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما} أي تهافت عنهما اللباس فظهرت لهما عوراتهما، وكانا لا يريانها من أنفسهما، ولا أحدهما من الآخر. وعن عائشة رضي الله عنها: ما رأيت منه ولا رأى منى. وعن سعيد بن جبير: كان لباسهما من جنس الأظفار.
وعن وهب: كان لباسهما نورًا يحول بينهما وبين النظر. ويقال: طفق بفعل كذا، بمعنى جعل يفعل كذا. وقرأ أبو السمال: {وطفقا} بالفتح {يَخْصِفانِ} ورقة فوق ورقة على عوراتهما ليستترا بها، كما يخصف النعل، بأن تجعل طرقة على طرقة وتوثق بالسيور. وقرأ الحسن: {يخصفان}، بكسر الخاء وتشديد الصاد، وأصله يختصفان. وقرأ الزهري: {يخصفان}، من أخصف، وهو منقول من خصف أي يخصفان أنفسهما وقرئ: {يخصفان}، من خصف بالتشديد {مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ} قيل: كان ورق التين {أَلَمْ أَنْهَكُما} عتاب من اللّه تعالى وتوبيخ وتنبيه على الخطأ، حيث لم يتحذرا ما حذرهما اللّه من عداوة إبليس وروى: أنه قال لآدم:
ألم يكن لك فيما منحتك من شجر الجنة مندوحة عن هذه الشجرة؟ فقال: بلى وعزتك، ولكن ما ظننت أنّ أحدًا من خلقك يحلف بك كاذبًا. قال: فبعزتي لأهبطنك إلى الأرض ثم لا تنال العيش إلا كدّا. فأهبط وعلم صنعة الحديد، وأمر بالحرث فحرث وسقى وحصد وداس وذرى وطحن وعجن وخبز.

.[سورة الأعراف: آية 23]

{قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَتَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ (23)}
وسميا ذنبهما وإن كان صغيرًا مغفورًا ظلما لأنفسهما وقالا {لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ} على عادة الأولياء والصالحين في استعظامهم الصغير من السيئات، واستصغارهم العظيم من الحسنات.

.[سورة الأعراف: الآيات 24- 25]

{قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (24) قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَفِيها تَمُوتُونَ وَمِنْها تُخْرَجُونَ (25)}
{اهْبِطُوا} الخطاب لآدم وحواء وإبليس. و{بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ} في موضع الحال، أي متعادين يعاديهما إبليس ويعاديانه {مُسْتَقَرٌّ} استقرار، أو موضع استقرار وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ وانتفاع بعيش إلى انقضاء آجالكم. وعن ثابت البناني: لما أهبط آدم وحضرته الوفاة أحاطت به الملائكة، فجعلت حواء تدور حولهم، فقال لها: خلى ملائكة ربى فإنما أصابنى الذي أصابنى فيك، فلما توفى غسلته الملائكة بماء وسدر وترا، وحنطته وكفنته في وتر من الثياب، وحفروا له ولحدوا، ودفنوه بسرنديب بأرض الهند، وقالوا لبنيه: هذه سنتكم بعده.

.[سورة الأعراف: آية 26]

{يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباسًا يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (26)}
جعل ما في الأرض منزلا من السماء، لأنه قضى ثم وكتب. ومنه وَ{أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعامِ ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ} والريش لباس الزينة، استعير من ريش الطير، لأنه لباسه وزينته، أي أنزلنا عليكم لباسين: لباسا يوارى سوءاتكم، ولباسا يزينكم، لأن الزينة غرض صحيح، كما قال: {لِتَرْكَبُوها وَزِينَةً وَلَكُمْ فِيها جَمالٌ} وقرأ عثمان رضي الله عنه {ورياشًا}، جمع ريش، كشعب وشعاب {وَلِباسُ التَّقْوى} ولباس الورع والخشية من اللّه تعالى، وارتفاعه على الابتداء وخبره إمّا الجملة التي هي {ذلِكَ خَيْرٌ} كأنه قيل: ولباس التقوى هو خير، لأن أسماء الإشارة تقرب من الضمائر فيما يرجع إلى عود الذكر. وأمّا المفرد الذي هو خير وذلك صفة للمبتدإ، كأنه قيل: ولباس التقوى المشار إليه خير. ولا تحلو الإشارة من أن يراد بها تعظيم لباس التقوى، أو أن تكون إشارة إلى اللباس المواري للسوأة، لأنّ مواراة السوأة من التقوى، تفضيلا له على لباس الزينة. وقيل: لباس التقوى خبر مبتدإ محذوف، أي وهو لباس التقوى، ثم قيل: ذلك خير. وفي قراءة عبد اللّه وأبىّ: {ولباس التقوى خير}. وقيل: المراد بلباس التقوى: ما يلبس من الدروع والجواشن والمغافر وغيرها مما يتقى به في الحروب وقرئ: {ولباس التقوى} بالنصب عطفًا على {لباسًا} {وريشًا ذلِكَ مِنْ آياتِ اللَّهِ} الدالة على فضله ورحمته على عباده. يعنى إنزال اللباس {لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} فيعرفوا عظيم النعمة فيه وهذه الآية واردة على سبيل الاستطراد عقيب ذكر بدو السوءات وخصف الورق عليها، إظهارًا للمنة فيما خلق من اللباس، ولما في العرى وكشف العورة من المهانة والفضيحة، وإشعارًا بأنّ التستر باب عظيم من أبواب التقوى.

.[سورة الأعراف: آية 27]

{يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ (27)}
{لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ} لا يمتحننكم بأن لا تدخلوا الجنة، كما محن أبويكم بأنّ أخرجهما منها {يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما} حال، أي أخرجهما نازعًا لباسهما، بأنه كان سببًا في أن نزع عنهما {إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ} تعليل للنهى وتحذير من فتنته، بأنه بمنزلة العدوّ المداجى يكيدكم ويغتالكم من حيث لا تشعرون. وعن مالك بن دينار. إنّ عدوًا يراك ولا تراه، لشديد المؤنة إلا من عصم اللّه {وَقَبِيلُهُ} وجنوده من الشياطين، وفيه دليل بين أن الجنّ لا يرون ولا يظهرون للإنس، وأن إظهارهم أنفسهم ليس في استطاعتهم، وأن زعم من يدّعى رؤيتهم زور ومخرقة {إِنَّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ} أي خلينا بينهم وبينهم لم نكفهم عنهم حتى تولوهم وأطاعوهم فيما سئلوا لهم من الكفر والمعاصي، وهذا تحذير آخر أبلغ من الأول. فإن قلت: علام عطف {وقبيله}؟ قلت: على الضمير في {يراكم} المؤكد بهو، والضمير في {إنه} للشأن والحديث، وقرأ اليزيدي {وَقَبِيلُهُ} بالنصب وفيه وجهان: أن يعطفه على اسم إن، وأن تكون الواو بمعنى مع، وإذا عطفه على اسم إن وهو الضمير في أنه، كان راجعًا إلى إبليس.

.[سورة الأعراف: آية 28]

{وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ (28)}
الفاحشة: ما تبالغ في قبحه من الذنوب، أي: إذا فعلوها اعتذروا بأن آباءهم كانوا يفعلونها فاقتدوا بهم وبأنّ اللّه تعالى أمرهم بأن يفعلوها. وكلاهما باطل من العذر لأن أحدهما تقليد والتقليد ليس بطريق العلم. والثاني افتراء على اللّه وإلحاد في صفاته، كانوا يقولون: لو كره اللّه منا ما نفعله لنقلنا عنه. وعن الحسن: إن اللّه تعالى بعث محمدًا صلى اللّه عليه وسلم إلى العرب وهم قدرية مجبرة يحملون ذنوبهم على اللّه. وتصديقه قول اللّه تعالى: {وَإِذا فَعَلُوا فاحِشَةً قالُوا وَجَدْنا عَلَيْها آباءَنا وَاللَّهُ أَمَرَنا بِها قُلْ إِنَّ اللَّهَ لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ} لأنّ فعل القبيح مستحيل عليه لعدم الداعي ووجود الصارف، فكيف يأمر بفعله {أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ ما لا تَعْلَمُونَ} إنكار لإضافتهم القبيح إليه وشهادة على أن مبنى قولهم على الجهل المفرط.
وقيل: المراد بالفاحشة: طوافهم بالبيت عراة.