فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ (29) فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (30)}
أخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {قل أمر ربي بالقسط} قال: بالعدل {وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد} قال: إلى الكعبة حيث صليتم في كنيسة أو غيرها {كما بدأكم تعودون} قال: شقي أو سعيد.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله: {وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون} يقول: اخلصوا له الدين كما بدأكم في زمان آدم حيث فطرهم على الإِسلام يقول: فادعوه كذلك لا تدعوا لها غيره وأمرهم أن يخلصوا له الدين والدعوة والعمل، ثم يوجهوا وجوههم إلى البيت الحرام.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {كما بدأكم تعودون...} الآية. قال: إن الله بدأ خلق بني آدم مؤمنًا وكافرًا، كما قال: {هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن} [التغابن: 2] ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم مؤمنًا وكافرًا.
وأخرج ابن جرير عن جابر في الآية قال: يبعثون على ما كانوا عليه، المؤمن على إيمانه والمنافق على نفاقه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {كما بدأكم تعودون} {فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الضلالة}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن محمد بن كعب في قوله: {كما بدأكم تعودون} قال: من ابتدأ الله خلقه على الهدى والسعاده صيره إلى ما ابتدأ عليه خلقه، كما فعل بالسحرة ابتدأ خلقهم على الهدى والسعادة حتى توفاهم مسلمين، وكما فعل بإبليس ابتدأ خلقه على الكفر والضلالة وعمل بعمل الملائكة فصيره الله إلى ما ابتدأ خلقه عليه من الكفر. قال الله تعالى: {وكان من الكافرين} [البقرة: 34].
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {كما بدأكم تعودون} يقول: كما خلقناكم أول مرة كذلك تعودون.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن جرير وابن المنذر عن الحسن في قوله: {كما بدأكم تعودون} قال: كما بدأكم ولم تكونوا شيئًا فأحياكم، كذلك يميتكم ثم يحييكم يوم القيامة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الربيع بن أنس في قوله: {كما بدأكم تعودون} قال: خلقهم من التراب وإلى التراب يعودون. قال: وقيل في الحكمة: ما فخر من خلق من التراب وإلى التراب يعود، وما تكبر من هو اليوم حي وغدًا يموت، وأن الله وعد المتكبرين أن يضعهم ويرفع المستضعفين. فقال: {منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى} [طه: 55] ثم قال: {فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الضلالة إنهم اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ويحسبون أنهم مهتدون}.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {كما بدأكم تعودون} قال: إن تموتوا يحسب المهتدي أنه على هدى ويحسب الغني أنه على هدى، حتى يتبين له عند الموت وكذلك تبعثون يوم القيامة.
وذلك قوله: {ويحسبون أنهم مهتدون}.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن سعيد بن جبير {كما بدأكم تعودون} قال: كما كتب عليكم تكونون {فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الظلالة}.
وأخرج أبو الشيخ عن عمر بن أبي معروف قال: حدثني رجل ثقة في قوله: {كما بدأكم تعودون} قال: قلفًا بظرا.
وأخرج أبو الشيخ عن مقاتل بن وهب العبدي. أن تأويل هذه الآية {كما بدأكم تعودون} تكون في آخر هذه الأمة.
وأخرج البخاري في الضعفاء عن عبد الغفور بن عبد العزيز بن سعيد الأنصاري عن أبيه عن جده «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى يمسخ خلقًا كثيرًا، وإن الإِنسان يخلو بمعصيته فيقول الله تعالى استهانة بي، فيمسخه ثم يبعثه يوم القيامة إنسانًا يقول: {كما بدأكم تعودون} ثم يدخله النار». اهـ.

.فوائد بلاغية:

قال الصابوني:
البلاغة:
1- {حَرَجٌ مِّنْهُ} أي ضيق من تبليغه فهو على حذف مضاف مثل {وَسْئَلِ القرية} [يوسف: 82].
2- {مِّن رَّبِّكُمْ} التعرض لوصف الربوبية مع الإِضافة لضمير المخاطبين لمزيد اللطف بهم وترغيبهم في امتثال الأوامر.
3- {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} بين {ثَقُلَتْ} و{خَفَّتْ} طباقٌ وكذلك بين {بَيَاتًا} و{قَائِلُونَ} لأن البيات معناه ليلًا و{قَائِلُونَ} معناه نهارًا وقت الظهيرة.
4- {خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} هو على حذف مضاف أي خلقنا أباكم وصورنا أباكم.
5- {لأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ المستقيم} استعار الصراط المستقيم لطريق الهداية الموصلإلى جنان النعيم.
6- {وَيَاءَادَمُ} فيه إيجاز بالحذف أي وقلنا يا آدم.
7- {وَلاَ تَقْرَبَا هذه الشجرة} عبَّر عن الأكل بالقرب مبالغة في النهي عن الأكل منها.
8- {وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا} أكد الخبر بالقسم وبإِنَّ واللام لدفع شبهة الكذب وهو من الضرب الذي يسمى إنكاريًا لأن السامع متردّد.
9- {فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ} بين الجملتين طباقٌ وهو من المحسنات البديعية. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
في نصب {فريقًا} وجهان:
أحدهما: أنَّهُ مَنْصُوبٌ بـ {هَدَى} بعده، و{فريقًا} الثَّانِي منصوب بإضمار فعل يفسِّرهُ قوله: {حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة} من حيثُ المعنى والتَّقديرُ: وأضلَّ فريقًا حقّ عليهم.
قال القُرْطُبِيُّ: وأنشد سيبويه: [المنسرح]
أصْبَحْتُ لا أحْمِلُ السِّلاحَ وَلاَ ** أمْلِكُ رَأسَ البَعِير إنْ نَفَرَا

والذِّئْبُ أخْشَاهُ إذْ مَرَرْتُ بِهِ ** وَحْدِي وأخْشَى الرِّيَاحَ والمَطَرا

قال الفرَّاءُ: ولو كان مرفوعًا لجاز، وقدَّره الزمخشريُّ: وخذل فريقًا لأجل مَذْهَبِهِ.
والجملتان الفعليتان في محلِّ نصب على الحال من فاعل {بَدَأكُمْ} أي: بَدَأكُم حال كَوْنِهِ هاديًا فريقًا ومُضِلًا آخر.
و{قد} مضمرة عند بعضهم، ويجوزُ على هذا الوجه أيضًا أن تكون الجملتان الفعليَّتان مستأنفتْينِ، فالوقف على يعودون على هذا الإعراب تام، بخلاف ما إذا جعلتهما حالين، فالوقف على قوله: {الضَّلالة}.
الوجه الثاني: أن ينتصب {فريقًا} على الحال من فاعل {تَعُودُونَ} أي: تعودون فريقًا مَهْدِيًّا، وفريقًا حاقًّا عليه الضلاة، وتكون الجملتان الفعليَّتان على هذا في محل نصب على النَّعت لـ {فريقًا} و{فريقًا}، ولابد حينئذٍ من حذف عائدٍ على الموصوف من {هدى} أي: فريقًا هداهم، ولو قدَّرته هَدَاهُ بلفظ الإفراد لجاز، اعتبارًا بلفظ فَرِيق، إلاَّ أنَّ الأوَّل أحسن لمناسبة قوله: {وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ}، والوقف حينئذ على قوله، {الضَّلالَةُ}، ويؤيِّد إعرابه حالًا قراءة أبي بن كعب: {تعُودُون فريقين فريقًا هدى وفريقًا حقَّ عليهم الضَّلالة} فـ {فريقين} نُصب على الحَالِ، و{فريقًا} وفريقًا بدل، أو منصوب بإضمار أعني على القطع، ويجوز أن ينتصب {فريقًا} الأول على الحال من فاعل {تعودون} و{فريقًا} الثاني نصب بإضمار فعل يفسره {حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة} كما تقدَّم تحقيقه في كل منهما.
وهذه الأوجه كلها ذكرها ابن الأنباري، فإنَّهُ قال كلامًا حسنًا، قال- رحمه الله-: انتصب فريقًا وفريقًا على الحال من الضَّميرِ الذي في {تعودون}، يريدُ: تعودون كما ابتدأ خلقكم مختلفين، بعضكم أشْقِيَاء وبعضكم سعداء، فاتصل فريقٌ وهو نكرة بالضَّمِير الذي في {تَعُودُونَ} وهو معرفة فقُطِع عن لَفْظِهِ، وعُطف الثاني عليه.
قال: ويجوز أن يكون الأوَّل منصوبًا على الحال من الضَّمير، والثاني منصوبٌ بـ {حَقَّ عَلَيْهِمُ الضلالة}؛ لأنَّهُ بمعنى أضلَّهم، كما يقول القائل عبد الله أكرمته، وَزَيْدًا أحسنت إليه فينتصب زيدًا بأحْسَنْتُ إلَيْه بمعنى نَفَعْته؛ وأنشد: [الوافر]
أثَعْلَبَةَ الفَوَارِسِ أمْ رِيَاحًا ** عَدَلْتَ بِهِمْ طُهَيَّةَ والخِشَابَا

نصب ثعلبة بعدلت بهم طهية؛ لأنه بمعنى أهَنْتَهم أي: عدلت بهم من هو دُونَهُم، وأنشد أيضًا قوله: [الكامل]
يَا لَيْتَ ضَيْفَكُمُ الزُّبَيْرَ وَجَارَكُمْ ** إيَّايَ لَبَّسَ حَبْلَهُ بِحِبَالِي

فنصب إيَّاي بقوله: لَبَّس حبله بحبالي، إذ كان معناه خالطني وقصدني.
قال شهابُ الدِّين: يريدُ بذلك أنَّهُ منصوبٌ بفعلٍ مقدر من معنى الثاني لا من لفظه، هذا وجه التَّنْظِير.
وإلى كون {فَرِيقًا} منصوبًا بـ {هَدَى} و{فريقًا} منصوبًا بـ {حقَّ} ذهب الفراء، وجعله نظير قوله تعالى: {يُدْخِلُ مَن يَشَاءُ فِي رَحْمَتِهِ والظالمين أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} [الإنسان: 31].
قوله: {إنَّهُمُ اتَّخَذُوا} جار مجرى التَّعليل، وإنْ كان استئنافًا لفظًا، ويدلُّ على ذلك قراءة عيسى بن عمر، والعبّاس بن الفضل، وسهل بن شعيب {أنَّهُمُ} بفتح الهمزة، وهي نص في العِلِّيِّة أي: حَقَّتْ عليهم الضلالة لاتِّخاذهم الشياطين أولياء، ولم يُسند الإضلال إلى ذَاتِهِ المقدَّسَةِ، وإن كان هو الفاعل لها تَحْسِينًا للفظ وتعليمًا لعباده الأدَبِ، وعليه: {وعلى الله قَصْدُ السبيل وَمِنْهَا جَائِرٌ} [النحل: 9]. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلاَلَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الله وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُّهْتَدُونَ}.
من كانت قِسمتُه سبحانه له بالسعادة كانت فطرته على السعادة، وكانت حالته بنعت السعادة، ومن كانت حالته بنعت السعادة كانت عاقبته إلى السعادة، ومن كانت القسمة له بالعكس فالحالة بالضد، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان بحالةٍ لقي الله بها».
وجملة العلم بالقضاءِ والقَدَرِ أن يتحقق أنه علم ما يكون أنه كيف يكون، وأراد أن يكون كما علم. وما علم ألا يكون- مما جاز أن يكون أراده ألا يكون- أخبر أنه لا يكون. وهو على وجه الذي أخبر، وقضى على العبد وقدَّر أجرى عليه ما سبق به الحكم، وعلى ما قضى عليه حصل العبد على ذلك الوصف. اهـ.

.من فوائد البيضاوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَقَاسَمَهُمَا إِنّي لَكُمَا لَمِنَ الناصحين} أي أقسم لهما على ذلك، وأخرجه على زنة المفاعلة للمبالغة. وقيل أقسما له بالقبول. وقيل أقسما عليه بالله أنه لمن الناصحين فأقسم لهما فجعل ذلك مقاسمة.