فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)}.
أخرج ابن جرير عن ابن مسعود في قوله: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض} قال: الفساد هو الكفر والعمل بالمعصية.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} قال: إذا ركبوا معصية فقيل لهم لا تفعلوا كذا، قالوا إنما نحن على الهدى.
وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إنما نحن مصلحون} أي إنما نريد الإِصلاح بين الفريقين من المؤمنين، وأهل الكتاب.
وأخرج وكيع وابن جرير وابن أبي حاتم عن عباد بن عبدالله الأسدي قال: قرأ سلمان هذه الآية: {وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون} قال: لم يجئ أهل هذه الآية بعد. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
إذا ظرف زمان مستقبل ويلزمها معنى الشرط غالبًا، ولا تكون إلاّ في الأمر المحقق، أو المرجح وقوعه، فلذلك لم تجزم إلا في شِعْرٍ؛ لمخالفتها أدوات الشرط؛ فإنها للأمر المحتمل، فمن الجزم قوله: البسيط:
تَرْفَعُ لي خِنْدِفٌ واللهُ يَرْفَعُ لِي ** نَارًا إِذَا خَمَدَتْ نِيرَانُهُمْ تَقِدِ

وقال آخر: الكامل:
وَاسْتَغْنِ مَا أَغْنَاكَ رَبُّكَ بِالغِنَى ** وَإِذّا تُصِبْكَ خَصَاصَةٌ فَتَجَمَّلِ

وقال الآخر: الطويل:
إِذَا قَصُرَتْ أَسْيَافُنَا كَانَ وَصْلُهَا ** خُطَانَا إِلَى أَعْدَائِنَا فَنُضَارِبِ

فقوله: فَنُضَارب مجزوم لعطفه على محل قوله: كان وصلها.
وقال الفرزدق: الطويل:
فَقَامَ أَبُو لَيْلَى إِلَيْهِ ابْنُ ظَالِمِ ** وَكَانَ إذَا مَا يَسْلُلِ السَّيْفَ يَضْرِبِ

وقد تكون للزمن الماضي كإذ كما قد تكون إذ للمستقبل كإذا.
فمن مجيء إذا ظرفًا لما مَضَى من الزمان واقعةً موقع إذ قوله تعالى: {وَلاَ عَلَى الذين إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لاَ أَجِدُ} [التوبة: 92]، وقوله: {وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفضوا إِلَيْهَا} [الجمعة: 11]، قال به ابن مالك، وبعض النحويين.
ومن مجيء إذ ظرفًا لما يستقبل من الزمان قوله تعالى: {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ الأغلال في أَعْنَاقِهِمْ} [غافر: 70].
وتكون للمفاجأة أيضًا، وهل هي حينئذ باقية على زمانيتها، أو صارت ظرف مكان أو حرفًا؟
ثلاثة أقوال: أصحُّها الأول استصحابًا للحال، وهل تتصرف أم لا؟
الظاهر عدم تصرفها، واستدلّ من زعم تصرفها بقوله تعالى في قراءة من قرأ: {إِذَا وَقَعَتِ الواقعة لَيْسَ لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ خَافِضَةٌ رَّافِعَةٌ إِذَا رُجَّتِ الأرض رَجًّا} [الواقعة: 1- 4] بنصب {خافضة رافعة} فجعل {إذا} الأولى مبتدأ، والثانية خبرها.
والتقدير: وَقْتُ وقوع الواقعة رجّ الأرض، وبقوله: {حتى إِذَا جَاءُوهَا} [الزمر: 71]، و{حتى إِذَا كُنتُمْ} [يونس: 22] فجعل {حتى} حرف جر، و{إذا} مجرورة بها، وسيأتي تحقيق ذلك في مواضع.
ولا تُضَاف إلاَّ الجُمَلِ الفعلية خلافًا للأخفش.
وقوله: {قيل} فعل ماضٍ مبني للمفعول، وأصله: قَوَلَ كضرب، فاستثقلت الكسرة على الواو، فنقلت إلى القاف بعد سَلْبِ حركتها، فسكنت الواو بعد كسرة، فقلبت ياء، وهذه أفصح اللغات، وفيه لغة ثانية، وهي الإشمام، والإشمام عبارة عن جعل الضّمة بين الضم والكَسْرِ.
ولغة ثالثة وهي: إخلاص الضم، نحو: قُولَ وبُوعَ، قال الشاعر: الرجز:
لَيْتَ وَهَلْ يَنْفَعُ شَيْئًا لَيْتَ ** لَيْتَ شَبَابًا بُوعَ فَاشْتَرَيْتُ

وقال الآخر: الرجز:
حُوكَتْ عَلَى نَوْلَيْنِ إذْ تُحَاكُ ** تَخْتَبِطُ الشَّوْكَ وَلاَ تُشَاكُ

وقال الأخفش: ويجوز قُيُل بضم القاء والياء، يعني مع الياء؛ لأن الياء تضم أيضًا.
وتجيء هذه اللغات الثلاث في اختار وانقاد، وردّ وحَبَّ ونحوها، فتقول: اختير بالكسر، والإِشْمَام، واختور، وكذلك: انقيد، وانقود، ورَدَّ، ورِدَّ، وأنشدوا: الطويل:
وَمَا حِلُّ مِنْ جَهْلٍ حُبَا حُلَمَائِنَا ** وَلاَ قَائِلُ المَعْرُوفِ فِينَا يُعَنَّفُ

بكسر حاء حل.
وقرئ: {وَلَوْ رِدُّوا} [الأنعام: 28] بكسر الراء.
والقاعدة فيما لم يسم فاعله أن يُضَمّ أول الفعل مطلقًا؛ فإن كان ماضيًا كسر ما قبل آخره لفظًا نحو: ضرب، أو تقديرًا نحو: قيل، واختير.
وقد يضم ثاني الماضي أيضًا إذا افتتح بتاء مُطَاوعة نحو: تُدُحْرج الحجر، وثالثه إن افتتح بهمزة وصل نحو: انْطُلِقَ بزيد واعلم أن شرط جواز اللغات الثلاث في قيل، وغيض، ونحوهما ألا يلتبس، فإن التبس عمل بمقتضى عدم اللَّبْس، هكذا قال بعضهم، وإن كان سيبويه قد أطلق جواز ذلك، وأشَمّ الكسائي: {قِيلَ} [البقرة: 11]، {وَغِيضَ} [هود: 44]، {وَجِيءَ} [الزمر: 69]، {وَحِيلَ} [سبأ: 54] {وَسِيقَ الذين} [الزمر: 71] و{سياء بِهِمْ} [هود: 77]، و{سِيئَتْ وُجُوهُ} [الملك: 27]، وافقه هشام في الجميع، وابن ذكوان في {حِيْل} وما بعدها، ونافع في {سيء} و{سيئت} والباقون بإخلاص الكسر في الجميع.
والإشْمَام له معان أربعة في اصطلاح القراء سيأتي ذلك في قوله: {لاَ تَأْمَنَّا} [يوسف: 11] إن شاء الله تعالى.
و{لهم} جار ومجرور متعلّق ب {قيل} واللام للتبليغ، ولا حرف نهي يجزم فعلًا واحدًا، و{تفسدوا} مجزوم بها، وعلامة جزمه حذف النون؛ وعلامة جزمه حذف النون؛ لأنه من الأمثلة الخمسة.
و{في الأرض} متعلّق به، والقائم مقام الفاعل هو الجُمْلَةُ من قوله: {لا تفسدوا} لأنه هو القول في المعنى، واختاره الزمخشري.
والتقدير: وإذا قيل لهم هذا الكلام، أو هذا اللّفظ، فهو من باب الإسناد اللَّفْظي.
وقيل: القائم مقام الفاعل مضمر، تقديره: وإذا قيل لهم هو، ويفسّر هذا المضمر سياق الكلام كما فسّره في قوله: {حتى تَوَارَتْ بالحجاب} [ص: 32].
والمعنى؟: وإذا قيل لهم قول سديد؛ فأضمر هذا القول الموصوف، وجاءت الجملة بعده مفسّرة، فلا موضع لها من الإعراب، فإذا أمكن الإسناد المعنوي لم يعدل إلى اللَّفْظِيّ، وقد أمكن ذلك بما تقدّم.
وهذا القول سبقه إليه أبو البَقَاءِ، فإنه قال: والمفعول القائم مَقَام الفاعِلِ مصدر، وهو القول، وأضمر لأن الجملة بعد تفسّره، ولا يجزز أن يكون {لا تفسدوا} قائمًا مقام الفاعل؛ لأن الجملة لا تكون فاعلًا، فلا تقوم مقام الفاعل.
وقد تقدم جواب ذلك من أن المعنى: وإذا قيل لهم هذا اللفظ، ولا يجوز أن يكون {لهم} قائم مقام الفاعل إلاَّ في رأي الكوفيين والأخفش، إذ يجوز عندهم إقامة غير المفعول به مع وجوده.
وتلخصّ من هذا:
أنَّ جملة قوله: {لا تفسدوا} في مَحَلّ رفع على قول الزَّمخشري، ولا محلّ لها على قول أبي البَقَاءِ ومن تبعه، والجملة من قوله: {قيل} وما في حَيّزه في محل خفضٍ بإضافة الظرف إليه.
والعامل في {إذا} جوابها، وهو {قالوا} والتقدير: قالوا: {إنما نحن مصلحون} وقت قول القائم لهم: لا تفسدوا.
وقال بعضهم: الذي نختاره أن الجُمْلَةَ الَّتي بعدها وتليها ناصبة لها، وأنَّ ما بعده ليس في مَحَلّ خَفْضٍ بالإضافة؛ لأنها أداة شرط، فحكمها حكم الظروف التي يُجَازى بها، فكما أنك إذا قلت: متى تَقُمْ أَقُمْ كان متى منصوبًا بفعل الشرط، فكذلك إذا قال هذا القائل.
والذي يفسد مذهب الجمهور جواز قولك: إذا قمت فعمرو قائم ووقوع: إذا الفُجَائية جوابًا لها، وما بعد الفاء.
وإذا الفجائية لا يعمل ما بعدها فيما قبلها، وهو اعتراض ظاهر.
وقوله: {إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ} إنَّ حرف مكفوف بما الزائدة عن العمل، ولذلك تليها الجملة مطلقًا، وهي تفيد الحَصْرَ عند بعضهم.
وأبعد من زعم أنّ إنما مركبة من إن التي للإثبات، وما التي للنفي، وأنّ بالتركيب حدث معنى يفيد الحَصْرَ.
واعلم أن إن وأخواتها إذا وَلِيْتَهَا ما الزائدة بطل عملها، وذهب اختصاصها بالأسماء كما مرَّ، إلا لَيْتَ فإنه يجوز فيها الوجهان سماعًا، وأنشدوا قول النابعة: البسيط:
قَالَتْ أَلاَ لَيْتَمَا هَذَا الحَمَامُ لَنَا ** إِلَى حَمَامَتِنَا وَنِصْفهُ فَقَدِ

برفع الحَمَام ونصبه، فأما إهمالها فلبقاء اختصاصها، وأمّا إهمالها فلحملها على أَخَوَاتِهَا، على أنه قد روي عن سيبويه في البيت أنها معملة على رواية الرفع أيضًا، بأن تجعل ما موصولة بمعنى الذي، كالتي في قوله تعالى: {إِنَّمَا صَنَعُواْ كَيْدُ سَاحِرٍ} [طه: 69] وهذا خبر مبتدأ محذوف هو العائد، والحَمَام نعت لهذا، ولنا خبر لليت، وحُذِفَ العائد وإن لم تَطُل الصلة.
والتقدير: ألا ليت الذي هو هذا الحمام كَائِنٌ لنا، وهذا أولى من أن يدعي إهمالها، لأن المقتضى للإعمال- وهو الاختصاص- باقٍ.
وزعم بعضهم أنّ ما الزائدة إذا اتَّصلت بإنَّ وأخواتها جاز الإعمال في الجميع.
ونحن مبتدأ، وهو ضمير مرفوع منفصل للمتكلم، ومن معه أو المعظّم نفسه، ومصلحون خبره، والجملة في محل نَصْبٍ، لأنها محكية بقالوا.
والجملة الشرطية وهي قوله: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ} عطف على صلة {من} وهي {يقول} أي: ومن النَّاس من يقول، ومن النَّاس من إذا قيل لهم: لا تفسدوا في الأرض قالوا: وقيل: يجوز أن تكون مستأنفةً، وعلى هذين القولين، فلا مَحَلّ لها من الإعراب لما تقدم، ولكنها جزء كلام على القول الأول، وكلام مستقل على القول الثاني، وأجاز الزمخشري وأبو البقاء أن تكون معطوفةً على {يكذبون} الواقع خبرًا ل {كانوا} فيكون محلّها النصب.
وردّ بعضهم عليهما بأن هذا الذي أجازاه على أَحَدِ وجهي {ما} من قوله: {بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة: 10] خطأ، وهو: أن تكون موصولةً بمعنى {الذي} إذْ لا عائد فيها يعود على {ما} المَوْصُولة، وكذلك إذا جعلت مصدريةً، فإنها تفتقر إلى العائد عند الأَخْفَشِ، وابن السراج.
والجواب عن هذا أنهما لا يُجِيْزَانِ ذلك ألا وهما يعتقدان {ما} موصولة حرفية.
وأما مذهب الأخفش وابن السراج فلا يلزمهما القول به، ولكنه يُشَكِلُ على أبي البَقَاءِ وحدهن فإنه يستضعف كون {ما} مصدرية كما تقدم.
فصل في أوجه ورود لفظ الفساد:
ورد لفظ الفساد على ثلاثة أوجه:
الأول: بمعنى العِصْيَان كهذه الآية.
الثاني: بمعنى الهَلاَكِ قال تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا ءَالِهَةٌ إِلاَّ الله لَفَسَدَتَا} [الأنبياء: 22] أي: أهلكتا.
الثالث: بمعنى السحر قال تعالى: {إِنَّ الله لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ المفسدين} [يونس: 81].
وقوله: {ألا إِنَّهُمْ هُمُ المفسدون} ألا حرف تنبيه، واستفتاح، وليست مركّبة من همزة الاستفهام ولا النافية، بل هي بَسِيطَةٌ، ولكنها لفظ مشترك بين التَّنبيه والاستفتاح، فتدخل على الجُمْلَة اسميةً كانت أو فعليةً، وبين العرض والتخصيص، فتختصّ بالأفعال لفظًا أو تقديرًا، وتكون النافية للجنس دخلت عليها همزة الاستفهام، ولها أحكام تقدّم بعضها عند قوله تعالى: {لاَ رَيْبَ فِيهِ} [البقرة: 2]، وتكون للتَّمَنِّي، فتجري مجرى ليت في بعض أحكامها.
وأجاز بعضهم أن تكون جوابًا بمعنى بَلَى يقول القائل: ألم يقل زيد؟ فتقول: ألا بمعنى: بلى قد قام وهو غريب.
وإنّهم إنّ واسمها، وهم تحتمل ثلاثة وجه:
أحدها: أن تكون تأكيدًا لاسم إنَّ؛ لأن الضمير المنفصل المرفوع يجوز أن يؤكد به جميع ضروب الضَّمير المتصل.
وأن تكون فصلًا، وأن تكون مبتدأ.
و{المفسدون} خبره، والجملة خبر بإن.
وعلى القولين الأوّلين يكون {المفسدون} وحده خبرًا لإن، وجيء في هذه الجملة بضروب من التأكيد منها: الاستفتاح والتنبيه، والتَّأكيد بإن، والإتيان بالتأكيد، والفَصْل بالضَّمير، وبالتعريف في الخبر مبالغةً في الرد عليهم فيما ادّعوا من قولهم: {إنما نحن مُصْلِحُون}؛ لأنهم أخرجوا الجواب جملةً اسميةً مؤكدةً ب {إنما} ليدلّوا بذلك على ثُبُوت الوَصْفِ لهم، فرد الله عليهم بأبلغ وآكد مما ادعوه.
وقوله: {ولكن لاَّ يَشْعُرُونَ} الواو عاطفة لهذه الجملة على ما قبلها.
و{لكن} معناها الاستدراك، وهو معنى لا يُفَارقها، وتكون عاطفةً في المفردات، ولا تكون إلاّ بين ضدّين، أو نقيضين، وفي الخلافين خلاف، نحو: ما قام زيد لكن خرج بكر، واستدلّ بعضهم على ذلك بقوله طَرَفَةَ: الطويل:
وَلَسْتُ بِحَلاَّلِ التِّلاَعِ لِبَيْتِهِ ** وَلَكِنْ مَتَى يَسْتَرْفِدِ القَوْمَ أرفِدِ

فقوله: متى يسترفد القوم أرفد ليس ضدًّا ولا نقيضًا لما قبله، ولكنه خلافه.
قال بعضهم: وهذا لا دليل فيه على المدّعى، لأن قوله: لستُ بحلاّل التِّلاعِ لبيته كنايةٌ عن نفي البُخْلِ أي: لا أحلّ التِّلاَع لأجل البُخْل.
وقوله: متى يسترفد القوم أرفد كناية عن الكَرَمِ، فكأنه قال: لست بخيلًا ولكن كريمًا، فهي- هاهنا- واقعة بين ضدّين.
ولا تعمل مخففة خلافًا ليونس، ولها أحكام كثيرة.
ومعنى الاسْتِدْرَاك في هذه الآية يحتاج إلى تأمل ونظر، وذلك أنهم لما نهوا عن اتخاذ مثل ما كانوا يتعاطونه من الإفساد، فقابلوا ذلك بأنهم مصلحون في ذلك، وأخبر- تعالى- بأنهم هم المفسدون كانوا حقيقين بأن يعملوا أن ذلك كما أخبر- تعالى- وأنهم لا يدعون بأنهم مصلحون، فاستدرك عليهم هذا المعنى الذي فَاتَهُمْ من عدم الشعور بذلك.
ومثله قولك: زيد جاهل، ولكن لا يعلم، وذلك لأنه من حيث اتّصف بالجهل، وصار الجهل وصفًا قائمًا به كان ينبغي أن يعلم بهذا الوَصْف من نفسه؛ لأن الإنسان له أن يعلم ما اشتملت عليه نفسه من الصفات، فاستدركت عليه أنَّ هذا الوصف القائم له به لا يعلمه مُبَالغة في جهله.
ومفعول {يشعرون} محذوف: إمّا حذف اختصار، أي: لا يشعرون بأنهم مفسدون، وإما حذف اقتصار، وهو الأحسن، أي: ليس لهم شعور ألبتة. اهـ. باختصار يسير.