فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
وقوله: {وأنْ تُشْرِكُوا} منصوب المحلِّ نسقًا على مفعول {حرَّم} أي: وحرّم إشراككم عليكم، ومفعول الإشراك {مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا} وقد تقدَّم بيانه في الأنعام، تهكَّم بهم؛ لأنَّهُ لا يجوز أن ينزل برهانًا أن يُشْرَكَ به غيره.
قوله: {وَأَن تَقُولُواْ عَلَى الله} نسق على ما قبله أي: وحرّم قولكم عليه من غير علم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (33)}
ما ظهر منها الزَّلَّة، وما بطن منها الغفلة.
ويقال ما ظهر منها كان بنسيان الشريعة، وما بطن بإشارة الحقيقة.
ويقال لقومٍ تركُ الرخص يكون علة، والأوْلى بهم والأفضل لهم الأخذ به. وقومٌ لو ركنوا إلى الرُّخص لقامت عليهم القيامة.
ويقال فاحشة الخواص تتبع ما لأنفسهم فيه نصيب ولو بذرة ولو بذرة أو سِنَّة.
ويقال فاحشة الأحبابِ الصبر على المحبوب.
ويقال فاحشةُ الأحبابِ أن تبقى حيًّا وقد منيت بالفراق، قال قائلهم:
لا عيش بعد فراقهم ** هذا هو الخطب الأَجَلُّ

ويقال فاحشة قومٍ أن يلاحظوا غيرًا بعين الاستحقاق، قال قائلهم:
يا قُرَّةَ العين سَلْ عيني هل اكتحلت ** بمنظر حسنٍ مذ غبت عن عيني؟

ويقال فاحشة قوم أن تبقى لهم قطرةُ من الدمع ولم يسكبوها للفرقة، أو يبقى لهم نَفَسٌ لم يَتَنَفُّسوا به في حسرة، وفي معناه أنشدوا:
لئن بقِيَتْ في العين منِّي دمعةٌ ** فإني إذًا في العاشقين دخيلُ

. اهـ.

.قال ابن القيم:

قوله تعالى: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله مالا تعلمون}
وهذا دليل على أنها فواحش في نفسها لا تستحسنها العقول فتعلق التحريم بها لفحشها فإن ترتيب الحكم على الوصف المناسب المشتق يدل على أنه هو العلة المقتضية له وهذا دليل في جميع هذه الآيات التي ذكرناها فدل على أنه حرمها لكونها فواحش وحرم الخبيث لكونه خبيثا وأمر بالمعروف لكونه معروفا والعلة يجب أن تغاير المعلول فلو كان كونه فاحشة هو معنى كونه منهيا عنه وكونه خبيثا هو معنى كونه محرما كانت العلة عين المعلول وهذا محال فتأمله وكذا تحريم الإثم والبغي دليل على أن هذا وصف ثابت له قبل التحريم ومن هذا قوله تعالى: {ولا تقربوا الزنا إنه كان فاحشة وساء سبيلا} فعلل النهي في الموضعين بكون المنهي عنه فاحشة ولو كان جهة كونه فاحشة هو النهي لكان تعليلا للشيء بنفسه ولكان بمنزلة أن يقال لا تقربوا الزنا فإنه يقول لكم لا تقربوه أو فإنه منهي عنه وهذا محال من وجهين أحدهما أنه يتضمن إخلاء الكلام من الفائدة والثاني أنه تعليل للنهي بالنهي ومن ذلك قوله تعالى: {ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين} فأخبر تعالى أن ما قدمت أيديهم قبل البعثة سبب لإصابتهم بالمصيبة وأنه سبحانه لو أصابهم بما يستحقون من ذلك لاحتجوا عليه بأنه لم يرسل إليهم رسولا ولم ينزل عليهم كتابا فقطع هذه الحجة بإرسال الرسول وإنزال الكتاب لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وهذا صريح في أن أعمالهم قبل البعثة كانت قبيحة بحيث استحقوا أن يصيبوا بها المصيبة ولكنه سبحانه لا يعذب إلا بعد إرسال الرسل وهذا هو فصل الخطاب.
وتحقيق القول في هذا الأصل العظيم أن القبح ثابت للفعل في نفسه وأنه لا يعذب الله عليه إلا بعد إقامة الحجة بالرسالة وهذه النكتة هي التي فاتت المعتزلة والكلابية كليهما فاستطالت كل طائفة منهما على الأخرى لعدم جمعهما بين هذين الأمرين فاستطالت الكلابية على المعتزلة بإثباتهم العذاب قبل إرسال الرسل وترتيبهم العقاب على مجرد القبح العقلي وأحسنوا في رد ذلك عليهم واستطالت المعتزلة عليهم في إنكارهم الحسن والقبح العقليين جملة وجعلهم انتفاء العذاب قبل البعثة دليلا على انتفاء القبح واستواء الأفعال في أنفسها وأحسنوا في رد هذا عليهم فكل طائفة استطالت على الأخرى بسبب إنكارها الصواب وأما من سلك هذا المسلك الذي سلكناه فلا سبيل لواحدة من الطائفتين إلى رد قوله ولا الظفر عليه أصلا فانه موافق لكل طائفة على ما معها من الحق مقرر له مخالف في باطلها منكر له وليس مع النفاة قط دليل واحد صحيح على نفي الحسن والقبح العقليين وإن الأفعال المتضادة كلها في نفس الأمر سواء لا فرق بينها إلا بالأمر والنهي وكل أدلتهم على هذا باطلة كما سنذكرها ونذكر بطلانها إن شاء الله تعالى وليس مع المعتزلة دليل واحد صحيح قط يدل على إثبات العذاب على مجرد القبح العقلي قبل بعثة الرسل وأدلتهم على ذلك كلها باطلة كما سنذكرها ونذكر بطلانها إن شاء الله تعالى ومما يدل على ذلك أيضا أنه سبحانه يحتج على فساد مذهب من عبد غيره بالأدلة العقلية التي تقبلها الفطر والعقول ويجعل ما ركبه في العقول من حسن عبادة الخالق وحده وقبح عبادة غيره من أعظم الأدلة على ذلك وهذا في القرآن أكثر من أن يذكر هاهنا ولولا أنه مستقر في العقول والفطر حسن عبادته وشكره وقبح عبادة غيره وترك شكره لما احتج عليهم بذلك أصلا وإنما كانت الحجة في مجرد الأمر وطريقة القرآن صريحة في هذا. اهـ.
وقال ابن القيم:
فصل ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الغيرة قال الله تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ}
وفي الصحيح عن أبي الأحوص عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما أحد أغير من الله ومن غيرته حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن وما أحد أحب إليه المدح من الله ومن أجل ذلك أثنى على نفسه وما أحد أحب إليه العذر من الله من أجل ذلك أرسل الرسل مبشرين ومنذرين».
وفي الصحيح أيضا من حديث أبي سلمة عن أبي هريرةرضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الله يغار وإن المؤمن يغار وغيرة الله أن يأتي العبد ما حرم عليه» وفي الصحيح أيضا أن النبي صلى اله عليه وسلم قال «أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني». ومما يدخل في الغيرة قوله تعالى: {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَسْتُورًا} قال السري لأصحابه أتدرون ما هذا الحجاب حجاب الغيرة ولا أحد أغير من الله إن الله تعالى لم يجعل الكفار أهلا لفهم كلامه ولا أهلا لمعرفته وتوحيده ومحبته فجعل بينهم وبين رسوله وكلامه وتوحيده حجابا مستورا عن العيون غيرة عليه أن يناله من ليس أهلا له والغيرة منزلة شريفة عظيمة جدا جليلة المقدار ولكن الصوفية المتأخرين منهم من قلب موضوعها وذهب بها مذهبا آخر باطلا سماه غيرة فوضعها في غير موضعها ولبس عليه أعظم تلبيس كما ستراه والغيرة نوعان غيرة من الشيء وغيرة على الشيء والغيرة من الشيء هي كراهة مزاحمته ومشاركته لك في محبوبك والغيرة على الشيءهي شدة حرصك على المحبوب أن يفوز به غيرك دونك أو يشاركك في الفوز به والغيرة أيضا نوعان غيرة العبد من نفسه على نفسه كغيرته من نفسه على قلبه ومن تفرقته على جمعيته ومن إعراضه على إقباله ومن صفاته المذمومة على صفاته الممدوحة وهذه الغيرة خاصية النفس الشريفة الزكية العلوية وما للنفس الدنية المهينة فيها نصيب وعلى قدر شرف النفس وعلو همتها تكون هذه الغيرة ثم الغيرة أيضا نوعان غيرة الحق تعالى على عبده وغيرة العبد لربه لا عليه فأما غيرة الرب على عبده فهي أن لا يجعله للخلق عبدا بل يتخذه لنفسه عبدا فلا يجعل له فيه شركاء متشاكسين بل يفرده لنفسه ويضن به على غيره وهذه أعلى الغيرتين وغيرة العبد لربه نوعان أيضا غيرة من نفسه وغيرة من غيره فالتي من نفسه أن لا يجعل شيئا من أعماله وأقواله وأحواله وأوقاته وأنفاسه لغير ربه والتي من غيره أن يغضب لمحارمه إذا انتهكها المنتهكون ولحقوقه إذا تهاون بها المتهاونون وأما الغيرة على الله فأعظم الجهل وأبطل الباطل وصاحبها من أعظم الناس جهلا وربما أدت بصاحبها إلى معاداته وهو لا يشعر وإلى انسلاخه من أصل الدين والإسلام وربما كان صاحبها شرا على السالكين إلى الله من قطاع الطريق بل هو من قطاع طريق السالكين حقيقة وأخرج قطع الطريق في قالب الغيرة وأين هذا من الغيرة لله التي توجب تعظيم حقوقه وتصفية أعماله وأحواله لله فالعارف يغار لله والجاهل يغار على الله فلا يقال أنا أغار على الله ولكن أنا أغار لله وغيرة العبد من نفسه أهم من غيرته من غيره فإنك إذا غرت من نفسك صحت لك غيرتك لله من غيرك وإذا غرت له من غيرك ولم تغر من نفسك فالغيرة مدخولة معلولة ولابد فتأملها وحقق النظر فيها فليتأمل السالك اللبيب هذه الكلمات في هذا المقام الذي زلت فيه أقدام كثير من السالكين والله الهادي والموفق المثبت.
كما حكى عن واحد من مشهوري الصوفية أنه قال لا أستريح حتى لا أرى من يذكر الله يعني غيرة عليه من أهل الغفلة وذكرهم والعجب أن هذا يعد من مناقبه ومحاسنه وغاية هذا أن يعذر فيه لكونه مغلوبا على عقله وهو من أقبح الشطحات وذكر الله على الغفلة وعلى كل حال خير من نسيانه بالكلية والألسن متى تركت ذكر الله الذي هو محبوبها اشتغلت بذكر ما يبغضه ويمقت عليه فأي راحة للعارف في هذا وهل هو إلا أشق عليه وأكره إليه وقول آخر لا أحب أن أرى الله ولا أنظر إليه فقيل له كيف قال غيرة عليه من نظر مثلي فانظر إلى هذه الغيرة القبيحة الدالة على جهل صاحبها مع أنه في خفارة ذله وتواضعه وانكساره واحتقاره لنفسه ومن هذا ما يحكى عن الشبلي أنه لما مات ابنه دخل الحمام ونور لحيته حتى أذهب شعرها كله فكل من أتاه معزيا قال إيش هذا يا أبا بكر قال وافقت أهلي في قطع شعورهم فقال له بعض أصحابه أخبرني لم فعلت هذا فقال علمت أنهم يعزونني على الغفلة ويقولون آجرك الله ففديت ذكرهم لله على الغفلة بلحيتي فانظر إلى هذه الغيرة المحرمة القبيحة التي تضمنت أنواعا من المحرمات حلق الشعر عند المصيبة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ليس منا من حلق وسلق وخرق أي حلق شعره ورفع صوته بالندب والنياحة وخرق ثيابه» ومنها حلق اللحية وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعفائها وتوفيرها ومنها منع إخوانه من تعزيته ونيل ثوابها ومنها كراهته لجريان ذكر الله على ألسنتهم بالغفلة وذلك خير بلا شك من ترك ذكره فغاية صاحب هذا أن تغفر له هذه الذنوب ويعفى عنه وأما أن يعد ذلك في مناقبه وفي الغيرة المحمودة فسبحانك هذا بهتان عظيم ومن هذا ما ذكر عن أبي الحسين النوري أنه سمع رجلا يؤذن فقال طعنه وسم الموت وسمع كلبا ينبح فقال لبيك وسعديك فقالوا له هذا ترك للدين وصدقوا والله يقول للمؤذن في تشهده طعنه وسم الموت ويلبي نباح الكلب فقال أما ذاك فكان يذكر الله عن رأس الغفلة وأما الكلب فقد قال تعالى: {وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ} فيالله ماذا ترى رسول الله صلى الله عليه وسلم يواجه هذا القائل لو رآه يقول ذلك أو عمر بن الخطاب أو من عد ذلك في المناقب والمحاسن وسمع الشبلي رجلا يقول جل الله فقال أحب أن تجله عن هذا.
وأذن مرة فلما بلغ الشهادتين قال لولا أنك أمرتني ما ذكرت معك غيرك وقال بعض الجهال من القوم لا إله إلا الله من أصل القلب ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرط ونحن نقول محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم من تمام قول لا إله إلا الله فالكلمتان يخرجان من أصل القلب من مشكاة واحدة لا تتم إحداهما إلا بالأخرى.