فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{وَلِكُلّ أُمَّةٍ} من الأمم المهلكة {أَجَلٌ} أي وقت معين مضروب لاستئصالهم كما قال الحسن.
وروي ذلك عن ابن عباس ومقاتل.
وهذا كما قيل وعيد لأهل مكة بالعذاب النازل في أجل معلوم عند الله تعالى كما نزل بالأمم قبلهم ورجوع إلى الحث على الاتباع بعد الاستطراد الذي قاله البعض.
وقد روعي نكتة في تعقيبه تحريم الفواحش حيث ناسبه أيضًا.
وفسر بعضهم الأجل هنا بالمدة المعينة التي أمهلوها لنزول العذاب، وفسره آخرون بوقت الموت وقالوا: التقدير ولكل أحد من أمة، وعلى الأول لا حاجة إلى التقدير.
{فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ} الضمير كما قال بعض المحققين إما للأمم المدلول عليها بكل أمة وإما لكل أمة، وعلى الأول فإظهار الأجل مضافًا إلى ذلك الضمير لإفادة المعنى المقصود الذي هو بلوغ كل أمة أجلها الخاص بها ومجيؤه إياها بواسطة اكتساب الأجل بالإضافة عمومًا يفيده معنى الجمعية كأنه قيل: إذا جاء آجالهم بأن يجيء كل واحد من تلك الأمم أجلها الخاص بها.
وعلى الثاني وهو الظاهر فالإظهار في موقع الإضمار لزيادة التقرير والإضافة لإفادة أكمل التمييز.
وقرأ ابن سيرين {آجالهم} بصيغة الجمع واستظهرها ابن جني وجعل الإفراد لقصد الجنسية والجنس من قبيل المصدر وحسنه الإضافة إلى الجماعة.
والفاء قيل: فصيحة وسقطت في آية يونس (94) لما سنذكره إن شاء الله تعالى هناك.
والمراد من مجيء الأجل قربه أو تمامه أي إذا حان وقرب أو انقطع وتم.
{أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ} عنه {سَاعَةِ} قطعة من الزمان في غاية القلة.
وليس المراد بها الساعة في مصطلح المنجمين المنقسمة إلى ساعة مستوية وتسمى فلكية هي زمان مقدار خمس عشرة درجة أبدًا، ومعوجة وتسمى زمانية هي زمان مقدار نصف سدس النهار أو الليل أبدا، ويستعمل الأولى أهل الحساب غالبًا والثانية الفقهاء وأهل الطلاسم ونحوهم.
وجملة الليل والنهار عندهم أربع وعشرون ساعة أبدًا سواء كانت الساعة مستوية أو معوجة إلا أن كلًا من الليل والنهار لا يزيد على اثنتي عشرة ساعة معوجة أبدًا.
ولهذا تطول وتقصر، وقد تساوي الساعة المستوية وذلك عند استواء الليل والنهار والمراد لا يتأخرون أصلا.
وصيغة الاستفعال للإشعار بعجزهم وحرمانهم عن ذلك مع طلبهم له.
{وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} أي ولا يتقدمون عليه.
والظاهر أنه عطف على {لاَ يَسْتَأْخِرُونَ} كما أعربه الحوفي وغيره.
واعترض بأنه لا يتصور الاستقدام عند مجيئه فلا فائدة في نفيه بل هو من باب الإخبار بالضروري كقولك: إذا قمت فيما يأتي لم يتقدم قيامك فيما مضى، وقيل: إنه معطوف على الجملة الشرطية لا الجزائية فلا يتقيد بالشرط.
فمعنى الآية لكل أمة أجل فإذا جاء أجلهم لا يستأخرون عنه ولكل أمة أجل لا يستقدمون عليه.
وتعقبه مولانا العلامة السالكوتي بأنه لا يخفى أن فائدة تقييد قوله تعالى: {لاَ يَسْتَأْخِرُونَ} فقط بالشرط غير ظاهرة وإن صح بل المتبادر إلى الفهم السليم ما تقدم.
وفيه تنبيه على أن الأجل كما يمتنع التقدم عليه بأقصر مدة هي الساعة كذلك يمتنع التأخر عنه وإن كان ممكنًا عقلًا فإن خلاف ما قدره الله تعالى وعلمه محال والجمع بين الأمرين فيما ذكر كالجمع بين من سوف التوبة إلى حضور الموت ومن مات على الكفر في نفي التوبة عنه في قوله تعالى: {وَلَيْسَتِ التوبة لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ} [النساء: 18] الآية.
ولعل هذا مراد من قال: إنه عطف على الجزاء بناء على أن يكون معنى قوله تعالى: {لاَ يَسْتَأْخِرُونَ وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} لا يستطيعون تغييره على نمط قوله تعالى: {وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ في كتاب} [الأنعام: 59] وقولهم: كلمته فما رد على سوداء ولا بيضاء فلا يرد ما قيل، وأنت خبير بأن هذا المعنى حاصل بذكر الجزاء بدون ذكر {وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ} والحق العطف على الجملة الشرطية، وفي شرح المفتاح القيد إذا جعل جزأ من المعطوف عليه لم يشاركه المعطوف فيه ومثل بالآية، وعليه لا محذور في العطف على {لاَ يَسْتَأْخِرُونَ} لعدم المشاركة في القيد؛ وأنت تعلم أنهم ذكروا في هذا الباب أنه إذا عطف شيء على شيء وسبقه قيد يشارك المعطوف المعطوف عليه في ذلك القيد لا محالة، وأما إذا عطف على ما لحقه قيد فالشركة محتملة فالعطف على المقيد له اعتباران.
الأول: أن يكون القيد سابقًا في الاعتبار والعطف لاحقًا فيه.
والثاني: أن يكون العطف سابقًا والقيد لاحقًا، فعلى الأول لا يلزم اشتراك المعطوفين في القيد المذكور إذ القيد جزء من أجزاء المعطوف عليه، وعلى الثاني يجب الاشتراك إذ هو حكم من أحكام الأول يجب فيه الاشتراك.
وبعضهم بنى العطف هنا على أن المراد بالمجيء الدنو بحيث يمكن التقدم في الجملة كمجيء اليوم الذي ضرب لهلاكهم ساعة منه وليس بذاك، وتقديم بيان انتفاء الاستئخار كما قيل لما أن المقصود بالذات بيان عدم خلاصهم من العذاب، وأما في قوله تعالى: {مَّا تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَهَا وَمَا يَسْتَخِرُونَ} [الحجر: 5، والمؤمنون: 43] من سبق السبق في الذكر فلما أن المراد هناك بيان سر تأخير إهلاكهم مع استحقاقهم له حسبما ينبئ عنه قوله سبحانه: {ذَرْهُمْ يَأْكُلُواْ وَيَتَمَتَّعُواْ وَيُلْهِهِمُ الامل فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر: 3] فالأهم هناك بيان انتفاء السبق. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ (34)}
اعتراض بين جملة: {يا بني آدم خذوا زينتكم} [الأعراف: 31] وبين جملة: {يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم} [الأعراف: 35] لمّا نعى الله على المشركين ضلالهم وتمرّدهم.
بعد أن دعاهم إلى الإيمان، وإعراضَهم عنه، بالمجادلة والتّوبيخ وإظهارِ نقائصهم بالحجّة البيّنة، وكان حالهم حال من لا يقلع عمّا هم فيه، أعقَب ذلك بإنذارهم ووعيدهم إقامةً للحجّة عليهم وإعذارًا لهم قبل حلول العذاب بهم.
وهذه الجملة تؤكّد الغرض من جملة: {وكم من قرية أهلكناها} [الأعراف: 4] وتحتمل معنيين:
أحدهما: أن يكون المقصود بهذا الخبر المشركين، بأن أقبل الله على خطابهم أو أمر نبيئه بأن يخاطبهم، لأنّ هذا الخطاب خطاب وعيد وإنذار.
والمعنى الثّاني: أن يكون المقصود بالخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيكون وعدًا له بالنّصر على مكذّبيه، وإعلامًا له بأنّ سنّته سنّةُ غيره من الرّسل بطريقة جعل سنّة أمّته كسنّة غيرها من الأمم.
وذكْرُ عموم الأمم في هذا الوعيد، مع أنّ المقصود هم المشركون من العرب الذين لم يؤمنوا، إنّما هو مبالغة في الإنذار والوعيد بتقريب حصوله كما حصل لغيرهم من الأمم على طريقة الاستشهاد بشواهد التّاريخ في قياس الحاضر على الماضي فيكون الوعيد خبرًا معضودًا بالدّليل والحجّة، كما قال تعالى في آيات كثيرة منها: {قد خلت من قبلكم سنن فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين} [آل عمران: 137] أي: ما أنتم إلاّ أمة من الأمم المكذّبين ولكلّ أمّة أجل فأنتم لكم أجل سيحين حينه.
وذِكر الأجل هنا، دون أن يقول لكلّ أمّة عذاب أو استئصال، إيقاظًا لعقولهم من أن يغرّهم الإمهال فيحسبوا أنّ الله غيرُ مؤاخذهم على تكذيبهم، كما قالوا: {اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب أليم} [الأنفال: 32]، وطمأنةً للرسول عليه الصّلاة والسلام بأنّ تأخير العذاب عنهم إنّما هو جري على عادة الله تعالى في إمهال الظّالمين على حدّ قوله: {حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم قد كُذّبوا جاءهم نصرنا} [يوسف: 110] وقوله: {لا يغرنَّك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل} [آل عمران: 196، 197].
ومعنى: {لكل أمة أجل} لكلّ أمّة مكذّبة إمهال فحذف وصف أمّة أي: مكذّبة.
وجعل لذلك الزّمان نهاية وهي الوقت المضروب لانقضاء الإمهال، فالأجل يطلق على مدّة الإمهال، ويُطلق على الوقت المحدّد به انتهاء الإمهال، ولا شكّ أنّه وُضع لأحد الأمرين ثمّ استعمل في الآخرة على تأويل منتهى المدّة أو تأخير المنتهى وشاع الاستعمالان.
فعلى الأوّل يقال قَضى الأجلَ أي المدّة كما قال تعالى: {أيَّما الأجلين قضيت} [القصص: 28] وعلى الثّاني يقال: دنا أجل فلان وقوله تعالى: {وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا} [الأنعام: 128] والواقع في هذه الآية يصحّ للاستعمالين بأن يكون المراد بالأجل الأوّل المدّة، وبالثّاني الوقت المحدّد لفعلٍ مَّا.
والمراد بالأمّة هنا الجماعة التي اشتركت في عقيدة الإشراك أو في تكذيب الرّسل، كما يدلّ عليه السّياق من قوله تعالى: {وأن تشركوا بالله} [الأعراف: 33] إلخ وليس المراد بالأمّة، الجماعةَ التي يجمعها نسب أو لغة إذ لا يتصوّر انقراضها عن بكرة أبيها، ولم يقع في التّاريخ انقراض إحداها، وإنّما وقع في بعض الأمم أن انقرض غالب رجالها بحوادث عظيمة مثل طَسْمٍ وجَدِيس وعَدْوَان فتندمج بقاياها في أمم أخرى مجاورة لها فلا يقال لأمّة إنّ لها أجلا تنقرض فيه، إلاّ بمعنى جماعة يجمعها أنّها مُرسل إليها رسول فكذّبته، وكذلك كان ما صْدَق هذه الآية، فإنّ العرب لمّا أرسل محمّد صلى الله عليه وسلم ابتدأ دعوته فيهم ولهم، فآمن به من آمن، وتَلاحق المؤمنون أفواجًا، وكذّب به أهل مكّة وتبعهم مَن حولهم، وأمهل الله العربَ بحكمته وبرحمة نبيّه صلى الله عليه وسلم إذ قال: «لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده» فلطف الله بهم إذ جعلهم مختلطين مؤمنهم ومشركهم، ثمّ هاجر المؤمنون فبقيت مكّة دار شرك وتمحّض مَنْ عَلِم الله أنّهم لا يؤمنون فأرسل الله عليهم عبادَهُ المؤمنين فاستأصلوهم فوْجًا بعد فوح، في يوم بدر وما بعده من أيّام الإسلام، إلى أن تَم استئصال أهل الشّرك بقتل بقيّة من قتل منهم في غزوة الفتح، مثل عبد الله بن خَطَل ومن قُتل معه، فلمّا فتحت مكّة دان العرب للإسلام وانقرض أهل الشّرك، ولم تقم للشّرك قائمة بعد ذلك، وأظهر الله عنايته بالأمّة العربيّة إذ كانت من أوّللِ دعوة الرّسول غير متمحّضة للشّرك، بل كان فيها مسلمون من أوّل يوم الدّعوة، وما زالوا يتزايدون.
وليس المراد في الآية، بأجل الأمّة، أجلَ أفرادها، وهو مدّة حياة كلّ واحد منها، لأنّه لا علاقة له بالسّياق، ولأنّ إسناده إلى الأمّة يعيّن أنّه أجل مجموعها لا أفرادها، ولو أريد آجال الأفراد لقال لكلّ أحد أو لكلّ حَيّ أجل.
و{إذا} ظرف زمان للمستقبل في الغالب، وتتضمّن معنى الشّرط غالبًا، لأنّ معاني الظّروف قريبَة من معاني الشّرط لما فيها من التّعليق، وقد استُغني بفاء تفريع عامل الظرّف هنا عن الإتيان بالفاء في جواب إذا لظهور معنى الرّبط والتّعليق بمجموع الظّرفية والتّفريع، والمفرعُ هو: {جاء أجلهم} وإنّما قدم الظّرف على عامله للاهتمام به ليتأكدّ بذلك التّقديممِ معنى التّعليق.
والمجيء مجاز في الحلول المقدَّر له كقولهم جاء الشّتاء.
وإفراد الأجل في قوله: {إذا جاء أجلهم} مراعى فيه الجنس، الصّادق بالكثير، بقرينة إضافته إلى ضمير الجمع.
وأُظهر لفظ أجل في قوله: {إذا جاء أجلهم} ولم يُكتف بضميره لزيادة تقرير الحكم عليه، ولتكون هذه الجملة مستقلّة بنفسها غير متوقّفة عن سماع غيرها لأنّها بحيث تَجْري مَجرى المثل، وإرسالُ الكلام الصّالح لأن يكون مَثلا طريق مِن طُرق البلاغة.
و{يستأخرون}: و{يستقدمون} بمعنى: يتأخّرون ويتقدّمون، فالسّين والتّاء فيهما للتّأكيد مثل استجاب.
والمعنى: إنّهم لا يتجاوزونه بتأخير ولا يتعجّلونه بتقديم.
والمقصود أنّهم لا يؤخّرون عنه، فَعَطْفُ {ولا يستقدمون} لبيان أن ما علمه الله وقدّره على وفق علمه لا يَقْدِر أحد على تغييره وصَرفه، فكان قوله: {ولا يستقدمون} لا تعلّق له بغرض التّهديد.
وقريب من هذا قول أبي الشيص:
وقف الهوى بي حيثُ أنتتِ فليس لي ** مُتَأخَّرٌ عَنْهُ وَلاَ مُتَقَدَّم

وكلّ ذلك مبني على تمثيل حالة الذي لا يستطيع التّخلّص من وعيد أو نحوه بهيئة من احتُبس بمكان لا يستطيع تجاوزه إلى الأمام ولا إلى الوراء. اهـ.