فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما بين أحوال التكليف وبين أن لكل أحد أجلًا معينًا لا يتقدم ولا يتأخر بين أنهم بعد الموت كانوا مطيعين فلا خوف عليهم ولا حزن وإن كانوا متمردين وقعوا في أشد العذاب وقوله: {إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ} هي إن الشرطية ضمت إليها ما مؤكدة لمعنى الشرط ولذلك لزمت فعلها النون الثقيلة وجزاء هذا الشرط هو الفاء وما بعده من الشرط والجزاء، وهو قوله: {فَمَنِ اتقى وَأَصْلَحَ} وإنما قال رسل وإن كان خطابًا للرسول عليه الصلاة والسلام وهو خاتم الأنبياء عليه وعليهم السلام لأنه تعالى أجرى الكلام على ما يقتضيه سنته في الأمم وإنما قال: {مّنكُمْ} لأن كون الرسول منهم أقطع لعذرهم وأبين للحجة عليهم من جهات: أحدها: أن معرفتهم بأحواله وبطهارته تكون متقدمة.
وثانيها: أن معرفتهم بما يليق بقدرته تكون متقدمة فلا جرم لا يقع في المعجزات التي تظهر عليه شك وشبهة في أنها حصلت بقدرة الله تعالى لا بقدرته فلهذا السبب قال تعالى: {وَلَوْ جعلناه مَلَكًا لجعلناه رَجُلًا} [الأنعام: 9].
وثالثها: ما يحصل من الألفة وسكون القلب إلى أبناء الجنس، بخلاف ما لا يكون من الجنس، فإنه لا يحصل معه الألفة.
وأما قوله: {يَقُصُّونَ عَلِيمٌ ءاياتي} فقيل تلك الآيات هي القرآن وقيل الدلائل، وقيل الأحكام والشرائع والأولى دخول الكل فيه، لأن جميع هذه الاْشياء آيات الله تعالى لأن الرسل إذا جاؤا فلابد وأن يذكروا جميع هذه الأقسام، ثم قسم تعالى حال الأمة فقال: {فَمَنِ اتقى وَأَصْلَحَ} وجمع هاتين الحالتين مما يوجب الثواب لأن الملتقي هو الذي يتقي كل ما نهى الله تعالى عنه، ودخل في قوله: {وَأَصْلَحَ} أنه أتى بكل ما أمر به.
ثم قال تعالى في صفته: {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} أي بسبب الأحوال المستقبلة {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} أي بسبب الأحوال الماضية لأن الإنسان إذا جوز وصول المضرة إليه في الزمان المستقبل خاف وإذا تفكر فعلم أنه وصل إليه بعض ما لا ينبغي في الزمان الماضي، حصل الحزن في قلبه، لهذا السبب والأولى في نفي الحزن أن يكون المراد أن لا يحزن على ما فاته في الدنيا، لأن حزنه على عقاب الآخرة يجب أن يرتفع بما حصل له من زوال الخوف، فيكون كالمعاد وحمله على الفائدة الزائدة أولى فبين تعالى أن حاله في الآخرة تفارق حاله في الدنيا، فإنه في الآخرة لا يحصل في قلبه خوف ولا حزن ألبتة، واختلف العلماء في أن المؤمنين من أهل الطاعات هل يلحقهم خوف، وحزن عند أهوال يوم القيامة فذهب بعضهم إلا أنه لا يلحقهم ذلك، والدليل عليه هذه الآية، وأيضًا قوله تعالى: {لاَ يَحْزُنُهُمُ الفزع الأكبر} [الأنبياء: 103] وذهب بعضهم إلى أن يلحقهم ذلك الفزع لقوله تعالى: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى الناس سكارى وَمَا هُم بسكارى} [الحج: 2] أي من شدة الخوف.
وأجاب هؤلاء عن هذه الآية: بأن معناه أن أمرهم يؤل إلى الأمن والسرور، كقول الطبيب للمريض: لا بأس عليك، أي أمرك يؤل إلى العافية والسلامة، وإن كان في الوقت في بأس من علته، ثم بين تعالى أن الذين كذبوا بهذه الآيات التي يجيء بها الرسل {واستكبروا} أن أنفوا من قبولها وتمردوا عن التزامها {فأولئك أصحاب النار هُمْ فِيهَا خالدون} وقد تمسك أصحابنا بهذه الآية على أن الفاسق من أهل الصلاة، لا يبقى مخلدًا في النار، لأنه تعالى بين أن المكذبين بآيات الله والمستكبرين عن قبولها، هم الذين يبقون مخلدين في النار، وكلمة {هُمْ} تفيد الحصر، فذلك يقتضي أن من لا يكون موصوفًا بذلك التكذيب والاستكبار، لا يبقى مخلدًا في النار، والله أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي:

{يا بنى آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ}
وأصله إنْ ما ومعناه متى ما يأتيكم {رُسُلٌ مّنكُمْ} أي: من جنسكم {يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءاياتى} أي يقرؤون عليكم، ويعرضون عليكم كتابي {فَمَنِ اتقى وَأَصْلَحَ} أي: اتقى الشرك وأطاع الرسول وأصلح العمل، يعني: فمن اتقى عما نهى الله عنه وأصلح أي: عمل بما أمر الله تعالى به {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} يعني: لا خوف عليهم من العذاب ولا هم يحزنون من فوات الثواب.
ويقال: {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ} فيما يستقبلهم {وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} على ما خلفوا من الدنيا ويقال معناه إمَّا يأتينَّكم رسل منكم وأيقنتم فَلاَ خَوْف عَلَيْكُمْ فيما يستقبلكم، فذكر الله ثواب من اتقى وأصلح. اهـ.

.قال الثعلبي:

{يا بني ءَادَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ}
شرط معناه: إن أتاكم عجزًا به فمن بقى، وقيل فأطيعوه وقال: مقاتل: أراد بقوله يا بني آدم لا تشركوا بالرب، وبالرسل محمد صلى الله عليه وسلم وحده. {يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتقى وَأَصْلَحَ} عمله {فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ}. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {يا بني آدم} الآية، الخطاب في هذه الآية لجميع العالم. وإن الشرطية دخلت عليها ما مؤكدة. ولذلك جاز دخول النون الثقيلة على الفعل، وإذا لم تكن ما لم يجز دخول النون الثقيلة. وقرأ أبي كعب والأعرج {تأتينكم} على لفظ الرسل. وجاء {يقصون} على المعنى.
وكأنه هذا الخطاب لجميع الأمم قديمها وحديثها هو متمكن لهم ومتحصل منه لحاضري محمد عليه السلام أن هذا حكم الله في العالم منذ أنشأه. و{يأتينكم} مستقبل وضع موضع ماض ليفهم أن الإتيان باق وقت الخطاب لتقوى الإشارة بصحة النبوة إلى محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا على مراعاة وقت نزول الآية، وأسند الطبري إلى أبي سيار السلمي قال إن الله تعالى جعل آدم وذريته في كفه فقال: {يا بني آدم أما يأتينكم رسل منكم} الآية، قال ثم نظر إلى الرسل فقال: {يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحًا إني بما تعملون عليم وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون} [المؤمنون: 52] ثم بثهم.
قال القاضي أبو محمد: ولا محالة أن هذه المخاطبة في الأزل وقيل المراد بالرسل محمد عليه السلام.
قال القاضي أبو محمد: من حيث لا نبي بعده، فكأن المخاطبين هم المراد ببني آدم لا غير، إذ غيرهم لم ينله الخطاب، ذكره النقاش. و{يقصون} معناه يسردون ويوردون. والآيات لفظ جامع لآيات الكتب المنزلة وللعلامات التي تقترن بالأنبياء، وقوله: {فمن اتقى وأصلح} يصح أن تكون من شرطية وجوابه {فلا خوف عليهم} وهذه الجملة هي في جواب الشرط الأول الذي هو {إما يأتينكم} ويصح أن تكون من في قوله: {فمن اتقى} موصولة، وكأنه قصد بالكلام تقسيم الناس فجعل القسم الأول {فمن اتقى} والقسم الثاني {والذين كذبوا بآياتنا}. وجاء هذا التقسيم بجملته جوابًا للشرط في قوله: {إما يأتينكم} فكأنه قال إن أتتكم رسل فالمتقون لا خوف عليهم، والمكذبون أصحاب النار، أي هذا هو الثمرة وفائدة الرسالة: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا} [الأنعام: 144، الأعراف: 37، يونس: 17، الكهف: 15] أي ليس ثم نفع للمفتري ولا غرض دنياوي. فالآية تبرية للنبي صلى الله عليه وسلم، من الافتراء وتوبيخ للمفترين من الكفار. و{لا} في قوله: {لا خوف} بمعنى ليس، وقرأ ابن محيصن {لا خوف} دون تنوين، ووجهه إما أن يحذف التنوين لكثرة الاستعمال وإما حملًا على حذفه مع لا وهي تبرية ناصبة تشبه حالة الرفع في البناء بحالة النصب، وقيل: إن المراد فلا الخوف، ثم حذفت الألف واللام وبقيت الفاء على حالها لتدل على المحذوف، ونفي الخوف والحزن يعم جميع أنواع مكاره النفس وأنكادها، ويشبه أن يكون الخوف لما يستقبل من الأمور والحزن لما مضى منها. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {يا بني آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ}
شرط.
ودخلت النون توكيدًا لدخول ما.
وقيل: ما صلة، أي إن يأتكم.
أخبر أنه يرسل إليهم الرسل منهم لتكون إجابتهم أقرب.
والقصص إتباع الحديث بعضه بعضًا.
{آيَاتِي} أي فرائضي وأحكامي.
{فَمَنِ اتقى وَأَصْلَحَ} شرط، وما بعده جوابه، وهو جواب الأوّل.
أي وأصلح منكم ما بيني وبينه.
{فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} دليل على أن المؤمنين يوم القيامة لا يخافون ولا يحزنون، ولا يلحقهم رعب ولا فزع.
وقيل: قد يلحقهم أهوال يوم القيامة، ولكن مآلهم الأمن.
وقيل: جواب {إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ} ما دلّ عليه الكلام، أي فأطيعوهم {فَمَنِ اتقى وَأَصْلَحَ} والقول الأوّل قول الزجاج. اهـ.

.قال الخازن:

قوله عز وجل: {يا بني آدم إما يأتينكم رسل منكم}
هي إن الشرطية ضمت إليها ما مؤكدة لمعنى الشرط وجزاء هذا الشرط هو الفاء وما بعده من الشرط والجزاء، وهو قوله فمن اتقى وأصلح يعني منكم وإنما قال رسل بلفظ الجمع وإن كان المراد به واحد وهو النبي صلى الله عليه وسلم لأنه خاتم الأنبياء وهو مرسل إلى كافة الخلق فذكره بلفظ الجمع على سبيل التعظيم فعلى هذا يكون الخطاب في قوله يا بني آجم لأهل مكة ومن يلحق بهم.
وقيل: أراد جميع الرسل وعلى هذا فالخطاب في قوله يا بني آدم عام في كل بني آدم وإنما قال منكم يعني من جنسكم ومثلكم من بني آدم لأن الرسول إذا كان من جنسهم كان أقطع لعذرهم وأثبت للحجة عليهم لأنهم يعرفونه ويعرفون أحواله فإذا أتاهم بما لا يليق بقدرته أو بقدرة أمثاله علم أن ذلك الذي أتى به معجزة له وحجة على من خالفه {يقصون عليكم آياتي} يعني يقرؤون عليكم كتابي وأدلة أحكامي وشرائعي التي شرعت لعبادي {فمن اتقى} يعني فمن اتقى الشرك ومخالفة رسلي {وأصلح} يعني العمل الذي أمرته به رسلي فعمل بطاعتي وتجنب معصيتي وما نهيته عنه {فلا خوف عليهم} يعني حين يخاف غيرهم يوم القيامة من العذاب {ولا هم يحزنون} يعني على ما فاتهم من دنياهم التي تركوها. اهـ.

.قال أبو حيان:

{يا بني آدم إمّا يأتينّكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي فمن اتقى وأصلح فلا خوف عليهم ولا هو يحزنون}
هذا الخطاب لبني آدم.
قيل: هو في الأول، وقيل: هو مراعى به وقت الإنزال وجاء بصورة الاستقبال لتقوى الإشارة بصحّة النبوة إلى محمد صلى الله عليه وسلم وما في {إمّا} تأكيد، قال ابن عطية وإذا لم يكن ما لم يجز دخول النون الثقيلة انتهى، وبعض النحويين يجيز ذلك وجواب الشرط {فمن اتقى} فيحتمل أن تكون من شرطيّة وجوابه {فلا خوف} وتكون هذه الجملة الشرطية مستقلة بجواب الشرط الأوّل من جهة اللفظ ويحتمل أن تكون من موصولة فتكون هذه الجملة والتي بعدها من قوله: {والذين كذّبوا} مجموعهما هو جواب الشرط وكأنه قصد بالكلام التقسيم وجعل القسمان جوابًا للشّرط أي {إما يأتينكم} فالمتّقون لا خوف عليهم والمكذبون أصحاب النار فثمرة إتيان الرّسل وفائدته هذا وتضمن قوله: {فمن اتقى وأصلح} سبق الإيمان إذ التقوى والإصلاح هما ناشئان عنه وجاء في قسمه {والذين كذبوا} والتكذيب هو بدوّ الشقاوة إذ لا ينشأ عنه إلا الانهماك والإفساد وقال بل الإصلاح بالاستكبار لأنّ إصلاح العمل من نتيجة التقوى والاستكبار من نتيجة التكذيب وهو التعاظم فلم يكونوا ليتّبعوا الرسل فيما جاؤوا به ولا يقتدوا بما أمروا به لأنّ من كذب بالشيء نأي بنفسه عن اتباعه، وقال ابن عطية: هاتان حالتان تعمّ جميع من يصدّ عن رسالة الرسول إما أن يكذب بحسب اعتقاده أنه كذب وإما أن يستكبر فيكذب وإن كان غير مصمّم في اعتقاده على التكذيب وهذا نحو الكفر عناد انتهى، وتضمّنت الجملتان حذف رابط وتقديره {فمن اتقى وأصلح} منكم، {والذينَ كذبوا} منكم وتقدّم تفسير {فلا خوف} و{أولئك أصحاب النار} الجملتان، وقرأ أبيّ والأعرج إما تأتينكم بالتاء على تأنيث الجماعة {ويقصّون} محمول على المعنى إذ ذاك إذ لو حمل على اللفظ لكان تقصّ. اهـ.