فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ} قال الكلبي: فمن أكفر.
وقال بعضهم: هذا التفسير خطأ لأنه لا يصح أن يقال هذا أكفر من هذا.
ولكن معناه: ومن أشد في كفره.
ويقال: فلا أحد أظلم.
ويقال: أي ظلم أشنع وأقبح {مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا} يعني: من اختلق على الله كذبًا أي: شركًا {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ} جحد بالقرآن {أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مّنَ الكتاب} أي: حظهم من العذاب.
ويقال: {نَصِيبَهُمْ} حظهم مما أوعدهم اللَّه في الكتاب الإهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة.
وقال ابن عباس: هو ما ذكر في موضع آخر {وَيَوْمَ القيامة تَرَى الذين كَذَبُواْ عَلَى الله وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ}.
ويقال: {نَصِيبَهُمْ} أي ما قضي وقدر عليهم في اللوح المحفوظ من السعادة والشقاوة.
ويقال: {نَصِيبَهُمْ} رزقهم وأجلهم في الدنيا {حتى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ} يعني: أمهلهم حتى يأتيهم ملك الموت وأعوانه عند قبض أرواحهم.
ويقال: يقول لهم خزنة جهنم قبل دخولها {قَالُوا أَيْنَمَا كُنتُمْ تَدْعُونَ} يعني: أن الملائكة يقولون ذلك عند قبض أرواحهم {مِن دُونِ الله} يمنعونكم من النار {قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا} أي اشتغلوا عنا بأنفسهم {وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كافرين} في الدنيا، وذلك حين شهدت عليهم جوارحهم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أولئك يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الكتاب}
حظّهم بما كتبوا لهم في اللوح المحفوظ. وقال الحسن والسدي وأبو صلاح: ما كسب لهم من العذاب.
وقال سعيد بن جبير ومجاهد وعطيّة: ما سبق لهم من الشقاوة والسعادة. وروى بكر الطويل عن مجاهد في هذه الآية قال: قوم يعملون أعمالا لابد من أن يعملوها ولم يعملوها بعد. قال ابن عباس وقتادة والضحاك: يعني أعمالهم وما كتب عليهم من خير أو شر، فمن عمل خيرًا أُجزي به ومن عمل شرًا أُجزي به. مجاهد عن ابن عباس قال: هو ما وعدو من خير وشر. عطيّة عن ابن عباس أنّه قال: ينالهم ماكتب لهم وقد كتب لمن يفتري على الله أن وجهه مسود، يدل عليه قوله تعالى، {وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} [الزمر: 60].
قال الربيع والقرظي وابن زيد: يعني ما كتب لهم من الأرزاق والأعمال والأعمار فإذا فنيت و[تم خرابها] {حتى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ} يقبضون أرواحهم يعني ملك الموت وأعوانه {قالوا أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ} تعبدون من دون الله: {قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا} أنشغلوا بأنفسهم {وَشَهِدُواْ على أَنْفُسِهِمْ} أقروا {أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ} قالوا: [شهدنا] على أنفسنا [بتبليغ الرسل] وغرّتهم الحياة الدنيا وشهدوا وأقروا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {... أُوْلَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الْكِتَابِ} فيه خمسة تأويلات:
أحدها: هو عذاب الله الذي أعده لمن أشرك، قاله الحسن، والسدي.
والثاني: ما سبق لهم من الشقاء والسعادة، قاله ابن عباس.
والثالث: نصيب من كتابهم الذي كتبنا لهم أو عليهم بأعمالهم التي عملوها في الدنيا من خير أو شر، قاله قتادة.
والرابع: نصيبهم مما كتب لهم من العمر والرزق والعمل، قاله الربيع بن أنس، وابن زيد.
والخامس: نصيبهم مما وعدوا في الكتاب من خير أو شر، قاله الضحاك.
{حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم} في توفي الرسل هنا قولان:
أحدهما: أنها وفاة الموت في الدنيا التي توبخهم عندها الملائكة.
والثاني: أنها وفاة الحشر إلى النار يوم القيامة، قاله الحسن. اهـ.

.قال ابن عطية:

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآَيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ}
هذه آية وعيد واستفهام على جهة التقرير، أي لا أحد أظلم منه، و{افترى} معناه اختلق، وهذه وإن كانت متصلة بما قبلها أي كيف يجعلون الرسل مفترين ولا أحد أظلم ممن افترى ولا حظ للرسل إلا أن يرحم من اهتدى ويعذب من كفر، فهي أيضًا مشيرة بالمعنى إلى كل مفترق إلى من تقدم ذكره من الذين قالوا: {والله أمرنا بها} وقوله: {أو كذب بآياته} إشارة إلى جميع الكفرة، وقوله: {من الكتاب} قال الحسن والسدي وأبو صالح معناه من المقرر في اللوح المحفوظ، فالكتاب عبارة عن اللوح المحفوظ، وقد تقرر في الشرع أن حظهم فيه العذاب والسخط، وقال ابن عباس وابن جبير ومجاهد: قوله: {من الكتاب} يريد من الشقاء والسعادة التي كتبت له وعليه.
قال القاضي أبو محمد: ويؤيد هذا القول الحديث المشهور الذي يتضمن أن الملك يأتي إذا خلق الجنين في الرحم فيكتب رزقه وأجله وشقي أو سعيد، وقال ابن عباس أيضًا ومجاهد وقتادة والضحاك {الكتاب} يراد به الذي تكتبه الملائكة من أعمال الخليقة من خير وشر فينال هؤلاء نصيبهم من ذلك وهو الكفر والمعاصي، وقال ابن عباس أيضًا ومجاهد والضحاك {من الكتاب} يراد به من القرآن، وحظهم فيه أن وجوهوهم تسود القيامة، وقال الربيع بن أنس ومحمد بن كعب وابن زيد المعنى بالنصيب ما سبق لهم في أم الكتاب من رزق وعمر وخير وشر في الدنيا، ورجح الطبري هذا واحتج له بقوله بعد ذلك {حتى إذا جاءتهم رسلنا} أي عند انقضاء ذلك فكان معنى الآية على هذا التأويل أولئك يتمتعون ويتصرفون من الدنيا بقدر ما كتب لهم حتى إذا جاءتهم رسلنا لموتهم، وهذا تأويل جماعة من مجيء الرسل للتوفي، وعلى هذا يترتب ترجيح الطبري الذي تقدم، وقالت فرقة {رسلنا} يريد بهم ملائكة العذاب يوم القيامة، و{يتوفونهم} معناه يستوفونهم عددًا في السوق إلى جهنم.
قال القاضي أبو محمد: ويترتب هذا التأويل مع التأويلات المتقدمة في قوله: {نصيبهم من الكتاب} لأن النصيب على تلك التأويلات إنما ينالهم في الآخرة، وقد قضى مجيء رسل الموت، وقوله حكاية عن الرسل {أين ما كنتم تدعون} استفهام تقرير وتوبيخ وتوقيف على خزى وهو إشارة إلى الأصنام والأوثان وكل ما عبد من دون الله و{تدعون} معناه تعبدون وتؤملون، وقولهم {ضلوا} معناه هلكوا وتلفوا وفقدوا. ثم ابتدأ الخبر عن المشركين بقوله: {وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين} وهذه الآية وما شاكلها تعارض في الظاهر قوله تعالى حكاية عنهم: {والله ربنا ما كنا مشركين} [الأنعام: 123] واجتماعهما إما أن يكون في طوائف مختلفة أو في أوقات مختلفة يقولون في حال كذا وحال كذا. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله: {ينالهم نصيبهم من الكتاب}
في معناه سبعة أقوال:
أحدها: ما قُدّر لهم من خير وشر، رواه مجاهد عن ابن عباس.
والثاني: نصيبهم من الأعمال، فيُجزَون عليها، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث: ما كُتِبَ عليهم من الضلالة والهدى، قاله الحسن.
وقال مجاهد، وابن جبير، من السعادة والشقاوة.
والرابع: ما كتب لهم من الأرزاق والأعمار والأعمال، قاله الربيع، والقرظي، وابن زيد.
والخامس: ما كتب لهم من العذاب، قاله عكرمة، وأبو صالح، والسدي.
والسادس: ما أخبر الله تعالى في الكتب كلِّها: أنه من افترى على الله كذبًا، اسودَّ وجهه، قاله مقاتل.
والسابع: ما أخبر في الكتاب من جزائهم، نحو قوله: {فأنذرتكم نارًا تلظَّى} [الليل: 14] قاله الزجاج، فاذن في الكتاب خمسة أقوال:
أحدها: أنه اللوح الحفوظ.
والثاني: كُتُبُ الله كلُّها.
والثالث: القرآن.
والرابع: كتاب أعمالهم.
والخامس: القضاء.
قوله تعالى: {حتى إذا جاءتهم رسلنا} فيهم ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم أعوان مَلَكِ الموت، قاله النخعي.
والثاني: ملك الموت وحده، قاله مقاتل.
والثالث: ملائكة العذاب يوم القيامة.
وفي قوله: {يتوفَّونهم} ثلاثة أقوال:
أحدها: يتوفَّونهم بالموت، قاله الأكثرون.
والثاني: يتوفَّونهم بالحشر إلى النار يوم القيامة، قاله الحسن.
والثالث: يتوفَّونهم عذابًا، كما تقول: قتلت فلانًا بالعذاب، وإن لم يمت، قاله الزجاج.
قوله تعالى: {أين ما كنتم تدعون} أي: تعبدون {من دون الله}، وهذا سؤال تبكيت وتقريع.
قال مقاتل: المعنى: فليمنعوكم من النار.
قال الزجاج: ومعنى: {ضلُّوا عنا}: بطلوا وذهبوا، فيعترفون عند موتهم أنهم كانوا كافرين.
وقال غيره: ذلك الاعتراف يكون يوم القيامة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ}
المعنى أيّ ظلم أشنع من الافتراء على الله تعالى والتكذيب بآياته.
ثم قال: {أولئك يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مِّنَ الكتاب} أي ما كتب لهم من رزق وعمر وعمل؛ عن ابن زيد.
ابن جُبَيْر: من شقاء وسعادة.
ابن عباس: من خير وشر.
الحسن وأبو صالح: من العذاب بقدر كفرهم.
واختيار الطبري أن يكون المعنى: ما كتب لهم، أي ما قدر لهم من خير وشر ورزق وعمل وأجل؛ على ما تقدّم عن ابن زيد وابن عباس وابن جبير.
قال: ألا ترى أنه أتبع ذلك بقوله: {حتى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ} يعني رسل ملك الموت.
وقيل: {الْكِتَاب} هنا القرآن؛ لأن عذاب الكفار مذكور فيه.
وقيل: {الكتاب} اللوح المحفوظ.
ذكر الحسن بن عليّ الحُلْوَانيّ قال: أمْلَى عليّ علِيُّ بن المدِينِي قال: سألت عبد الرحمن بن مَهْدِيّ عن القَدَر فقال لي: كل شيء بقدر، والطاعة والمعصية بقدر، وقد أعظم الفِرية من قال: إن المعاصي ليست بقدر.
قال عليّ وقال لي عبد الرحمن بن مهدي: العلم والقدر والكتاب سواء.
ثم عرضت كلام عبد الرحمن بن مَهدِيّ على يحيى ابن سعيد فقال: لم يبق بعد هذا قليل ولا كثير.
وروى يحيى بن مَعِين حدّثنا مَرْوَان الفزارِيّ حدّثنا إسماعيل بن سميع عن بُكير الطويل عن مجاهد عن ابن عباس {أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ} قال: قوم يعملون أعمالًا لابد لهم من أن يعملوها.
و{حَتّى} ليست غاية، بل هي ابتداء خبر عنهم.
قال الخليل وسيبويه: حتى وإمّا وألاَ لا يُمَلْنَ لأنهن حروف ففَرْقٌ بينها وبين الأسماء نحو حُبْلى وسَكْرَى.
قال الزجاج: تكتب حتى بالياء لأنها أشبهت سكرى، ولو كتبت ألاَ بالياء لأشبهت إِلَى.
ولم تكتب إمّا بالياء لأنها إنْ ضُمت إِليها ما.
{قالوا أَيْنَمَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} سؤال توبيخ.
ومعنى {تَدْعُونَ} تعبدون.
{قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا} أي بطلوا وذهبوا.
قيل: يكون هذا في الآخرة.
{وَشَهِدُواْ على أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ} أي أقرّوا بالكفر على أنفسهم. اهـ.