فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله تعالى: {فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا} يعني فمن أعظم ظلمًا ممن يقول على الله ما لم يقله أو يجعل له شريكًا من خلقه وهو منزه عن الشريك والولد {أو كذب بآياته} يعني أو كذب بالقرآن الذي أنزله على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم {أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب} يعني ينالهم حظهم مما قدر لهم وكتب في اللوح المحفوظ واختلفوا في ذلك النصيب على قولين أحدهما: أن المراد به هو العذاب المعين لهم في الكتاب ثم اختلفوا فيه، فقال الحسن والسدي: ما كتب لهم من العذاب وقضي عليهم من سواد الوجوه ورزقه العيون، وقال ابن عباس: في رواية عنه كتب لمن يفتري على الله كذبًا أن وجهه أسود، وقال الزجاج: هو المذكور في قوله فأنذرتكم نارًا تلظى وفي قوله إذ الأغلال في أعناقهم فهذه الأشياء هي نصيبهم من الكتاب على قدر ذنوبهم في كفرهم.
والقول الثاني: إن المراد بالنصيب المذكور في الكتاب هو شيء سوى العذاب ثم اختلفوا فيه فقال ابن عباس رضي الله عنهما في رواية أخرى عنه وعن مجاهد وسعيد بن جبير وعطية، في قوله: ينالهم نصيبهم من الكتاب، قالوا: هو السعادة والشقاوة، وقال ابن عباس: ما كتب عليهم من الأعمال، وقال في رواية أخرى عنه: من عمل خيرًا جوزي به ومن عمل شرًا جوزي به.
وقال قتادة: جزاء أعمالهم التي عملوها.
وقيل معنى ذلك ينالهم نصيبهم مما وعدوا في الكتاب من خير أو شر قاله مجاهد والضحاك، وهو رواية عن ابن عباس رضي الله عنهما أيضًا، وقال الربيع بن أنس: ينالهم ما كتب لهم في الكتاب من الرزق، وقال محمد بن كعب القرظي: عمله ورزقه وعمره.
وقال ابن زيد: ينالهم نصيبهم من الكتاب من الأعمال والأرزاق والأعمار فإذا فرغ هذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم، وصحح الطبري هذا القول الآخر وقال: لأن الله تعالى أتبع ذلك بقوله حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم فأبان أن الذي ينالهم هو ما قدر لهم في الدنيا فإذا فرغ توفتهم رسل ربهم.
قال الإمام فخر الدين رحمه الله تعالى: إنما حصل الاختلاف لأن لفظ النصيب محتمل لكل الوجوه.
وقال بعض المحققين: حمله على العمر والرزق أولى لأنه تعالى بيَّن أنهم وإن بلغوا في الكفر ذلك المبلغ العظيم فإنه ليس بمانع أن ينالهم ما كتب لهم من رزق وعمر تفضلًا من الله سبحانه وتعالى لكي يصلحوا ويتوبوا.
قوله تعالى: {حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم} يعني حتى إذا جاءت هؤلاء الذين يفترون على الله الكذب رسلنا يعني ملك الموت وأعوانه لقبض أرواحهم عند استكمال أعمارهم وأرزاقهم لأن لفظ الوفاة يفيد هذا المعنى {قالوا} يعني: قال الرسل وهم الملائكة للكفار {أين ما كنتم تدعون من دون الله} وهذا سؤال توبيخ وتقريع وتبكيت لا سؤال استعلام والمعنى أين الذين كنتم تعبدونهم من دون الله ادعوهم ليدفعوا عنكم ما نزل بكم.
وقيل إن هذا يكون في الآخرة والمعنى حتى إذا جاءتهم رسلنا يعني ملائكة العذاب يتوفونهم يعني يستوفون عددهم عند حشرهم إلى النار قالوا أينما كنتم تدعون يعني شركاء وأولياء تعبدونهم من دون الله فادعوهم ليدفعوا عنكم ما جاءكم من أمر الله: {قالوا} يعني الكفار مجيبين للرسل {ضلوا عنا} يعني بطلوا وذهبوا عنا وتركونا عند حاجتنا إليهم فلم ينفعونا {وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين} يقول الله تعالى وشهد هؤلاء الكفار عند معاينة العذاب أنهم كانوا جاحدين وحدانية الله واعترفوا على أنفسهم بذلك. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فمن أظلم ممن افترى على الله كذبًا أو كذب بآياته أولئك ينالهم نصيبهم من الكتاب}
لما ذكر المكذّبين ذكر أسوأ حالًا منهم وهو من يفتري الكذب على الله وذكر أيضًا من كذّب بآياته، قال ابن عباس وابن جبير ومجاهد: ما كتب لهم من السعادة والشقاوة ولا يناسب هذا التفسير الجملة التي بعد هذا، وقال الحسن: ما كتب لهم من العذاب، وقال الربيع ومحمد بن كعب وابن زيد: ما سبق لهم في أمّ الكتاب، وقال ابن عباس أيضًا ومجاهد أيضًا وقتادة: ما كتب الحفظة في صحائف الناس من الخير والشرّ فيقال: هذا نصيبهم من ذلك وهو الكفر والمعاصي وقال الحكم وأبو صالح ما كتب لهم من الأرزاق والأعمار والخير والشر في الدنيا.
وقال الضحاك: ما كتب لهم من الثّواب والعقاب، وقال ابن عباس أيضًا والضحاك أيضًا ومجاهد ما كتب لهم من الكفر والمعاصي، وقال الحسن أيضًا: ما كتب لهم من الضلالة والهدى، وقال ابن عباس أيضًا: ما كتب لهم من الأعمال.
وقال ابن عباس ومجاهد والضحاك: {من الكتاب} يراد به من القرآن وحظّهم فيه سواد وجوههم يوم القيامة، وقيل: ما أوجب من حفظ عهودهم إذا أعطوا الجزية.
وقال الحسن والسدّي وأبو صالح: من المقرّر في اللوح المحفوظ وقد تقرر في الشّرع أنّ حظّهم فيه العذاب والسّخط والذي يظهر أن الذي كتب لهم في الدنيا من رزق وأجل وغيرهما ينالهم فيها ولذلك جاءت التغيية بعد هذا بحتى وإلى هذا المعنى نحا الزمخشري، قال: أي ما كتب لهم من الأرزاق والأعمال.
{حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفّونهم قَالوا أين ما كنتم تدعون من دون الله قالوا ضلوا عنا وشهدوا انهم كانوا كافرين}.
تقدّم الكلام على {حتى إذا} في الأوائل الأنعام، ووقع في التحرير {حتى} هنا ليس بغاية بل هي ابتداء وجر والجملة بعدها في موضع جرّ وهذا وهم بل معناها هنا الغاية والخلاف فيها إذا كانت حرف ابتداء أهي حرف جر والجملة بعدها في موضع جرّ وتتعلق بما قبلها كما تتعلق حروف الجرّ أم ليست حرف جر ولا تتعلق بما قبلها تعلّق حروف الجر من حيث المعنى لا من حيث الإعراب قولان: الأوّل لابن درستويه والزّجاج، والثاني للجمهور وإذا كانت حرف ابتداء فهي للغاية ألا تراها في قول الشاعر:
سريت بهم حتى تكلّ مطيهم ** وحتى الجياد ما يقدن بارسان

وقول الآخر:
فما زالت القتلى تمجّ دماءها ** بدجلة حتى ماء دجلة أشكل

تفيد الغاية لأن المعنى أنه مد همهم في السير إلى كلال المطي والجياد ومجت الدماء إلى تغيير ماء دجلة.
قال الزمخشري: وهي حتى التي يبتدأ بعدها الكلام انتهى، وقال الحوفي وحتى غاية متعلقة بينًا لهم فيحتمل قوله أن يريد التعلق الصّناعي وأن يريد التعلق المعنوي والمعنى أنهم ينالهم حظهم مما كتب لهم إلى أن يأتيهم رسل الموت يقبضون أرواحهم فيسألونهم سؤال توبيخ وتقرير أين معبوداتكم من دون الله؟ فيجيبون بأنهم حادوا عنا وأخذوا طريقًا غير طريقنا أو ضلوا عنا هلكوا واضمحلّوا والرّسل ملك الموت وأعوانه، و{يتوفونهم} في موضع الحال وكتبت {أينما} متّصلة وكان قياسه كتابتها بالانفصال لأن ما موصولة كهي في {إن ما توعدون لآت} إذ التقدير أين الآلهة التي كنتم تعبدون؟ وقيل: معنى {تدعون} أي تستغيثونهم لقضاء حوائجكم وما ذكرناه من أنّ هذه المحاورة بين الملائكة وهؤلاء تكون وقت الموت وأنّ التوفي هو بقبض الأرواح هو قول المفسرين، وقالت فرقة منهم الحسن: {الرسل} ملائكة العذاب يوم القيامة والمحاورة في ذلك اليوم ومعنى {يتوفّونهم} يستوفونهم عددًا في السّوق إلى جهنم ونيل النصيب على هذا إنما هو في الآخرة إذ لو كان في الدّنيا لما تحققت الغاية لانقطاع النّيل قبلها بمدد كثيرة ويحتمل {وشهدوا} أن يكون مقطوعًا على {قَالوا} فيكون من جملة جواب السؤال ويحتمل أن يكون استئناف إخبار من الله تعالى بإقرارهم على أنفسهم بالكفر ولا تعارض بين هذا وبين قوله: {والله ربّنا ما كنا مشركين} لاحتمال ذلك من طوائف مختلفة أو في أوقات وجواب سؤالهم ليس مطابقًا من جهة اللفظ لأنه سؤال عن مكان، وأجيب بفعل وهو مطابق من جهة المعنى إذ تقدير السؤال ما فعل معبودوكم من دون الله معكم {قَالوا ضلوا عنا}. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بئاياته} أي تقوَّل عليه تعالى ما لم يقُلْه أو كذّب ما قاله، أي هو أظلمُ من كل ظالمٍ وقد مر تحقيقه مرارًا {أولئك} إشارةٌ إلى الموصول، والجمعُ باعتبار معناه كما أن إفرادَ الفعلين باعتبار لفظِه، وما فيه من معنى البُعد للإيذان بتماديهم في سوء الحالِ، أي أولئك الموصوفون بما ذُكر من الافتراء والتكذيب {يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُم مّنَ الكتاب} أي مما كُتب لهم من الأرزاق والأعمارِ، وقيل: الكتابُ اللوحُ، أي ما أُثبت لهم فيه وأيًا ما كان فمِن الابتدائيةُ متعلقةٌ بمحذوف وقع حالًا من نصيبهم، أي ينالُهم نصيبُهم كائنًا من الكتاب وقيل: نصيبُهم من العذاب وسوادِ الوجه وزُرقةِ العيون، وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: كُتب لمن يفتري على الله سوادُ الوجهِ قال تعالى: {وَيَوْمَ القيامة تَرَى الذين كَذَبُواْ عَلَى الله وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ} وقوله تعالى: {حتى إِذَا جَاءتْهُمْ رُسُلُنَا} أي ملكُ الموتِ وأعوانُه {يَتَوَفَّوْنَهُمْ} أي حالَ كونِهم مُتوفِّين لأرواحهم يؤيد الأول، فإن حتى وإن كانت هي التي يُبتدَأ بها الكلامُ لكنها غايةٌ لما قبلها فلابد أن يكون نصيبُهم مما يتمتعون بها إلى حين وفاتِهم أي ينالهم نصيبُهم من الكتاب إلى أن يأتيَهم ملائكةُ الموتِ فإذا جاءتهم {قَالُواْ} لهم {أَيْنَ مَا كُنتُمْ تَدْعُونَ مِن دُونِ الله} أي أين الآلهةُ التي كنتم تعبُدونها في الدنيا؟ وما وقعت موصولةً بأين في خط المصحف وحقُّها الفصلُ لأنها موصولة {قَالُواْ} استئنافٌ وقع جوابًا عن سؤال نشأ من حكاية سؤالِ الرسل، كأنه قيل: فماذا قالوا عند ذلك؟ فقيل: قالوا: {ضَلُّواْ عَنَّا} أي غابوا عنا أي لا ندري مكانَهم {وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ} عطفٌ على قالوا أي اعترفوا على أنفسهم {أَنَّهُمْ كَانُواْ} أي في الدنيا {كافرين} عابدين لما لا يَستحِق العبادةَ أصلًا حيث شاهدوا حالَه وضلالَه ولعله أريد بوقت مجيءِ الرسل وحالِ التوفي الزمانُ الممتدُّ من ابتداء المجيءِ والتوفي إلى انتهائه يوم الجزاءِ بناءً على تحقق المجيءِ والتوفي في كل ذلك الزمان بقاءً وإن كان حدوثُهما في أوله فقط، أو قُصد بيانُ غاية سرعةِ وقوعِ البعثِ والجزاء كأنهما حاصلان عند ابتداءِ التوفي كما ينبئ عنه قوله عليه الصلاة والسلام: «من مات فقد قامت قيامتُه» وإلا فهذا السؤال والجوابُ وما ترتب عليهما من الأمر بدخول النارِ وما جرى بين أهلها من التلاعُن والتقاولِ إنما يكون بعد البعثِ لا محالة. اهـ.