فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال القرطبي:

{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ}
ذكر الله عز وجل فيما ينعم به على أهل الجنة نزع الغِلِّ من صدورهم.
والنزع: الاستخراج.
والغِل: الحقد الكامن في الصدر.
والجمع غِلال.
أي أذهبنا في الجنة ما كان في قلوبهم من الغِل في الدنيا.
قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «الغل على باب الجنة كمَبَارك الإبل قد نزعه الله من قلوب المؤمنين» وروى عن عليّ رضي الله عنه أنه قال: أرجو أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم: {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ}.
وقيل: نزع الغل في الجنة ألا يحسد بعضهم بعضًا في تفاضل منازلهم.
وقد قيل أن ذلك يكون عن شراب الجنة، ولهذا قال: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: 21] أي يطهر الأوضَار من الصدور؛ على ما يأتي بيانه في سورة الإنسان والزُّمَر إن شاء الله تعالى.
{وَقَالُواْ الحمد للَّهِ الذي هَدَانَا لهذا} أي لهذا الثواب؛ بأن أرشدنا وخلق لنا الهداية.
وهذا ردّ على القدرية.
{وَمَا كُنَّا} قراءة ابن عامر بإسقاط الواو.
والباقون بإثباتها.
{لِنَهْتَدِيَ} لام كي.
{لولا أَنْ هَدَانَا الله} في موضع رفع.
{ونودوا} أصله.
نودِيوا {أَن} في موضع نصب مخففة من الثقيلة؛ أي بأنه {تِلْكُمُ الجنة}.
وقد تكون تفسيرًا لما نودوا به؛ لأن النداء قول؛ فلا يكون لها موضع.
أي قيل لهم: {تِلْكُمُ الْجَنَّةُ} لأنهم وعدوا بها في الدنيا، أي قيل لهم: هذه تلكم الجنة التي وعدتم بها، أو يقال لهم ذلك قبل الدخول حين عاينوها من بعد.
وقيل: {تِلْكُمُ} بمعنى هذه.
ومعنى {أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي ورثتم منازلها بعملكم، ودخولكم إياها برحمة الله وفضله.
كما قال: {ذلك الفضل مِنَ الله} [النساء: 70] وقال: وقال: {فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مَّنْهُ وَفَضْلٍ} [النساء: 175].
وفي صحيح مسلم: «لن يُدخل أحدًا منكم عَمَلُه الجنة» قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: «ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل» وفي غير الصحيح: «ليس من كافر ولا مؤمن إلا وله في الجنة والنار منزل؛ فإذا دخل أهل الجنة الجنة وأهلُ النار النارَ رُفعت الجنة لأهل النار فنظروا إلى منازلهم فيها، فقيل لهم: هذه منازلكم لو عملتم بطاعة الله. ثم يقال: يا أهل الجنة رِثُوهم بما كنتم تعملون؛ فتقسم بين أهل الجنة منازلهم».
قلت: وفي صحيح مسلم: «لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه في النار يهوديًا أو نصرانيًا» فهذا أيضًا ميراث؛ نعَّم بفضله من شاء وعذب بعدله من شاء.
وبالجملة فالجنة ومنازلها لا تُنال إلا برحمته؛ فإذا دخلوها بأعمالهم فقد ورثوها برحمته، ودخلوها برحمته، إذ أعمالهم رحمة منه لهم وتفضل عليهم.
وقرئ {أُورِثْتُمُوهَا} من غير إدغام.
وقرئ بإدغام التاء في الثاء. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {ونزعنا ما في صدورهم من غل} يعني وقلعنا وأخرجنا ما في صدور المؤمنين من غش وحسد وحقد وعداوة كانت بينهم في الدنيا ومعنى الآية أزلنا تلك الأحقاد التي كانت لبعضهم على بعض في الدنيا فجعلناهم إخوانًا على سرر متقابلين لا يحسد بعضهم بعضًا على شيء خص الله به بعضهم دون بعض ومعنى نزع الغل تصفية الطباع وإسقاط الوساوس ودفعها عن أن ترد على القلب روي عن علي رضي الله عنه قال: فينا والله أهل بدر نزلت {ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا على سرر متقابلين} وروي عنه أيضًا أنه قال إني لأرجوا أن أكون أنا وعثمان وطلحة والزبير من الذين قال الله تعالى فيهم: {ونزعنا ما في صدورهم من غل} وقيل إن الحسد والغل يزول بدخولهم الجنة خ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يخلص المؤمنون من النار يحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا حتى إذا هذبوا ونقوا أذن الله لهم في دخول الجنة فوالذي نفس محمد بيده لأحدهم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله في الدنيا» وقال السدي في هذه الآية: إن أهل الجنة إذا سيقوا إلى الجنة فبلغوا وجدوا عند بابها شجرة في أصل ساقها عينان فشربوا من إحدهما فينزع ما في صدورهم من غل فهو الشراب الطهور واغتسلوا من الأخرى فجرت عليهم نضرة النعيم فلن يشعثوا ولن يسحنوا بعدها أبدًا.
وقيل إن درجات أهل الجنة متفاوتة في العلو والكمال فبعض أهل الجنة أعلى من بعض وأخرج الله عز وجل الغل والحسد من صدورهم وأزاله عنهم ونزعه من قلوبهم فلا يحسد صاحب الدرجة النازلة صاحب العالية، وأورد على هذا القول كيف يعقل أن الإنسان يرى الدرجات العالية والنعم العظيمة وهو محبوس عنها لا يصل إليها ولا يميل بطبعه إليها ولا يغتم بسبب حرمانه منها وإن كان في لذة ونعيم وأجيب عن هذا بأن الله تعالى قد وعد بإزالة الحقد والحسد من قلوب أهل الجنة حتى تكمل لهم اللذة والسرور حتى إن أحدهم لا يرى نفسه إلا في كمال وزيادة في النعيم الذي هو فيه فيرضى بما هو فيه ولا يحسد أحدًا أبدًا وبهذا تم نعيمه ولذته وكمل سروره وبهجته.
وقوله تعالى: {تجري من تحتهم الأنهار} لما أخر الله تعالى بما أنعم به على أهل الجنة من إزالة الغل والحسد والحقد من صدورم أخبرنا بما أنعم به عليهم من اللذات والخيرات والمسرات {وقالوا الحمد لله الذي هدانا لهذا} يعني أن المؤمنين إذا دخلوا الجنة قالوا الحمد لله الذي وفقنا وأرشدنا للعمل الذي هذا ثوابه وتفضل علينا رحمة منه وإحسانًا وصرف عنا عذاب جهنم بفضله وكرمه فله الحمد على ذلك {وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله} يعني وما كنا لنرشد لذلك العمل الذي هذا ثوابه لولا أنه أرشدنا الله إليه ووفقنا بفضله ومنه وكرمه وفي الآية دليل على أن المهتدي من هداه الله ومن لم يهده الله فليس بمهتد {لقد جاءت رسل ربنا بالحق} يعني أن أهل النعيم إذا دخلوها ورأوا ما أعد الله لهم فيها من النعيم قالوا لقد جاءت رسل ربنا بالحق يعني أنهم رأوا ما وعدهم به الرسل عيانًا {ونودوا أن تلكم الجنة} يعني: ونادى منادي أهل الجنة إن هذه الجنة التي كانت الرسل وعدتكم بها في الدنيا واختلفوا في المنادى فقيل هو الله عز وجل وقيل الملائكة ينادون بأمر الله عز وجل وقيل هذا النداء يكون في الجنة م.
عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد إن لكم أن تحيوا فلا تموتوا أبدًا وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدًا وإن لكم أن تشبّوا فلا تهرموا أبدًا وإن لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدًا فذلك قوله عز وجل: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون}».
وقوله تعالى: {أورثتموها بما كنتم تعلمون} روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ما من أحد إلا وله منزل في الجنة ومنزل في النار فأما الكافر فإنه يرث المؤمن منزله من النار والمؤمن يرث الكافر منزله من الجنة» زاد في رواية فذلك قوله تعالى: {أورثتموها بما كنتم تعملون} قال بعضهم لما سمى الله الكافر ميتًا بقوله: {أموات غير أحياء} وسمى المؤمن حيًا بقوله: لينذر من كان حيًا وفي الشرع أن الأحياء يرثون الأموات فقال: {أورثتموها} يعني أن المؤمن حي وهو يرث الكافر منزله من الجنة لأنه في حكم الميت.
وقيل معناه أن أمرهم يؤول إلى الجنة كما أن الميراث يؤول إلى الوارث، وقيل: أورثتموها عن الأعمال الصالحة التي عملتموها لأن الجنة جعلت لهم جزاء وثوابًا على الأعمال ويعارض هذا القول ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «لن يدخل الجنة أحد بعمله وإنما يدخلها برحمة الله» فإن دخول الجنة برحمة الله وانقسام المنازل والدرجات بالأعمال.
وقيل إن العمل الصالح لن يناله المؤمن ولن يبلغه إلا برحمة الله تعالى وتوفيقه وإذا كان العمل الصالح بسبب الرحمة كان دخول الجنة في الحقيقة برحمة الله تعالى وجعلها الله ثوابًا وجزاء لهم على تلك الأعمال الصالحة التي عملوها في دار الدنيا والله أعلم. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ونزعنا ما في صدورهم من غلّ تجري من تحتهم الأنهار} أي أذهبنا في الجنة ما انطوت عليه صدورهم من الحقود.