فصل: تفسير الآية رقم (50):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج سعيد بن منصور، وابن المنذر، عن حذيفة قال: الأعراف سور بين الجنة والنار.
وأخرج عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، والبيهقي في البعث والنشور، عن ابن عباس قال: الأعراف هو الشيء المشرف.
وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وأبو الشيخ، عنه، قال: الأعراف سور له عرف كعرف الديك.
وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، عن سعيد بن جبير، قال: الأعراف جبال بين الجنة والنار، فهم على أعرافها، يقول على ذراها.
وأخرج ابن جرير، عن ابن عباس، أنها تل بين الجنة والنار حبس عليه ناس من أهل الذنوب وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن جرير، قال: زعموا أنه الصراط.
وأخرج ابن جرير، عن حذيفة قال: أصحاب الأعراف قوم كانت لهم أعمال أنجاهم الله بها من النار، وهم آخر من يدخل الجنة، قد عرفوا أهل الجنة وأهل النار.
وأخرج ابن جرير، عن ابن مسعود: أنهم من استوت حسناتهم وسيئاتهم يقفون على الصراط.
وأخرج ابن جرير عن حذيفة نحوه.
وكذا أخرج نحوه عنه عبد الرزاق، وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ.
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، وابن عساكر، عن جابر بن عبد الله نحوه.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف؟ فقال: «هم آخر من يفصل بينهم من العباد، فإذا فرغ رب العالمين من الفصل بين العباد، قال: أنتم قوم أخرجتكم حسناتكم من النار، ولم تدخلوا الجنة فأنتم عتقائي، فارعوا من الجنة حيث شئتم» قال ابن كثير: وهذا مرسل حسن.
وأخرج البيهقي في البعث عن حذيفة أراه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يجمع الناس يوم القيامة، فيؤمر بأهل الجنة إلى الجنة، ويؤمر بأهل النار إلى النار، ثم يقال لأصحاب الأعراف ما تنتظرون؟ قالوا: ننتظر أمرك، فيقال لهم: إن حسناتكم تجاوزت بكم النار أن تدخلوها، وحالت بينكم وبين الجنة خطاياكم، فادخلوا بمغفرتي ورحمتي» وأخرج سعيد بن منصور، وابن منيع، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، والطبراني، وأبو الشيخ وابن مردويه، والبيهقي في البعث، عن عبد الرحمن المزني قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصحاب الأعراف؟ فقال: «هم قوم قتلوا في سبيل الله في معصية آبائهم، فمنعهم من النار قتلهم في سبيل الله، ومنعهم من الجنة معصيتهم آباءهم» وأخرج الطبراني، وابن مردويه بسند ضعيف عن أبي سعيد الخدري مرفوعا نحوه.
وأخرج ابن مردويه، والبيهقي في البعث، عن أبي هريرة مرفوعا نحوه أيضا.
وأخرج الحارث بن أبي أسامة في مسنده، وابن جرير، وابن مردويه، عن عبد الله بن مالك الهلالي، عن أبيه مرفوعا نحوه.
وأخرج ابن مردويه، عن ابن عباس مرفوعا نحوه.
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، عن رجل من مزينة مرفوعا نحوه.
وأخرج أبو الشيخ، عن أبي عبيدة بن محمد بن عمار، أنه سئل عن قوله: {لم يدخلوها وهم يطمعون} قال: سلمت عليهم الملائكة وهم لم يدخلوها وهم يطمعون أن يدخلوها حين سلمت.
وأخرج ابن جرير، وأبو الشيخ، عن السدي قال: أصحاب الأعراف يعرفون الناس بسيماهم، أهل النار بسواد وجوههم، وأهل الجنة ببياض وجوههم، فإذا مروا بزمرة يذهب بهم إلى الجنة، قالوا سلام عليكم، وإذا مروا بزمرة يذهب بها إلى النار قالوا ربنا لا تجعلنا مع القوم الظالمين.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم، عن ابن عباس {ونادى أصحاب الأعراف رجالا} قال: في النار {يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم وما كنتم تستكبرون} قال الله لأهل التكبر {أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة}؟ يعني أصحاب الأعراف {ادخلوا الجنة لا خوف عليكم ولا أنتم تحزنون}. اهـ.

.تفسير الآية رقم (50):

قوله تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ (50)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما تقدم نداء أصحاب الجنة عندما حصل لهم السرور بدخولها لأصحاب النار بما يؤلم وينكي، وختم بهذه الرحمة التي تطمع المحروم فيما يسر ويزكي، أخبر أن أصحاب النار ينادون أصحاب الجنة عندما حصل لهم من الغم بدخولها، لكن بما شأنه أن يرقق ويبكي، فقال ما يدل على أن عندهم كل ما نفي عن أهل الجنة في ختام الأية السالفة من الخوف والحزن: {ونادى أصحاب النار} أي بعد الاستقرار {أصحاب الجنة} بعد أن عرفهم إياهم وأمر الجنة فتزخزفت فكان ذلك زيادة في عذابهم؛ ثم فسر المنادى به فقال: {أن أفيضوا علينا من الماء} أي لأنكم أعلى منا، فإذا أفضتموه وصل إلينا، وهذا من فرط ما هم فيه من البلاء، فإن بين النار والجنة أهوية لا قرار لها ولا يمكن وصول شيء من الدارين إلى الأخرى معها.
ولما كانت الإفاضة تتضمن الإنزال قالوا: {أو} أي أو أنزلوا علينا {مما رزقكم الله} أي الذي له الغنى المطلق، من أيّ شيء هان عليكم إنزاله {قالوا} أي أصحاب الجنة {إن الله} أي الذي حاز جميع العظمة {حرمهما} أي منعهما بتلك الأهوية وغيرها من الموانع {على الكافرين} أي الساترين لما دلهم عليه قويم العقل وصريح النقل. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى لما بين ما يقوله أصحاب الأعراف لأهل النار، أتبعه بذكر ما يقوله أهل النار لأهل الجنة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: لما صار أصحاب الأعراف إلى الجنة طمع أهل النار بفرج بعد اليأس فقالوا: يا رب إن لنا قرابات من أهل الجنة فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم، فأمر الله الجنة فتزحزحت، ثم نظر أهل جهنم إلى قراباتهم في الجنة وما هم فيه من النعيم فعرفوهم، ونظر أهل الجنة إلى قراباتهم من أهل جهنم فلم يعرفوهم، وقد اسودت وجوههم وصاروا خلقًا آخر، فنادى أصحاب النار أصحاب الجنة بأسمائهم وقالوا: {أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الماء} وإنما طلبوا الماء خاصة لشدة ما في بواطنهم من الاحتراق واللهيب بسبب شدة حر جهنم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

وقوله: {أَفِيضُواْ} كالدلالة على أن أهل الجنة أعلى مكانًا من أهل النار.
فإن قيل: أسألوا مع الرجاء، والجواز، ومع اليأس؟
قلنا: ما حكيناه عن ابن عباس يدل على أنهم طلبوا الماء مع جواز الحصول.
وقال القاضي: بل مع اليأس، لأنهم قد عرفوا دوام عقابهم وأنه لا يفتر عنهم، ولكن الآيس من الشيء قد يطلبه كما يقال في المثل: الغريق يتعلق بالزبد، وإن علم أنه لا يغيثه.
وقوله: {أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} قيل إنه الثمار، وقيل إنه الطعام، وهذا الكلام يدل على حصول العطش الشديد، والجوع الشديد لهم، عن أبي الدرداء أن الله تعالى يرسل على أهل النار الجوع حتى يزداد عذابهم، فيستغيثون فيغاثون بالضريع لا يسمن ولا يغني من جوع.
ثم يستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصة، ثم يذكرون الشراب ويستغيثون فيدفع إليهم الحميم والصديد بكلاليب الحديد فيقطع ما في بطونهم، ويستغيثون إلى أهل الجنة كما في هذه الآية فيقول أهل الجنة: {إن الله حرمهما على الكافرين}، ويقولون لمالك: {لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} [الزخرف: 77] فيجيبهم على ما قيل بعد ألف عام، ويقولون: {رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا} [المؤمنون: 107] فيجيبهم {اخسئوا فِيهَا وَلاَ تُكَلّمُونِ} [المؤمنون: 108] فعند ذلك ييأسون من كل خير، ويأخذون في الزفير والشهيق.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه ذكر في صفة أهل الجنة أنهم يرون الله عز وجل كل جمعة، ولمنزل كل واحد منهم ألف باب، فإذا رأوا الله تعالى، دخل من كل باب ملك معه الهدايا الشريفة وقال: إن نخل الجنة خشبها الزمرد، وترابها الذهب الأحمر، وسعفها حلل وكسوة لأهل الجنة، وثمرها أمثال القلال أو الدلاء، أشد بياضًا من الفضة وألين من الزبد وأحلى من العسل، لا عجم له، فهذا صفة أهل الجنة، وصفة أهل النار، ورأيت في بعض الكتب: أن قارئًا قرأ قوله تعالى حكاية عن الكفار: {أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الماء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} في تذكرة الأستاذ أبي علي الدقاق، فقال الأستاذ: هؤلاء كانت رغبتهم وشهوتهم في الدنيا في الشرب والأكل، وفي الآخرة بقوا على هذه الحالة، وذلك يدل على أن الرجل يموت على ما عاش عليه، ويحشر على ما مات عليه، ثم بين تعالى أن هؤلاء الكفار لما طلبوا الماء والطعام من أهل الجنة قال أهل الجنة {إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا عَلَى الكافرين} ولا شك أن ذلك يفيد الخيبة التامة. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله عز وجل: {ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الماء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} أي اسقونا من الماء أو شيئًا من الفواكه وثمار الجنة فإنّ فينا من معارفكم.
فعلم الله تعالى أن ابن آدم غير مستغن عن الطعام والشراب وإن كان في العذاب.
فأجابهم أهل الجنة: {قَالُواْ إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا عَلَى الكافرين} يعني: الماء والثمار.
وروي في الخبر أنَّ أبا جهل بن هشام بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستهزئ به: أطعمني من عنب جنتك أو شيئًا من الفواكه.
فقال لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: «قُلْ لَهُ: إنَّ الله حَرَّمَهُما عَلَى الكَافِرِينَ». اهـ.

.قال الثعلبي:

{ونادى أَصْحَابُ النار أَصْحَابَ الجنة أَنْ أَفِيضُواْ} صبّوا وأوسعوا {عَلَيْنَا مِنَ الماء أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} من طعام الجنّة {قالوا إِنَّ الله حَرَّمَهُمَا} يعني الماء والطعام {عَلَى الكافرين} قال أبو الجوزاء: سألت ابن عباس: أي الصدقة أفضل قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصدقة الماء ألا رأيت أهل النار لما استغاثوا بأهل الجنّة قالوا أفيضوا علينا من الماء». اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {... أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ} فيه وجهان:
أحدهما: من ماء الرحمة ومما رزقكم الله من القربة.
والثاني: من ماء الحياة ومما رزقكم الله من النعم. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة} الآية، لفظة النداء تتضمن أن أهل النار وقع لهم علم بأن أهل الجنة يسمعون نداءهم، وجائز أن يكون ذلك وهم يرونهم بإدراك يجعله الله لهم على بعد السفل من العلو، وجائز أن يكون ذلك وبينهم السور والحجاب المتقدم الذكر، وروي أن ذلك النداء هو عند إطلاع أهل الجنة عليهم، و{أن} في قوله: {أن أفيضوا} مفسرة بمعنى أي، وفاض الماء إذا سال وإنماع وأفاضه غيره، وقوله: {أو مما رزقكم الله} إشارة إلى الطعام قاله السدي، فيقول لهم أهل الجنة إن الله حرم طعام الجنة وشرابها على الكافرين.
قال القاضي أبو محمد: والأشنع على الكافرين في هذه المقالة أن يكون بعضهم يرى بعضًا فإنه أخزة وأنكى للنفس، وإجابة أهل الجنة بهذا الحكم هو عن أمر الله تعالى، وذكر الزهراوي: أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أفضل الصدقة بالماء»، يعني عند الحاجة إليه إذ هو ألذ مشروب وأنعشها للنفس، واستسقى الشعبي عند مصعب فقال له أي الأشربة تحب؟ فقال أهونها موجودًا وأعزها مفقودًا، فقال له مصعب: يا غلام هات الماء. اهـ.