فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



على معنى التّحسّر والتّندم.
و{من} زائدة للتّوكيد.
على جميع التّقادير.
فتفيد توكيد العموم في المستفهم عنه، ليفيد أنّهم لا يسألون عمن توهموهم شفعاء من أصنامهم، إذ قد يئسوا منهم.
كما قال تعالى: {وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء} [الأعراف: 94] بل هم يتساءلون عن أي شفيع يشفع لهم.
ولو يكون الرّسول عليه الصّلاة والسّلام الذي ناصبوه العَداء في الحياة الدّنيا.
ونظيره قوله تعالى في سورة المؤمن (11): {فهل إلى خروج من سبيل} وانتصب {فيشفعوا} على جواب الاستفهام، أو التّمنّي، أو النّفي.
والشفعاء جمع شفيع وهو الذي يسعى بالشّفاعة، وهم يُسمّون أصنامهم شفعاء قال تعالى: {ويقولون هؤلاء شفعاؤنا عند الله} [يونس: 18].
وتقدّم معنى الشّفاعة عند قوله تعالى: {ولا يقبل منها شفاعة} في سورة البقرة (48).
وعند قوله: {من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة} في سورة البقرة (254) وعند قوله: {من يشفع شفاعة حسنة} في سورة النّساء (85).
وعطف فعل {نرد} بـ {أو} على مدخول الاستفهام، فيكون الاستفهام عن أحد الأمرين، لأنّ أحدهما لا يجتمع مع الآخر، فإذا حصلت الشّفاعة فلا حاجة إلى الردّ، وإذا حصل الردّ استغني عن الشّفاعة.
وإذ كانت جملة {لنا من شفعاء} واقعة في حيز الاستفهام، فالتي عطفت عليها تكون واقعة في حيز الاستفهام، فلذلك تعين رفع الفعل المضارع في القراءات المشهورة، ورفعه بتجّرده عن عامل النّصب وعامل الجزم، فوقع موقع الاسم كما قدّره الزمخشري تبعًا للفراء، فهو مرفوع بنفسه من غير احتياج إلى تأويل الجملة التي قبله، بردّها إلى جملة فعليّة، بتقدير: هل يشفع لنا شفعاء كما قدّره الزّجاج، لعدم المُلجئ إلى ذلك، ولذلك انتصب: {فنعمل} في جواب {نرد} كما انتصب {فيشفعوا} في جواب {فهل لنا من شفعاء}.
والمراد بالعمل في قولهم: {فنعمل} ما يشمل الاعتقاد، وهو الأهم، مثل اعتقاد الوحدانيّه والبعث وتصديق الرّسول عليه الصّلاة والسّلام، لأنّ الاعتقاد عمل القلب، ولأنّه تترتّب عليه آثار عمليّة، من أقوال وأفعال وامتثال.
والمراد بالصّلة في قوله: {الذي كنا نعمل} ما كانوا يعملونه من أمور الدين بقرينة سياق قولهم: {قد جاءت رسل ربنا بالحق} أي فنعمل ما يغاير ما صممنا عليه بعد مجيء الرّسول عليه الصّلاة والسّلام.
وجملة: {قد خسروا أنفسهم} مستأنفة استئنافًا ابتدائيًا تذييلًا وخلاصة لقصّتهم، أي فكان حاصل أمرهم أنّهم خسروا أنفسهم من الآن وضلّ عنهم ما كانوا يفترون.
والخسارة مستعارة لعدم الانتفاع بما يرجى منه النّفع، وقد تقدّم بيان ذلك عند قوله تعالى: {الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون} في سورة الأنعام، (12) وقوله: {فأولئك الذين خسروا أنفسهم} في أوّل هذه السّورة (9).
والمعنى: أنّ ما أقحموا فيه نفوسهم من الشّرك والتّكذيب قد تبيّن أنّه مفض بهم إلى تحقّق الوعيد فيهم، يوم يأتي تأويل ما توعّدهم به القرآن، فبذلك تحقّق أنّهم خسروا أنفسهم من الآن، وإن كانوا لا يشعرون.
وأما قوله: {وضل عنهم ما كانوا يفترون} فالضّلال مستعار للعدم طريقة التّهكّم شبه عدم شفعائهم المزعومين بضلال الإبل عن أربابها تهكّمًا عليهم، وهذا التّهكّم منظور فيه إلى محاكاة ظنّهم يوم القيامة المحكي عنهم في قوله قبل {قالوا ضلوا عنا} [الأعراف: 37].
و{مَا} من قوله: {ما كانوا يفترون} موصولة، ما صْدَقها الشّفعاء الذين كانوا يدعونهم من دون الله.
وحُذف عائد الصّلة المنصوب، أي ما كانوا يفترونه، أي يَكْذِبونه إذ يقولون {هؤلاء شفعاؤنا} [يونس: 18]، وهم جماد لاحظَّ لهم في شؤون العقلاء حتى يشفعوا، فهم قد ضلوا عنهم من الآن ولذلك عبّر بالمضي لأنّ الضّلال المستعار للعدم متحقّق من ماضي الأزمنة. اهـ.

.قال الشعراوي:

{هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ}
وما معنى التأويل؟.. التأويل هو ما يؤول إليه الشيء، هو العاقبة التي يعدها الحق، فالرحمة والجنة لمن آمن، والنار لمن كفر، والحق هو من يقول ويملك قوله لأن الكون كله بيده.
وهنا يقول سبحانه وتعالى: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ تَأْوِيلَهُ} أي هل ينتظرون إلا لمرجع الذي يؤول إليه عملهم؟ إن مرجعهم الأخير هو العذاب بعد الحساب يوم يأتي تأويل وغاية وعاقبة ما عملوا.
وحين يأتي يوم القيامة ويتضح الحق ويظهر صدق ما جاء به الرسول من الوعد والوعيد ماذا سيكون قولهم؟.. سيقولون ما أورده سبحانه على ألسنتهم: {يَقُولُ الذين نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق} أي أنهم سيعلنون التصديق حين لا ينفع هذا التصديق؛ لأنهم لن يكونوا في دار التكليف، سيقرون بالإِيمان لحظة لا ينفعهم ذلك. {يَقُولُ الذين نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَآ...} [الأعراف: 53]
هم إذن يقرون بأن الرسل حملت المنهج الحق ويتساءلون عن الشفيع. ونعلم أن الشفيع لابد أن يكون محبوبًا عند من يشفع عنده، ونحن في الدنيا نجد من يبحث لنفسه عمن يشفع له عند صاحب جاه يكون أثيرا وعزيزا لديه، أو يكون له كلمة وفضل عليه فلا يرد عليه كلمته. فمن يأتي يوم القيامة بالشفاعة لهؤلاء؟.. لا أحد، وسنجدهم يتخذون الشفعاء من الذين اتخذوهم أندادًا لله. وسيعلن هؤلاء أيضًا الكراهية لهم، ولو مكنهم الله من الشفاعة ما أعطوها للكافرين المشركين؛ ففي الدنيا كان هؤلاء مؤتمرين بأمر البشر وضلالاتهم. أما يوم الحساب فلا أحد خاضع لإِرادة أحد، حتى الجوارح لا تخضع لإِرادة صاحبها، بل هي خاضعة للحق الأعلى. وفي الآخرة لا مرادات لأحد.
وقد ضربنا من قبل المثل وقلنا: هب أن سرية في جيش ما وعليها قائد صغير برتبة ضابط، ومفروض في جنود السرية أن ينفذوا كلامه، ثم راحوا لموقعة وأعطاهم الضابط الصغير أوامر خاطئة بما له من فرض إرادة عليهم فنفذوا ما أمروا به. ولحظة أن يعودوا ويحاسبهم القائد الأعلى فسيقولون: لقد فعلنا ما أمرنا به الضابط المكلف بقيادتنا، وكذلك ستأتي الجوارح في الآخرة: تشهد عليهم أيديهم وأرجلهم وألسنتهم وجلودهم.
إذن فالأبعاض سترفع شكواها إلى الله يوم ألا يكون لأحد من ملك سواه، ويومئذ سيقول المكذبون الصدق الذي لن ينفعهم. {قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق...} [الأعراف: 53]
وسوف يبحثون عن شفاعة، لكنهم لن يجدوا، بل إن أول من يسخر من الذين عبدوا غير الله هم المعبودون أنفسهم.
ولذلك نجد قوله الحق سبحانه: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ} [الأنبياء: 98]
وما ذنب المعبود؟.. إن الأصنام لا ذنب لها، بل كل منها يريد أن يشفي نفسه بأن يكون أداة تعذيب لمن أعطوه غير حقه.
ولذلك نجد أن الأحجار التي عُبدت تقول: عبدونا ونحن أعبد لله من القائمين بالأسحار؛ لأن القائم في الأسحار من الأغيار قد يختار أمرًا غير هذا، ولكنا كنا مقهورين على الطاعة، وقد اتخذوا صمتنا علينا دليلًا.
إن الأحجار تعلن أنها لم تكن تملك قدرة رفض أن يعبدها أحد أو أن تعبده عنها وتعلن له غباءه.
والشاعر يقول:
قد تجنوا جهلا كما قد تجنوا ** على ابن مريم والحواري

للمغالي جزاؤه والمغالي ** فيه تنجيه رحمة الغفار

وهكذا يأتيهم الحق واضحًا يوم القيامة.
إنهم سيطلبون العودة إلى الدنيا، وهذا من الخيبة؛ لأن مثل هذا الإِقرار ليس من الإِيمان، فالإِيمان يكون بالغيب لا في المشهد. وحتى ولو عادوا، فلن يؤمنوا!.
والحق هو القائل: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ...} [الأنعام: 28]
وكأنهم نسوا لحظة إقرارهم أنهم من الأغيار، وأتى فيهم القول الفصل من الله. {... قَدْ خسروا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَّا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} [الأعراف: 53]
لقد جاء لهم الخسران بعد أن غاب عنهم ما كانوا يفترون على الله في الدنيا، إنهم رفضوا عبادته سبحانه وعبدوا غيره أصنامًا صارت وقودًا للنار التي سيصلونها. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابَ النَّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنَا مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا فَهَلْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا قَالُوا نَعَمْ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَنْ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ (44)} إلى قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ فَهَلْ لَنَا مِنْ شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُوا لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ قَدْ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ (53)}
التفسير: ولما شرح وعيد الكفار وثواب الأبرار أتبعه المناظرات التي تدور بين الفريقين فقال: {ونادى} وإنما ذكره بلفظ الماضي لأن المستقبل الذي يخبر الله تعالى عنه من حيث تحقق وقوعه كالماضي. والظاهر أن هذا النداء إنما يكون بعد الاستقرار في الجنة لأنه ورد بعد قوله: {ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها}
قيل: الجنة في أعلى السموات والنار في أسفل الأرض. ومع هذا البعد الشديد كيف يصح هذا النداء؟ وأجيب بأن البعد الشديد والقرب عندنا ليس من موانع الإدراك، ولو سلم المنع في الشاهد فلا يسلم في الغائب. وهذا النداء يقع من كل أهل الجنة لكل أهل النار لأن أصحاب الجنة وأصحاب النار يفيد العموم لكن الجمع إذا قرن بالجمع يوزع الفرد على الفرد، فكل فريق من أهل الجنة ينادي من كان يعرفه من الكفار. و{أن} في {إن قد وجدنا} مفسرة أو مخففة من الثقيلة كما مر في قوله: {أن تلكم الجنة} [الأعراف: 43] وكذا قوله: {أن لعنة الله} لأن النداء والتأذين في معنى القول: قال ابن عباس: {وجدنا ما وعدنا ربنا} في الدنيا من الثواب {حقًا} صحيحًا مطابقًا للواقع {فهل وجدتم ما وعد ربكم} من العقاب {حقًا} والغرض من هذا الاستفهام إظهار الشاشة والاغتباط وإيقاع الحزن في قلب العدو، وفي هذه الحكاية لطف للمؤمنين وترغيب كما في سائر الأخبار. وإنما حذف المفعول في {وعد ربكم} لدلالة المفعول في {وعدنا} عليه، ولأن كونهم مخاطبين من قبل الله تعالى بهذا الوعد يوجب مزيد التشريف وأنه لا يليق إلا بحال المؤمنين ويحتمل أن يكون الإطلاق ليتناول كل ما وعد الله من البعث والحساب والثواب والعقاب وسائر أحوال القيامة {قالوا نعم} قال سيبويه: نعم عدة وتصديق أي تستعمل تارة عدة وتارة تصديقًا.
فإذا قال: أتعطيني؟ قال: نعم، فهو عدة. وإذا قال: قد كان كذا وكذا فقلت: نعم فقد صدقت. والحاصل أن نعم للتصديق في الخبر والتحقيق في الاستفهام مثبتين كانا أو منفيين. فلو قيل: قام زيد أو أقام زيد فتقول: نعم. كان معناه نعم قام زيد مصدقًا أو محققًا ولو قيل: ما قام زيد أو ألم يقم زيد فقلت: نعم. كان المعنى ما قام زيد مصدقًا أو محققًا ومن ثم قال ابن عباس: لو قالوا في جواب {ألست بربكم} [الأعراف: 172] نعم لكان كفرًا. هذا من حيث اللغة وقد يكون العرف على خلاف ذلك كقول الفقهاء. لو قيل أليس لي عليك دينار فقلت: نعم التزمت بالدينار بناء على العرف الطارئ بعد الوضع. وكنانة تكسر العين من نعم. وروي عن عمر أنه سأل قومًا عن شيء فقالوا: نعم فقال عمر: أما النعم فالإبل وقولوا نعم وأنكر هذه الرواية أبو عبيد {فأذن مؤذن} قال ابن عباس: هو الملك صاحب الصور يأمره الله فينادي نداء يسمع أهل الجنة وأهل النار. ومعنى التأذين النداء والتصويت للإعلام ومنه الأذان لأنه إعلام بالصلاة وبوقتها. والظالمون في الآية قيل: عام للكافر والفاسق والظاهر أنهم الكفار لأن الصد عن سبيل الله أي المنع عن قبول الدين الحق بالقهر أو بالحيلة وإلقاء الشكوك والشبهات في الدلائل وهو المراد بقوله: {ويبغونها عوجًا} وقد مر في آل عمران. والكفر بالآخرة كلها من أوصاف الكفرة وإنما قدم بالآخرة تصحيحًا لفواصل الآي ولم يزد لفظة هم هنا على القياس. وأما في سورة هود فلما تقدم {هؤلاء الذين كذبوا على ربهم} وقال: {ألا لعنة الله على الظالمين} [الآية: 18] ولم يقل عليهم والقياس ذلك التبس أنهم هم أم غيرهم فكرر ليعلم أنهم هم المذكرون لا غيرهم. ثم وصف أهل الجنة والنار فقال: {وبينهما} يعني بين الجنة والنار أو بين الفريقين {حجاب} وهو السور المذكور في قوله سبحانه: {فضرب بينهم بسور له باب} [الحديد: 13] قيل: أي حاجة إلى ضرب هذا السور والجنة فوق السموات والجحيم في أسفل سافلين. وأجيب بأن بعد أحدهما عن الآخر لا يمنع أن يكون بينهما سور وحجاب. والأعراف لغة جمع عرف بالضم وهو الرمل المرتفع ومنه عرف الفرس وعرف الديك، وكل مرتفع من الأرض عرف لأنه بسبب ارتفاعه يصير أعرف مما انخفض منه. الأعراف في الآية يفسر بالمكان تارة وبغيره أخرى. أما الذين فسروه بالمكان وهم الأكثرون فقال: إن الأعراف أعلى أعالي السور المضروب بين الجنة والنار ويروى عن ابن عباس.