فصل: من فوائد صاحب المنار في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وعنه أيضًا أن الأعراف شرف الصراط وعلى هذا التفسير فالذين هم على الأعراف من هم فيه قولان: أحدهما أنهم أقوام يكونون في الدرجة العليا من الثواب. وثانيهما: أنهم في الدرجة النازلة. وعلى الأول فيه وجوه: فقال أبو مجلز: هم ملائكة يعرفون أهل الجنة وأهل النار. فقيل له: يقول الله تعالى: {وعلى الأعراف رجال} وأنت تقول: إنهم ملائكة. فقال: الملائكة ذكور لا إناث. ويرد عليه أن الرجل لغة يطلق على من يصلح أن يكون من نوعه أنثى بل يطلق على الذكر من بني آدم. وقيل: إنهم الأنبياء عليهم السلام أجلسهم الله تعالى على ذلك المكان العالي إظهارًا لشرفهم وليكونوا مشرفين على الفريقين مطلعين على أحوالهم ومقادير ثوابهم وعقابهم. وقيل: إنهم الشهداء. وعلى القول الثاني قيل: إنهم قوم تساوت حسناتهم وسيئاتهم أوقفهم الله على هذه الأعراف لأنها درجة متوسطة بين الجنة والنار. ثم تؤل عاقبة أمرهم إلى الجنة برحمة من الله وفضل قاله حذيفة وابن مسعود واختاره الفراء. وخصصه بعضهم فقال: هم قوم خرجوا إلى الغزو بغير إذن أمهاتهم فاستشهدوا فساوت معصيتهم طاعتهم وفي هذا التخصيص نظر. وقال عبد الله بن الحرث: إنهم مساكين أهل الجنة. وقال قوم: هم الفساق من أهل الصلاة يعفو الله عنهم ويسكنهم الأعراف. وأما الذين فسروه بغير المكان وهو قول الحسن والزجاج فقد قالوا: إن المعنى وعلى معرفة أهل الجنة والنار رجال يميزون البعض من البعض إما بالإلهام أو بتعريف الملائكة. قال الحسن: والله لا أدري لعل بعضهم الآن معنا. وعلى جميع التفاسير فهم يعرفون أهل الجنة وأهل النار. قال قوم: يعرفون أهل الجنة بكون وجوههم ضاحكة مستبشرة مبيضة، وأهل النار بسواد وجوههم وزرقة عيونهم. وزيف بأن هذا النوع من المعرفة عام لأهل المحشر فلا وجه لتخصيص أصحاب الأعراف بذلك. ويمكن أن يقال: إن معرفتهم لكونهم على الأمكنة المرتفعة آمنين. وقال المحققون: إنهم كانوا يعرفون أهل الخير والإيمان والصلاة وأهل الشر والكفر والإفساد وهم كانوا في الدنيا شهداء الله على أهل الإيمان والطاعة وعلى أهل الكفر والمعصية، فهو تعالى يجلسهم على الأعراف ليكونوا مطلعين على الكل يشهدون على كل أحد بما يليق به. ثم قال: {ونادوا أصحاب الجنة أن سلام عليكم} أي إنهم إذا نظروا إلى الجنة سلموا على أهلها. ثم أخبر على سبيل الاستئناف أن أهل الأعراف لم يدخلوا الجنة {وهم يطمعون} كأن سائلًا سأل عن حالهم أو على أنه صفة أخرى لرجال. فإن قلنا: إن أصحاب الأعراف هم الأشراف فيكون الله تعالى أخر إدخالهم الجنة ليطلعوا على أحوال أهل الجنة والنار، ثم إنه تعالى ينقلهم إلى الدرجات العلا في الجنة كما روي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: «ان أهل الدرجات العلا ليراهم من تحتهم كما ترون الكوكب الدريّ في وسط السماء وإن أبا بكر وعمر منهم».
ومعنى يطمعون على هذا يتيقنون كقول إبراهيم: {والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين} [الشعراء: 82] ولا يخفى ما في هذه العبارة من حسن الأدب. وإن قلنا أصحاب الأعراف هم الأوساط فلا إشكال لأنهم يطمعون من فضل الله وإحسانه أن ينقلهم من ذلك الموضع إلى الجنة {وإذا صرف أبصارهم تلقاء أصحاب النار} قال الواحدي: التلقاء جهة اللقاء وهي جهة المقابلة وهو في الأصل مصدر استعمل ظرفًا. ولم يأت من المصادر على تفعال بالكسر إلا حرفان تبيان وتلقاء وإنه في الاسم كثير كتمثال وتقصار، والمعنى أنه كلما وقعت أبصار أصحاب الأعراف على أهل النار تضرعوا إلى الله تعالى أن لا يجعلهم من زمرتهم. وفي بناء الفعل للمفعول وإن لم يقل وإذا أبصروا فائدة هي أن صارفًا يصرف أبصارهم لينظروا فيستعيذوا ويوبخوا. ثم بين أن أصحاب الأعراف ينادون رجالًا من أكابر أهل النار واستغنى عن التصريح بهم بوصفهم بما لا يليق إلا بهم فقال: {ونادى أصحاب الأعراف رجالًا يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم} المال أو كثرتكم واجتماعكم {وما كنتم تستكبرون} عن الحق وعلى الناس، وفيه تبكيت للمخاطبين وشماتة بهم، ثم زادوا في التبكيت مشيرين إلى فريق من أهل الجنة كانوا يستضعفونهم ويستقلون أحوالهم، وربما استهزؤا بهم وأنفوا من مشاركتهم في دينهم لقلة حظوظهم من الدنيا فقالوا: {أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة} أما قوله: {ادخلوا الجنة} إلى آخر الآية. فمن قول الله تعالى لأصحاب الأعراف، أو من قول الملائكة لهم بأمره، أو من قول بعضهم لبعض وذلك بعد أن يحبسوا ويجلسوا على الأعراف وينظروا إلى الفريقين ويقولوا. قال المفسرون: الرجال هاهنا الوليد بن المغيرة وأبو جهل ابن هشام والعاص بن وائل السهمي ونظراؤهم. وكانوا يقولون إن بلالًا وسلمان وعمارًا وأمثالهم يدخلهم الله الجنة ويدخلنا النار كلًا والله إن الله لا يفضل علينا خدمنا ورعاتنا، أقسموا أن لا يخصهم بفضل دونهم فناداهم أصحاب الأعراف.
ثم ختم المناظرت بقوله: {ونادى أصحاب النار أصحاب الجنة} قال ابن عباس: لما صار أصحاب الأعراف إلى الجنة طمع أهل النار بفرج بعد اليأس فقالوا: ربنا إن لنا قرابات من أهل الجنة فأذن لنا حتى نراهم ونكلمهم، فأمر الله بالجنة فزخرفت ثم نظر أهل جهنم إلى قراباتهم في الجنة وما هم فيه من النعيم فعرفوهم، ونظر أهل الجنة إلى قراباتهم من أهل جهنم فلم يعرفوهم قد اسودت وجوههم وصاروا خلقًا آخر، فنادى أصحاب النار أصحاب الجنة بأسمائهم وقالوا: {أفيضوا علينا من الماء} طلبوا الماء أوّلًا لما في بواطنهم من الاحتراق الشديد.
وفي الإفاضة نوع دلالة على أن أهل الجنة أعلى مكانًا من أهل النار. قال بعض العلماء: إنهم سألوا ذلك مع جواز الحصول. وقال آخرون: بل مع اليأس لأنهم عرفوا دوام عقابهم ولكن الآيس من الشيء قد يطلبه كما يقال في المثل: الغريق يتعلق بالزبد. وإن علم أنه لا يغنيه. قوله: {أو مما رزقكم الله} قيل: أي سائر الأشربة لدخوله في حكم الإفاضة. وقيل: أي من الثمار أو الطعام. والمراد: وألقوا علينا من الطعام والفاكهة كقوله:
علفتها تبنًا وماءً باردًا

فيكون في الآية دليل على نهاية عطشهم وشدّة جوعهم. ثم كأن سائلًا سأل فبماذا أجابهم أهل الجنة؟ فقيل: {قالوا إن الله حرمهما على الكافرين} أي منعهم شراب الجنة وطعامها كما يمنع المكلف ما يحرم عليه وهذه نهاية الحسرة والخيبة أعاذنا الله منها. ثم وصف هؤلاء الكافرين بأنهم {الذين اتخذوا دينهم لهوًا ولعبًا وغرتهم الحياة} وقد مر تفسير الوصفين في أوسط سورة الأنعام. وقال ابن عباس: يريد المستهزئين المقتسمين، وجملة الأمر أن الإنسان يطمع في طول العمر وحسن العيش وكثرة الماء وقوة الجاه فلشدة رغبته في هذه الأشياء يصير محجوبًا عن طلب الدين غريقًا في بحر الدنيا ومشتهياتها. ثم ذكر جزاءهم يوم القيامة على سبيل الحكاية فقال: {فاليوم ننساهم} أي نتركهم في عذابهم كما تركوا العمل للقاء يومهم هذا قاله الحسن ومجاهد والسدي والأكثرون، وقيل: أي نعاملهم معاملة من نسي بتركهم في النار كما فعلوا هم في الإعراض عن آياتنا، فسمي جزاء النسيان نسيانًا كقوله: {وجزاء سيئة سيئة} [الشورى: 40] والحاصل أنه لا يجيب دعائهم ولا يرحم ضعفهم وذلهم. عن أبي الدرداء أن الله تعالى يرسل على أهل النار الجوع حتى يزداد عذابهم فيستغيثون فيغاثون بالضريع الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، ثم يستغيثون فيغاثون بطعام ذي غصة، ثم يذكرون الشراب فيستغيثون إلى أهل الجنة كما في هذه الآية فتقول أهل الجنة {إن الله حرمهما على الكافرين}، ويقولون لمالك ليقض علينا ربك فيجيبهم على ما قيل بعد ألف عام إنكم ماكثون، ويقولون ربنا أخرجنا منها فيجيبهم اخسؤا فيها ولا تكلمون، فعند ذلك ييأسون من كل خير ويأخذون في زفير وشهيق. وعن ابن عباس في صفة أهل الجنة: إنهم يرون الله عز وجل في كل جمعة، ولمنزل كل واحد منهم ألف باب فإذا رأوا الله تعالى دخل من كل باب ملك معهم الهدايا الشريفة. وقال: إن نخل الجنة خشبها الزمرد وقوائمها الذهب الأحمر وسعفها حلل وكسوة لأهل الجنة وثمرتها أمثال القلال أشد بياضًا من الفضة وألين من الزبد وأحلى من العسل لا عجم فيها. فهذه صفة الفريقين من القرآن والحديث فتأهب لأيهما شئت والله الموفق. ولما شرح الله تعالى حال الطائفتين والمناظرات الجارية بينهم لتكون حاملًا للمكلف على الحذر من مواجب النار وعلى الرغبة في مستتبعات الجنة بيّن شرف هذا الكتاب الكريم وغاية منافعه الجليلة فقال: {ولقد جئناهم بكتاب فصلناه} ميزنا بعضه عن بعض تمييزًا يهدي إلى الرشاد ويؤمن من الغلط والتخليط.
وإنما فعلنا ذلك لا كيفما اتفق بل {على علم} بما في كل فصل من تلك الفصول من الفوائد الكثيرة والمنافع الغزيرة حتى جاء بريئًا من كل خلل وقدح ومعجزًا باقيًا على وجه الدهر. وقوله: {وهدى ورحمة} حالان من منصوب {فصلناه} كما أن {على علم} حالٍ من مرفوعه. ويحتمل أن يكونا مفعولًا لهما {لقوم يؤمنون} لأن فائدته تعود إليهم، ثم لما بيّن إزاحة العلة بسب إنزال هذا الكتاب المفصل الموجب للهداية والرحمة بين بعده حال من كذب به فقال: {هل ينظرون إلا تأويله} والنظر هاهنا بمعنى الانتظار والتوقع، وكيف ينتظرون مع جحدهم وإنكارهم؟ الجواب لعل فيهم أقوامًا تشككوا وتوقفوا ولهذا السبب انتظروه. وأيضًا إنهم كانوا جاحدين إلا أنهم بمنزلة المنتظرين من حيث إن تلك الأحوال تأتيهم لا محالة. قال الفراء: الضمير في تأويله للكتاب أي إلا عاقبة أمره وما يؤل إليه من بيان صدقه وظهور صحة ما نطق به من الوعد والوعيد، أو عاقبة ما وعدوا به على ألسنة الرسل من الثواب والعقاب، والتأويل مرجع الشيء ومصيره من قولهم آل الشيء يؤل {يوم يأتي} يريد يوم القيامة وانتصابه على أنه ظرف {يقول} ومعنى: {نسوه} تركوا العمل به والإيمان أو أنهم صاروا في الإعراض عنه بمنزلة من نسيه {قد جاءت رسل ربنا بالحق} أي متلبسين بما هو الحق، أو الباء للتعدية والمراد اعترافهم بثبوت الحشر والنشر وأحوال القيامة وأهوالها إذا عاينوها {فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا} منصوب بإضمار أن بعد الفاء والتقدير: هل يثبت لنا شفيع فيشفع {أو} هل {نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل} فنوحد الله تعالى بدلًا عن الشرك ونطيعه بدلًا عن المعصية. وفيه دليل على أن أهل الآخرة لا تكليف لهم خلافًا للنجار ومن تبعه وإلا لم يسألوا الرد إلى دار التكليف ولم يتمنوه بل كانوا يتوبون في الحال. ثم حكم بأن ذلك التمني لا يفيدهم شيئًا وأن مطلوبهم لا يكون ألبتة فقال: {قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون} أي لا ينتفعون بالأصنام التي عبدوها في الدنيا وليس تفيدهم نصرة الأوثان التي بالغوا في نصرها. اهـ.

.من فوائد صاحب المنار في الآيات السابقة:

قال رحمه الله:
قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَنَادَى أَصْحَابُ النَّارِ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ}
يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَالَةَ الْآخِرَةِ تَقْتَضِي إِمْكَانَ إِفَاضَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ الْمَاءَ وَغَيْرَهُ عَلَى أَهْلِ النَّارِ عَلَى مَا بَيْنَ الْمَكَانَيْنِ مِنَ الِارْتِفَاعِ وَالِانْخِفَاضِ، وَقَدْ بَيَّنَا وَجْهَهُ الْمَعْقُولَ فِي مُقَدِّمَةِ تَفْسِيرِ هَذَا السِّيَاقِ. وَإِفَاضَةُ الْمَاءِ صَبُّهُ وَمَادَّةُ الْفَيْضِ فِيهَا مَعْنَى الْكَثْرَةِ، وَمَا رَزَقَهُمُ اللهُ يَشْمَلُ الطَّعَامَ وَغَيْرَ الْمَاءِ مِنْ أَشْرِبَةٍ و{أَوْ} فِي قَوْلِهِ: {أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ} لِلتَّخْيِيرِ فَهِيَ لَا تَمْنَعُ الْجَمْعَ بَيْنَ الْمَاءِ وَالطَّعَامِ وَيُقَدِّرُ بَعْضُهُمْ فِعْلًا مُنَاسِبًا لِلرِّزْقِ عَلَى حَدِّ:
عَلَفْتُهَا تِبْنًا وَمَاءً بَارِدًا

وَالصَّوَابُ أَنَّ الْفَيْضَ وَالْإِفَاضَةَ يُسْتَعْمَلَانِ فِي غَيْرِ الْمَاءِ وَالدَّمْعِ فَيُقَالُ فَاضَ الرِّزْقُ وَالْخَيْرُ وَأَفَاضَ عَلَيْهِ النِّعَمَ، وَمِنَ الْأَمْثَالِ أَعْطَاهُ غَيْضًا مِنْ فَيْضٍ- أَيْ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ. وَعَدَّ الزَّمَخْشَرِيُّ الْإِفَاضَةَ فِي الْحَدِيثِ مِنَ الْحَقِيقَةِ خِلَافًا لِلرَّاغِبِ الَّذِي جَعَلَهَا وَعَدَّ الزَّمَخْشَرِيُّ الْإِفَاضَةَ فِي الْحَدِيثِ مِنَ الْحَقِيقَةِ خِلَافًا لِلرَّاغِبِ الَّذِي جَعَلَهَا اسْتَعَارَةً. وَالْمَعْنَى أَنَّ أَهْلَ النَّارِ يَسْتَجْدُونَ أَهْلَ الْجَنَّةِ أَنْ يُفِيضُوا عَلَيْهِمْ مِنَ النِّعَمِ الْكَثِيرَةِ الَّتِي يَتَمَتَّعُونَ بِهَا مِنْ شَرَابٍ وَطَعَامٍ، وَقَدَّمُوا طَلَبَ الْمَاءِ لِأَنَّ مَنْ كَانَ فِي {سُمُومٍ وَحَمِيمٍ} يَكُونُ شُعُورُهُ بِالْحَاجَةِ إِلَى الْمَاءِ الْبَارِدِ أَشَدَّ مِنْ شُعُورِهِ بِالْحَاجَةِ إِلَى الطَّعَامِ الطَّيِّبِ.
رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الِاسْتِجْدَاءِ: يُنَادِي الرَّجُلُ أَخَاهُ فَيَقُولُ: يَا أَخِي أَغِثْنِي فَإِنِّي قَدِ احْتَرَقْتُ فَأَفِضْ عَلَيَّ مِنَ الْمَاءِ، فَيُقَالُ: أَجِبْهُ، فَيَقُولُ: إِنَّ اللهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَافِرِينَ. وَعَنِ ابْنِ زَيْدٍ فِي الطَّلَبِ قَالَ: يَسْتَسْقُونَهُمْ وَيَسْتَطْعِمُونَهُمْ- وَفِي قَوْلِهِ: {حَرَّمَهُمَا} قَالَ: طَعَامَ الْجَنَّةِ وَشَرَابَهَا. وَرَوَى عَبْدُ اللهِ بْنُ أَحْمَدَ فِي زَوَائِدِ الزُّهْدِ وَالْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ شَرِبَ مَاءً بَارِدًا فَبَكَى فَسُئِلَ مَا يُبْكِيكَ؟ قَالَ ذَكَرْتُ آيَةً فِي كِتَابِ الله: {وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ} [34: 54] فَعَرَفْتُ أَنَّ أَهْلَ النَّارِ لَا يَشْتَهُونَ إِلَّا الْمَاءَ الْبَارِدَ، وَقَدْ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ} اهـ. وَفِيهِ أَنَّ الْآيَةَ لَا حَصْرَ فِيهَا. وَفِي الشُّعَبِ وَالتَّفْسِيرِ الْمَأْثُورِ عَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ سُئِلَ: أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ سَقْيُ الْمَاءِ؛ أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى أَهْلِ النَّارِ لَمَّا اسْتَغَاثُوا بِأَهْلِ الْجَنَّةِ قَالُوا: {أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللهُ}» وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ أَنَّ أُمَّهُ مَاتَتْ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ أَتَصَدَّقُ عَلَيْهَا؟ قَالَ: «نَعَمْ» قَالَ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ «سَقْيُ الْمَاءِ».