فصل: من فوائد ابن جزي في الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والهاء ضمير الشأن، أو بمعنى أي كأنه قيل، لهم تلكم الجنة {أُورِثْتُمُوهَا} أعطيتموها وهو حال من {الجنة} والعامل فيها ما في {تِلْكَ} من معنى الإشارة {بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} سماها ميراثًا لأنها لا تستحق بالعمل بل هي محض فضل الله وعده على الطاعات كالميراث من الميت ليس بعوض عن شيء بل هو صلة خالصة.
وقال الشيخ أبو منصور رحمه الله: إن المعتزلة خالفوا الله فيما أخبر ونوحًا عليه السلام وأهل الجنة والنار وإبليس، لأنه قال الله تعالى: {يُضِلُّ مَن يَشَاء وَيَهْدِى مَن يَشَاء} [النحل: 93] وقال نوح عليه السلام: {وَلاَ يَنفَعُكُمْ نُصْحِى إِنْ أَرَدْتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ الله يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ} [هود: 34] وقال أهل الجنة: {وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِىَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا الله} وقال أهل النار: {لَوْ هَدَانَا الله لَهَدَيْنَاكُمْ} [ابراهيم: 21] وقال إبليس {فَبِمَا أَغْوَيْتَنِى}
{ونادى أصحاب الجنّة أصحاب النّار أن قد وجدنا} {أن} مخففة من الثقيلة أو مفسرة وكذلك {أن لعنة اللّه على الظالمين} {ما وعدنا ربّنا} من الثواب {حقًّا} حال {فهل وجدّتم مّا وعد ربّكم} من العذاب {حقًّا} وتقديره وعدكم ربكم فحذف كم لدلالة {وعدنا ربنا} عليه.
وإنما قالوا لهم ذلك شماتة بأصحاب النار واعترافًا بنعم الله تعالى: {قالوا نعم} وبكسر العين حيث كان: عليٌّ {فأذّن مؤذّنٌ بينهم} نادى مناد وهو ملك يسمع أهل الجنة والنار {أن لّعنة اللّه على الظّالمين} {أن لعنة} مكي وشامي وحمزة وعلي {الّذين يصدّون} يمنعون {عن سبيل اللّه} دينه {ويبغونها عوجًا} مفعول ثان ل يبغون أي ويطلبون لها الاعوجاج والتناقض {وهم بالآخرة} بالدار الآخرة {كافرون وبينهما} وبين الجنة والنار أو بين الفريقين {حجابٌ} وهو السور المذكور في قوله: {فضرب بينهم بسور} [الحديد: 13] {وعلى الأعراف} على أعراف الحجاب وهو السور المضروب بين الجنة والنار وهي أعاليه جمع عرف، استعير من عرف الفرس وعرف الديك {رجالٌ} من أفاضل المسلمين أو من آخرهم دخولًا في الجنة لاستواء حسناتهم وسيآتهم، أو من لم يرض عنه أحد أبويه أو أطفال المشركين {يعرفون كلًا} من زمرة السعداء والأشقياء {بسيماهم} بعلامتهم.
قيل: سيما المؤمنين بياض الوجوه ونضارتها، وسيما الكافرين سواد الوجوه وزرقة العيون {ونادوا} أي أصحاب الأعراف {أصحاب الجنّة أن سلامٌ عليكم} أنه سلام أو أي سلام وهو تهنئة منهم لأهل الجنة {لم يدخلوها} أي أصحاب الأعراف ولا محل له لأنه استئناف كأن سائلًا سأل أصحاب الأعراف فقيل {لم يدخلوها} {وهم يطمعون} في دخولها أوله محل وهو صفة ل {رجال}.
{وإذا صرفت أبصارهم} أبصار أصحاب الأعراف، وفيه أن صارفًا يصرف أبصارهم لينظروا فيستعيذوا {تلقاء} ظرف أي ناحية {أصحاب النّار} ورأوا ما هم فيه من العذاب {قالوا ربّنا لا تجعلنا مع القوم الظّالمين} فاستعاذوا بالله وفزعوا إلى رحمته أن لا يجعلهم معهم {ونادى أصحاب الأعراف رجالًا} من رءوس الكفرة {يعرفونهم بسيماهم قالوا ما أغنى عنكم جمعكم} المال أو كثرتكم واجتماعكم وما نافية {وما كنتم تستكبرون} واستكباركم على الحق وعلى الناس ثم يقولون لهم:
{أهؤلاء} مبتدأ {الّذين} خبر مبتدأ مضمر تقديره أهؤلاء هم الذين {أقسمتم} حلفتم في الدنيا، والمشار إليهم فقراء المؤمنين كصهيب وسليمان ونحوهما {لا ينالهم اللّه برحمةٍ} جواب {أقسمتم} وهو داخل في صلة {الذين} تقديره أقسمتم عليهم بأن لا ينالهم الله برحمة أي لا يدخلهم الجنة يحتقرونهم لفقرهم.
فيقال لأصحاب الأعراف: {ادخلوا الجنّة} وذلك بعد أن نظروا إلى الفريقين وعرفوهم بسيماهم وقالوا ما قالوا: {لا خوفٌ عليكم ولا أنتم تحزنون وناداى أصحاب النّار أصحاب الجنّة أن أفيضوا علينا من الماء} أن مفسرة.
وفيه دليل على أن الجنة فوق النار {أو ممّا رزقكم اللّه} من غيره من الأشربة لدخوله في حكم الإفاضة، أو أريد أو ألقوا علينا مما رزقكم الله من الطعام والفاكهة كقوله:
علفتها تبنًا وماءً باردًا

أي وسقيتها وإنما سألوا ذلك مع يأسهم عن الإجابة لأن المتحير ينطق بما يفيد وما لا يفيد {قالوا إنّ اللّه حرّمهما على الكافرين} هو تحريم منع كما في {وحرمنا عليه المراضع} [القصص: 12] وتقف هنا إن رفعت أو نصبت ما بعده ذمًا، وإن جررته وصفًا للكافرين فلا.
{الّذين اتّخذوا دينهم لهوًا ولعبًا} فحرموا وأحلوا ما شاءوا أو دينهم عيدهم {وغرّتهم الحياة الدّنيا} اغتروا بطول البقاء {فاليوم ننساهم} نتركهم في العذاب {كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون} أي كنسيانهم وجحودهم.
{ولقد جئناهم بكتابٍ فصّلناه} ميزنا حلاله وحرامه ومواعظه وقصصه {على علمٍ} عالمين بكيفية تفصيل أحكامه {هدًى ورحمةً} حال من منصوب {فصلناه} كما أن {على علم} حال من مرفوعة {لّقومٍ يؤمنون هل ينظرون} ينتظرون {إلاّ تأويله} إلا عاقبة أمره وما يؤول إليه من تبين صدقه وظهور صحة ما نطق به من الوعد والوعيد {يوم يأتي تأويله يقول الّذين نسوه من قبل} تركوه وأعرضوا عنه {قد جاءت رسل ربّنا بالحقّ} أي تبين وصح أنهم جاءوا بالحق فأقروا حين لا ينفعهم {فهل لّنا من شفعاء فيشفعوا لنا} جواب الاستفهام {أو نردّ} جملة معطوفة على الجملة قبلها داخلة معها في حكم الاستفهام كأنه قيل: فهل لنا من شفعاء، أو هل نرد؟ ورافعه وقوعه موقعًا يصلح للاسم كقولك ابتداء هل يضرب زيد، أو عطف على تقدير: هل يشفع لنا شافع أو هل نرد {فنعمل} جواب الاستفهام أيضًا {غير الّذي كنّا نعمل قد خسروا أنفسهم وضلّ عنهم مّا كانوا يفترون} ما كانوا يعبدونه من الأصنام. اهـ.

.من فوائد ابن جزي في الآيات:

قال رحمه الله:
{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ} أي من كان صدره غل لأخيه في الدنيا ننزعه منه في الجنة وصاروا إخوانًا أحبابًا، وإنما قال: نزعنا بلفظ الماضي وهو مستقبل لتحقيق وقوعه في المستقبل، حتى عبر عنه بما يعبر عن الواقع، وكذلك كل ما جاء بعد هذا من الأفعال الماضية في اللفظ، وهي تقع في الآخرة كقوله: {ونادى أَصْحَابُ الجنة}، {ونادى أَصْحَابُ الأعراف} {ونادى أَصْحَابُ النار}، وغير ذلك {هَدَانَا لهذا} إشارة إلى الجنة أو إلى ما أوجب من الإيمان والتقوى {أَن تِلْكُمُ الجنة} و{أَن قَدْ وَجَدْنَا}، {أَن لَّعْنَةُ الله} و{أَن سلام}: يحتمل أن يكون أن في كل واحدة منها مخففة من الثقيلة، فيكون فيها ضميرًا أو حرف عبارة وتفسير لمعنى القول: {مَا وَعَدَنَا رَبُّنَا حَقًّا} حُذف مفعول وعد استغناء عنه بمفعول وعدنا أو لإطلاق الوعد فيتناول الثواب والعقاب {أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ} [يوسف: 70] أي أعلم معلم وهو ملك {وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ} أي بين الجنة والنار أو بين أصحابهما وهو أرجح لقوله: {فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ} [الحديد: 13] {الأعراف}.
قال ابن عباس: هو تل بين الجنة والنار، وقيل: سور الجنة {رِجَالٌ} هم أصحاب الأعراف ورد في الحديث: أنهم قوم من بني آدم استوت حسناتهم وسيئاتهم، فلم يدخلوا الجنة ولا النار، وقيل: هم قوم خرجوا إلى الجهاد بغير إذن آبائهم، فاستشهدوا، فمنعوا من الجنة لعصيان آبائهم، ونجوا من النار للشهادة {يَعْرِفُونَ كُلًا بسيماهم} أي يعرفون أهل الجنة بعلامتهم من بياض وجوههم، ويعرفون أهل النار بعلامتهم من سواد وجوههم، أو غير ذلك من العلامات {وَنَادَوْاْ أصحاب الجنة أَن سلام عَلَيْكُمْ} أي سلام أصحاب الأعراف على أهل الجنة {لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ} أي أن أصحاب الأعراف لم يدخلوا الجنة وهم يطمعون في دخولها من بعد {وَإِذَا صُرِفَتْ أبصارهم} الضمير لأصحاب الأعراف أي إذا رأوا أصحاب النار دعوا الله أن لا يجعلهم معهم {ونادى أصحاب الأعراف رِجَالًا} يعني من الكفار الذين في النار، قالوا لهم ذلك على وجه التوبيخ {جَمْعُكُمْ} يحتمل أن يكون أراد جمعهم للمال أو كثرتهم {وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ} أي استكبارهم على النار أو استكبارهم على الرجوع إلى الحق، فما هاهنا مصدرية وما في قوله: {مَا أغنى} استفهامية أو نافية {أهؤلاء الذين أَقْسَمْتُمْ} من كلام أصحاب الأعراف خطابًا لأهل النار والإشارة بهؤلاء إلى أهل الجنة، وذلك أن الكفار كانوا في الدنيا يقسمون أن الله لا يرحم المؤمنين، ولا يعبأ بهم؛ فظهر خلاف ما قالوا، وقيل: هي من كلام الملائكة خطابًا لأهل النار، والإشارة بهؤلاء إلى أصحاب الأعراف {ادخلوا الجنة} خطابًا لأهل الجنة إن كان من كلام أصحاب الأعراف تقديره: قد قيل لهم ادخلوا الجنة، أو خطابًا لأهل الأعراف إن كان من كلام الملائكة {أَنْ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ الماء} دليل على أن الجنة فوق النار {أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ الله} من سائر الأطعمة والأشربة {فاليوم ننساهم} أي نتركهم {كَمَا نَسُواْ} الكاف للتعليل {وَمَا كَانُواْ} عطف على كما نسوا: أي لنسيانهم وجحودهم {جئناهم بكتاب} يعني القرآن {فصلناه على عِلْمٍ} أي علمنا كيف نفصله {إِلاَّ تَأْوِيلَهُ} أي هل ينتظرون إلا عاقبة أمره، وما يؤول إليه أمره بظهور ما نطق به من الوعد والوعيد {قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق} أي قد تبين وظهر الآن أن الرسل جاؤوا بالحق. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الذين نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ فَنَعْمَلَ غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ}.
بين تعالى في هذه الآية الكريمة: أن الكفار، إذا عاينوا الحقيقة يوم القيامة يقرون بأن الرسل جاءت بالحق، ويتمنون أحد أمرين: أن يشفع لهم شفعاء فينقذوهم، أو يردوا إلى الدنيا ليصدقوا الرسل، ويعلملوا بما يرضي الله، ولم يبين هنا هل يشفع لهم أحد؟ وهل يردون؟ وماذا يفعلون لو ردوا؟ وهل اعترافهم ذلك بصدق الرسل ينفعهم؟ ولكنه تعالى بين ذلك كله في مواضع أخر، فبين: أنهم لا يشفع لهم أحد بقوله: {فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ} [الشعراء: 100] الآية، وقوله: {فَمَا تَنفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشافعين} [المدثر: 48]، وقوله: {وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارتضى} [الأنبياء: 28] مع قوله: {وَلاَ يرضى لِعِبَادِهِ الكفر} [الزمر: 7]، وقوله: {فَإِنَّ الله لاَ يرضى عَنِ القوم الفاسقين} [التوبة: 96]، وبين أنهم لا يردون في مواضع متعددة، كقوله: {وَلَوْ ترى إِذِ المجرمون نَاكِسُواْ رُءُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فارجعنا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا ولكن حَقَّ القول مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الجنة والناس أَجْمَعِينَ} [السجدة: 12-13].
فقوله: {ولكن حَقَّ القول مِنِّي لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ} [السجدة: 13] الآية.
دليل على أن النار وجبت لهم، فلا يردون، ولا يعذرون، وقوله: {وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الذي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النذير} [فاطر: 37].
فصرح بأنه قطع عذرهم في الدنيا. بالإمهال مدة يتذكرون فيها. وإنذار الرسل، وهو دليل على عدم ردهم إلى الدنيا مرة أخرى، وأشار إلى ذلك بقوله: {أَوَلَمْ تكونوا أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ} [إبراهيم: 44] جوابًا لقولهم: {أَخِّرْنَا إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرسل} [إبراهيم: 44]، وقوله: {ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ الله وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُواْ} [غافر: 12] بعد قوله تعالى عنهم: {فاعترفنا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إلى خُرُوجٍ مِّن سَبِيلٍ} [غافر: 11]، وقوله: {وَتَرَاهُمْ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا خَاشِعِينَ مِنَ الذل يَنظُرُونَ مِن طَرْفٍ خَفِيٍّ} [الشورى: 45] الآية، بعد قوله: {وَتَرَى الظالمين لَمَّا رَأَوُاْ العذاب يَقُولُونَ هَلْ إلى مَرَدٍّ مِّن سَبِيلٍ} [الشورى: 44]، وقوله هنا: {قَدْ خسروا أَنْفُسَهُمْ} الآية بعد قوله: {فَهَل لَّنَا مِن شُفَعَاءَ فَيَشْفَعُواْ لَنَا أَوْ نُرَدُّ} [الأعراف: 53] الآية.
فكل ذلك يدل على عدم الرد إلى الدنيا، وعلى وجوب العذاب، وأنه لا محيص لهم عنه.
وبين في موضع آخر أنهم لو ردوا لعادوا إلى الكفر والطغيان. وهو قوله: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} [الأنعام: 28] الآية، وفي هذه الآية الكريمة دليل واضح على أنه تعالى يعلم المعدوم الممكن الذي سبق في علمه أنه لا يوجد كيف يكون لو وجد، فهو تعلى أنهم لا يردون إلى الدنيا مرة أخرى ويعلم هذا الرد الذي لا يكون لو وقع كيف يكون كما صرح به في قوله: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} [الأنعام: 28]، ويعلم أن المتخلفين من المنافقين عن غزوة تبوك لا يحضرونها لأنه هو الذي ثبطهم عنها لحكمة كما بينه بقوله: {لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالًا ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الفتنة} [التوبة: 47] الآية، ونظير ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِمْ مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّواْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [المؤمنون: 75] إلى غير ذلك من الآيات.
وبين في مواضع أخر أن اعترافهم هذا بقولهم: {لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بالحق ونودوا} [الأعراف: 43] لا ينفعهم كقوله تعالى: {فاعترفوا بِذَنبِهِمْ فَسُحْقًا لأَصْحَابِ السعير} [الملك: 11]، وقوله: {بلى ولكن حَقَّتْ كَلِمَةُ العذاب عَلَى الكافرين} [الزمر: 71]، ونحو ذلك من الآيات. اهـ.