فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذي خَلَقَ السموات والأرض}
وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما عيّر المشركين بعبادة آلهتهم، ونزل قوله: {يا أيها الناس ضُرِبَ مَثَلٌ فاستمعوا لَهُ إِنَّ الذين تَدْعُونَ مِن دُونِ الله لَن يَخْلُقُواْ ذُبَابًا وَلَوِ اجتمعوا لَهُ وَإِن يَسْلُبْهُمُ الذباب شَيْئًا لاَّ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطالب والمطلوب} [الحج: 73] وقوله: {مَثَلُ الذين اتخذوا مِن دُونِ الله أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ العنكبوت اتخذت بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ البيوت لَبَيْتُ العنكبوت لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} [العنكبوت: 41] سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: من ربك الذي تدعونا إليه؟ وأرادوا أن يجحدوا في اسمه طعنًا أو في شيء من أفعاله فنزلت هذه الآية.
فتحيروا وعجزوا عن الجواب.
فقال: {إِنَّ رَبَّكُمُ الله} أي خالقكم ورزاقكم {الذى خَلَقَ السموات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}.
قال ابن عباس أي من أيام الآخرة.
طول كل يوم ألف سنة.
وقال الحسن البصري: من أيام الدنيا.
ويقال: يعني في ست ساعات من ستة أيام من أطول أيام الدنيا، ولو شاء أن يخلقها في ساعة واحدة لخلقها، ولكن علَّم عباده التأني والرفق والتدبير في الأمور.
{ثُمَّ استوى عَلَى العرش} قال بعضهم: هذا من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله.
وذكر عن يزيد بن هارون أنه سئل عن تأويله فقال تأويله: الإيمان به.
وذكر أن رجلًا دخل على مالك بن أنس فسأله عن قوله: {الرحمن عَلَى العرش استوى} [طه: 5] فقال: الاستواء غير مجهول والكيفية غير معقولة، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا ضالًا.
فأخرجوه.
وذكر عن محمد بن جعفر نحو هذا.
وقد تأوله بعضهم وقال: {ثُمَّ} بمعنى الواو فيكون على معنى الجمع والعطف، لا على معنى التراخي والترتيب.
ومعنى قوله: {استوى} أي استولى، كما يقال فلان استوى على بلد كذا يعني: استولى عليه فكذلك هذا.
معناه: خالق السموات والأرض، ومالك العرش.
ويقال: ثم صعد أمره إلى العرش.
وهذا معنى قول ابن عباس.
قال صعد على العرش.
يعني: أمره، ويقال قال له: كن فكان، ويقال: {ثُمَّ استوى عَلَى العرش} أي كان فوق العرش قبل أن يخلق السموات والأرض، ويكون {على} بمعنى العلو والارتفاع، ويقال استوى يعني استولى.
وذكر أن أول شيء خلقه الله تعالى القلم ثم اللوح.
فأمر القلم بأن يكتب في اللوح ما هو كائن إلى يوم القيامة.
ثم خلق ما شاء.
ثم خلق العرش ثم حملة العرش ثم خلق السموات والأرض.
وإنما خلق العرش لا لحاجة نفسه ولكن لأجل عباده ليعلموا أين يتوجهون في دعائهم لكي لا يتحيّروا في دعائهم، كما خلق الكعبة علمًا لعبادتهم، ليعلموا إلى أين يتوجهون في العبادة.
فكذلك خلق العرش علمًا لدعائهم ليعلموا إلى أين يتوجهوا بدعائهم.
ثم قال تعالى: {وَهُوَ الذي مَدَّ} يعني: إن الليل يأتي على النهار فيغطيه ولم يقل يغشي النهار الليل لأن في الكلام دليلًا عليه.
وقد بيّن في آية أخرى {خَلَقَ السماوات والأرض بالحق يُكَوِّرُ الليل عَلَى النهار وَيُكَوِّرُ النهار عَلَى الليل وَسَخَّرَ الشمس والقمر كُلٌّ يَجْرِى لًاجَلٍ مُّسَمًّى أَلا هُوَ العزيز الغفار} [الزمر: 5] فكذلك هاهنا معناه يغشي النهار الليل ويغشي الليل النهار.
يعني: إذا جاء النهار يذهب بظلمة الليل وإذا جاء الليل يذهب بنور النهار.
قرأ حمزة والكسائي وعاصم في رواية أبي بكر {يُغْشِى} بتشديد الشين ونصب الغين.
وقرأ الباقون بجزم الغين مع التخفيف، وهما لغتان غَشَّى ويُغَشِّي وأَغْشَى يُغْشِي بقوله: {يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} أي: سريعًا في طلبه أبدًا ما دامت الدنيا باقية.
ثم قال: {والشمس والقمر والنجوم مسخرات بِأَمْرِهِ} أي جاريات مذللات لبني آدم بأمره.
قرأ ابن عامر {والشمس والقمر والنجوم} كلها بالضم على معنى الابتداء.
وقرأ الباقون بالنصب.
ومعناه خلق الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره.
ثم قال: {أَلاَ لَهُ الخلق والأمر} ألا كلمة التنبيه، يعني: اعلموا أن الخلق لله تعالى، وهو الذي خلق الأشياء كلها وأمره نافذ في خلقه.
قال سفيان بن عيينة: الخلق هو الخلق والأمر هو القرآن وهو كلام الله، وليس بمخلوق، ولا هو بائن منه، وتصديقه قوله: {ذَلِكَ أَمْرُ الله أَنزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَن يَتَّقِ الله يُكَفِّرْ عَنْهُ سيئاته وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا} [الطلاق: 5] ويقال: الأمر هو القضاء، ثم قال: {تَبَارَكَ الله رَبُّ العالمين} قال ابن عباس رضي الله عنهما يعني: تعالى الله عما يقول الظالمون، ويقال تبارك الله تفاعل من البركة أي: ذو البركة يعني: أن البركة كلها من الله تعالى.
والبركة فيما يذكر عليه اسم الله رب العالمين.
أي: سيد الخلق أجمعين. اهـ.

.قال الثعلبي:

{إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ}
قال سعيد بن جبير: قدّر الله على مَنْ في السماوات والأرض في لمحة ولحظة وإنما خلقهن في ستة أيام تتنظيمًا لخلقه بالرفق والتثبيت في الاسم {ثُمَّ استوى عَلَى العرش} قال الكلبي ومقاتل: يعني استقر وقال أبو عبيد فصعد وقال بعضهم: استولى وغلب.
وقيل: ملك وغلب، وكلّها تأويلات مدخولة لا يخفى بعدها وأمّا الصحيح والصواب فهو ماقاله الفراء وجماعة من أهل المعاني إن أول ما خلق العرش وعهد إلى خلقه يدل عليه قوله تعالى: {ثُمَّ استوى إِلَى السماء} [البقرة: 29] أي إلى خلق السماء.
وقال أهل الحق من المتكلمين: أحدث الله فعلا سماه استواء، وهو كالإتيان والمجيء والنزول وهي صفات أفعاله.
روى الحسن عن أم سلمة في قوله تعالى: {الرحمن عَلَى العرش استوى} [طه: 5] قالت: الكيف غير معقول والاستواء غير مجهول والنزول به إيمان والجحود به كفر.
عن محمد بن شجاع البلخي قال: سئل مالك بن أنس عن قول الله تعالى: {الرحمن عَلَى العرش استوى} [طه: 5] كيف استوى؟ قال: الكيف مجهول والاستواء غير معقول والإيمان واجب فالسؤال عنه بدعة.
وروى محمد بن شعيب بن شابور عن أبيه أن رجلًا سأل الأوزاعي في قوله تعالى: {الرحمن عَلَى العرش استوى} [طه: 5] فقال: هو على العرش كما وصف نفسه، وإني لأراك رجلا ضالًا.
وبلغني أن رجلًا سأل إسحاق بن الهيثم الحنظلي فقال: كيف استوى على العرش أقائم هو أم قاعد؟
فقال: يا هذا إنما يقعد من يمل القيام ويقوم من يمل القعود وغير هذا أولى لك ألاّ تسأل عنه.
والعرش في اللغة السرير.
وقال آخرون: هو ما علا وأظل، ومنه عرش الكرم، وقيل: العرش الملك.
قال زهير:
تداركتما الاحلاف قد ثل عرشها ** وذبيان قد زلت بأقدامها النعل

{يُغْشِي} يطمس {الليل النهار يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} مسرعًا {والشمس والقمر والنجوم مُسَخَّرَاتٍ} أي مذلّلات {بِأَمْرِهِ} وقرأ أهل الشام بالرفع على الابتداء والخبر {أَلاَ لَهُ الخلق والأمر} سمعت أبا القاسم [الحبيبي] يقول: سمعت أبا عبد الله محمد بن نافع التاجر بهرات الشجري يقول: سمعت أبا زيد حاتم بن محبوب السامي يقول: سمعت عبد الجبار ابن العلاء العطّار يقول: سألت سفيان بن عيينة عن قوله: {أَلاَ لَهُ الخلق والأمر} فقال: فرق الله بين الخلق والأمر ومَنْ جمع بينهما فقد كفر.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ لم يحمد الله على ما عمل من عمل صالح وحمد نفسه فقد قلّ شكره وحبط عمله، ومَنْ زعم أن الله جعل للعباد من الأمر شيئًا فقد كفر بما أنزل الله على أنبيائه لقوله تعالى: {أَلاَ لَهُ الخلق والأمر}».
وأنشدنا أبو القاسم الحبيبي قال: أنشدنا أبو الحسن عيسى بن زيد العقيلي، أنشدنا أبو المثنّى معاذ بن المثنى العنبري عن أبيه محمود بن الحسن الورّاق قال: إن لله كل الأمر في كل خلقه ليس إلى المخلوق شي من الأمر {تَبَارَكَ الله} قال الضحاك: تبارك تعظم، الخليل ابن أحمد: تبارك تمجد، القتيبي: تفاعل من البركة، الحسين بن الفضيل: تبارك في ذاته وبارك فيمن شاء من خلقه {رَبُّ العالمين}. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَواتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ} وفي ترك تعجيل خلقها في أقل الزمان مع قدرته على ذلك أربعة أوجه:
أحدها: أن إنشاءها شيئًا بعد شيء وحالًا بعد حال أبلغ في الحكمة وأدل على صحة التدبير ليتوالى مع الأوقات بما ينشئه من المخلوقات تكرار المعلوم بأنه عالم قادر يصرف الأمور على اختياره ويجريها على مشيئته.
والثاني: أن ذلك لاعتبار الملائكة، خلق شيئًا بعد شيء.
والثالث: أن ذلك ترتب على الأيام الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة وهي ستة أيام فأخرج الخلق فيها، قاله مجاهد.
والرابع: ليعلمنا بذلك، الحساب كله من ستة ومنه يتفرع سائر العدد قاله ابن بحر.
{ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ} فيه قولان:
أحدهما: معناه استوى أمره على العرش، قاله الحسن.
والثاني: استولى على العرش، كما قال الشاعر:
قد اسْتَوَى بِشْرٌ على العِرَاقِ ** مِن غَيْرِ سَيْفٍ ودم مُهْرَاقٍ

وفي {الْعَرْشِ} ثلاثة أقاويل:
أحدها: أنه المُلْك كني عنه بالعرش والسرير كعادة ملوك الأرض في الجلوس على الأسرة، حكاه ابن بحر.
والثاني: أنه السموات كلها لأنها سقف، وكل سقف عند العرب هو عرش، قال الله تعالى: {خَاوِيَةً عَلَى عُرُوشِهَا} [الكهف: 42] [الحج: 45] أي على سقوفها.
والثالث: أنه موضع في السماء في أعلاها وأشرفها، محجوب عن ملائكة السماء.
{يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ} أي يغشي ظلمة الليل ضوء النهار.
{يَطْلُبُهُ حَثِيثًا} لأن سرعة تعاقب الليل والنهار تجعل كل واحد منهما كالطالب لصاحبه.
{وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ} يحتمل وجهين:
أحدهما: مذللات بقدرته.
والثاني: جاريات بحكمه.
{أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ} يحتمل وجهين:
أحدهما: أنه مالك الخلق وتدبيرهم.
والثاني: إليه إعادتهم وعليه مجازاتهم. اهـ.