فصل: غشيان تغشية الليل النهار:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.غشيان تغشية الليل النهار:

جاء ذكر هذه الحقيقة الكونية في آيتين كريمتين من آيات القرآن العظيم يقول فيهما ربنا تبارك وتعالى:
(1) {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين} (الأعراف: 54).
(2) {وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين يغشي الليل النهار إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} (الرعد 3).
كذلك جاء ذكر تجلية النهار للشمس، وتغشيتها بالليل في قول الحق تبارك وتعالى: {والشمس وضحاها * والقمر إذا تلاها * والنهار إذا جلاها * والليل إذا يغشاها} (الشمس: 1- 4).
وجاء ذكر تغشية الليل وتجلية النهار دون تفصيل في قول ربنا تبارك وتعالى: {والليل إذا يغشى * والنهار إذا تجلي} (الليل: 2،1).
والفعل {يغشى} مستمد من الغشاء وهو الغطاء، يقال غشي بمعني غطي وستر، ويقال غشاه وتغشاه تغشية أي غطاه تغطية، وأغشاه إياه غيره، والغشوة بفتح الغين وضمها وكسرها والغشاوة مايتغطي أو يغطي به الشيء، ويقال غشية غشيانا وغشاوة وغشاء أي جاءه مجيء ما قد غطاه وستره، واستغشي بثوبه وتغشي به أي تغطي به، والغاشية كل مايغطي الشيء كغاشية السرج، والغاشية تستخدم كناية عن القيامة التي تغشي الخلق بأهوالها وجمعها غواش، وغاشية تغشاهم أي أمر يعمهم سواء كان شرا أم خيرا من مثل نائبة تجللهم أو فرح يعمهم.
من ذلك يتضح أن من معاني يغشي الليل النهار أن الله تعالى يغطي بظلمة الليل مكان نور النهار علي الأرض بالتدريج فيصير ليلا، ويغطي بنور النهار مكان ظلمة الليل علي الأرض بالتدريج فيصير نهارا، وهي إشارة لطيفة إلي كل من كروية الأرض ودورانها حول محورها أمام الشمس دورة كاملة في كل يوم مدته 24 ساعة، يتقاسمها- بتفاوت قليل- الليل والنهار، في تعاقب تدريجي ينطق بطلاقة القدرة الإلهية المبدعة، فلو لم تكن الأرض كروية الشكل ما استطاعت الدوران حول محورها، ولو لم تدر حول محورها أمام الشمس ما تبادل الليل والنهار.
والقرآن الكريم يستخدم تعبير الليل والنهار في مواضع كثيرة استخداما مجازيا للإشارة إلي كوكب الأرض، كما يشير بهما إلي كل من الظلمة والنور- علي التوالي- وإلي العديد من المظاهر المصاحبة لهما من مثل قوله تعالى: {والشمس وضحاها * والقمر إذا تلاها * والنهار إذا جلاها * والليل إذا يغشاها} (الشمس: 1- 4).
وفي هذه الآيات الكريمة يقسم ربنا تبارك وتعالي وهو الغني عن القسم بالنهار الذي يجلي الشمس أي يظهرها واضحة جلية لسكان الأرض، وهي حقيقة لم يدركها العلماء إلا من بعد ريادة الفضاء في النصف الأخير من القرن العشرين، حين اكتشفوا أن نور النهار المبهج لا يتعدي سمكه مائتي كيلو متر فوق مستوي سطح البحر في نصف الكرة الأرضية المواجه للشمس، وأن هذا الحزام الرقيق من الغلاف الغازي للأرض يصفو من الملوثات وتقل كثافته بالارتفاع علي سطح الأرض، بينما تزداد كثافته ونسب كل من بخار الماء وهباءات الغبار فيه كلما اقترب من سطح الأرض، ويقوم ذلك التركيز وتلك الهباءات من الغبار بالمساعدة علي تشتيت ضوء الشمس، وتكرار انعكاسه مرات عديدة حتي يظهر لنا باللون الأبيض المبهج الذي يميز النهار كظاهرة نورانية مقصورة علي النطاق الأسفل من الغلاف الغازي للأرض في نصفها المواجه للشمس، بينما يعم الظلام الكون المدرك في غالبية أجزائه، وتبدو الشمس بعد تجاوز نطاق نور النهار قرصا أزرق في صفحة سوداء، ومن هنا فهمنا المعني المقصود من أن النهار يجلي الشمس، بينما ظل كل الناس إلي أواخر القرن العشرين وهم ينادون بأن الشمس هي التي تجلي النهار، فسبحان الذي أنزل تلك الحقيقة الكونية من قبل ألف وأربعمائة سنه، والتي لم يكتشفها العلم التجريبي إلا في النصف الأخير من القرن العشرين...!!!
كذلك يقسم ربنا تبارك وتعالى في سورة الليل- وهو تعالى غني عن القسم- بقوله عز من قائل: {والليل إذا يغشي والنهار إذا تجلي} (الليل: 2،1) وهو قسم بالليل أي ليل الأرض الذي يغشي أي يغطي نصف الكرة الأرضية البعيد عن الشمس بالظلام لعدم مواجهته للشمس، وقسم بالنهار أي نهار الأرض الذي تشرق فيه الشمس علي نصف الكرة الأرضية المواجه لها فيعمه نور النهار، وبتعاقبهما تستقيم الحياة علي الأرض، ويتمكن الإنسان من إدراك مرور الزمن والتاريخ للأحداث.
وحينما يغشي الليل بظلمته نصف الأرض، البعيد عن الشمس تتصل ظلمة الأرض بظلمة السماء فيعم الظلام، وفي نفس الوقت يتجلي النهار في نصف الأرض المواجه للشمس بنوره المبهج فاصلا الأرض عن ظلمة الكون بحزام رقيق من النور الأبيض لا يكاد يتعدي سمكه المائتي كيلو متر.
ويمن علينا ربنا تبارك وتعالى بتبادل كل من الليل والنهار فيقول سبحانه: {قل أرءيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء أفلا تسمعون * قل أرءيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلي يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه أفلا تبصرون * ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون} (القصص: 71- 73).
ويقول عز من قائل: {وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا} (النبأ: 11،10).
{يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا}
يتساءل قارئ القرآن الكريم عن الوصف حثيثا الذي جاء في الآية (رقم 54) من سورة الأعراف ولم يذكر في بقية آيات تغشية الليل النهار، أو التغشية بغير تحديد، وللإجابة علي ذلك أقول إن آية سورة الأعراف مرتبطة بالمراحل الأولي من خلق السماوات والأرض، بينما بقية الآيات تصف الظاهرة بصفة عامة.
واللفظة {حثيثا} تعني مسرعا حريصا، يقال حثه من باب رده واستحثه علي الشيء أي حضه عليه فاحتث، وحثثه تحثيثا وحثحثة بمعني حضه، وتحاثوا بمعني تحاضوا.
والدلالة الواضحة للآية الكريمة (رقم 54) من سورة الأعراف أن حركة تتابع الليل والنهار أي حركة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس كانت في بدء الخلق سريعة متعاقبة بمعدلات أعلي من سرعتها الحالية وإلا ما غشي الليل النهار يطلبه حثيثا، وقد ثبت ذلك أخيرا عن طريق دراسة مراحل النمو المتتالية في هياكل الحيوانات وفي جذوع الأشجار المعمرة والمتأحفرة، وقد انضوت دراسة تلك الظاهرة في جذوع الأشجار تحت فرع جديد من العلوم التطبيقية يعرف باسم علم تحديد الأزمنة بواسطة الأشجار أو Dendrochronology وقد بدأ هذا العلم بدراسة الحلقات السنوية التي تظهر في جذوع الأشجار عند عمل قطاعات مستعرضة فيها وهي تمثل مراحل النمو المتتالية في حياة النبات من مركز الساق حتي طبقة الغطاء الخارجي المعروفة باسم اللحاء، وذلك من أجل التعرف علي الظروف المناخية والبيئية التي عاشت في ظلها تلك الأشجار حيث أن الحلقات السنوية في جذوع الأشجار تنتج بواسطة التنوع في الخلايا التي يبنيها النبات في فصول السنة المتتابعة الربيع، والصيف، والخريف، والشتاء فترق رقة شديدة في فترات الجفاف، وتزداد سمكا في الآونة المطيرة.
وقد تمكن الدارسون لتلك الحلقات السنوية من متابعة التغيرات المناخية المسجلة في جذوع عدد من الأشجار الحية المعمرة مثل أشجار الصنوبر ذات المخاريط الشوكية المعروفة باسم Pinusaristata إلي أكثر من ثمانية آلاف سنة مضت، ثم انتقلوا إلي دراسة الأحافير عبر العصور الأرضية المتعاقبة، وطوروا تقنياتهم من أجل ذلك فتبين لهم أن الحلقات السنوية في جذوع الأشجار AnnualRings وخطوط النمو في هياكل الحيوانات LinesofGrowth يمكن تصنيفها إلي السنوات المتتالية، بفصولها الأربعة، وشهورها الاثني عشر، وأسابيعها الستة والخمسين، وأيامها، ونهار كل يوم وليلة وأن عدد الأيام في السنة يتزايد باستمرار مع تقادم عمر العينة المدروسة، ومعني ذلك أن سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس كانت في القديم أسرع منها اليوم، وهنا تتضح روعة التعبير القرآني يطلبه حثيثا عند بدء الخلق كما جاء في الآية رقم (54) من سورة الأعراف.
تزايد عدد أيام السنة بتقادم عمر الأرض وعلاقتها بالسرعة الفائقة لدوران الأرض حول محورها عند بدء الخلق في أثناء دراسة الظروف المناخية والبيئية القديمة كما هي مدونة في كل من جذوع النباتات وهياكل الحيوانات القديمة اتضح للدارسين أنه كلما تقادم الزمن بتلك الحلقات السنوية وخطوط النمو زاد عدد الأيام في السنة، وزيادة عدد الأيام في السنة هو تعبير دقيق عن زيادة سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس.
وبتطبيق هذه الملاحظة المدونة في الأحافير البقايا الصلبة للكائنات البائدة بدقة بالغة أتضح أن عدد أيام السنة في العصر الكمبري CambrianPeriod أي منذ حوالي ستمائة مليون سنة مضت- كان 425 يوما، وفي منتصف العصر الأوردوفيشي OrdovicianPeriod أي منذ حوالي 450 مليون سنة مضت- كان 415 يوما، وبنهاية العصر التراياسي TriassicPeriod أي منذ حوالي مائتي مليون سنة مضت- كان 385 يوما، وهكذا ظل هذا التناقص في عدد أيام السنة والذي يعكس التناقص التدريجي في سرعة دوران الأرض حول محورها حتي وصل عدد أيام السنة في زماننا الراهن إلي 365،25 يوم تقريبا 365 يوما،5 ساعات،49 دقيقة،12 ثانية. وباستكمال هذه الدراسة اتضح أن الأرض تفقد من سرعة دورانها حول محورها أمام الشمس واحدا من الألف من الثانية في كل قرن من الزمان بسبب كل من عمليتي المد والجزر وفعل الرياح المعاكسة لاتجاه دوران الأرض حول محورها، وكلاهما يعمل عمل الكابح الفرامل التي تبطيء من سرعة دوران الأرض حول محورها. وبمد هذه الدراسة إلي لحظة تيبس القشرة الخارجية للأرض أي قريبا من بداية خلقها علي هيئتها الكوكبية منذ حوالي 4،600 مليون سنة مضت وصل عدد الأيام بالسنة إلي 2200 يوم تقريبا، ووصل طول الليل والنهار معا إلي حوالي الأربع ساعات، ومعني هذا الكلام أن سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس كانت ستة أضعاف سرعتها الحالية..!! فسبحان الله الذي أنزل في محكم كتابه من قبل ألف وأربعمائة سنة قوله الحق: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوي علي العرش يغشي الليل النهار يطلبه حثيثا} (الأعراف: 54).
وسبحان الله الذي أبقي لنا في هياكل الكائنات الحية والبائدة ما يؤكد تلك الحقيقة الكونية، حتي تبقي هذه الاشارة القرآنية الموجزة يطلبه حثيثا مما يشهد بالإعجاز العلمي للقرآن الكريم، وبأنه كلام الله الخالق، وبأن خاتم الأنبياء والمرسلين الذي تلقاه عن طريق الوحي كان موصولا برب السماوات والأرض، وأنه صلى الله عليه وسلم ما كان ينطق عن الهوي...!!

.ارتباك دوران الأرض قبل طلوع الشمس من مغربها:

بمعرفة كل من سرعة دوران الأرض حول محورها أمام الشمس في أيامنا الراهنة، ومعدل تباطؤ سرعة هذا الدوران مع الزمن، توصل العلماء إلي الاستنتاج الصحيح أن أرضنا سوف يأتي عليها وقت تجبر فيه علي تغيير اتجاه دورانها بعد فترة من الاضطراب، فمنذ اللحظة الأولي لخلقها إلي اليوم وإلي أن يشاء الله تدور أرضنا من الغرب إلي الشرق، فتبدو الشمس طالعة من الشرق، وغاربة في الغرب، فإذا انعكس اتجاه دوران الأرض طلعت الشمس من مغربها وهو من العلامات الكبري للساعة ومن نبوءات المصطفي صلى الله عليه وسلم.
فعن حذيفة بن أسيد الغفاري رضي الله عنه أنه قال: اطلع النبي صلى الله عليه وسلم علينا ونحن نتذاكر، فقال: ما تذاكرون؟، قلنا: نذكر الساعة، فقال: إنها لن تقوم حتي تروا قبلها عشر آيات فذكر: الدخان، الدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها، ونزول عيسي بن مريم، ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف: خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف بجزيرة العرب، وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلي محشرهم.