فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وروى الترمذيّ عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه.
قال: هذا حديث صحيح غريب.
وروى ابن ماجه عن سَلمان عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «إن ربكم حيّ كريم يستحيي من عبده أن يرفع يديه إليه فيردّهما صَفْرًا أو قال خائبتين» احتج الأوّلون بما رواه مسلم عن عمارة بن رُوَيبة «ورأى بِشر بن مَرْوان على المنبر رافعًا يديه فقال: قبّح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا؛ وأشار بأصبعه المسبِّحة» وبما روى سعيد بن أبي عَروبة عن قتادة أن أنس بن مالك حدّثه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يرفع يديه في شيء من الدعاء إلا عند الاستسقاء فإنه كان يرفعهما حتى يُرَى بياضُ إبطيْه» والأوّل أصحّ طُرُقًا وأثبت من حديث سعيد بن أبي عَروبة؛ فإن سعيدًا كان قد تغير عقله في آخر عمره.
وقد خالفه شعبة في روايته عن قتادة عن أنس بن مالك فقال فيه: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع يديه حتى يُرى بياض إبطيْه» وقد قيل: إنه إذا نزلت بالمسلمين نازلة أن الرفع عند ذلك جميل حسن؛ كما فعل النبيّ صلى الله عليه وسلم في الاستسقاء ويوم بَدْر.
قلت: والدعاء حَسَن كيفما تيسر، وهو المطلوب من الإنسان لإظهار موضع الفقر والحاجة إلى الله عز وجل، والتذلل له والخضوع.
فإن شاء استقبل القبلة ورفع يديه فحسن، وإن شاء فلا؛ فقد فعل ذلك النبيّ صلى الله عليه وسلم حسبما ورد في الأحاديث.
وقد قال تعالى: {ادعوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً}.
ولم يرد صفة من رفع يدين وغيرها.
وقال: {الذين يَذْكُرُونَ الله قِيَامًا وَقُعُودًا} [آل عمران: 191] فمدحهم ولم يشترط حالة غير ما ذكر.
وقد دعا النبيّ صلى الله عليه وسلم في خطبته يوم الجمعة وهو غير مستقبل القبلة.
الثالثة: قوله تعالى: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المعتدين} يريد في الدعاء وإن كان اللفظ عامًّا إلى هذا هي الإشارة.
والمعتدي هو المجاوز للحدّ ومرتكب الحظر.
وقد يتفاضل بحسب ما اعتدى فيه.
وروي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «سيكون قوم يعتدون في الدعاء» أخرجه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة.
حدّثنا عفّان حدّثنا حماد بن سلمة أخبرنا سعيد الجُرَيْرِيّ عن أبي نعامة أن عبد الله بن مغفّل سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها.
فقال: أي بني، سَلِ الله الجنة وعُذْ بِه من النار؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيكون قوم يعتدون في الدعاء» والاعتداء في الدعاء على وجوه: منها الجهر الكثير والصياح؛ كما تقدم.
ومنها أن يدعو الإنسان في أن تكون له منزلة نبيّ، أو يدعو في محال؛ ونحو هذا من الشطط.
ومنها أن يدعو طالبًا معصية وغير ذلك.
ومنها أن يدعو بما ليس في الكتاب والسنة؛ فيتخير ألفاظًا مفقرة وكلمات مسجّعة قد وجدها في كراريس لا أصل لها ولا معوّل عليها، فيجعلها شعاره ويترك ما دعا به رسولُه عليه السلام.
وكل هذا يمنع من استجابة الدعاء؛ كما تقدم في البقرة بيانه. اهـ.

.قال الخازن:

قوله عز وجل: {ادعوا ربكم} قيل معناه اعبدوا ربكم لأن معنى الدعاء طلب الخير من الله تعالى وهذه الصفة العبادة ولأنه تعالى عطف عليه قوله وادعوه خوفًا وطمعًا والمعطوف يجب أن يكون مغايرًا للمعطوف عليه.
وقيل: المراد به حقيقة الدعاء هو الصحيح لأن الدعاء هو السؤال والطلب وهو نوع من أنواع العبادة لأن الداعي لا يقدم على الدعاء إلا إذا عرف من نفسه الحاجة إلى ذلك المطلوب وهو عاجز عن تحصيله وعرف أن ربه تبارك وتعالى يسمع الدعاء ويعلم حاجته، وهو قادر على إيصالها إلى الداعي فعند ذلك يعرف العبد نفسه بالعجز والنقص ويعرف ربه بالقدرة والكمال وهو المراد من قوله تعالى: {تضرعًا} يعني ادعوا ربكم تذللًا واستكانة، وهو إظهار الذل في النفس والخشوع.
يقال: ضرع فلان لفلان إذا أذل له وخشع.
وقال الزجاج: تضرعًا يعني تملقًا وحقيقته أن ندعوه خاضعين خاشعين متعبدين بالدعاء له تعالى: {وخفية} يعني سرًا في أنفسكم وهو ضد العلانية والأدب في الدعاء أن يكون خفيًا لهذه الآية قال الحسن بين دعوة السر ودعوة العلانية سبعون ضعفًا ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء ولا يسمع لهم صوت إن كان إلا همسًا بينهم وبين ربهم وذلك أنه تعالى يقول ادعوا ربكم تضرعًا وخفية وأن الله تعالى ذكر عبدًا صالحًا رضي فعله فقال تعالى: {إذ نادى ربه نداء خفيًا} ق وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجعل الناس يجهرون بالتكبير فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أيها الناس أربعوا على أنفسكم إنكم لا تدعون أصم ولا غائبًا، إنكم تدعون سميعًا بصيرًا وهو معكم والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته» قال أبو موسى رضي الله عنه وأنا خلقه أقول لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم في نفسي فقال: «يا عبد الله بن قيس ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة» قلت بلى يا رسول الله قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم» قوله صلى الله عليه وسلم «أربعوا على أنفسكم» يعني ارفقوا بها وأقصروا عن الصياح في الدعاء.
وقوله تعالى: {إنه لا يحب المعتدين} يعني في الدعاء، وقال أبو مجلز: هم الذين يسألون منازل الأنبياء.
عن عبد الله بن مغفل أنه سمع ابنه يقول اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها قال أي بني سل الله الجنة وتعوذ به من النار فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور والدعاء». أخرجه أبو داود.
وقال ابن جريج: الاعتداء رفع الصوت والنداء والصياح في الدعاء.
وقيل: الاعتداء مجاوزة الحد في كل شيء فكل من خالف أمر الله ونهيه فقد اعتدى ودخل تحت قوله تعالى: {إنه لا يحب المعتدين} وفرع بعض أرباب الطريقة على قوله تعالى: {ادعوا ربكم تضرعًا وخفية} هل الأفضل إظهار العبادات أم لا فذهب بعضهم إلى أن إخفاء الطاعات والعبادات أفضل من إظهارها لهذه الآية ولكونها أبعد عن الرياء وذهب بعضهم إلى إن إظهارها أفضل ليقتدي به الغير فيعمل مثل عمله وتوسط الشيخ محمد بن عبد الحكيم الترمذي فقال: إن كان خائفًا على نفسه من الرياء، فالأولى إخفاء العبادات صونًا لعمله عن البطلان وإن كان قد بلغ في الصفاء وقوة اليقين إلى التمكين بحيث صار مباينًا شائبة الرياء كأن الأولى في حقه الإظهار لتحصل فائدة الاقتداء به؛ وذهب بعضهم إلى أن إظهار العبادات المفروضات أفضل من إخفائها فالصلاة المكتوبة في المسجد أفضل من صلاته في بيته وصلاة النفل في البيت أفضل من صلاته في المسجد وكذا إظهار الزكاة أفضل من إخفائها وإخفاء صدقة التطوع أفضل من أظهارها ويقاس على هذا سائر العبادات. اهـ.

.قال أبو حيان:

{ادعوا ربكم تضرعًا وخفية}
الظاهر أنّ الدعاء هو مناجاة الله بندائه لطلب أشياء ولدفع أشياء، وقال الزّجاج: المعنى اعبدوا وانتصب {تضرّعًا وخفية} على الحال أي متضرّعين ومخفين أو ذوي تضرّع واختفاء في دعائكم وفي الحديث الصحيح «إنكم لستم تدعون أصم ولا غائبًا إنكم تدعون سميعًا قريبًا» وكان الصحابة حين أخبرهم الرسول بذلك قد جهروا بالذكر أمر تعالى بالدعاء مقرونًا بالتذلل والاستكانة والاختفاء إذ ذاك ادّعى للإجابة وأبعد عن الرياء والدعاء خفية أفضل من الجهر ولذلك أثنى الله على زكريا عليه السلام فقال: {إذ ناد ربه نداء خفيًا} وفي الحديث «خير الذّكر الخفي» وقواعد الشريعة مقررة أن السرّ فيما لم يفترض من أعمال البر أعظم أجرًا من الجهر.
قال الحسن: أدركنا أقوامًا ما كان على الأرض عمل يقدرون أن يكون سرًا فيكون جهرًا أبدًا ولقد كان المسلمون يجتهدون في الدعاء ولا يسمع لهم صوت إن هو إلا الهمس بينهم وبين ربهم انتهى ولو عاش الحسن إلى هذا الزمان العجيب الذي ظهر فيه ناس يتسمون بالمشايخ يلبسون ثياب شهرة عند العامة بالصّلاح ويتركون الاكتساب ويرتبون لهم إذكارًا لم ترد في الشريعة يجهرون بها في المساجد ويجمعون لهم خدامًا يجلبون الناس إليهم لاستخدامهم ونتش أموالهم ويذيعون عنهم كرامات ويرون لهم منامات يدوّنونها في أسفار ويحضون على ترك العلم والاشتغال بالسنّة ويرون الوصول إلى الله بأمور يقررونها من خلوات وأذكار لم يأت بها كتاب منزل ولا نبي مرسل ويتعاظمون على الناس بالانفراد على سجادة ونصب أيديهم للتقبيل وقلّة الكلام وإطراق الرؤوس وتعيين خادم يقول الشيخ مشغول في الخلوة رسم الشيخ قال الشيخ رأى الشيخ الشيخ نظر إليك الشيخ كان البارحة يذكرك إلى نحو من هذه الألفاظ التي يخشون بها على العامة ويجلبون بها عقول الجهلة هذا إن سلم الشيخ وخادمه من الاعتقاد الذي غلب الآن على متصوفة هذا الزمان من القول بالحلول أو القول بالوحدة فإذ ذاك يكون منسلخًا عن شريعة الإسلام بالكليّة والتعجب لمثل هؤلاء كيف ترتب لهم الرّواتب وتبنى لهم الربط وتوقف عليها الأوقاف ويخدمهم الناس في عروهم عن سائر الفضائل ولكن الناس أقرب إلى أشباههم منهم إلى غير أشباههم وقد أطلنا في هذا رجاء أن يقف عليه مسلم فينتفع به، وقرأ أبو بكر بكسر ضمة الخاء وهما لغتان ويظهر ذلك من كلام أبي علي ولا يتأتى إلا على ادعاء القلب وهو خلاف الأصل ونقل ابن سيده في المحكم أنّ فرقة قرأت {وخيفة} من الخوف أي ادعوه باستكانة وخوف.
وقال أبو حاتم قرأها الأعمش فيما زعموا.
{إنه لا يحب المعتدين} وقرأ ابن أبي عبلة إن الله جعل مكان المضمر المظهر وهذا اللفظ عام يدخل فيه أوّلًا الدعاء على غير هذين الوجهين من عدم التضرّع وعدم الخفية بأن يدعوه وهو ملتبس بالكبر والزهو أو أن ذلك دأبه في المواعيد والمدارس فصار ذلك له صنعة وعادة فلا يلحقه تضرّع ولا تذلل وبأن يدعوه بالجهر البليغ والصياح كدعاء الناس عند الاجتماع في المشاهد والمزارات، وقال العلماء الاعتداء في الدعاء على وجوه منها الجهر الكثير والصّياح وأن يدعو أن يكون له منزلة نبي وأن يدعو بمحال ونحوه من الشّطط وأن يدعو طالب معصية، وقال ابن جريج والكلبي الاعتداء رفع الصوت بالدعاء وعنه الصّياح في الدعاء مكروه وبدعة وقيل هو الإسهاب في الدعاء قال القرطبي وقد ذكر وجوهًا من الاعتداء في الدعاء قال: ومنها أن يدعو بما ليس في الكتاب العزيز ولا في السّنة فيتخير ألفاظًا مقفاة وكلمات مسجعة وقد وجدها في كراريس لهؤلاء يعني المشايخ لا معوّل عليها فيجعلها شعاره يترك ما دعا به رسول الله صلى الله عليه وسلم وكل هذا يمنع من استجابة الدّعاء، وقال ابن جبير: الاعتداء في الدّعاء أن يدعو على المؤمنين بالخزي والشّرك واللعنة، وفي سنن ابن ماجة أن عبد الله بن مغفل سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها فقال: أي بني سل الله الجنة وعُذْ به من النار فإنّي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سيكون قوم يعتدون في الدعاء» زاد ابن عطية والزمخشري في هذا الحديث «وحسب المرء أن يقول اللهم إني أسألك الجنة وما قرب إليها من قول وعمل وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول وعمل» ثم قرأ {إنه لا يحب المعتدين}. اهـ.