فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

{وَهُوَ الذي يُرْسِلُ الرياح بُشْرًا}
قرأ عاصم {بُشرًا} بالباء المضمومة والشين المجزومة يعني أنّها تبشّر بالمطر يدلّ عليه قوله: {الرياح مُبَشِّرَاتٍ} [الروم: 46].
وروى عنه {بُشُرًا} بضم الباء والشين على جمع البشير مثل نذير ونذار.
وهي قراءة ابن عباس. وقرأ غيره من أهل الكوفة {نشرًا} بفتح النون وجزم الشين وهو الريح الطيبة اللينة.
قال امرؤ القيس:
كان المدام وصوب الغمام ** وريح الخزامي ونشر القطر

وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس وزر بن حبيش، واختاره أبو عبيد لقوله: {والناشرات نَشْرًا} [المرسلات: 3] وقرأ أهل الحجاز والبصرة {نشرًا} بضم النون والشين واختاره أبو حاتم فقال: هي جمع نشور مثل صبور وصابر، وشكور وشاكر.
وهي الرياح التي تهب من كل ناحية وتجيء من كل وجه وقرأ الحسن وأبو رجاء وأبو عبد الرحمن وابن عامر {نشرًا} بضم النون وجزم الشين على التخفيف.
وقرأ مسروق {نشرًا} بفتحتين أراد منشورًا كالمقبض والقبض {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} يعني قدّام المطر {حتى إِذَا أَقَلَّتْ} حملت {سَحَابًا ثِقَالًا} المطر {سُقْنَاهُ} رد الكناية إلى لفظ السحاب {لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ} يعني إلى بلد.
وقيل: معناه لأجل بلد لا نبات له {فَأَنْزَلْنَا بِهِ} أي السحاب وقيل: بالبلد {الماء} يعني المطر، وقال أبو بكر بن عيّاش: لا تقطر من السماء قطرة حتّى يعمل فيها أربع: رياح الصبا تهيّجه والشمال تجمعه والجنوب تدرّه والدبور تفرّقة {كذلك نُخْرِجُ الموتى} أحياء قال أبو هريرة وابن عباس: إذا مات الناس كلّهم في النفخة الأولى أمطر عليهم أربعين عامًا يسقى الرجال من ماء تحت العرش يُدعى ماء الحيوان فينبتون في قبورهم بذلك المطر كما ينبتون في بطون أُمهاتهم، وكما ينبت الزرع من الماء حتّى إذا استكملت أجسادهم نفخ فيهم الروح ثمّ يلقى عليهم نومة فينامون في قبورهم، فإذا نفخ في الصور الثانية عاشوا وهم يجدون طعم النوم في رؤوسهم وأعينهم كما يجد النائم إذا استيقظ من نومه فعند ذلك يقولون {يا ويلنا مَن بَعَثَنَا مِن مَّرْقَدِنَا} [يس: 52] فيناديهم المنادي {هَذَا مَا وَعَدَ الرحمن وَصَدَقَ المرسلون} [يس: 52]. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}
هذه آية اعتبار واستدلال، وقرأ نافع وأبو عمرو {الرياح} بالجمع {نُشُرًا} بضم النون والشين، قال أبو حاتم، وهي قراءة الحسن وأبي عبد الرحمن وأبي رجاء، واختلف عنهم الأعرج، وأبي جعفر ونافع وأبي عمرو وعيسى بن عمر وأبي يحيى وأبي نوفل الأعرابيين، وقرأ ابن كثير {الريح} واحدة {نُشْرًا} بضمها أيضًا، وقرأ ابن عامر {الرياح} جمعًا {نُشْرًا} بضم النون وسكون الشين، قال أبو حاتم: ورويت عن الحسن وأبي عبد الرحمن وأبي رجاء وقتادة وأبي عمرو، وقرأ حمزة والكسائي، {الريح} واحدة، {نَشْرًا} بفتح النون وسكون الشين، قال أبو حاتم وهي قراءة ابن مسعود وابن عباس وزر بن حبيش وابن وثاب وإبراهيم وطلحة والأعمش ومسروق بن الأجدع، وقرأ ابن جني قراءة مسروق {نَشَرا} بفتح النون والشين، وقرأ عاصم {الرياح} جماعة {بُشْرًا} بالباء المضمومة والشين الساكنة، وروي عنه {بُشُرًا} بضم الباء والشين، وقرأ بها ابن عباس والسلمي وابن أبي عبلة، وقرأ محمد بن السميفع وأبو قطيب {بُشرى} على وزن فعل بضم الباء، ورويت عن أبي يحيى وأبي نوفل، وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي {بَشْرا} بفتح الياء وسكون الشين، قال الزهراوي: ورويت هذه عن عاصم.
ومن جمع الريح في هذه الآية فهو أسعد، وذلك أن الرياح حيث وقعت في القرآن فهي مقترنة بالرحمة كقوله: {ومن آياته أن يرسل الرياح مبشرات} [الروم: 45] وقوله: {وأرسلنا الرياح لواقح} [الحجر: 22] وقوله: {الله الذي يرسل الرياح فتثير سحابًا} [الروم: 48] وأكثر ذكر الريح مفردة، إنما هو بقرينة عذاب، كقوله: {وفي عاد إذا أرسلنا عليهم الريح العقيم} [الذاريات: 41] وقوله: {وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية} [الحاقة: 6] وقوله: {بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها} [الأحقاف: 24] نحا هذا المنحى يحيى بن يعمر وأبو عمرو بن العلاء وعاصم، وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا هبت الريح يقول «اللهم اجعلها رياحًا ولا تجعلها ريحًا».
قال القاضي أبو محمد: والمعنى في هذا كله بين، وذلك أن ريح السقيا والمطر أنها هي منتشرة لينة تجيء من هاهنا وتتفرق فيحسن من حيث هي منفصلة الأجزاء متغايرة المهب يسيرًا أن يقال لها رياح، وتوصف بالكثرة ريح الصر والعذاب، عاصفة صرصر جسد واحد شديدة المر مهلكة بقوتها وبما تحمله أحيانًا من الصر المحرق، فيحسن من حيث هي شديدة الاتصال أن تسمى ريحًا مفردة، وكذلك أفردت الريح في قوله تعالى: {وجرين بهم بريح طيبة} [يونس: 22] من حيث جري السفن إنما جرت بريح متصلة كأنها شيء واحد فأفردت لذلك ووصفت بالطيب إزالة الاشتراك بينها وبين الريح المكروهة، وكذلك ريح سليمان عليه السلام إنما كانت تجري بأمره أو تعصف في حقوله وهي متصلة، وبعد فمن قرأ في هذه الآية الريح بالإفراد فإنما يريد به اسم الجنس، وأيضًا فتقيدها ب نشر يزيل الاشتراك.
والإرسال في الريح هو بمعنى والإجراء والإطلاق والإسالة ومنه الحديث فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة، والريح تجمع في القليل أرواح وفي الكثير رياح لأن العين من الريح واو انقلبت في الواحد ياء للكسر الذي قبلها، وكذلك في الجمع الكثير، وصحت في القليل لأنه لا شيء فيه يوجب الإعلال، وأما {نُشُرًا} بضم النون والشين فيحتمل أن يكون جمع ناشر على النسب أي ذات نشر من الطي أو نشور من الحياة، ويحتمل {نَشُرًا} أن يكون جمع نشور بفتح النون وضم الشين كرسول ورسل وصبور وصبر وشكور وشكر، ويحتمل {نشرا} أن يكون كالمفعول بمعنى منشور كركوب بمعنى مركوب، ويحتمل أن يكون من أبنية اسم الفاعل لأنها تنشر الحساب، وأما مثلا الأول في قولنا ناشر ونشر فشاهد وشهد ونازل ونزل، كما قال الشاعر:
أو تنزلون فإنّا معشر نزل

وقاتل وقتل ومنه قول الأعشى: [البسيط]
إنا لمثلكم يا قومنا قتل

وأما من قرأ {نُشْرًا} بضم النون وسكون الشين فإنما خفف الشين من قوله: {نشرًا} وأما من قرأ {نَشْرًا} بفتح النون وسكون الشين فهو مصدر في موضع الحال من الريح، ويحتمل في المعنى أن يراد به من النشر الذي هو خلاف الطيّ كل بقاء الريح دون هبوب طيّ، ويحتمل أن يكون من أن النشر الذي هو الإحياء كما قال الأعشى: [السريع]
يا عجبا للميّت الناشر

وأما من قرأ {نَشَرًا} بفتح النون والشين وهي قراءة شاذة فهو اسم وهو على النسب، قال أبو الفتح أي ذوان نشر، والنَّشَر أن تنتشر الغنم بالليل فترعى، فشبه السحاب، في انتشاره وعمومه بذلك، وأما {بُشُرًا} بضم الباء والشين فجمع بشير كنذير ونذر، و{بشْرًا} بسكون الشين مخفف منه و{بَشْرًا} بفتح الباء وسكون الشين مصدر وبشرى مصدر أيضًا في موضع الحال. والرحمة في هذه الآية المطر، و{بين يدي} أي أمام رحمته وقدامها وهي هنا استعارة وهي حقيقة فيما بين يدي الإنسان من الأجرام.
و{أقلت} معناه: رفعت من الأرض واستقلت بها، ومنه القلة وكأن المقل يرد ما رفع قليلًا إذا قدر عليه، و{ثقالًا} معناه من الماء، والعرب تصف السحاب بالثقل والدلح، ومنه قول قيس بن الخطيم: [المتقارب]
بأحسنَ منها ولا مزنة ** دلوح تكشف أدجانها

والريح تسوق السحاب من وارئها فهو سوق حقيقة، والضمير في {سقناه} عائد على السحاب، واستند الفعل إلى ضمير اسم الله تعالى من حيث هو إنعام، وصفه البلد بالموت، استعارة بسبب سعته وجدوبته وتصويح نباته، وقرأ أبو عمرو وعاصم والأعمش: {لبلد ميْت} بسكون الياء وشدها الباقون والضمير في قوله: {فأنزلنا به} يحتمل أن يعود على السحاب أي منه، ويحتمل أن يعود على البلد، ويحتمل أن يعود على الماء وهو أظهرها، وقال السدي في تفسير هذه الآية: إن الله تعالى يرسل الرياح فتأتي بالسحاب من بين الخافقين طرق السماء والأرض حيث يلتقيان فتخره من ثم ثم تنشره فتبسطه في السماء ثم تفتح أبواب السماء فيسيل الماء على السحاب ثم تمطر السحاب بعد ذلك.
قال القاضي أبو محمد: وهذا التفصيل لم ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله تبارك وتعالى: {كذلك نخرج الموتى} يحتمل مقصدين أحدهما أن يراد كهذه القدرة العظيمة في إنزال الماء وإخراج الثمرات به من الأرض المحدبة هي القدرة على إحياء الموتى من الأجداث وهذه مثال لها، ويحتمل أن يراد أن هكذا يصنع بالأموات من نزول المطر عليهم حتى يحيوا به فيكون الكلام خبرًا لا مثلًا، وهذا التأويل إنما يستند إلى الحديث الذي ذكره الطبري عن أبي هريرة أن الناس إذا ماتوا في النفخة الأولى مطر عليهم مطر من ماء تحت العرش يقال له ماء الحيوان أربعين سنة فينبتون كما ينبت الزرع، فإذا كملت أجسادهم نفخ فيهم الروح، ثم تلقى عليهم نومة فينامون فإذا نفخ في الصور الثانية قاموا وهم يجدون طعم النوم، فيقولون يا ويلنا من بعثنا من مرقدنا، فيناديهم المنادي هذا ما وعد الرحمن وصدق المرسلون. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وهو الذي يرسل الرياح}
قرأ أبو عمرو، ونافع، وابن عامر، وعاصم: {الرياح} على الجمع.
وقرأ ابن كثير، وحمزة، والكسائي: {الريح} على التوحيد.
وقد يأتي لفظ التوحيد، ويراد به الكثرة، كقولهم: كثر الدرهم في أيدي الناس، ومثله: {إن الإنسان لفي خسر} [العصر: 2].
قوله تعالى: {نشرًا} قرأ أبو عمرو، وابن كثير، ونافع، {نُشرًا} بضم النون والشين، أرادوا جمع نشور، وهي الريح الطيبة الهبوب، تهب من كل ناحية وجانب.
قال أبو عبيدة: النُشُر: المتفرقة من كل جانب.
وقال أبو علي: يحتمل أن تكون النشور بمعنى المنشر، وبمعنى المنتشر، وبمعنى الناشر؛ يقال: أنشر الله الريح، مثل أحياها، فنشرت، أي: حييت.
والدليل على أن إنشار الربح إحياؤها قولُ الفقعسي:
وهبَّتْ له رِيْحُ الجَنُوبِ وأُحْيِيَتْ ** له رَيْدَةٌ يُحيي المِيَاهَ نَسِيْمُهَا

ويدل على ذلك أن الريح قد وصفت بالموت.
قال الشاعر:
إنِّي لأرْجُو أَنْ تَمُوْتَ الرِّيْحُ ** فَأقْعُدَ اليَوْمَ وَأسْتَرِيْحُ

والرَّيدة والريدانة: الريح.
وقرأ ابن عامر، وعبد الوارث، والحسن البصري: {نُشْرًا} بالنون مضمومة وسكون الشين، وهي في معنى {نُشُرًا} يقال: كُتُبْ وكُتْب، ورُسُل ورُسْل.
وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف، والمفضل عن عاصم: {نَشْرا} بفتح النون وسكون الشين.
قال الفراء: النَّشْر: الريح الطيبة الليَّنِّة التي تنشيء السحاب.
وقال ابن الأنباري: النَّشْر: المنتشرة الواسعة الهبوب.
وقال أبو علي: يحتمل النَّشْر أن يكون خلاف الطيِّ، كأنها كانت بانقطاعها كالمطويَّة.
ويحتمل أن يكون معناها ما قاله أبو عبيدة في النشر: أنها المتفرقة في الوجوه؛ ويحتمل أن يكون معناها: النشر الذي هو الحياة، كقول الشاعر:
حتَّى يقولَ النَّاسُ ممَّا رَأَوْا ** يا عَجَبًا لِلْمِّيتِ النَّاشِرِ

قال: وهذا هو الوجه.
وقرأ أبو رجاء العطاردي، وإبراهيم النخعي، ومسروق، ومورِّق العجلي: {نَشَرًا} بفتح النون والشين.
قال ابن القاسم: وفي النَّشَر وجهان.
أحدهما: أن يكون جمعًا للنشور، كما قالوا: عَمود وَعَمد، وإهاب وأهَب.
والثاني: أن يكون جمعًا، واحده ناشر، يجري مجرى قوله: غائب وغَيَبٌ، وحافد وحَفَدٌ، وكل القرَّاء نوَّن الكلمة.
وكذلك اختلافهم في [الفرقان: 48] و[النمل: 63].