فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَهُوَ الذي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرَا بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ}.
تباشير القرب تتقدم فيتأدّى نسيمُه إلى مشام الأسرار، وكذلك آثار الإعراض تتقدم فتوجد ظلمة القبض في الباطن، فظلُّ الوحشة يتقدمها، ونسيم الوصلة بعدها، وفي قريبٍ منه قال قائلهم:
ولقد تشمَّمْتُ القضاءَ لحاجتي ** فإذا له من راحتيك نسيم

قوله جلّ ذكره: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ فَأَنْزَلْنَا بِهِ المَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِن كُلَّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ المَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}.
الإشارة منه أنه يحصل بالمهجور ما يتأذى به الصدر ويُبَرِّحُ به الوجه ويَنْحلُ به الجسم، بل يُبْطِلُ كلَّه البعجُ، فيأتيه القُرب فيعود عود وصاله بعد الذبول طريًا، ويصير دارس حاله عقيب السقوط نديا، كما قال بعضهم:
كُنّا كمن أُلْبِسَ أكفانه ** وقرَّب النعشُ من اللَّحد

فجالتْ الروحُ في جسمه ** وردَّه الوصلُ إلى المولد

. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {وَهُوَ الذي يُرْسِلُ الرياح بُشْرىً بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}.
على قراءة عاصم {بُشْرًا} بضم الباء الموحدة، وإسكان الشين: جمع بشير، لأنها تنتشر أمام المطر مبشرة به، وهذا المعنى يوضحه قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرياح مُبَشِّرَاتٍ} [الروم: 46] الآية، وقوله: {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}، يعني برحمته المطر كما جاء مبينًا في غير هذا الموضع كقوله: {وَهُوَ الذي يُنَزِّلُ الغيث مِن بَعْدِ مَا قَنَطُواْ وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ} [الشورى: 28] الآية، وقوله: {فانظر إلى آثَارِ رَحْمَةِ الله كَيْفَ يُحْيِيِ الأرض بَعْدَ مَوْتِهَا} [الروم: 50].
قوله تعالى: {حتى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالًا سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَّيِّتٍ} الآية.
بين في هذه الآية الكريمة أنه يحمل السحاب على الريح، ثم يسوقه إلى حيث يشاء من بقاع الأرض، وأوضح هذا المعنى في آيات كثيرة كقوله: {والله الذي أَرْسَلَ الرياح فَتُثِيرُ سَحَابًا فَسُقْنَاهُ إلى بَلَدٍ مَّيِّتٍ} [فاطر: 9] الآية. وقوله: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَسُوقُ الماء إِلَى الأرض الجرز فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعًا تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعَامُهُمْ وَأَنفُسُهُمْ أَفَلاَ يُبْصِرُونَ} [السجدة: 27] إلى غير ذلك من الآيات. اهـ.

.التفسير المأثور:

{وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ}
أخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {وهو الذي يرسل الرياح} على الجماع {بشرًا} خفيفة بالباء.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في الآية قال: إن الله يرسل الريح فتأتي بالسحاب من بين الخافقين طرف السماء والأرض من حيث يلتقيان فيخرجه من ثَمَّ، ثم ينشره فيبسطه في السماء كيف يشاء، ثم يفتح أبواب السماء فيسيل الماء على السحاب، ثم يمطر السحاب بعد ذلك.
وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {بشرًا بين يدي رحمته} قال: يستبشر بها الناس.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله اليماني أنه كان يقرأها {بشرًا} من قبل مبشرات.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {بين يدي رحمته} قال: هو المطر. وفي قوله: {كذلك نخرج الموتى} قال: وكذلك تخرجون، كذلك النشور كما يخرج الزرع بالماء.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {وكذلك نخرج الموتى} قال: إذا أراد الله أن يخرج الموتى تمطر السماء حتى تشقق عنهم الأرض، ثم يرسل الأرواح فيهوي كل روح إلى جسده، فكذلك يحيي الله الموتى بالمطر كاحيائه الأرض. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {الرِّيَاح بُشْرًا} قد تقدَّم خلاف القرَّاءِ في إفراد {الرِّيحِ} وجمعها بالنِّسْبَة إلى سائر السُّور في البقرة.
وأمّا {بُشْرًا} فقرأه في هذه السّورة- وحيث ورد في غيرها من السُّورِ- نافع وأبو عمرو وابن كثير بضم النون والشِّين، وهي قراءة الحسنِ وأبي عَبْدِ الرَّحْمنِ، وأبي رجاء بخلاف عنهم، وشَيْبَةَ بْن نصَاحٍ وعيسَى بْنِ عُمر وأبِي يحيى، وأبي نَوْفَلٍ الأعْرَابيَّيْنِ.
وفي هذه القراءة وجهان فيتحصَّلَ فيها ستَّةُ أوْجُه:
أحدها: أن {نُشُرًا} جمع نَاشِرٍ كبازل وبُزُلٍ وشَارِفٍ وشُرُفٍ وهو جمع شاذٌّ في فاعل.
ثم نَاشِرٌ هذا اختلف في معناه فقيل: هو على النَّسَبِ: إمَّا إلى النِّشْر ضدَّ الطيِّ، وإمَّا إلى النُّشُورِ بمعنى الإحياء كقوله: {وَإِلَيْهِ النشور} [الملك: 25]، والمعنى: ذا نَشْرٍ، أو نشورٍ كلابنٍ وتَامِرٍ.
وقيل: هو فاعل من نَشَرَ مطاوع أنْشَرَ يُقال: أنْشَرَ اللَّهُ الميِّتَ، فَنَشَرَ فهو نَاشِرٌ، وأنشد: [السريع]
حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ مِمَّا رَأوْا ** يَا عَجبًا لِلْمَيِّتِ النَّاشِرِ

وقيل: ناشرٌ بمعنى مُنِشِرٌ أي: المُحْيي تقول: نَشَرَ اللَّهُ الموتى وأنْشَرَهَا، ففعل وأفْعل على هذا بمعنى واحد، وهذه الثَّالِثَةُ ضعيفة.
الوجه الثاني: أنَّ نُشُرًا نَشُور، وهذا فيه احتمالان:
أرجحهما: أنَّهُ بمعنى فاعل، وفعول بمعنى فاعِل ينقاس جمعُه على فُعُل كصَبُور، وصُبُر، وشكور، وشُكُر أي متفرقة، وهي الرِّيَاحُ التي تأتي من كل ناحية والنّشر التفريق، ومنه نَشْرُ الثَّوْبِ، ونشر الخَشَبةِ بالمِنْشَارِ.
وقال الفراءُ: النَّشْرُ من الرِّيح الطيِّبة اللينَةِ التي تنشيء السَّحاب، واحدها نُشُورٌ، وأصله من النَّشْرِ وهو الرَّائِحَةُ الطيِّبَةُ.
والثاني: أنَّهُ بمعنى مفعول كَرَكُوبٍ وحلوب بمعنى مَرْكوب ومَحْلُوبٍ قالوا: لأنَّ الرِّيح تُوْصَفُ بالمَوْتِ وتوصفُ بالإحياء فمن الأوَّل قوله: [الرجز]
إنِّي لأرْجُو أنْ تمُوتَ الرِّيحُ ** فأقْعُدُ اليَوْمَ وأسْتَرِيحُ

ومن الثاني قوله: أنْشَر الله الرِّيحَ وأحْيَاهَا وفعول بمعنى مفعول يُجْمع على فُعُل كرسول ورُسُلٍ.
وبهذا قال جماعةٌ كثيرةٌ، إلا أنَّ ذلك غير مقيس في المُفْرَدِ وفي الجمع، أعني أنه لا يَنْقَاسُ فعول بمعنى مفعول لا تقُولُ: زيد ضروب ولا قتول بمعنى مضروب ومقتول، ولا ينقاسُ أيضًا جمع فَعُول بمعنى مفعول على فُعُل.
فَحَصَلَ في هذه القراءة ستَّة أوْجُهٍ:
الأول: أنَّها جمع لناشرٍ بمعنى: ذا نشر ضدَّ الطيِّ.
الثاني: جمع ناشِرُ بمعنى: ذي نشور.
الرابع: جمع ناشر بمعنى مُنْشِرٍ.
الخامس: جمع نُشورٍ بمعنى: فاعلٍ.
السادس: جمع نُشورٍ بمعنى: مَفْعول.
وقرأ ابن عامر بضمِّ النُّون وسكون الشين، وهي قراءة ابن عبَّاس، وِزرِّ بين حُبَيْشٍ، ويحيى بن وثَّابٍ، والنَخَعيِّ وابن مصرف، والأعمش، ومَسْرُوقٍ، وتخريجها بما ذكر في القراءة قبلها، فإنَّهَا مخفَّفة منها، كما قالوا: رُسْل في رُسُل وكُتْب في كُتُب، فَسكّنوا الضمَّة تخفيفًا، وإذا كَانُوا قد فعلوا ذلك في المفرد، الذي هو أخفُّ من الجَمْعِ كقولهم في عُنُقٍ: عُنْقٌ، وفي طُنُبٍ: طُنْبٌ، فما بالهم في الجمع الذي هو أثقل من المفرد؟
وقرأ الأخوان: {نَشْرًا} بفتح النُّونِ وسكون الشِّين، ووجهها أنَّهَا مَصْدَرٌ واقع موقع الحَالِ بمعنى ناشرة، أو منشورة، أو ذاتُ نَشْرٍ كُلُّ ذلك على ما تقدَّم في نظيره.
وقيل: نَشْرًا مصدر مؤكِّد؛ لأنَّ أرسل، وأنْشَرَ متقاربان.
وقيل: نَشْرًا مصدر على حذف الزَّوائد أي: إنشارًا، وهو واقع موقع الحال أي: مُنْشِرًا، أو مُنْشَرًا حسب ما تقدَّم في ذلك.
وقرأ عَاصِمٌ: {بُشْرًا} بالبَاءِ الموحَّدَةِ مضمومة وسكون الشِّين، وهو جمع بشيرة كنذيرة ونُذُر.
وقيل: جمع فعيل كَقَلِيبٍ وقُلُب ورغيب ورُغُف، وهي مأخوذةٌ في المعنى من قوله تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَن يُرْسِلَ الرياح مُبَشِّرَاتٍ} [الروم: 46] أي تبشّرُ بالمطر، ثم خفِّفت الضَّمَّةُ كما تقدَّم في النُّشُر، ويؤيِّدُ ذلك أنَّ ابن عباس والسُّلمي وابن أبي عبلة قرأوا بضمِّهَا، وهي مرويَّة عن عاصم نفسه فهذه أرْبَعُ قراءات في السَّبْع.
والخامسة: ما ذكرناه عن ابن عباس ومن معه.
وقرأ مسورق: {نَشَرًا} بفتح النُّونِ ولاشِّين وفيها تخريجان:
أحدهما: نقله أبُو الفتحِ: أنَّهُ اسم جمعٍ كغَيَب ونشأ لغائبة وناشئَةٍ.
والثاني: أنَّ فَعَلًا بمعنى مفعول كَقَبَضَ بمعنى مَقْبُوضٍ.
وقرأ أبُو عبد الرحمن: {بَشْرًا} بفتح الباء وسكون الشِّين ورُويت عن عاصم أيضًا على أنه مصدر بَشَر ثلاثيًا.
وقرأ ابن السَّمَيْفَع: {بُشْرى} بزنة رُجْعَى، وهو مصدر أيضًا، فهذه ثَمَان قِراءاتٍ:
أربع مع النُّونِ، وأربع مع الباء، هذا ما يتعلَّقُ بالقراءات، وما هي بالنِّسْبَةِ إلى كونها مفردة أو جمعًا.
وأمَّا نَصْبُها فإنَّها في قراءة نَافِعٍ، ومن معه وابن عامر منصوبة على الحال من {الرِّياح} أو {الرِّيح} حسب ما تقدَّم من الخلاف وكذلك هي في قراءة عَاصِمٍ، وما يشبهها.
وأمَّا في قراءة الأخوين، ومسروق فيحتمل المصدريَّة، أو الحاليَّة، وكلُّ هذا واضح، وكذلك قراءة {بُشْرَى} بزنة رجعى ولابد من التَّعرُّض لشيء آخر، وهو أنَّ من قرأ {الرِّياح} بالجمع وقرأ {نُشْرًا} جمعًا كنافع، وأبي عمرو فواضح.
وأما من أفرد {الرِّيح} وجمع {نُشْرًا} كابن كثير، فإنَّهُ يجعل الرِّيح اسم جنس، فهي جمع في المَعْنَى، فوصفها بالجمع كقول عنترة: [الكامل]
فيهَا اثْنَتَانِ وأرْبَعُونَ حَلُوبَةً ** سُودًا كخَافِيَةِ الغُرَابِ الأسْحَمِ

والحاليَّةُ في بعض الصُّوَرِ يجوز أن تكون من فاعل {يُرْسلُ}، أو مفعوله وكلُّ هذا يُعْرف مما تقدم.
قوله: {بَيْنَ}: ظَرْفٌ لـ {يُرْسِلُ}، أو للبشارة فيمن قرأه كذلك.
وقوله: {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} أي بين يدي المَطَرِ الذي هو رحمته، وحسنُ هذا المجاز أنَّ اليدين تستعملهما العربُ في معنى التقدُمَةِ على سبيل المجاز؛ يقال إن الفتن تحدثُ بين يدي السَّاعةِ يريدونَ قبلها، وذلك لأنَّ يدي الإنسان مُتَقَدِّمَانِهِ، فكل ما يتقَدَّمُ شيئًا يطلق عليه لفظ اليَدَيْنِ مجازًا لهذه المشابَهَةِ، كما تقولُ لمن أحسن إليك وتقدَّم إحسانه، له عندي أيادٍ، ولما كانت الرِّيَاحُ تتقدَّمُ المطر عَبَّرَ عنه بهذا اللفظ.
فإن قيل: قد نجد المطرَ لا يتقدَّمُهُ ريَاحٌ، فنقول: ليس في الآية أنَّ هذا التَّقدُّمَ حاصل في كلِّ الأحوال، وأيضًا يجوز أن تتقدَّمَهُ هذه الرِّياحُ وإن كنَّا لا نعرفها.
قوله: {حتى إِذَا أَقَلَّتْ} غاية لقوله: {يُرْسِلُ}، وأقلَّت أي حملت من أقْلَلْتُ كذا أي: حملته بسهُولَةٍ.
قال صاحبُ الكشَّافِ: واشتقاقُ الإقلال من القلَّةِ، فإن مَنْ يرفعُ شيئًا فإنَّهُ يرى ما يرفعه قليلًا، أقلَّهُ أي حمله بِسُهُولَةٍ، والقُلَّةُ بضمِّ القافِ هو الظَّرْفُ المعروف وقِلال هَجَرٍ كذلك؛ لأنَّ البعيرَ يُقِلُّها أي يحملها.