فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الخازن:

قوله تعالى: {والبلد الطيب} يعني والأرض الطيبة التربة السهلة السمحة {يخرج نباته بإذن ربه} يعني إذا أصابه المطر أخرج نباته بإذن الله عز وجل: {والذي خبث لا يخرج} يعني والبلد الذي خبث أرضه فهي سبخة لا يخرج يعني لا يخرج نباته {إلا نكدًا} يعني عسرًا بمشقة وكلفة قال الشاعر في المعنى يذم إنسانًا:
لا تنجز الوعد إن وعدت وإن ** أعطيت أعطيت تافهًا نكدا

يعني بالتافه القليل بالنكد العسير ومعناه: إنك إن أعطيت أعطيت القليل بعسر ومشقة.
قال المفسرون: هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن والكافر فشبه المؤمن بالأرض الحرة الطيبة وشبه نزول القرآن على قلب المؤمن بنزول المطر على الأرض الطيبة فإذا نزل المطر عليها أخرجت أنواع الأزهار والثمار وكذلك المؤمن إذ سمع القرآن آمن به وانتفع به وظهرت منه الطاعات والعبادات وأنواع الأخلاق الحميدة وشبه الكافر بالأرض الرديئة الغليظة السبخة التي لا ينتفع بها وإن أصابها المطر فكذلك الكافر إذا سمع القرآن لا ينتفع به ولا يصدقه ولا يزيده إلا عتو وكفرًا وإن عمل الكافر حسنة في الدنيا كانت بمشقة وكلفة ولا ينتفع بها في الآخرة.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: هذا مثل ضربه الله تعالى للمؤمن يقول هو طيب وعمله طيب كما أن البلد الطيب ثمره طيب ثم ضرب مثل الكافر كالبلدة السبخة المالحة التي خرجت منها البركة فالكافر خبيث وعمله خبيث.
وقال مجاهد: هذا مثل ضربه الله تعالى لآدم وذريته كلهم منهم خبيث وطيب ويدل على صحة هذا التأويل ما روي عن أبي موسى الأشعري رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن مثل ما بعثني الله تعالى به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرضًا فكانت منها طائفة طيبة قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله تعالى بها الناس فشربوا منها وسقوا وزرعوا وأصاب طائفة منها أخرى إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبته كلأ فذلك مثل من فقه في دين الله عز وجل ونفعه ما بعثني الله تعالى به فعلم وعلم ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى لله تعالى الذي أرسلت به». أخرجاه في الصحيحين.
وقوله تعالى: {كذلك نصرف الآيات لقوم يشكرون} يعني كما ضربنا هذا المثل كذلك نبين الآيات الدالة على التوحيد والإيمان آية بعد آية وحجة بعد حجة لقوم يشكرون الله تعالى على إنعامه عليهم بالهداية وحيث جنّبهم سبيل الضلالة وإنما خص الشاكرين بالذكر لأنهم هم الذين انتفعوا لسماع القرآن. اهـ.

.قال أبو حيان:

{والبلد الطّيب يخرج نباته بإذن ربّه والذي لا خبث لا يخرج إلا نكدًا}
{الطّيب} الجيّد الترب الكريم الأرض، {والذي خبث} المكان السبخ الذي لا ينبت ما ينتفع به وهو الرديء من الأرض، ولما قال: {فأخرجنا به من كلّ الثمرات} تمم هذا المعنى بكيفية ما يخرج من النبات من الأرض الكريمة والأرض السّبخة وتلك عادة الله في إنبات الأرضين وفي الكلام حال محذوفة أي يخرج نباته وافيًا حسنًا وحذفت لفهم المعنى ولدلالة {والبلد الطيب} عليها ولمقابلتها بقوله: {إلا نكدًا} ولدلالة {بِإذنِ ربه} لأنّ ما أذن الله في إخراجه لا يكون إلا على أحسن حال و{بِإذن ربه} في موضع الحال وخصّ خروج نبات الطيّب بقوله: {بِإذن ربه} على سبيل المدح له والتشريف ونسبة الإسناد الشريفة الطبية إليه تعالى وإن كان كلا النباتين يخرج بإذنه تعالى ومعنى {بإذن ربه} بتيسيره وحذف من الجملة الثانية الموصوف أيضًا والتقدير والبلد الذي خبث لدلالة {والبلد الطيب} عليه فكلّ من الجملتين فيه حذف وغاير بين الموصولين فصاحة وتفنّنًا ففي الأولى قال: {الطيب} وفي الثانية قال: {الذي خبث} وكان إبراز الصّلة هنا فعلًا بخلاف الأوّل لتعادل اللفظ يكون ذلك كلمتين الكلمتين في قوله: {والبلد الطيب} والطيب والخبيث متقابلان في القرآن كثيرًا {قل لا يستوي الخبيث والطيب} و{يحل لهم الطّيبات ويحرم عليهم الخبائث} {أنفقوا من طيبات ما كسبتم ولا تيمموا الخبيث} إلى غير ذلك والفاعل في {لاَ يَخْرُجُ} عائد على {الذي خبث} وقد قلنا إنه صفة لموصوف محذوف والبلد لا يخرج فيكون على حذف مضاف إما من الأوّل أي ونبات الذي خبث أو من الثاني أي لا يخرج نباته فلما حذف استكنّ الضمير الذي كان مجرورًا لأنه فاعل، وقيل هاتان الجملتان قصد بهما التمثيل، فقال ابن عباس وقتادة مثال لروح المؤمن يرجع إلى جسده سهلًا طيّبًا كما خرج إذا مات ولروح الكافر لا يرجع إلاّ بالنّكد كما خرج إذ مات انتهى، فيكون هذا راجعًا من حيث المعنى إلى قوله: {كذلك نخرج الموتى} أي على هذين الوصفين.
وقال السدّي مثال للقلوب لما نزل القرآن كنزول المطر على الأرض فقلب المؤمن كالأرض الطيبة يقبل الماء وانتفع بما يخرج، وقلب الكافر كالسّبخة لا ينتفع بما يقبل من الماء، وقال النحاس: هو مثال للفهيم والبليد، وقال الزمخشري: وهذا مثل لمن ينجع فيه الوعظ والتنبيه من المكلفين ولمن لا يؤثر فيه شيء من ذلك وعن مجاهد ذرّية آدم خبيث وطيّب وهذا التمثيل واقع على أثر ذكر المطر وإنزله بالبلد الميت وإخراج الثمرات به على طريق الاستطراد انتهى، والأظهر ما قدّمناه من أنّ المقصود التعريف بعبادة الله تعالى في إخراج النبات في الأرض الطيبة والأرض الخبيثة دون قصد إلى التمثيل بشيء مما ذكروا، وقرأ ابن أبي عبلة وأبو حيوة وعيسى بن عمر {يخرج نباته} مبنيًّا للمفعول، وقرأ ابن القعقاع {نكدًا} بفتح الكاف، قال الزّجاج: وهي قراءة أهل المدينة، وقرأ ابن مصرّف بسكونها وهما مصدران أي ذا نكد وكون نبات الذي خبث محصورًا خروجه على حالة النكد مبالغة شديدة في كونه لا يكون إلا هكذا ولا يمكن أن يوجد {إلا نكدًا} وهي إشارة إلى من استقر فيه وصف الخبيث يبعد عنه النزوع إلى الخير.
{كذلك نصرّف الآيات لقوم يشكرون} أي مثل هذا التصريف والترديد والتنويع ننوّع الآيات ونردّدها وهي الحجج الدالة على الوحدانية والقدرة الباهرة التامة والفعل بالاختيار ولما كان ما سبق ذكره من إرسال الرّياح منتشرات ومبشرات سببًا لإيجاد النّبات الذي هو سبب وجود الحياة وديمومتها كان ذلك أكبر نعمة الله على الخلق فقال: {لقوم يشكرون} أي {بإذن ربه}. اهـ.

.قال ابن كثير:

{وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ (58)}
لما ذكر تعالى أنه خالق السموات والأرض، وأنه المتصرف الحاكم المدبِّر المسخِّر، وأرشد إلى دعائه؛ لأنه على ما يشاء قادر- نبه تعالى على أنه الرزّاق، وأنه يعيد الموتى يوم القيامة فقال: {وَهُوَ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ نشْرًا} أي: ناشرة بين يدي السحاب الحامل للمطر، ومنهم من قرأ {بُشْرًا} كقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ} [الروم: 46]
وقوله: {بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ} أي: بين يدي المطر، كما قال: {وَهُوَ الَّذِي يُنزلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ} [الشورى: 28] وقال: {فَانْظُرْ إِلَى أَثَر رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [الروم: 50]
وقوله: {حَتَّى إِذَا أَقَلَّتْ سَحَابًا ثِقَالا} أي: حملت الرياح سحابًا ثقالا أي: من كثرة ما فيها من الماء، تكون ثقيلة قريبة من الأرض مدلهمة، كما قال زيد بن عمرو بن نفيل، رحمه الله.
وأسلمتُ وجْهِي لمنْ أسْلَمَتْ ** لَهُ المُزْنُ تَحْمل عَذْبا زُلالا

وأسلَمْتُ وَجْهي لمن أسلَمَتْ ** له الأرض تحملُ صَخرًا ثقالا

وقوله: {سُقْنَاهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ} أي: إلى أرض ميتة، مجدبة لا نبات فيها، كما قال تعالى: {وَآيَةٌ لَهُمُ الأرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (5)} [يس: 33]؛ ولهذا قال: {فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى} أي: كما أحيينا هذه الأرض بعد موتها، كذلك نحيي الأجساد بعد صيرورتها رَمِيمًا يوم القيامة، ينزل الله، سبحانه وتعالى، ماء من السماء، فتمطر الأرض أربعين يوما، فتنبت منه الأجساد في قبورها كما ينبت الحب في الأرض. وهذا المعنى كثير في القرآن، يضرب الله مثلا للقيامة بإحياء الأرض بعد موتها؛ ولهذا قال: {لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}
وقوله: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ} أي: والأرض الطيبة يخرج نباتها سريعًا حسنا، كما قال: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا} [آل عمران: 37]
{وَالَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلا نَكِدًا} قال مجاهد وغيره: كالسباخ ونحوها.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس في الآية: هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر.
وقال البخاري: حدثنا محمد بن العلاء، حدثنا حماد بن أسامة عن بُرَيد بن عبد الله، عن أبي بردة، عن أبي موسى، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا، فكانت منها نقية قبلت الماء، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير. وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا. وأصاب منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت فذلك مثل من فَقُه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به، فَعَلم وَعَلَّم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسا. ولم يَقْبَل هُدَى الله الذي أُرْسِلْتُ به». رواه مسلم والنسائي من طرق، عن أبي أسامة حماد بن أسامة، به. اهـ.

.قال أبو السعود:

{والبلد الطيب} أي الأرضُ الكريمةُ التربة {يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبّهِ} بمشيئته وتيسيرِه، عبَّر عن كثرة النباتِ وحسنِه وغزارةِ نفعه لأنه أوقعه في مقابلة قولِه تعالى: {والذى خَبُثَ} من البلاد كالسبخة والحرَّة {لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِدًا} قليلًا عديمَ النفع، ونصبُه على الحال والتقديرُ والبلدُ الذي خبُث لا يخرُج نباتُه إلا نكِدًا، فحُذف المضافُ وأقيم المضافُ إليه مُقامَه فصار مرفوعًا مستترًا وقرئ {لا يُخرِج إلا نكدًا} أي لا يخرجه البلدُ إلا نكدًا فيكون إلا نكدًا مفعولَه، وقرئ {نَكَدًا} على المصدر أي ذا نَكَدٍ، و{نَكْدًا} بالإسكان للتخفيف {كذلك} أي مثلَ ذلك التصريفِ البديعِ {نُصَرّفُ الآيات} أي نرددها ونكررها {لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} نعمةَ الله تعالى فيتفكرون فيها ويعتبرون بها، وهذا كما ترئ مثلٌ لإرسال الرسلِ عليهم السلام بالشرائع التي هي ماءُ حياةِ القلوبِ إلى المكلَّفين المنقسِمين إلى المقتبِسين من أنوارها والمحرومين من مغانمِ آثارِها. اهـ.