فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}.
لما ذكر في هذه السورة مبدأ الخلق الإنساني وهو آدم عليه السلام وقصّ من أخباره ما قصّ واستطرد من ذلك إلى المعاد ومصير أهل السعادة إلى الجنة وأهل الشقاوة إلى النار وأمره تعالى بترك الذين اتخذوا دينهم لعبًا ولهوًا وكان من بعث إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أولًا غير مستجيبين له ولا مصدّقين لما جاء به عن الله قصّ تعالى عليه أحوال الرّسل الذين كانوا قبله وأحوال من بعثوا إليه على سبيل التّسلية له صلى الله عليه وسلم والتأسي بهم، فبدأ بنوح إذ هو آدم الأصغر وأول رسول بعث إلى من في الأرض وأمته أدوم تكذيبًا له وأقلّ استجابة وتقدم رفع نسبه إلى آدم وكان نجّارًا بعثه الله إلى قومه وهو ابن أربعين سنة قاله ابن عباس، وقيل: ابن خمسين، وقال مقاتل ابن مائة، وقيل: ابن مائتين وخمسين، وقيل: ابن ثلاثمائة.
وقال عون بن شداد: ابن ثلاثمائة وخمسين، وقال وهب: ابن أربعمائة وهذا اضطراب كثير من أربعين إلى أربعمائة فما بينهما وروي أنّ الطوفان كان سنة ألف وستمائة من عمره وهو أوّل الرّسل بعد آدم بتحريم البنات والأخوات والعمّات والخالات وجميع الخلق الآن من ذرية نوح عليه السلام وعن الزهري أنّ العرب وفارسًا والروم وأهل الشام واليمن من ذرية سام بن نوح والهند والسّند والزنج والحبشة والزّط والنوبة وكلّ جلد أسود من ولد حام بن نوح والتّرك والبربر ووراء الصين وياجوج وماجوج والصقالبة من ولد يافث بن نوح، لقد أرسلنا استئناف كلام دون واو وفي هود والمؤمنون ولقد بواو العطف، قال الكرماني لما تقدّم ذكر الرسول مرات في هود وتقدّم ذكر نوح ضمنا في قوله وعلى الفلك لأنه أول من صنعها عطف في السورتين انتهى واللام جواب قسم محذوف أكّد تعالى هذا الإخبار بالقسم، قال الزمخشري: فإن قلت: ما لهم لا يكادون ينطقون بهذه اللام إلاّ مع قد وقل عنهم قوله:
حلفت لها بالله حلفة فاجر ** لناموا....................

قلت: إنما كان ذلك لأنّ الجملة القسمية لا تساق إلا تأكيدًا للجملة المقسم عليها التي هي جوابها فكانت مظنّة لمعنى التوقّع الذي هو معنى قد عند استماع المخاطب كلمة القسم انتهى، وبعض أصحابنا يقول إذا أقسم على جملة مصدرة بماضٍ مثبت متصرف وكان قريبًا من زمان الحال أثبت مع اللام بقد الدالّة على التقريب من زمن الحال ولم تأتِ بقد بل باللام وحدها إن لم يرد التقريب، قال ابن عباس: {أرسلنا} بعثنا وقال غيره حملناه رسالة يؤدّيها فعلى هذا تكون الرسالة متضمنة للبعث وهنا فقال بفاء العطف وكذا في المؤمنون في قصّة عاد وصالح وشعيب هنا قال بغير فاء والأصل الفاء وحذفت في القصتين توسّعًا.
واكتفاءً بالرّبط المعنوي وفي قصة نوح في هو {إني لكم} على إضمار القول أي فقال إني وفي ندائه قومه تنبيه لهم لما يلقيه إليهم واستعطاف وتذكير بأنهم قومه فالمناسب أن لا يخالفوه ومعمول القول جملة الأمر بعبادة الله وحده ورفض آلهتهم المسمّاة ودًّا وسواعًا ويغوث ويعوق ونسرًا وغيرها والجملة المنبهة على الوصف الدّاعي إلى عبادة الله وهو انفراده بالألوهية المرجو إحسانه المحذور انتقامه دون آلهتهم ولم تأتِ بحرف عطف لأنها بيان وتفسير لعلّة اختصاصه تعالى بأن يعبد، وقرأ ابن وثاب الأعمش وأبو جعفر والكسائي غيره بالجرّ على لفظ {إله} بدلًا أو نعتًا، وقرأ باقي السّبعة غيره بالرفع عطفًا على موضع {من إله} لأنّ من زائدة بدلًا أو نعتًا، وقرأ عيسى بن عمر غيره بالنصب على الاستثناء والجرّ والرفع أفصح {ومن إله} مبتدأ و{لكم} في موضع الخبر، وقيل: الخبر محذوف أي في الوجود و{لكم} تبيين وتخصيص، و{أخاف} قيل: بمعنى أتيقن وأجزم لأنه عالم أن العذاب بنزل بهم إن لم يؤمنوا، وقيل: الخوف على بابه بمعنى الحذر لأنه جوّز أن يؤمنوا وأن يستمروا على كفرهم و{يوم عظيم} هو يوم القيامة أو يوم حلول العذاب بهم في الدنيا وهو الطوفان وفي هذه الجملة إظهار الشّفقة والحنوّ عليهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ}.
هو جوابُ قسمٍ محذوفٍ أي والله لقد أرسلنا الخ، واطّرادُ استعمالِ هذه اللامِ مع قد لكون مدخولِها مَظِنّةً للتوقع الذي هو معنى قد، فإن الجملة القسَميةَ إنما تُساق لتأكيد الجملةِ المُقسَم عليها، ونوحٌ هو ابنُ لمك بن متوشلح بن أخنوخ وهو إدريسُ النبيُّ عليهما السلام. قال ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: بُعث عليه السلام على رأس أربعين سنةً من عمره ولبِث يدعو قومه تسعَمِائةٍ وخمسين سنةً وعاش بعد الطوفان مائتين وخمسين سنةً فكان عمرُه ألفًا ومائتين وأربعين سنة. وقال مقاتل: بعث وهو ابنُ مائةِ سنةٍ وقيل: وهو ابنُ مائتين وخمسين سنةً ومكث يدعو قومَه تسعمائة وخمسين سنة وعاش بعد الطوفان مائتين وخمسين سنة فكان عمُرُه ألفًا وأربَعَمِائةٍ وخمسين سنة {فَقَالَ ياقوم اعبدوا الله} أي اعبدوه وحدَه، وتركُ التقييدِ به للإيذان بأنها العبادةُ حقيقةً، وأما العبادةُ بالإشراك فليست من العبادة في شيء وقوله تعالى: {مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ} أي من مستحِقَ للعبادة، استئنافٌ مَسوقٌ لتعليل العبادةِ المذكورةِ أو الأمرِ بها، وغيرُه بالرفع صفةٌ لإله باعتبار محلِّه الذي هو الرفع على الابتداء أو الفاعلية، وقرى بالجر باعتبار لفظه، وقرئ بالنصب على الاسثناء وحكمُ غيرٍ حكمُ الاسمِ الواقعِ بعد إلا أي ما لكم من إله إلا إياه كقولك: ما في الدار من أحد إلا زيدًا أو غيرَ زيدٍ، فمن إله إن جعل مبتدأً فلكم خبرُه، أو خبرُه محذوفٌ ولكم للتخصيص والتبيين أي ما لكم في الوجود أو في العالم إله غيرُ الله: {إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ} أي إن لم تعبُدوه حسْبما أُمرت به {عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} هو يومُ القيامة أو يومُ الطوفان، والجملةُ تعليلٌ للعبادة ببيان الصارفِ عن تركها إثرَ تعليلِها ببيان الداعي إليها، ووصفُ اليومِ بالعِظَم لبيان عظيمِ ما يقع فيه وتكميلِ الإنذار. اهـ.

.قال الألوسي:

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
ثم إنه سبحانه وتعالى عقب ذلك بما يحققه ويقرره من قصص الأمم الخالية والقرون الماضية وفي ذلك أيضًا تسلية لرسوله عليه الصلاة والسلام فقال جل شأنه: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ} وهو جواب قسم محذوف أي والله لقد أرسلنا الخ، واطرد استعمال هذه اللام مع قد في الماضي على ما قال الزمخشري وقل الاكتفاء بها وحدها نحو قوله:
حلفت لها بالله حلفة فاجر ** لناموا فما ان من حديث ولا صالي

والسر في ذلك أن الجملة القسمية لا تساق إلا تأكيدًا للجملة المقسم عليها التي هي جوابها فكانت مظنة لتوقع المخاطب حصول المقسم عليه لأن القسم دل على الاهتمام فناسب ذلك إدخال قد، ونقل عن النحاة أنهم قالوا: إذا كان جواب القسم ماضيًا مثبتًا متصرفًا فإما أن يكون قريبًا من الحال فيؤتى بقد وإلا أثبت باللام وحدها فجوزوا الوجهين باعتبارين، ولم يؤت هنا بعاطف وأتى به في هود (52) والمؤمنين (32).
على ما قال الكرماني: لتقدم ذكر نوح صريحًا في هود وضمنًا في المؤمنين حيث ذكر فيها قبل {وَعَلَيْهَا وَعَلَى الفلك تُحْمَلُونَ} [المؤمنون: 22] وهو عليه السلام أول من صنعها بخلاف ما هنا.
ونوح بن لمك بفتحتين وقيل: بفتح فسكون، وقيل: ملكان بميم مفتوحة ولام ساكنة ونون آخره.
وقيل: لامك كهاجر بن متوشلخ بضم الميم وفتح التاء الفوقية والواو وسكون الشين المعجمة على وزن المفعول كما ضبطه غير واحد.
وقيل: بفتح الميم وضم المثناة الفوقية المشددة وسكون الواو ولام مفتوحة وخاء معجمة ابن أخنوخ بهمزة مفتوحة أوله وخاء معجمة ساكنة ونون مضمومة وواو ساكنة وخاء أيضًا، ومعناه في تلك اللغة على ما قيل القراء.
وقيل: خنوخ بإسقاط الهمزة وهو إدريس عليه السلام.
أخرج ابن إسحاق.
وابن عساكر عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: بعث نوح عليه السلام في الألف الثاني وإن آدم عليه السلام لم يمت حتى ولد له نوح في آخر الألف الأول.
وأخرجا عن مقاتل.
وجويبر أن آدم عليه السلام حين كبر ودق عظمه قال: يا رب إلى متى أكد وأسعى؟ قال يا آدم حتى يولد لك ولد مختون فولد له نوح بعد عشرة أبطن وهو يومئذٍ ابن ألف سنة إلا ستين عامًا.
وبعث على ما روي عن ابن عباس على رأس أربعمائة سنة، وقال مقاتل: وهو ابن مائة سنة.
وقيل: وهو ابن خمسين سنة.
وقيل: وهو ابن مائتين وخمسين سنة ومكث يدعو قومه تسعمائة وخمسين سنة.
وعاش بعد الطوفان مائتين وخمسين فكان عمره ألفًا وأربعمائة وخمسين سنة.
وبعث كما روى ابن أبي حاتم وابن عساكر عن قتادة من الجزيرة.
وهو أول نبي عذب الله تعالى قومه وقد لقي منهم ما لم يلقه نبي من الأنبياء عليهم السلام.
واختلف في عموم بعثته عليه السلام ابتداء مع الاتفاق على عمومها انتهاء حيث لم يبق بعد الطوفان سوى من كان معه في السفينة، ولا يقدح القول بالعموم في كون ذلك من خواص نبينا صلى الله عليه وسلم لأن ما هو من خواصه عليه الصلاة والسلام عموم البعثة لكافة الثقلين الجن والإنس وذلك مجمع عليه معلوم من الدين بالضرورة فيكفر منكره بل وكذا الملائكة كما رجحه جمع محققون كالسبكي ومن تبعه وردوا على من خالف ذلك وصريح آية: {لِيَكُونَ للعالمين نَذِيرًا} [الفرقان: 1] إذ العالم ما سوى الله تعالى، وخبر مسلم «وأرسلت إلى الخلق كافة» يؤيد ذلك بل قال البارزي: إنه صلى الله عليه وسلم أرسل حتى للجمادات بعد جعلها مدركة.
وفائدة الإرسال للمعصوم وغير المكلف طلب إذعانهما لشرفه ودخولهما تحت دعوته واتباعه تشريفًا على سائر المرسلين ولا كذلك بعثة نوح عليه السلام.
والفرق مثل الصبح ظاهر.
وهو كما في القاموس اسم أعجمي صرف لخفته، وجاء عن ابن عباس وعكرمة وجويبر ومقاتل أنه عليه السلام إنما سمي نوحًا لكثرة ما ناح على نفسه.
واختلف في سبب ذلك فقيل: هو دعوته على قومه بالهلاك.
وقيل: مراجعته ربه في شأن ابنه كنعان.
وقيل: إنه مر بكلب مجذوم فقال له: اخسأ يا قبيح فأوحى الله إليه أعبتني أم عبت الكلب.
وقيل: هو إصرار قومه على الكفر فكان كلما دعاهم وأعرضوا بكى وناح عليهم.