فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



إذن كل لقطة جاءت لوضع مقصود، ولهذا رأينا قصة نوح في سورة نوح وقد خلت من عناصر مهمة في القصة، وجاءت هذه العناصر في سورة هود أو في سورة الأعراف التي نتناولها الآن بالخواطر الإِيمانية.
إذن، كل قصة من القصص القرآني تجدها قد جاءت تخدم فكرة، ومجموعها يعطي كل القصة؛ لأن الحق حين يورد القصص فهو يأتي بلقطة في سورة لتخدم موقفًا، ولقطة أخرى تخدم موقفًا آخر وهكذا. وحين شاء أن يرسل لنا قصة محبوكة تمامًا، جاء بقصة يوسف في سورة يوسف ولم يكررها في القرآن، لأنها مستوفية في سورة يوسف، اللهم إلا في آية واحدة: {وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِن قَبْلُ بالبينات فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِّمَّا جَاءَكُمْ بِهِ حتى إِذَا هَلَكَ قُلْتُمْ لَن يَبْعَثَ الله مِن بَعْدِهِ رَسُولًا...} [غافر: 34].
لقد وردت في سورة يوسف حياة يوسف منذ أن كان طفلا حتى أصبح عزيز مصر، وهكذا نرى أن الحق حين يشاء أن يأتي بالقصة كتاريخ يأتي بها محبوكة، وحين يريد أن يلفتنا إلى أمور فيها مواقف وعظات، يوزع لقطات القصة على مواقع متعددة تتناسب وتتوافق مع تلك المواقع لتأكيد وخدمة هدف. {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ فَقَالَ يَاقَوْمِ...} [الأعراف: 59].
وساعة ترى اللام وقد فاعرف أن هذا قسم، وكأن الحق يقول: وعزتي وجلالي لقد أرسلت نوحًا. وهو بهذا يؤكد المقسم عليه.
والقوم هم الرجال خاصة من المعشر؛ لأن القوم عادة هم المواجهون للرسالة، والمرأة محتجبة؛ تسمع من أبيها أو من أخيها أو من زوجها، ولذلك قالت النساء للنبي: غلبنا عليك الرجال.
أي أننا لا نجد وسيلة لنقعد معك ونسألك، فاجعل لنا يومًا من أيامك تعظنا فيه، فجعل لهن يومًا؛ لأن المفروض أن تكون المرأة في ستر، وبعد ذلك ينقل لها الزوج المنهج. إن سمع من الرسول شيئًا، وكذلك الأب يقول لابنته، والأخ يقول لأخته.
فإذا تكلم الرسول يقال: إن الرسول واجه القوم، من قولهم هو قائم على كذا. وقيم على كذا. ولذلك الشاعر العربي يقول:
وما أدرى ولست أخال أدري ** أقوم آل حصن أم نساء

وجاء هنا بالقوم، والمراد بهم الرجال، والقرآن يقول: {لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عسى أَن يَكُونُواْ خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عسى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ...} [الحجرات: 11].
إذن النساء لا تدخل في القوم؛ فالقوم هم المواجهون للرسول ومنهم تأتي المتاعب والتصلب في الرأي، ويكون الإِنكار والجحود والحرب منهم.
وسيدنا نوح عليه السلام دعا قومه ونبههم إلى ثلاثة أشياء: عبادة الله، فقال: {يَاقَوْمِ اعبدوا الله}، وبين لهم أنه ليس هناك إله سواه فقال: {مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ}، وأظهر لهم حرصه وإشفاقه عليهم إذا خالفوا وعصوا فقال: {إني أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ}.
وهكذا تكلم عن العقيدة في الإِله الواحد المستحق للعبادة، وليس آلهة متعددة، ونعبده أي نطيع أمره ونهيه، ولأنهم إن لم يفعلوا ذلك فهو يخاف عليهم من عذاب يوم عظيم، وهو عذاب يوم القيامة. أو أنّ الله كان قد أوحى له بأنه سيأخذهم أخذ عزيز مقتدر، وعذاب يوم عظيم أي يوم الإِغراق، والخوف مسألة تتعب تفكير من يستقبلها ويخاف أن يلقاها. فمن الذي يفزع بهذا؟
إن الذي يفزع هم الطغاة والجبابرة والسادة والأعيان ووجوه القوم، وكانوا قد جعلوا من أنفسهم سادة، أما سائر الناس وعامتهم فهم العبيد والمستضعفون. والذي يهاج بهذه الدعوة هم السادة لأنه ليس هناك إلا إله واحد، والأمر لواحد والنهي لواحد والعبادة والخضوع لواحد، ومن هنا فسوف تذهب عنهم سلطتهم الزمنية، لذلك يوضح الحق لنا موقف هؤلاء من الدعوة حين يقول: {قَالَ الملأ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ...}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله جل وتعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)}، وفى سورة هود: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ إِنِّي لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ (25) أَنْ لَا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ أَلِيمٍ (26)}، وفى سورة المؤمنون: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (23)}.
فى هذه الآى ست سؤالات: السؤال الأول فوله في سورة الأعراف: {لقد أرسلنا} غير منسوق بواو العطف وفى السورتين الأخيرتين: {ولقد أرسلنا} بواو العطف والثانى اختلاف مقاله عليه السلام لهم والثالث وجه اختصاص الواقع في كل سورة من الثلاث من مقاله بتلك السور والرابع وجه اختلاف ما خوفهم به وأنذرهم إثر أمرهم بالعبادة في كل واحدة والخامس وجه ندائهم لهم في السورتين وسقوط ذلك في سورة هود والسادس وجه افتتاح أمرهم بالعبادة في السورتين وقوله في سورة هود قبل أمره إياهم: {إنى لكم نذير مبين} فهذه ست سؤالات.
الجواب عن الأول: أن آية الأعراف لم يتقدمها ذكر إرسال ولا أمر بدعاء الخلق ولا جملة يناسبها عطف إرسال الرسل إلى الأمم ودعاء الخلق إلى الإيمان إنما تقدم قبلها ذكر أصحاب الأعراف ثم قوله تعالى: {إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض} إلى قوله: {لقوم يشكرون} ثم ابتدأت قصص الرسل مع أممهم فقال تعالى: {لقد أرسلنا نوحا إلى قومه} وتتابع قصصهم.
أما آية هود فقد تقدم قبلها ذكر رسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبذلك افتتحت السورة قال تعالى: {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ألا تعبدوا إلا الله} ثم استمر ذكر دعائهم وتحذيرهم من التولى وما يعقبه إن وقع منهم ثم ذكر تحديه عليه السلام إياهم بالقرآن وطلبهم بمعارضته والإتيان بعشر سور مثله في البلاغة وعلى النظم وان كان ما يأتون به مفترى ليكون أسهل عليهم ولم يعدل بالآى عن هذا الغرض وما يرجع إليه إلى ذكر إرسال نوح عليه السلام فوردت الآى بذلك منسوقة فقد ورد قبلها ما يناسب عطفها عليه قال تعالى: {ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة...} الآيات وبعدها: {ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق...} الآيات، فذكرهم بإيجادهم وانتقالهم متقلبين في أطوار مكتنفين بتوالى إنعامه منسوقا بعض ذلك على بعض مفتتحة المطالع بما يتأتى به القسم من قوله تعالى تحكيما وإظهارا للظاهر من اكتناف إنعامه وإحسانه ثم عطف على ذلك ما أنعم به من إرسال الرسل فذكر أولهم إرسالا إلى الخلق ليناسب ما بدأوا به من النعم الأولية فقال: {ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه} وكل ما ذكر في هذه الآى نعم متناسبة والاء متوالية ولهذا لم يذكر في هذه الآية ذكر عذاب الا بالإيماء الوجيز وخصت بقوله عقب الأمر بالعبادة: {أفلا تتقون} فذكرهم بالتقوى المجردة لنجاتهم وتخلصهم من العذاب ولم يكن ليلائم ذكر العذاب والإفصاح به ما تقدم من التذكير بإحسانه سبحانه وإنعامه من أول السورة إلى هنا.
والجواب عن السؤال الثانى: ان دعاء الرسل أممهم مما يتكرر ويتوالى في أوقات مختلفة محال متباينة فمرة يرغبون ومرة يخوفون وينذرون وذلك بسبب حال حال ولكل مقام مقال.
فاختلاف المحكى من مقالهم إنما هو بحسب اختلاف الأوقات وما يناسب كل وقت وقت وما يجرى فيه ويشاهد من أقوال المدعوين وأحوالهم وكل المحكى من معنى مقالاتهم لا إشكال فيه، ألا ترى أن نبيا صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين كان يدعوا قبائل العرب إذا وفدوا على مكة ويقف على كل قبيلة قبيلة فيكلمهم ويسمعهم القرآن ويدعوهم إلى الله بما يناسب أحوالهم ومقالهم ألا ترى قوله عليه السلام لقبيلة كانت تعلاف ببنى عبد الله «يا بنى عبد الله ان الله قد حسن اسم ابيكم» فكان يفتتح دعاء كل طائفة بمثل هذا فلكل مقام مقال، فلا سؤال في المحكى من قول نوح عليه السلام، لقومه واختلاف ذلك وإنما السؤال في اختصاص كل سورة بالوارد فيها من حكاية كلامه عليه السلام إذ لا يذكر في كل سورة الا ما يناسب وهو السؤال الثالث.
والجواب عنه: أنه لما تقدم ذكر اليوم الآخر في غير ما آية من أول هذه السورة إلى ابتداء قصة نوح وقد تضمن ما ذكر من ذلك من أهوال ذلك اليوم ما يعظم أمره كقوله: {والوزن يومئذ الحق...} الآية، وقوله: {قال ادخلوا في أمم من قبلكم من الجن والإنس في النار} الى قوله: {فذوقوا العذاب بما كنتم تكسبون} وقوله: {إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء...} الآية قوله: {ونادى أصحاب الجنة...} الآية وقوله: {إذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب النار} الى قوله: {ولا أنتم تحزنون} وقوله: {ونادى أصحاب النار...} الآية.
وقوله: {هل ينظرون إلا تأويله} فلما تقدم من أهوال هذا اليوم ما لم يتقدم في السورتين الأخريين ناسبه من مقالات نوح لقومه: {إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} وناسب قوله: {ما لكم من إله غيره} قول الممتحنين: {فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا} وأما افتتاح الآية بأمرهم بالعبادة فبين وأما آية هود فافتتاح دعاء نوح قومه فيها بقوله: {إنى لكم نذير مبين} يناسب قول نبينا صلى الله عليه وسلم للعرب في إخبار الله تعالى عنه: {إننى لكم منه نذير بشير} قوله سبحانه: {إنما أنت نذير} وأما قوله: {إنى أخاف عليكم عذاب يوم أليم} فمناسب لقوله تعالى على لسان نبينا عليه السلام لقومه ممن خاطبه وشافهه: {وإن تولوا فإنى أخاف عليكم عذاب يوم كبير} وقوله: {ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم} وقوله: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده} فتكرر ذكر العذاب يناسبه ما ختمت به آية دعاء نوح عليه السلام من قوله: {إنى أخاف عليكم عذاب يوم أليم} وأما آية المؤمنين فالجواب عنها ما تقدم منجرا في الجواب عن السؤال الأول وتحصل من أنه حكى من مقالاته عليه السلام في كل سورة من هذه الثلاث ما يجرى مع ما اتصل به ويناسبه حسبما تبين ولم يكن ليناسب ورود ما في سورة منها ما ورد من ذلك في الأخرى والله أعلم بما أراد.
والجواب عن السؤال الرابع: قد انجر فيما تقدم وعن الخامس أن ندائهم في السورتين لا كلام فيه لجريانه على ما ينبغى فإنما يسأل عن سقوط ذلك في سورة هود؟ ووجهه أن ذلك جار مع ما افتتحت به السورة من قوله على لسان نبينا عليه السلام: {ألا تعبدوا إلا الله} فدعاهم عبادة الله وأن يفردوه بها ولم ينادهم لأن ذلك لم يكن ليلائم مطلع السورة إذ لم يجر ذكره عليه السلام منطوقا به فينزل عليه نداؤهم بل قيل له: {الر كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير} ثم اتبع هذا بأمرهم مبتدئا بحرف العبارة والتفسير وهو أن الحرف الواقع بعد ما ينبئ ويحصل منه معنى القول وليس بصريح قول ولا مرادف الا أنه يفهمه كقوله تعالى: {وانطلق الملأ منهم أن امشوا} فأن الواقعة حرف عبارة وتفسير المقدرة بأى إنما تأتى بعد ما يفهم القول فكما يقع بعدها ما يدل على تقدير القول وليس بقول كذلك يقع بعد مالا يلتئم معه ذكر القول ويكون مع ذلك مغنيا عنه ومنه مطلع هذه السورة بعد التنبيه بالحروف المقطعة فقيل: {كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير ألا تعبدوا إلا الله} كما قيل في آية ص: {ان امشوا واصبروا} فليس موضع صريح القول الذي يقصد به الحكاية ورد دون صريح قول ثم وردت قصة نوح عليه السلام على هذا المنهج للمناسبة ثم جئ بقصة هود وصالح بعد هذا مفتتحين بالقول على ما يجب والله أعلم.
والجواب عن السؤال السادس: ان افتتاح أمرهم بعبادة الله في سورتى الأعراف والمؤمنين لا سؤال فيه أول ما يطلب به الخلق وإنما يسأل عن افتتاح مكالمتهم في سورة هود بقوله: {إنى لكم نذير مبين}؟ وجه ذلك مطابقته لما افتتحت به السورة من قول محمد صلى الله عليه وسلم بأمر ربه مخاطبا بكلامه تعالى: {إننى لكم منه نذير وبشير}. اهـ.