فصل: قال مجد الدين الفيروزابادي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال مجد الدين الفيروزابادي:

بصيرة في نصح:
النصيحة: كلمة جامعة مشتقة من مادة ن ص ح الموضوعة لمعنيين: أَحدهما الخلوصُ والبَقاءُ، والثانى: الالتئام والرفاءُ.
يقال: نصح الشىءُ: إِذا خَلَص، ويمكن أَن يكونَ النُّصْح والنَّصِيحة من هذا المعنى، لأَنَّ الناصح يَخْلُص للمَنْصوح له عن الغش؛ والمعنى الثانى: نَصَحَ الثوبَ نَصْحًا: خاطَهُ وكذلك تَنْصَّحه، والنَّصَّاح والناصِح والناصِحىّ: الخَيّاط.
والنِّصاح ككتاب: الخَيْطُ.
والمِنْصَحَةُ: المِخْيَطَةُ.
والمِنْصَحُ: المِخْيَطَ.
وفيه مَتَنَصَّح لم يُصْلِحْه، أي موضع خِياطَة ومُتَرَقَّعَ؛ ويمكن أَن تكون النصيحة من هذا المعنى: لأَن الناصح يرفَأُ ويُصْلح حالَ المَنْصوح له، كما يفعل الخَياط بالثوب المحروق، تقول منه: نَصَحَه ونَصَحَ له نُصْحًا ونَصِيحَةً وَنصاحَةً ونَصاحِيَةً، وفى التنزيل {وَأَنصَحُ لَكُمْ} وقال تعالى: {إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ} قال:
نصَحْتُ بنى عَوْف فلم يَتَقَبُّلُوا ** رَسُولى ولم تَنْجَح لَدَيْهم وَسائِلى

وقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «الدِّينُ النَّصِيحةُ لله ولرسوله ولأَئمَّة المُسْلمين وعامّتهم».
قال أَبو سليمان الخطَّابى: النَّصيحةُ كلمةٌ جامعة معناها حِيازَةُ الحظِّ للمَنْصوحِ له، ويقالُ: هو من وَجِيزِ الأَسماءِ ومختصَر الكلام، فإِنَّه ليس في كلام العرب كلمةٌ مفردة تُسْتوفَى بها العِبارات عن معنى هذه الكلمة حتى يضمَّ إِليها شى آخر، كما قالوا في الفلاح إِنَّه ليس في كلام العرب كلمة أَجمعُ لخير الدنيا والآخرة منه، حتَّى صارلا يَعْدِلُهُ شيء من الكلام في معناه.
قيل: الكلمة مأخوذةٌ من نَصَح: خاطَ، وقيل: من نَصَح العَسَل: صَفَّاه، شَبَّهوا تخليصَ القولِ والعَمل من شَوْب الغِشِّ والخِيانة بتخليص العَسَل من الخَلْط انتهى ملخَّص كلامه وأَقولُ: النُّصْحُ: الخُلوصُ مطلقا ولا تَقْيِيد له بالعسَل ولا بغيره كما قدّمته آنفًا.
وإِعادة معنى الكلمة على معنى الخُلوص أَوْضَح.
وأَمّا بيانُ أَنواع النَّصيحة فقد قال الشيخ أَبو زكريا: قالوا: مَدارُ الدّين على أَربعةِ أَحاديث، وأَنا أَقول بل مدارُه على هذا الحديث وَحْدَه.
ثمَّ اعلم أَنَّ النَّصيحة أَقسامٌ كما بيّنه صلَّى الله علهي وسلَّم؛ فأَمّا النصيحة لِله عزَّ وجلّ فمعناها منصرفٌ إلى اعتقاد وَحْدانيّته، ووَصْفِه بما هو أَهلُه، وتَنْزِيهِه عَمّا لا يجوز عليه، والرّغبةِ في مَحابّهِ والبعد عن مَساخِطه، والإِخلاص في عبادته، والحبّ فيه والبغض، ومُوالاة مَنْ أَطاعَه، ومُعاداة من عَصاه، وجهاد من كَفَر به، والاعتراف بنعمه والشكر عليها بالقول والفِعْل، والدّعاءِ إِلى جميع هذه الأَوصاف المذكورة، والحثَّ عليها، والتلطُّف في جَمْع جميع الناس أَوْ مَنْ أَمكن منهم عليها.
وحقيقة هذه الإِضافة راجعةٌ إِلى العَبْد في نُصْحِه نفسه لله، ودَعْوة غيره من الخلق إِلى هذه الخصال.
والله سبحانه غنىٌّ عن نُصْح كلّ ناصح.
وأَمّا نصيحةُ كِتابِه فالإِيمان بأَنَّه كلامُ الله تعالى وتَنْزيلُه، لا يُشْبهُه شيء من كلامِ الخَلْق، ولا يَقْدِرُ على مِثْله أَحدٌ من المخلوقين.
ثم من نُصْحِه تِلاوتُه، وحَقُّ تِلاوَتِه إِقامةُ حُروفه وتحسينُها، والخُشوع عند الاستماع لها وعند قراءَتها، والذَبُّ عنه من تأَويل الغالِين وتحريفِ المُبْطِلين وطَعْن المُلْحِدين، والتصديقُ بجميع ما فيه، والوُقوفُ عند أَحكامه، والتَفقُّه فيه، والاعتبار بمواعظه، والتفكُّر في عجائبه، والعلم بفرائضه وسُنَبِه، ونشر عُلومه، والدّعاءِ إِليه، وتعظيم أَهله.
وأَمّا النَّصيحةُ لرسولِه صلَّى الله عليه وسلَّم فإِنَّما هي في تصديقهِ على الرّسالة، والإِيمان بجميع ما جاءَ به، وبذلِ الطَّاعة له فيما أَمر به ونَهَى عنه، ومؤَازَرَتِه ونُصْرَتِهِ وحِمايته حَيًّا وميتا، وإِحياءِ سنَّته بالطَلَب لها والذبّ عنها، ونَشْرها وإِثارة علومها والتَّفَقُّه في معانيها، والدّعاءِ إِليها والتلطُّف في تعَلُّمها وتعليمها.
وإِجلال أَهلها، والإِمساك عن الكلام فيها بغير فَهْم، والتأَدُّب عند قراءَتها.
وأمّا النَّصيحة لأَئمة المسلمين.
فإِنَّ الأَئمة هُمُ الوُلاة من الخُلَفاء الرّاشدِين ومَنْ بعدهم ممّن يلى أَمَر الأُمّة ويقوم به.
ومن نصيحتهم مُعاوَنَتُهم على الحقّ وطاعتُهم فيه، وأَمرُهُم به، وتنبيهُهم وتذكيرهم برِفْق، وإِعلامُهم بما غَفَلُوا عنه، وتركُ الخروج عليهم، وتأَلُّف النَّاس لطاعتهم، والصّلاةُ خَلْفَهم، والجهادُ معهم، وأَداء الصّدقات إِليهم وأَلاَّ يغُرُّوهم بالثَّناءِ الكاذب عليهم، وأَن يُدْعَى لهم بالصّلاح.
وهذا على أَنَّ المراد بأَئمة المسلمين الوُلاة عليهم، وهو الذي فهمه جُمهور العلماءِ من الحديث.
ويحتمل أَن يكون المرادُ به الأَئمة الذين هم عُلماءُ الدين كما قال جماعةٌ من المفسّرين في قوله تعالى: {أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ} إِنَّ المراد بأُولى الأَمر منكم العُلماء، فتكون نصيحتهم في قبول ما رَوَوْهُ، وتقليدِهم في الأَحكام لمن ليست له أَهليّة، وإِحسان الظنَّ بِهِمْ.
ويُمكن حمل أَئمة المسلمين على المجموع من الأُمراءِ والعلماءِ، بناءً على القول بحمل المشترك على معنيَيْه. والله أَعلم.
وأَما النَّصيحة لعامَّة المسلمين، وهم من عَدَا وُلاة الأَمْر الأُمراء والعُلماء على هذا الاحتمال، فإِرْشادُهم لمَصالحهم في آخرتهم ودنياهم، وكفُّ الأَذَى عنهم، وسَتْرُعَوْراتهم وسدُّ خَلاَّتهم، ودفعُ المضارّ عنهم، ورفع المسارّ إِليهم، وأَمْرُهم بالمعروف ونَهْيُهم عن المنكر برفق وإِخلاص، والشفقةُ عليهم، وتنبيهُ غافِلِهم وتبصيرُ جاهلهم، ورَفْدُ مُحتاجهم، وتوقيرُ كبيرهم، ورحمةُ صغيرهم، وتَحَوُّلهم بالمَوْعظة الحسنة، وتركُ غشِّهم وحَسَدِهم، وأَنْ يُحِبَّ لهم ما يحبّ لنفسه، ويكرَه لهم ما يكرهُ لها، فبهذا التفصيل ظهر أَنْ حَصْر الدّين في النَّصيحة على ظاهره، وإِنْ كان بعضُ ذلك فرض عين، وبعضُه فَرْضَ كفاية، وبعضه سُنَّةً، كما هو الدّين أَيضًا يشتمل على جميع ذلك.
وفى هذا الحديث أَنَّ النصيحة تُسَمَّى دينا وإِسلامًا، وأَنَّ الدّين يقع على العمل كما يقع على القول.
والنَّصيحة فرضٌ يُجْزى فيها مَنْ قام به ويسقُط عن الباقين.
والنصيحة لازمةٌ على قَدْر الطَّاقة إِذا عَلِم النَّاصحُ أَنَّه يُقبَل نُصْحُه ويُطاعُ أَمرُه، وأَمِنَ على نفسه المكروهَ، فإِن خشى أَذَى فهو في سَعَة.
وأمّا نصيحة المُلوك فهو على قَدْرِ الجاه والمنزلة عندهم، فإِذا أَمِنَ من ضَرّهِم فعليه نُصحهم، فإِن خشى على نفسه غَيَّر بقَلْبه، وإِنْ علم أَنَّه لا يَقْدِر على نُصحِهم فلا يدخلُ عليهم لأَنَّه يَفْتِنهم ويزيدهم فِتْنةً ويَذْهَبُ دينهُ معهم.
قال الفُضَيْل: رُبّما يدخلُ العالِمُ على المَلِكِ ومعه شيء من دِينِه فيخرجُ وليس معه شىءٌ.
قيل له: وكَيْفَ ذلك؟ قال: يصدّقه في كَذِبه، ويمدَحُه في وَجْهه.
والنَّصيحة واجبة لجميع الخَلْق مسلمين وغيرهم، وهو معنى قولِه وعامَّتهم، فيقال للكافر اتَّقِ الله تعالَى ويُدْعَى إِلى الإِسلام، ويُنْهَى عن ظُلْمه، ومنه قوله تعالى: {وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ}.
قال الآجُرِّى: ولا يكون ناصحًا لله تعالى ولِرَسُوله، ولأَئمة المسلمين وعامَّتِهم إِلاَّ من بدأَ بالنَّصِيحة لنَفْسه، واجتهد في طلب العِلْم والفِقْه لِيَعْرِف به ما يجب عليه، ويعلم عداوَةَ الشيطان له وكيف الحذر منه، ويعلم قبيح ما تميل إِليه النفس حتى يخالِفَها بعِلْم.
وقال الحَسنُ: مازال لِلهِ تعالى نُصحاء ينصحون للهِ في عِباده، وينصحون لِعبادِ الله في حقَّ الله، ويعلمون لله تعالى في الأَرض بالنَّصيحة، أُولئك خلفاءُ اللهِ في الأَرْض.
وحاصل الأَمر أَنَّ السّلامة من جِهَة النُّطِق بالنصّيحة في أَحد أَمْرَيْن:
الأَوّل: أَنْ تتكلم إِذا اشتهيت أَن تَسْكُت، وتَسْكُتَ إِذا اشتهيتَ أَن تتكلَّم.
والأَمر الثانى: أَلاَّ تتكلَّم إِلاَّ فيما إِنْ سكتَّ عنه كنتَ عاصِيًا، وإِنْ لم فلا.
وإِياك الكلام عندما يُستحسَنُ كلامُك، فإِنّ الكلام في ذلك الوقت من أَكبر الأَمراضِ، وماله دواءٌ إِلاَّ الصّمت. والله أَعلم. اهـ.

.تفسير الآية رقم (63):

قوله تعالى: {أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (63)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان الحامل لهم على هذا مجرد استبعاد أن يختص عنهم بفضيلة وهو منهم كما سيأتي في غير هذه السورة، أنكر ذلك عليهم بقوله: {أوعجبتم} أي أكذبتم وعجبتم {أن جاءكم} وضمن جاء معنى أنزل، فلذلك جعلت صلته {على} فقال: {ذكر} رسالة {من ربكم} أي المحسن إليكم بالإيجاد والتربية منزلًا على الرجل أي كامل في الرجولية وهو مع ذلك بحيث لا تتهمونه فإنه {منكم} لقولكم: {ما سمعنا بهذا} أي إرسال البشر {في آبائنا الأولين} [المؤمنون: 24] {لينذركم} لتحذروا ما ينذركموه {ولتتقوا} أي تجعلوا بينكم وبين ما تحذرونه وقاية لعلكم تنجون {ولعلكم ترحمون} أي وليكون حالكم إذا لقيتم الله حال من ترجى رحمته بأن يرفعه الله في الدارين. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن قوله: {أوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مّن رَّبّكُمْ على رَجُلٍ مّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ} يدل على أن مراد القوم من قولهم لنوح عليه السلام: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضلال مُّبِينٍ} [الأعراف: 60] هو أنهم نسبوه في ادعاء النبوة إلى الضلال، وذلك من وجوه: أحدها: أنهم استبعدوا أن يكون لله رسول إلى خلقه، لأجل أنهم اعتقدوا أن المقصود من الإرسال هو التكليف.
والتكليف لا منفعة فيه للمعبود لكونه متعاليًا عن النفع والضرر، ولا منفعة فيه للعابد، لأنه في الحال يوجب المضرة العظيمة، وكل ما يرجى فيه من الثواب ودفع العقاب، فالله قادر على تحصيله بدون واسطة التكليف، فيكون التكليف عبثًا، والله متعال عن العبث، وإذا بطل التكليف بطل القول بالنبوة.
وثانيها: أنهم وإن جوزوا التكليف إلا أنهم قالوا: ما علم حسنه بالعقل فعلناه، وما علم قبحه تركناه، وما لا نعلم فيه لا حسنه ولا قبحه، فإن كنا مضطرين إليه فعلناه، لعلمنا أنه متعال عن أن يكلف عبده ما لا طاقة له به، وإن لم نكن مضطرين إليه تركناه للحذر عن خطر العقاب، ولما كان رسول العقل كافيًا فلا حاجة إلى بعثة رسول آخر.
وثالثها: أن بتقدير: أنه لابد من الرسول؛ فإن إرسال الملائكة أولى، لأن مهابتهم أشد، وطهاراتهم أكمل، واستغناءهم عن المأكول والمشروب أظهر، وبعدهم عن الكذب والباطل أعظم.
ورابعها: أن بتقدير: أن يبعث رسولًا من البشر، فلعل القوم اعتقدوا أن من كان فقيرًا، ولم يكن له تبع ورياسة فإنه لا يليق به منصب الرسالة، ولعلهم اعتقدوا أن الذي ظن نوح عليه السلام أنه من باب الوحي، فهو من جنس الجنون والعته وتخييلات الشيطان، فهذا هو الإشارة إلى مجامع الوجوه التي لأجلها أنكر الكفار رسالة رجل معين، فلهذه الأسباب حكموا على نوح بالضلالة، ثم أن نوحًا عليه السلام أزال تعجبهم وقال: إنه تعالى خالق الخلق فله بحكم الإلهية أن يأمر عبيده ببعض الأشياء وينهاهم عن بعضها، ولا يجوز أن يخاطبهم بتلك التكاليف من غير واسطة، لأن ذلك ينتهي إلى حد الإلجاء، وهو ينافي التكليف، ولا يجوز أن يكون ذلك الرسول واحدًا من الملائكة لما ذكرناه في سورة الأنعام في تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ جعلناه مَلَكًا لجعلناه رَجُلًا} [الأنعام: 9] فبقي أن يكون إيصال تلك التكاليف إلى الخلق بواسطة إنسان، وذلك الإنسان إنما يبلغهم تلك التكاليف لأجل أن ينذرهم ويحذرهم، ومتى أنذرهم اتقوا مخالفة تكليف الله، ومتى اتقوا مخالفة تكليف الله استوجبوا رحمة الله، فهذا هو المراد من قوله: {لِيُنذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
إذا عرفت هذا فلنرجع إلى تفسير ألفاظ الآية.
أما قوله: {أوعجبتم} فالهمزة للإنكار، والواو للعطف، والمعطوف عليه محذوف، كأنه قيل: أكذبتم وعجبتم أن جاءكم؟ أي عجبتم أن جاءكم ذكر.
وذكروا في تفسير هذا الذكر وجوهًا.
قال الحسن: إنه الوحي الذي جاءهم به.
وقال آخرون: المراد بهذا الذكر المعجز، ثم ذلك المعجز يحتمل وجهين: أحدهما: أنه تعالى كان قد أنزل عليه كتابًا، وكان ذلك الكتاب معجزًا، فسماه الله تعالى ذكرًا، كما سمي القرآن بهذا الاسم، وجعله معجزة لمحمد صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أن ذلك المعجز كان شيئًا آخر سوى الكتاب.
وقوله: {على رَجُلٍ} قال الفراء: {عَلَى} هاهنا بمعنى مع كما تقول: جاء بالخبر على وجهه ومع وجهه، كلاهما جائز.
وقال ابن قتيبة: أي على لسان رجل منكم، كما قال: {رَبَّنَا وَءاتِنَا مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ} [آل عمران: 194] أي على لسان رسلك.
وقال آخرون: {ذِكْرٌ مّن رَّبّكُمْ} منزل على رجل، وقوله: {مِّنكُمْ} أي تعرفون نسبه فهو منكم نسبًا، وذلك لأن كونه منهم يزيل التعجب، لأن المرء بمن هو من جنسه أعرف، وبطهارة أحواله أعلم، وبما يقتضي السكون إليه أبصر، ثم بين تعالى ما لأجله يبعث الرسول، فقال: {لِيُنذِرَكُمْ} وما لأجله ينذر، فقال: {وَلِتَتَّقُواْ} وما لأجله يتقون، فقال: {وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} وهذا الترتيب في غاية الحسن، فإن المقصود من البعثة الإنذار، والمقصود من الإنذار التقوى عن كل ما لا ينبغي، والمقصود من التقوى، الفوز بالرحمة في دار الآخرة.
قال الجبائي والكعبي والقاضي: هذه الآية دالة على أنه تعالى أراد من الذين بعث الرسل إليهم، التقوى والفوز بالرحمة، وذلك يبطل قول من يقول: إنه تعالى أراد من بعضهم الكفر والعناد، وخلقهم لأجل العذاب والنار.
وجواب أصحابنا أن نقول: إن لم يتوقف الفعل على الداعي لزم رجحان الممكن لا لمرجح، وإن توقف لزم الجبر، ومتى لزم ذلك وجب القطع، فإنه تعالى أراد الكفر من الكافر، وذلك يبطل مذهبكم. اهـ.