فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

قالت الكبراء للضعفاء لا تتبعوه فإن هذا بشر مثلكم فأجابهم نوح فقال: {أَوَعَجِبْتُمْ أنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ} يعني: ينزل الكتاب والرسالة على رجل منكم تعرفون حسبه ونسبه {لينذركم} بالنار ولتتقوا الشرك.
قال بعضهم: هذه الواو صلة وهو زيادة في الكلام.
ومعناه {لينذركم} لكي تتقوا.
وقال بعضهم هذه واو العطف أي: جاءكم رسول لكي ينذركم.
{وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} يعني: لكي تنجوا من العذاب. اهـ.

.قال الثعلبي:

{أَوَعَجِبْتُمْ} الألف للاستفهام دخلت على واو العطف كأنه قال: إن أضعتم كذا وكذا {أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِّن رَّبِّكُمْ} يعني نبوّة الرسالة، وقيل: معجزة وبيان.
{على رَجُلٍ مِّنْكُمْ لِيُنذِرَكُمْ} عذاب الله إن لم يؤمنوا {وَلِتَتَّقُواْ} ولكي يتّقوا الله: {وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} لكي تُرحموا. اهـ.

.قال ابن عطية:

{أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}.
هذه ألف استفهام دخلت على الواو العاطفة، والاستفهام هنا بمعنى التقرير والتوبيخ، وعجبهم الذي وقع إنما كان على جهة الاستبعاد والاستمحال، هذا هو الظاهر من قصتهم، وقوله: {على} قيل هي بمعنى مع، وقيل على حذف مضاف تقدره على لسان رجل منكم.
قال القاضي أبو محمد: ويحتمل أن يكون المجيء بنفسه في هذا الموضع يصل ب {على} إذ كل ما يأتي من الله تعالى فله حكم النزول فكأنه {جاءكم} معناه نزل فحسن معه أن يقال: {على رجل} واللام في {لينذركم} لام كي. وقوله: {ولعلكم} ترجّ بحسب حال نوح ومعتقده لأن هذا الخبر إنما هو من تلقاء نوح عليه السلام. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {أوعجبتم}.
قال الزجاج: هذه واو العطف، دخلت عليها ألف الاستفهام، فبقيت مفتوحة.
وفي الذِّكر قولان:
أحدهما: الموعظة.
والثاني: البيان.
وفي قوله: {على رجل منكم} قولان:
أحدهما: أن {على} بمعنى مع قاله الفراء.
والثاني: أن المعنى: على لسان رجل منكم، قاله ابن قتيبة. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {أَوَعَجِبْتُمْ} فتحت الواو لأنها واو عطف، دخلت عليها ألف الاستفهام للتقرير.
وسبيل الواو أن تدخل على حروف الاستفهام إلا الألف لقوتها.
{أَن جَاءَكُمْ ذِكْرٌ} أي وعظ من ربكم.
{على رَجُلٍ مِّنْكُمْ} أي على لسان رجل.
وقيل: {على} بمعنى مَعَ، أي مع رجل.
وقيل: المعنى أن جاءكم ذكر من ربكم مُنَزَّل على رجل منكم، أي تعرفون نسبه.
أي على رجل من جنسكم.
ولو كان مَلَكًا فربما كان في اختلاف الجنس تنافر الطبع. اهـ.

.قال الخازن:

{أوعجبتم} الألف ألف استفهام والواو للعطف والمعطوف عليه محذوف وهذا الاستفهام استفهام إنكار معناه أكذبتم وعجبتم {أن جاءكم ذكر من ربكم} يعني وحيًا من ربكم {على رجل منكم} تعرفونه وتعرفون نسبه وذلك لأن كونه منهم يزيل التعجب، وقيل: المراد بالذكر الكتاب الذي أنزل الله تعالى على نوح عليه الصلاة والسلام سماه ذكرًا كما سمي القرآن ذكرًا.
وقيل: المراد بالذكر المعجزة التي جاء بها نوح عليه السلام فعلى هذا تكون على بمعنى مع أي مع رجل منكم.
قال الفراء على هنا بمعنى مع {لينذركم} يعني جاءكم لأجل أن ينذركم {ولتتقوا} أي ولأجل أن تتقوا {ولعلكم ترحمون} لأن المقصود من إرسال الرسل الإنذار والمقصود من الإنذار التقوى عن كل ما لا ينبغي والمقصود بالتقوى الفوز بالرحمة في الدار الآخرة. اهـ.

.قال أبو حيان:

{أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربّكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلّكم ترحمون}.
يتضمّن قولهم: {إنّا لنراك في ضلال مبين} استبعادهم واستمحالهم ما أخبرهم به من خوف العذاب عليهم وأنه بعثه الله إليهم بعبادته وحده ورفض آلهتهم وتعجبوا من ذلك، وقال أبو عبد الله الرازي سبب استبعادهم إرسال نوح والهمزة للإنكار والتوبيخ أي هذا مما لا يعجب منه إذ له تعالى، التصرّف التام بإرسال من يشاء لمن يشاء، قال الزمخشري: الواو للعطف والمعطوف محذوف كأنه قيل أو كذبتم وعجبتم أن جاءكم انتهى، وهو كلام مخالف لكلام سيبويه والنّحاة لأنّهم يقولون: إنّ الواو لعطف ما بعدها على ما قبلها من الكلام ولا حذف هناك وكأنّ الأصل وأعجبتم لكنه اعتنى بهمزة الاستفهام فقدّمت على حروف العطف لأنّ الاستفهام له صدر الكلام وقد تقدّم الكلام معه في نظير هذه المسألة وقد رجع هو عن هذا إلى قول الجماعة والذكر الوعظ أو الوحي أو المعجز أو كتاب معجز أو البيان أقوال والأولى أن يكون قوله: {على رجل} فيه إضمار أي على لسان رجل كما قال: {ما وعدتنا على رسلك}، وقيل: {على} بمعنى مع، وقيل: لا حذف ولا تضمين في الحرف بل قوله: {على رجل} هو على ظاهره لأن {جاءكم} بمعنى نزل إليكم كانوا يتعجبون من نبوّة نوح ويقولون ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين يعنون إرسال البشر {ولو شاء ربّنا لأنزل ملائكة} وذكر عليه المجيء وهو الإعلام بالمخوف والتحذير من سوء عاقبة الكفر ووجود التقوى منهم ورجاء الرّحمة وكأنها علة مترتبة فجاءكم الذكر للإنذار بالمخوف والإنذار بالمخوف لأجل وجود التقوى منهم ووجود التقوى لرجاء الرحمة وحصولها فعلل المجيء بجميع هذه العلل المترتبة لأنّ المترتب على السبب سبب. اهـ.

.قال أبو السعود:

{أَوَعَجِبْتُمْ أَن جَاءكُمْ ذِكْرٌ مّن رَّبّكُمْ}.
جوابٌ ورد لمّا اكتُفيَ عن ذكره بقولهم: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضلال مُّبِينٍ} من قولهم: {مَا نَرَاكَ إِلاَّ بَشَرًا مّثْلَنَا} وقولِهم: {لَوْ شَاء الله لاَنزَلَ ملائكة} والهمزةُ للإنكار والواوُ للعطف على مقدر ينسحب عليه الكلامُ كأنه قيل: استبعدتم وعجِبتم من أن جاءكم ذكرٌ أي وحيٌ أو موعظةٌ من مالك أموركم ومربّيكم {على رَجُلٍ مّنكُمْ} أي على لسان رجلٍ من جنسكم كقوله تعالى: {مَا وَعَدتَّنَا على رُسُلِكَ} وقلتم لأجل ذلك ما قلتم من أن الله تعالى لو شاء لأنزل ملائكة {لِيُنذِرَكُمْ} علةٌ للمجيء أي ليحذرَكم عاقبةَ الكفر والمعاصي {وَلِتَتَّقُواْ} عطفٌ على العلة الأولى مترتبةٌ عليها {وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} عطف على العلة الثانية مترتبةٌ عليها، أي ولتتعلق بكم الرحمةُ بسبب تقواكم. وفائدةُ حرفِ الترجّي التنبيه على عزة المطلبِ وأن التقوى غيرُ موجبةٍ للرحمة بل هي منوطةٌ بفضل الله تعالى وأن المتقيَ ينبغي أن لا يعتمد على تقواه ولا يأمنَ عذابَ الله عز وجل. اهـ.

.قال الألوسي:

{أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ}.
رد لما هو منشأ لقولهم: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضلال مُّبِينٍ} [الأعراف: 60] والاستفهام للإنكار أي لم كان ذلك ولا داعي له.
والواو للعطف على مقدر ينسحب عليه الكلام، ويقدر عند الزمخشري وأتباعه بين الهمزة وواو العطف كأنه قيل: استبعدتم وعجبتم.
ومذهب سيبويه والجمهور أن الهمزة من جملة أجزاء المعطوف إلا أنها قدمت على العاطف تنبيهًا على أصالتها في التصدير.
وضعف قول الأولين بما فيه من التكلف لدعوى حذف الجملة فإن قوبل بتقديم بعض المعطوف فقد يقال: إنه أسهل منه لأن المتجوز فيه أقل لفظًا.
وفيه تنبيه على أصالة شيء في شيء وبأنه غير مطرد في نحو {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ على كُلّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد: 33].
وتحقيقه في محله و{أَن جَاءكُمْ} بتقدير بأن لأن الفعل السابق يتعدى بها؛ والمراد بالذكر ما أرسل به كما قيل للقرآن ذكر ويفسر بالموعظة.
ومن للابتداء والجار والمجرور متعلق بجاء أو بمحذوف وقع صفة لذكر أي ذكر كائن من مالك أموركم ومربيكم.
{على رَجُلٍ مّنكُمْ} أي من جملتكم تعرفون مولده ومنشأه أو من جنسكم فمن تبعيضية أو بيانية كما قيل و{على} متعلقة بجاء بتقدير مضاف أي على يد أو لسان رجل منكم أي بواسطته، وقيل: على بمعنى مع فلا حاجة إلى التقدير، وقيل: تعلقه به لأن معناه أنزل كما يشير إليه كلام أبي البقاء أو لأنه ضمن معناه، وجوز أن يكون متعلقًا بمحذوف وقع حالًا من {ذُكِرَ} أي نازلًا على رجل منكم.
{لِيُنذِرَكُمْ} علة للمجيء أي ليحذركم العذاب والعقاب على الكفر والمعاصي {وَلِتَتَّقُواْ} عطف على {لِيُنذِرَكُمْ} وكذا قوله تعالى: {وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} على ما هو الظاهر فالمجيء معلل بثلاثة أشياء وليس من توارد العلل على معلول واحد الممنوع وبينها ترتب في نفس الأمر فإن الإنذار سبب للتقوى والتقوى سبب لتعلق الرحمة بهم، وليس في الكلام دلالة على سببية كل من الثلاثة لما بعده ولو أريدت السببية لجيء بالفاء.
وبعضهم اعتبر عطف {لتتقوا} على {مّنكُمْ لِيُنذِرَكُمْ} و{لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} على {لتتقوا} مع ملاحظة الترتب أي لتتقوا بسبب الإنذار ولعلكم ترحمون بسبب التقوى فليتأمل.
وجىء بحرف الترجي على عادة العظماء في وعدهم أو للتنبيه على عزة المطلب وأن الرحمة منوطة بفضل الله تعالى فلا اعتماد إلا عليه. اهـ.

.قال ابن عاشور:

قوله: {أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم}.
مفتتحًا الجملةَ بالاستفهام الإنكاري بعد واو العطف، وهذا مشعر بأنّهم أحالوا أن يكون رسولًا، مستدلّين بأنّه بشر مثلهم، كما وقعت حكايته في آية أخرى {ما هذا إلاّ بشر مثلكم يريد أن يتفضّل عليكم} [المؤمنون: 24].
واختير الاستفهام دون أن يقول: لا عَجب، إشارة إلى أنّ احتمال وقوع ذلك منهم ممّا يتردّد فيه ظن العاقل بالعقلاء.