فصل: قال سيد قطب في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ} الْهَمْزَةُ فِي أَوَّلِ الْجُمْلَةِ لِلِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ، وَالْوَاوُ بَعْدَهَا لِلْعَطْفِ عَلَى مَحْذُوفٍ مُقَدَّرٍ بَعْدَ الْهَمْزَةِ، وَالْمَعْنَى: أَكَذَّبْتُمْ وَعَجِبْتُمْ مِنْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ وَمَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى لِسَانِ رَجُلٍ مِنْكُمْ؟ {لِيُنْذِرَكُمْ وَلِتَتَّقُوا وَلَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} أَيْ لِأَجْلِ أَنْ يُحَذِّرَكُمْ عَاقِبَةَ كُفْرِكُمْ، وَيُعَلِّمَكُمْ بِمَا أَعَدَّ اللهُ لَهُ مِنَ الْعِقَابِ بِمَا تَفْهَمُونَهُ مِنْهُ لِأَنَّهُ مِنْكُمْ- وَلِأَجْلِ أَنْ تَتَّقُوا بِهَذَا الْإِنْذَارِ مَا يُسْخِطُ رَبَّكُمْ عَلَيْكُمْ مِنَ الشِّرْكِ فِي عِبَادَتِهِ، وَالْإِفْسَادِ فِي أَرْضِهِ- وَلْيُعِدْكُمْ بِالتَّقْوَى لِرَحْمَةِ رَبِّكُمُ الْمَرْجُوَّةِ لِكُلِّ مَنْ أَجَابَ الدَّعْوَةَ وَاتَّقَى، عَلَّلَ مَجِيئَهُ بِالرِّسَالَةِ بِعِلَلٍ ثَلَاثٍ مُتَعَاقِبَةٍ مُرَتَّبَةٍ كَمَا تَرَى.
وَقَدْ عُلِمَ مِنْ قَوْلِهِ: {عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ} أَنَّ شُبْهَتَهُمْ عَلَى الرِّسَالَةِ هِيَ كَوْنُ الرَّسُولِ بَشَرًا مِثْلَهُمْ، كَأَنَّ الِاشْتِرَاكَ فِي الْبَشَرِيَّةِ وَصِفَاتِهَا الْعَامَّةِ يَقْتَضِي التَّسَاوِي فِي الْخَصَائِصِ وَالْمَزَايَا وَيَمْنَعُ الِانْفِرَادَ بِشَيْءٍ مِنْهَا! وَهَذَا بَاطِلٌ بِالِاخْتِبَارِ وَالْمُشَاهَدَةِ فِي الْغَرَائِزِ وَالْقُوَى الْعَقْلِيَّةِ وَالْعَضَلِيَّةِ، وَفِي الْمَعَارِفِ وَالْأَعْمَالِ الْكَسْبِيَّةِ، فَالتَّفَاوُتُ بَيْنَ أَفْرَادِ الْبَشَرِ عَظِيمٌ جِدًّا لَا يُشْبِهُهُمْ فِيهِ نَوْعٌ آخَرُ مِنْ أَنْوَاعِ الْمَخْلُوقَاتِ فِي عَالَمِ الشَّهَادَةِ، وَلَوْ فَرَضْنَا التَّسَاوِي بَيْنَهُمْ فِي ذَلِكَ فَهَلْ يَمْنَعُ أَنْ يَخْتَصَّ الْخَالِقُ الْحَكِيمُ مَنْ شَاءَ مِنْهُمْ بِمَا هُوَ فَوْقَ الْمَعْهُودِ فِي الْغَرَائِزِ وَالْمُكْتَسَبِ بِالتَّعَلُّمِ؟ كَلَّا، إِنَّهُ تَعَالَى قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ وَقَدِ اقْتَضَتْهُ حِكْمَتُهُ وَمَشِيئَتُهُ وَنَفَذَتْ بِهِ قُدْرَتُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ رَدُّ هَذِهِ الشُّبْهَةِ فِي أَوَائِلِ سُورَةِ الْأَنْعَامِ.
{فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ} فَكَذَّبُوهُ وَأَصَرَّ عَلَى ذَلِكَ جُمْهُورُهُمْ فَأَنْجَيْنَاهُ مِنَ الْغَرَقِ وَالَّذِينَ سَلَكَهُمْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِهِ {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ} (11: 40) كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي قِصَّتِهِ الْمُفَصَّلَةِ فِي سُورَةِ هُودٍ- أَوِ الْمَعْنَى: أَنْجَيْنَاهُ وَأَنْجَيْنَاهُمْ حَالَ كَوْنِهِمْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ أَيِ السَّفِينَةِ: {وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ} أَيْ وَأَغْرَقَنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا بِالطُّوفَانِ بِسَبَبِ تَكْذِيبِهِمْ، وَلِمَاذَا كَذَّبُوا؟ إِنَّهُمْ مَا كَذَّبُوا إِلَّا لِعَمًى فِي بَصَائِرِهِمْ حَالَ دُونَ اعْتِبَارِهِمْ وَفَهْمِهِمْ لِدَلَالَةِ الْآيَاتِ عَلَى تَوْحِيدِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى إِرْسَالِ الرُّسُلِ وَحِكْمَةِ رُبُوبِيَّتِهِ فِي ذَلِكَ، وَعَمُونَ جَمْعُ عَمٍ وَهُوَ ذُو الْعَمَى، وَأَصْلُهُ عَمِيَ بِوَزْنِ كَتِفَ وَقِيلَ: إِنَّهُ خَاصٌّ بِعَمَى الْقَلْبِ وَالْبَصِيرَةِ، وَالْأَعْمَى يُطْلَقُ عَلَى الْفَاقِدِ لِكُلٍّ مِنْهُمَا. قَالَ زُهَيْرٌ:
وَأَعْلَمُ عِلْمَ الْيَوْمِ وَالْأَمْسِ قَبْلَهُ ** وَلَكِنَّنِي عَنْ عِلْمِ مَا فِي غَدٍ عَمِ

. اهـ.

.قال سيد قطب في الآيات السابقة:

{لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَقَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (59)} إلى قوله تعالى: {فَكَذَّبُوهُ فَأَنْجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا عَمِينَ (64)}.
نحن مع موكب الإيمان.. هذه أعلامه.. وهذه علائمه.. وهذه هي معالم طريقه.. وهو يواجه البشرية في رحلتها الطويلة على هذا الكوكب الأرضي.. يواجهها كلما التوت بها الطريق؛ وكلما انحرفت عن صراط الله المستقيم؛ وكلما تفرقت بها السبل. تحت ضغط الشهوات، التي يقودها الشيطان من خطامها، محاولًا أن يرضي حقده؛ وأن ينفذ وعيده، وأن يمضي ببني آدم من خطام هذه الشهوات إلى جهنم؛ فإذا الموكب الكريم يواجه البشرية بالهدى، ويلوّح لها بالنور، ويستروح بها ريح الجنة، ويحذرها لفحات السموم، ونزغات الشيطان الرجيم، عدوها القديم... إنه مشهد رائع.. مشهد الصراع العميق، في خضم الحياة، على طول الطريق..
إن التاريخ البشري يمضي في تشابك معقد كل التعقيد.. إن هذا الكائن المزدوج الطبيعة، المعقد التركيب.. الذي يتألف كيانه من أبعد عنصرين تؤلف بينهما قدرة الله وقدره.. عنصر الطين الذي نشأ منه، وعنصر النفخة من روح الله، التي جعلت من هذا الطين إنسانًا.. إن هذا الكائن ليمضي في تاريخه مع عوامل متشابكة كل التشابك، معقدة كل التعقيد.. يمضي بطبيعته هذه يتعامل مع تلك الآفاق والعوالم التي أسلفنا في قصة آدم الحديث عنها.. يتعامل مع الحقيقة الإلهية: مشيئتها وقدرها، وقدرتها وجبروتها، ورحمتها وفضلها... الخ. ويتعامل مع الملأ الأعلى وملائكته.. ويتعامل مع إبليس وقبيله.. ويتعامل مع هذا الكون المشهود ونواميسه وسنن الله فيه.. ويتعامل مع الأحياء في هذه الأرض.. ويتعامل مع بعضه البعض.. يتعامل مع هذه الآفاق وهذه العوالم بطبيعته تلك، وباستعداداته المتوافقة والمتعارضة مع هذه الآفاق والعوالم..
وفي هذا الخضم المتشابك من العلاقات والروابط، يجري تاريخه.. ومن القوة في كيانه والضعف. ومن التقوى والهدى. ومن الالتقاء بعالم الغيب وعالم الشهود. ومن التعامل مع العناصر المادية في الكون والقوى الروحية، ومن التعامل مع قدر الله في النهاية.. من هذا كله يتكون تاريخه.. وفي ضوء هذا التعقيد الشديد يفسر تاريخه.
والذين يفسرون التاريخ الإنساني تفسيرًا اقتصاديًا أو سياسيًا. والذين يفسرونه تفسيرًا بيولوجيًا. والذين يفسرونه تفسيرًا روحيًا أو نفسيًا. والذين يفسرونه تفسيرًا عقليًا... كل أولئك ينظرون نظرة ساذجة إلى جانب واحد من جوانب العوامل المتشابكة، والعوالم المتباعدة، التي يتعامل معها الإنسان؛ ويتألف من تعامله معها تاريخه.. والتفسير الإسلامي للتاريخ هو وحده الذي يلم بهذا الخضم الواسع، ويحيط به؛ وينظر إلى التاريخ الإنساني من خلاله.
ونحن هنا أمام مشاهد صادقة من هذا الخضم.. لقد شهدنا مشهد النشأة البشرية؛ وقد تجمعت في المشهد كل العوالم والآفاق والعناصر- الظاهرة والخفية- التي يتعامل معها هذا الكائن منذ اللحظة الأولى.
ولقد شهدنا هذا الكائن باستعداداته الأساسية.. شهدنا تكريمه في الملأ الأعلى وإسجاد الملائكة له؛ والبارئ العظيم يعلن ميلاده.. وشهدنا ضعفه بعد ذلك وكيف قاده منه عدوه.. وشهدنا مهبطه إلى الأرض.. وانطلاقه في التعامل مع عناصرها ونواميسها الكونية..
ولقد شهدناه يهبط إلى هذه الأرض مؤمنًا بربه؛ مستغفرًا لذنبه؛ مأخوذًا عليه عهد الخلافة: أن يتبع ما يأتيه من ربه ولا يتبع الشيطان ولا الهوى، مزودًا بتلك التجربة الأولى في حياته..
ثم مضى به الزمن؛ وتقاذفته الأمواج في الخضم؛ وتفاعلت تلك العوامل المعقدة المتشابكة في كيانه ذاته وفي الوجود من حوله. تفاعلت في واقعه وفي ضميره. ثم ها نحن أولاء في هذا الدرس نشهد كيف صارت به هذه العوامل المعقدة المتشابكة إلى الجاهلية!!!
إنه ينسى.. وقد نسي.. إنه يضعف.. وقد ضعف.. إن الشيطان يغلبه.. وقد غلبه.. ولابد من الإنقاذ مرة أخرى!!!
لقد هبط إلى هذه الأرض مهتديًا تائبًا موحدًا. ولكن ها نحن أولاء نلتقي به ضالًا مفتريًا مشركًا!!!
لقد تقاذفته الأمواج في الخضم.. ولكن هنالك معلمًا في طريقه.. هنالك الرسالة ترده إلى ربه. فمن رحمة ربه به أن لا يتركه وحده!
وها نحن أولاء في هذه السورة نلتقي بموكب الإيمان، يرفع أعلامه رسل الله الكرام: نوح. وهود. وصالح. ولوط. وشعيب. وموسى. ومحمد- صلوات الله وسلامه عليهم جميعًا.. ونشهد كيف يحاول هذا الرهط الكريم- بتوجيه الله وتعليمه- إنقاذ الركب البشري من الهاوية التي يقوده إليها الشيطان، وأعوانه من شياطين الإنس المستكبرين عن الحق في كل زمان. كما نشهد مواقف الصراع بين الهدى والضلال. وبين الحق والباطل، وبين الرسل الكرام وشياطين الجن والإنس.. ثم نشهد مصارع المكذبين في نهاية كل مرحلة، ونجاة المؤمنين، بعد الإنذار والتذكير..
والقصص في القرآن لا يتبع دائمًا ذلك الخط التاريخي. ولكنه في هذه السورة يتبع هذا الخط. ذلك أنه يعرض سير الركب البشري منذ النشأة الأولى، ويعرض موكب الإيمان وهو يحاول هداية هذا الركب واستنقاذه كلما ضل تمامًا عن معالم الطريق، وقاده الشيطان كلية إلى المهلكة ليسلمه في نهايتها إلى الجحيم!
وفي وقفتنا أمام المشهد الكلي الرائع نلمح جملة معالم نلخصها هنا قبل مواجهة النصوص:
* إن البشرية تبدأ طريقها مهتدية مؤمنة موحدة.. ثم تنحرف إلى جاهلية ضالة مشركة- بفعل العوامل المتشابكة المعقدة في تركيب الإنسان ذاته، وفي العوالم والعناصر التي يتعامل معها.. وهنا يأتيها رسول بذات الحقيقة التي كانت عليها قبل أن تضل وتشرك. فيهلك من يهلك، ويحيا من يحيا. والذين يحيون هم الذين آبوا إلى الحقيقة الإيمانية الواحدة. هم الذين علموا أن لهم إلهًا واحدًا. واستسلموا بكليتهم إلى هذا الإله الواحد. هم الذين سمعوا قول رسولهم لهم: {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}.
فهي حقيقة واحدة يقوم عليها دين الله كله، ويتعاقب بها الرسل جميعًا على مدار التاريخ.. فكل رسول يجيء إنما يقول هذه الكلمة لقومه الذين اجتالهم الشيطان عنها، فنسوها وضلوا عنها، وأشركوا مع الله آلهة أخرى- على اختلاف هذه الآلهة في الجاهليات المختلفة- وعلى أساسها تدور المعركة بين الحق والباطل.. وعلى أساسها يأخذ الله المكذبين بها وينجي المؤمنين.. والسياق القرآني يوحد الألفاظ التي عبر بها جميع الرسل- صلوات الله عليهم- مع اختلاف لغاتهم.. يوحد حكاية ما قالوه، ويوحد ترجمته في نص واحد: {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}.. وذلك لتحقيق معنى وحدة العقيدة السماوية- على مدار التاريخ- حتى في صورتها اللفظية! لأن هذه العبارة دقيقة في التعبير عن حقيقة العقيدة، ولأن عرضها في السياق بذاتها يصور وحدة العقيدة تصويرًا حسيًا.. ولهذا كله دلالته في تقرير المنهج القرآني عن تاريخ العقيدة..
وفي ضوء هذا التقرير يتبين مدى مفارقة منهج الأديان المقارنة مع المنهج القرآني.. يتبين أنه لم يكن هناك تدرج ولا تطور في مفهوم العقيدة الأساسي، الذي جاءت به الرسل كلها من عند الله، وأن الذين يتحدثون عن تطور المعتقدات وتدرجها؛ ويدمجون العقيدة الربانية في هذا التدرج والتطور يقولون غير ما يقوله الله سبحانه! فهذه العقيدة- كما نرى في القرآن الكريم- جاءت دائمًا بحقيقة واحدة. وحكيت العبارة عنها في ألفاظ بعينها: {يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} وهذا الإله الذي دعا الرسل كلهم إليه هو رب العالمين.. الذي يحاسب الناس في يوم عظيم.. فلم يكن هنالك رسول من عند الله دعا إلى رب قبيلة، أو رب أمة، أو رب جنس.. كما أنه لم يكن هناك رسول من عند الله دعا إلى إلهين اثنين أو آلهة متعددة.. وكذلك لم يكن هناك رسول من عند الله دعا إلى عبادة طوطمية، أو نجمية، أو أرواحية! أو صنمية! ولم يكن هناك دين من عند الله ليس فيه عالم آخر.. كما يزعم من يسمونهم علماء الأديان وهم يستعرضون الجاهليات المختلفة، ثم يزعمون أن معقتداتها كانت هي الديانات التي عرفتها البشرية في هذه الأزمان، دون غيرها!
لقد جاءت الرسل- رسولًا بعد رسول- بالتوحيد الخالص، وبربوبية رب العالمين! وبالحساب في يوم الدين.. ولكن الانحرافات في خط الاعتقاد، مع الجاهليات الطارئة بعد كل رسالة، بفعل العوامل المعقدة المتشابكة في تكوين الإنسان ذاته وفي العوالم التي يتعامل معها.. هذه الانحرافات تمثلت في صور شتى من المعتقدات الجاهلية.. هي هذه التي يدرسها علماء الأديان! ثم يزعمون أنها الخط الصاعد في تدرج الديانات وتطورها!
وعلى أية حال فهذا هو قول الله سبحانه وهو أحق أن يتبع، وبخاصة ممن يكتبون عن هذا الموضوع في صدد عرض العقيدة الإسلامية، أو صدد الدفاع عنها! أما الذين لا يؤمنون بهذا القرآن، فهم وما هم فيه.
والله يقص الحق وهو خير الفاصلين..
إن كل رسول من الرسل- صلوات الله عليهم جميعًا- قد جاء إلى قومه، بعد انحرافهم عن التوحيد الذي تركهم عليه رسولهم الذي سبقه.. فبنو آدم الأوائل نشأوا موحدين لرب العالمين- كما كانت عقيدة آدم وزوجه- ثم انحرفوا بفعل العوامل التي أسلفنا- حتى إذا جاء نوح عليه السلام دعاهم إلى توحيد رب العالمين مرة أخرى. ثم جاء الطوفان فهلك المكذبون ونجا المؤمنون. وعمرت الأرض بهؤلاء الموحدين لرب العالمين- كما علمهم نوح- وبذراريهم. حتى إذا طال عليهم الأمد انحرفوا إلى الجاهلية كما انحرف من كان قبلهم.. حتى إذا جاء هود أهلك المكذبون بالريح العقيم.. ثم تكررت القصة.. وهكذا..