فصل: تفسير الآية رقم (65):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (65):

قوله تعالى: {وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان عاد بعدهم، ولم يكن هنا ما يقتضي تشويش الترتيب، اتبعهم بهم مقدمًا المرسل إليه ليفيد تخصيص رسالته بهم وهم بعض أهل الأرض فقال: {وإلى عاد} خاصة أرسلنا {أخاهم} أي في النسب لأنهم عنه أفهم وبحاله في الثقة والأمانة أعرف؛ ولما عطفه على نوح عليهما السلام بعد تقديم المرسل إليهم، بينه بقوله: {هودًا} بخلاف قوم نوح فإنهم كانوا جميع أهل الأرض، لأن القبائل لم تكن فرقت الناس ولا الألسنة إذ كان لسان الكل واحدًا، ولم تفرق الألسنة إلا بعد الصرح، ولهذا عم الغرق جميع أهل الأرض، فكان المعنى حينئذ لا يختلف في قصته بتقديم ولا تأخير، فناسب تقديم الرسالة أو المرسل لأنه أهم.
ولما كانت قصة نوح عليه السلام أول قصص الأنبياء مع قومهم، ولم يكن للعرب عهد بمجاورات الأنبياء ومن يرسلون إليه، فأتى فيها بالأصل أرسلناه فقال سياقًا واحدًا إخبارًا لمن هو فارغ الذهن من كل جزء من أجزائها؛ أتت قصة هود عليه السلام بعد علم السامعين بقصة نوح عليه السلام مما وقع من تبليغه لهم وردهم عليه، فلما ذكر إرساله تشوف السامع إلى انه هل قال لهم كما قال نوح وهل ردوا عليه كرد قومه أو كان الأمر بخلاف ذلك؟ فأجيب سؤال المتشوف بقوله: {قال} كقوله نوح عليه السلام سواء {يا قوم} مذكرًا لهم بأنه أحدهم يهمه ما يهمهم {اعبدوا الله} أي لا ستحقاقه ذلك لذاته؛ ثم علل أو استأنف بقوله: {ما لكم} وأغرق في النفي فقال: {من إله غيره} ولما كانوا عارفين بما أصاب قوم نوح قال: {أفلا تتقون} أي أفلا تجعلون بينكم وبين عذاب هذا الواحد الجبار وقاية. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن هذا هو القصة الثانية، وهي قصة هود مع قومه.
أما قوله: {وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} ففيه أبحاث:
البحث الأول: انتصب قوله: {أخاهم} بقوله: {أَرْسَلْنَا} [الأعراف: 59] في أول الكلام والتقدير {لَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إلى قَوْمِهِ} وأرسلنا إِلَى عاد أخاهم هودًا.
البحث الثاني: اتفقوا على أن هودًا ما كان أخًا لهم في الدين.
واختلفوا في أنه هل كان أخا قرابة قريبة أم لا؟ قال الكلبي: إنه كان واحدًا من تلك القبيلة، وقال آخرون: إنه كان من بني آدم ومن جنسهم لا من جنس الملائكة فكفي هذا القدر في تسمية هذه الأخوة، والمعنى أنا بعثنا إلى عاد واحدًا من جنسهم وهو البشر ليكون إلْفُهُم والأنس بكلامه وأفعاله أكمل.
وما بعثنا إليهم شخصًا من غير جنسهم مثل ملك أو جني.
البحث الثالث: أخاهم: أي صاحبهم ورسولهم، والعرب تسمي صاحب القوم أخا القوم، ومنه قوله تعالى: {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَّعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف: 38] أي صاحبتها وشبيهتها.
وقال عليه السلام: «إن أخا صداء قد أذن وإنما يقيم من أذن» يريد صاحبهم.
البحث الرابع: قالوا نسب هود هذا: هود بن شالخ، بن أرفخشذ، بن سام بن نوح.
وأما عاد فهم قوم كانوا باليمن بالأحقاف، قال ابن إسحق: والأحقاف، الرمل الذي بين عمان إلى حضرموت.
البحث الخامس: اعلم أن ألفاظ هذه القصة موافقة للألفاظ المذكورة في قصة نوح عليه السلام إلا في أشياء: الأول: في قصة نوح عليه السلام: {فَقَالَ ياقوم اعبدوا الله} [الأعراف: 59] وفي قصة هود: {قَالَ يَا قَوْمٌ اعبدوا الله} والفرق أن نوحًا عليه السلام كان مواظبًا على دعواهم وما كان يؤخر الجواب عن شبهاتهم لحظة واحدة.
وأما هود فما كانت مبالغته إلى هذا الحد فلا جرم جاء فاء التعقيب في كلام نوح دون كلام هود.
والثاني: أن في قصة نوح {اعبدوا الله مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 59] وقال في هذه القصة: {اعبدوا الله مَا لَكُمْ مّنْ إله غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} [المؤمنون: 32] والفرق بين الصورتين أن قبل نوح عليه السلام لم يظهر في العالم مثل تلك الواقعة العظيمة وهي الطوفان العظيم، فلا جرم أخبر نوح عن تلك الواقعة فقال: {إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} وأما واقعة هود عليه السلام فقد كانت مسبوقة بواقعة نوح وكان عند الناس علم بتلك الواقعة قريبًا، فلا جرم اكتفى هود بقوله: {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} والمعنى تعرفون أن قوم نوح لما لم يتقوا الله ولم يطيعوه نزل بهم ذلك العذاب الذي اشتهر خبره في الدنيا فكان قوله: {أَفَلاَ تَتَّقُونَ} إشارة إلى التخويف بتلك الواقعة المتقدمة المشهورة في الدنيا. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَإلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} يعني: أرسلنا إلى عاد نبيهم هودًا عطفًا على قوله: {لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه} أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم.
لم يكن هود أخاهم في الدين ولكن كان من نسبهم.
قال السدي: كانت عاد قومًا من أهل اليمن فأتاهم هود، فدعاهم إلى الإيمان، وذكّرهم، ووعظهم فكذبوه.
ويقال: عاد اسم ملك ينسب القوم كلهم إليه.
ويقال: اسم القرية {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ} أي وحّدوه {مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ} وقد ذكرناه {أَفَلا تَتَّقُونَ} عن الشرك. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وإلى عَادٍ} يعني وأرسلنا إلى عاد فلذلك نصب {أَخَاهُمْ} وهو علاء بن عوص بن آدم ابن سام بن نوح وهو عاد الأولى {أَخَاهُمْ} في النسب لا في الدين {هُودًا} وهو هود بن عبد الله بن رياح بن الخلود بن عاد بن عوص بن آدم بن سام بن نوح وقال ابن إسحاق: هود بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح {قَالَ} لهم {يَا قَوْمِ اعبدوا الله مَا لَكُمْ مِّنْ إله غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ} الله فتوحدونه وتعبدونه. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلَا تَتَّقُونَ (65)}.
{عاد} اسم الحي، و{أخاهم} نصب ب {أرسلنا} [الأعراف: 59] فهو معطوف على نوح، وهذه أيضًا نذارة من هود عليه السلام لقومه، وتقدم الخلاف في قراءة {غيره} وقوله: {أفلا تتقون} استعطاف إلى التقى والإيمان. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وإلى عاد}.
المعنى: وأرسلنا إلى عاد {أخاهم هودًا}.
قال الزجاج: وإنما قيل: أخوهم، لأنه بشر مثلها من ولد أبيهم آدم.
ويجوز أن يكون أخاهم لأنه من قومهم.
وقال أبو سليمان الدمشقي: وعاد قبيلة من ولد سام بن نوح؛ وإنما سماه أخاهم، لأنه كان نسيبًا لهم، وهو وهُم من ولد عاد بن عوص بن إرم بن سام. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا} أي وأرسلنا إلى عاد أخاهم هودًا.
قال ابن عباس: أي ابن أبيهم.
وقيل: أخاهم في القبيلة.
وقيل: أي بشرًا من بني أبيهم آدم.
وفي مصنف أبي داود أن أخاهم هودا أي صاحبهم.
وعاد من ولد سام بن نوح.
قال ابن إسحاق: وعاد هو ابن عوص بن إرم بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السلام.
وهود هو هود بن عبد الله بن رباح بن الجلود بن عاد بن عوص ابن إرم بن سام بن نوح.
بعثه الله إلى عاد نبيًا.
وكان من أوسطهم نسبًا وأفضلهم حسبًا.
وعاد من لم يصرفه جعله اسمًا للقبيلة، ومن صرفه جعله اسمًا للحيّ.
قال أبو حاتم: وفي حرف أبيّ وابن مسعود {عاد الأولى} بغير ألف.
وهود أعجمي، وانصرف لخفته؛ لأنه على ثلاثة أحرف.
وقد يجوز أن يكون عربيًا مشتقًا من هاد يهود.
والنصب على البدل.
وكان بين هود ونوح فيما ذكر المفسرون سبعة آباء.
وكانت عاد فيما رُوي ثلاث عشرة قبيلة، ينزلون الرمال، رمل عالج.
وكانوا أهل بساتين وزروع وعمارة، وكانت بلادهم أخصب البلاد، فسخط الله عليهم فجعلها مفاوز، وكانت فيما روي بنواحي حضرموت إلى اليمن، وكانوا يعبدون الأصنام.
ولحق هود حين أهلك قومه بمن آمن معه بمكة، فلم يزالوا بها حتى ماتوا. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {وإلى عاد أخاهم هودًا} أي وأرسلنا إلى عاد وهو عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح وهي عاد الأولى أخاهم هودًا يعني أخاهم في النسب لا في الدين وهو هود بن عبد الله بن رباح بن الخلود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح.
وقال ابن إسحاق: هو هود بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح واتفقوا على أن هودًا عليه الصلاة والسلام لم يكن أخاهم في الدين ثم اختلفوا في سبب الأخوّة من أين حصلت فقيل إنه كان واحدًا من القبيلة فيتوجه قوله أخاهم لأنه واحد منهم وقيل إنه لم يكن من القبيلة ثم ذكروا في تفسير هذه الإخوة وجهين:
الأول: قال الزجاج: إنه كان من بني آدم ومن جنسهم لا من الملائكة ويكفي هذا القدر في تسمية الأخوة.
والمعنى إنّا أرسلنا إلى عاد واحدًا من جنسهم من البشر ليكون الفهم والأنس بكلامه أتم وأكمل ولم نبعث إليهم من غير جنسهم مثل الملك أو الجن.
والثاني: إنه أخاهم يعني صاحبهم والعرب تسمي صاحب القوم أخاهم وكانت منازل عاد بالأحقاف باليمن والأحقاف الرمل الذي عند عمان وحضرموت {قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} أي اعبدوا الله وحده ولا تجعلوا معه إلهًا آخر فإنه ليس لكم إله غيره والفرق بين قوله في قصة نوح وهنا قال إن نوحًا كان مواظبًا على دعوة قومه غير متوان فيه لأن الفاء تدل على التعقيب.
وأما هود فلم يكن كذلك بل كان دون نوح في المبالغة في الدعاء فأخبر الله تعالى عند بقوله: {قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} {أفلا تتقون} يعني أفلا تخافون عقابه بعبادتكم غيره ولما كانت هذه القصة منسوقة على قصة قوم نوح وقد علموا ما حل بهم من الفرق حسن قوله هنا.
أفلا تتقون يعني أفلا تخافون ما نزل بهم العذاب ولم يكن قبل واقعة قوم نوح شيء حسن تخويفهم من العذاب فقال هناك إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم. اهـ.