فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

{قَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ} جهالة وضلالة بتركك ديننا {وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين} إنّك رسول الله إلينا وأن العذاب نازل بنا. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {قال الملأ} الآية، تقدم القول في مثل هذه المقالة آنفًا، والسفاهة مصدر عبر به عن الحال المهلهلة الرقيقة التي لا ثبات لها ولا جودة، والسفه، في الثوب خفة نسجه، ومنه قول الشاعر: [الطويل] [ذي الرمة]
مشين كما اهتزت رماح تسفهت ** أعاليها مرُّ الرياح النواسم

وقولهم: {لنظنك} هو ظن على بابه لأنهم لم يكن عندهم إلا ظنون وتخرص. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {إنا لنراك في سفاهة}.
قال ابن قتيبة: السفاهة: الجهل.
وقال الزجاج: السفاهة: خِفَّة الحُلم والرأي؛ يقال: ثوب سفيه: إذا كان خفيفًا.
{وإنا لنظنك من الكاذبين} فكفروا به، ظانَّين، لا مستيقنين. اهـ.

.قال القرطبي:

{إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ} أي في حمق وخفة عقل.
قال:
مَشَيْنَ كما اهتزّتْ رِماحٌ تسفّهتْ ** أعالِيهَا مَرُّ الرياح النَّواسِم

وقد تقدّم هذا المعنى في البقرة.
والرؤية هنا وفي قصة نوح قيل: هي من رؤية البصر.
وقيل: يجوز أن يراد بها الرأي الذي هو أغلب الظن. اهـ.

.قال الخازن:

{قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة} يعني إنا لنراك يا هود في حمق وجهالة وضلالة عن الحق.
والصواب: أخبر الله تعالى عن قومه نوح أنهم قالوا له إنا لنراك في ضلال مبين وأخبر عن قوم هود أنهم قالوا إنا لنراك في سفاهة والفرق بينهما أن نوحًا لما خوف قومه بالطوفان وطفق في عمل السفينة قال له قومه عند ذلك إنا لنراك في ضلال مبين حيث تتعب في إصلاح سفينة في أرض ليس فيها من الماء شيء وأما هود عليه السلام فإنه لما زيف عبادة الأصنام ونسب من عبدها إلى السفه وهو قلة العقل قابلوه بمثله فقالوا إنا لنراك في سفاهة {وإنا لنظنك من الكاذبين} يعني في ادعائك أنك رسول من عند الله. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قال الملأ الذين كفروا من قومه إنا لنراك في سفاهة وإنا لنظّنك من الكاذبين}.
أتى بوصف {الملأ} بالذين كفروا ولم يأتِ بهذا الوصف في قوم نوح لأنّ قوم هود كان في أشرافهم من آمن به منهم مرثد بن سعد بن عفير ولم يكن في أشراف قوم نوح مؤمن ألا ترى إلى قولهم: {وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا} وقولهم: {أنؤمن لك واتبعك الأرذلون} ويحتمل أن يكون وصفًا جاء للذم لم يقصد به الفرق ولنراك يحتمل أن يكون من رؤية العين ومن رؤية القلب كما تقدم القول في قصة نوح و{في سفاهة} أي في خفة حلم وسخافة عقل حيث تترك دين قومك إلى دين غيره وفي سفاهة يقتضي أنه فيها قد احتوت عليه كالظرف المحتوي على الشيء ولما كان كلام نوح لقومه أشد من كلام هود تقوية لقوله: {إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم} كان جوابهم أغلظ وهو {إنا لنراك في ضلال مبين} وكان كلام هود ألطف لقوله: {أفلا تتقون} فكان جوابهم له ألطف من جواب قوم نوح لنوح بقولهم: {إنا لنراك في سفاهة} ثم أتبعوا ذلك بقولهم: {وإنا لنظّنك من الكاذبين} فدل ذلك على أنه أخبرهم بما يحل بهم من العذاب إن لم يتقوا الله أو علّقوا الظن بقوله: {ما لكم من إلهٍ غيره} أي إنّ لنا آلهة فحصرها في واحد كذب.
وقيل: الظن هنا بمعنى اليقين أو بمعنى ترجيح أحد الجائزين قولان للمفسرين والثاني للحسن والزّجاج، وقال الكرماني: خوّف نوح الكفار بالطوفان العام واشتغل بعمل السفينة فقالوا: {إنا لنراك في ضلالٍ مبينٍ} حيث تتعب نفسك في إصلاح سفينة كبيرة في مفازة ليس فيها ماء ولم يظهر ما يدل على ذلك وهو رديف عبادة الأوثان ونسب قومه في السفاهة فقابلوه بمثل ذلك. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ}.
استئنافٌ كما مر وإنما وُصف الملأُ بالكفر إذْ لم يكن كلُّهم على الكفر كملأ قومِ نوحٍ بل كان منهم من آمن به عليه السلام ولكن كان يكتُم إيمانَه كمرثد بن سعد، وقيل: وُصفوا به لمجرد الذم {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ} أي متمكنًا في خِفّة عقلٍ راسخًا فيها حيث فارقتَ دينَ آبائِك، ألا إنهم هم السفهاءُ ولكن لا يعلمون {وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين} أي فيما ادعيْتَ من الرسالة، قالوه لعراقتهم في التقليد وحِرمانِهم من النظر الصحيح. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالَ الملأ الذين كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ}.
حيث قيد هنا الملأ المعاند بمن كفر وأطلق هناك، وقد صرحوا بأن هذا الوصف لأنه لم يكن كلهم على الكفر بل من أشرافهم من آمن به عليه السلام كمرثد بن سعد الذي كان يكتم إيمانه ولا كذلك قوم نوح ومن آمن به عليه السلام منهم لم يكن من الأشراف كما هو الغالب في أتباع الرسل عليهم السلام، وقيل إنه وقت مخاطبة نوح عليه السلام لقومه لم يكونوا آمنوا بخلاف قوم هود ومثله كما قال الشهاب يحتاج إلى نقل.
واعترض المولى بهاء الدين على تلك التفرقة بين القومين بأنه قد جاء في سورة المؤمنين (32) وصف قوم نوح بما وصف به قوم هود هنا فكيف تتأتى هذه التفرقة؟ وأجيب بأن الوصف هناك محمول على أنه للذم لا للتمييز وإنما لم يذم هاهنا للإشارة إلى التفرقة.
وقال الطيبي: يمكن أن يقال: إن الوصف هنا للذم أيضًا ومقتضى المقام يقتضي ذمهم لشدة عنادهم كما يدل عليه جوابهم بما حكاه الله تعالى من قولهم: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ} أي متمكنًا في خفة عقل راسخًا فيها حيث فارقت دين آبائك.
{وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين} حيث ادعيت الرسالة وهو أبلغ من كاذبًا كما مرت الإشارة إليه.
والظن إما على ظاهره كما قال الحسن والزجاج وإما بمعنى العلم كما قيل، وذلك لأنهم قالوا ما قالوا مع كونه عليه السلام معروفًا بينهم بضد ذلك ولا يقتضي ذم قوم نوح عليه السلام وحيث اقتضى في سورة المؤمنين ذمهم ذمهم لأنهم قالوا كما قصه سبحانه وتعالى هناك: {مَا هذا إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاء الله لأنزَلَ ملائكة مَّا سَمِعْنَا بهذا في ءابَائِنَا} [المؤمنون: 24، 25] وقال بعضهم: إن الظاهر أن ما نقل هنا عن قوم نوح عليه السلام مقالتهم في مجلس أو مقالة بعضهم وما نقل في سورة المؤمنين مقالتهم في مجلس آخر أو مقالة آخرين فروعي في المقامين مقتضى كل من المقالتين. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}.
والرّؤية قلبيّة، أي أنّا لنعلم أنّك في سفاهة.
والسّفاهة سخافة العقل، وقد تقدّم القول في هذه المادة عند قوله تعالى: {قالوا أنؤمن كما آمن السّفهاء} [البقرة: 13] وقوله: {ومن يرغب عن ملّة إبراهيم إلاّ من سفَه نفسه} في سورة البقرة (130).
جعلوا قوله: {ما لكم من إله غيره} كلامًا لا يصدر إلاّ عن مختل العقل لأنّه من قول المحال عندهم.
وأطلقوا الظنّ على اليَقين في قولهم: {وإنَّا لنظنّك من الكاذبين} وهو استعمال كثير كما في قوله تعالى: {الذين يظنّون أنّهم ملاقوا ربّهم} وقد تقدّم في سورة البقرة (46)، وأرادوا تكذيبه في قوله: {ما لكم من إله غيره}، وفيما يتضمّنه قولُه ذلك من كونه رسولًا إليهم من الله.
وقد تشابهت أقوال قوم هود وأقوالُ قوم نوح في تكذيب الرّسول لأنّ ضلالة المكذّبين متّحدة، وشبهاتهم متّحدة، كما قال تعالى: {تشابهت قلوبهم} [البقرة: 118] فكأنّهم لَقَّن بعضُهم بعضًا كما قال تعالى: {أتوَاصَوْا به بل هم قوم طاغون} [الذاريات: 53]. اهـ.

.قال الشعراوي:

{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ (66)}.
في هذه الآية جاء قوله: {الذين كَفَرُواْ}، وفي قصة نوح قال سبحانه: {قَالَ الملأ مِن قَوْمِهِ} ولم يأت فيها بالذين كفروا، لأن قوم نوح لم يكن فيهم من آمن وكتم إيمانه وأخفاه، بخلاف عاد قوم هود فإنه كان فيهم رجل اسمه مرثد بن سعد آمن وكتم وستر إيمانه، فيكون قوله تعالى في شأنهم: {الذين كَفَرُواْ} قد جاء مناسبا للمقام، لأن فيهم مؤمنا لم يقل ما قولوا من رميهم لسيدنا هود بالسفاهة حيث قالوا ما حكاه الله عنهم بقوله: {... إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين} [الأعراف: 66].
أما قوم نوح فقد قالوا: {... إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ} [الأعراف: 60].
فقال لهم نوح عليه السلام: {قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي ضَلاَلَةٌ...} [الأعراف: 61].
ما الفرق بين الضلال والسفاهة؟
الضلال هو مجابنة حق، والسفاهة طيش وخفة وسخافة عقل، وأضافت عاد اتهامًا آخر لسيدنا هود: {وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكاذبين}.
والظن رجحان الأمر بدون يقين، فهناك راجح، ومرجوح، أو أن الظن هنا هو التيقن. على حد قوله سبحانه: {الذين يَظُنُّونَ أَنَّهُم ملاقوا رَبِّهِمْ...} [البقرة: 46].
أي يتيقنون، وجاء بالرد من سيدنا هود: {قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ...}. اهـ.

.تفسير الآية رقم (67):

قوله تعالى: {قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (67)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما قابلوا لينته لهم وشفقته عليهم بهذه الغلطة، أعرض عن ذلك وعاملهم من الحلم بضد ما سموه به بأن {قال} معلمًا الأدب في مخاطبة السفهاء {يا قوم} مذكرًا بما بينهم من النسب الداعي إلى الود والمناصحة والعطف والملاطفة {ليس بي سفاهة} فنفى أن يكون به شيء من خفة حلم، فانتقى أن يكون كاذبًا لأن الداعي إلى الكذب الخفة والطيش فلم يحتج إلى تخصيصه بنفي.
ولما نفى السفاهة، أثبت ما يلزم منه ضدها بقوله: {ولكني رسول} وبين المرسل تعظيمًا للأمر بقوله: {من رب العالمين} أي المحسن إليهم بعد نعمة الإيجاد والأرزاق بإرسال الرسل إليهم ليكسبوهم معالي الأخلاق التي بها انتظام نعمة الإبقاء. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

واعلم أن القوم لما قالوا له: {إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ} فهو لم يقابل سفاهتهم بالسفاهة بل قابلها بالحلم والإغضاء ولم يزد على قوله: {لَيْسَ بِى سَفَاهَةٌ} وذلك يدل على أن ترك الانتقام أولى كما قال: {وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغْوِ مَرُّواْ كِرامًا} [الفرقان: 72].
أما قوله: {وَلَكِنّي رَسُولٌ مِن رَّبّ العالمين} فهو مدح للنفس بأعظم صفات المدح.
وإنما فعل ذلك لأنه كان يجب عليه إعلام القوم بذلك، وذلك يدل على أن مدح الإنسان نفسه إذا كان في موضع الضرورة جائز. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

{قال يا قوم ليس بي سَفاهة}.
هذا موضع أدب للخلق في حسن المخاطبة، فانه دفع ما سبُّوه به من السفاهة بنفيه فقط. اهـ.