فصل: قال القاسمي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والتعبير بالماضي لتنزيل المتوقع منزلة الواقع كما في قوله تعالى: {أتى أمر الله} [النحل: 1].
{مِّنْ رَّبِّكُمْ} أي من قبل مالك أمركم سبحانه وتعالى.
والجار والمجرور قيل: متعلق بمحذوف وقع حالًا مما بعد، والظاهر أنه متعلق بالفعل قبله، وتقديم الظرف الأول عليه مع أن المبدأ متقدم على المنتهي كما قال شيخ الإسلام للمسارعة إلى بيان إصابة المكروه لهم، وكذا تقديمهما على الفاعل وهو قوله تعالى: {رجْسٌ} مع ما فيه من التشويق إلى المؤخر ولأن فيه نوع طول بما عطف عليه من قوله تعالى: {وَغَضَبٌ} فربما يخل تقديمهما بتجاوب النظم الكريم.
والرجس العذاب وهو بهذا المعنى في كل القرآن عند ابن زيد من الارتجاس وهو والارتجاز بمعنى حتى قيل: إن أصله ذلك فأبدلت الزاي سينًا كما أبدلت السين تاء في قوله:
ألا لحى الله بني السعلات ** عمرو بن يربوع شرار النات

ليسوا بأعفاف ولا أكيات

فإنه أراد الناس وأكياس.
وأصل معناه الاضطراب ثم شاع فيما ذكر لاضطراب من حل به، وعليه فالعطف في قوله:
إذا سنة كانت بنجد محيطة ** وكان عليهم رجسها وعذابها

للتفسير.
والغضب عند كثير بمعنى إرادة الانتقام.
وعن ابن عباس أنه فسر الرجس باللعنة والغضب بالعذاب وأنشد له البيت السابق وفيه خفاء.
والذاهبون إلى ما تقدم إنما لم يفسروه بالعذاب لئلا يتكرر مع ما قبله، ولا يبعد أن يفسر الرجس بالعذاب والغضب باللعن والطرد على عكس ما نسب إلى ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ويكون في الكلام حينئذٍ إشارة إلى حالهم في الأولى والأخرى.
ويمكن إرجاع ما ذكره الكثير من المفسرين إلى هذا وإلا فالظاهر أنه لا لطافة في قولك: وقع عليهم عذاب وإرادة انتقام على ظاهر كلامهم.
وأيًا ما كان فالتنوين للتفخيم والتهويل.
{أَتُجَادلُونَني في أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَءَابَاؤُكُمْ} إنكار واستقباح لإنكارهم مجيئه عليه السلام داعيًا لهم إلى عبادة الله تعالى وحده وترك ما كان يعبد آباؤهم من الأصنام والأسماء عبارة عن تلك الأصنام الباطلة، وهذا كما يقال لما لا يليق ما هو إلا مجرد اسم، والمعنى أتخاصمونني في مسميات وضعتم لها أسماء لا تليق بها فسميتموها آلهة من غير أن يكون فيها من مصداق الإلهية شيء ما لأن المستحق للمعبودية ليس إلا من أوجد الكل وهي بمعزل عن إيجاد ذرة وأنها لو استحق لكان ذلك بجعله تعالى إما بإنزال آية أو نصب حجة وكلاهما مستحيل وذلك قوله تعالى: {مَا نَزَّلَ الله بهَا منْ سُلْطَان} أي حجة ودليل وحيث لم يكن ذلك في حيز الإمكان تحقق بطلان ما هم عليه.
والذم الذي يفهمه الكلام متوجه إلى التسمية الخالية عن المعنى المشحونة بمزيد الضلالة والغواية والافتراء العظيم، وقيل: إنهم سموها خالقة ورازقة ومنزلة المطر ونحو ذلك.
والضمير المنصوب في {سميتموها} راجع لأسماء وهو على ما قيل المفعول الأول والمفعول الثاني محذوف حسبما أشير إليه.
وقيل: المفعول الأول محذوف والضمير هو المفعول الثاني والمراد سميتم أصنامكم بها.
وقيل: المراد من سميتموها وصفتموها فلا حاجة له إلى مفعولين، وحمل الآية على ما ذكر أولًا في تفسيرها هو الذي اختاره جمع وجوز بعضهم أن يكون الكلام على حذف مضاف أي أتجادلونني في ذوي أسماء.
وادعى آخرون جواز أن يكون فيه صنعة الاستخدام.
واستدل بالآية من قال: إن الاسم عين المسمى ومن قال: إن اللغات توقيفية إذ لو لم تكن كذلك لم يتوجه الإنكار والإبطال بأنها أسماء مخترعة لم ينزل الله تعالى بها سلطانًا، ولا يخفى عليك ما في ذلك من الضعف.
{فانتظروا} نزول العذاب الذي طلبتموه بقولكم: {فأتنا بما تعدنا} [الأعراف: 70] لما وضح الحق وأنتم مصرون على العناد والجهالة {إنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين} لنزوله بكم.
والفاء في {فانتظروا} للترتيب على ما تقدم. اهـ.

.قال القاسمي:

{قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ} أي: عذاب، والرجس والرجز بمعنى، حتى قيل إن أحدهما مبدل من الآخر، كالأسد والأزد. وأصل معناه الإضطراب، يقال: رجست السماء: رعدت شديدًا وتمخضت، وهم في مرجوسة من أمرهم، أي: في اختلاط والتباس، ثم شاع في العذاب لاضطراب من حل به.
وادعى بعضهم أن الرجس بمعنى العذاب مجاز، قال: لأنه حقيقة في الشيء القذر، فاستعير لجزائهم.
وظاهر اللغة أنه حقيقة، ووجه التعبير بالماضي عما سيقع، تنزيل المتوقع كالواقع كما في: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلا}.
{وَغَضَبٌ} أي: سخط لإشراكهم معه من هو في غاية النقص، في أعلى كمالاته التي هي الإلهية.
{أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤكُم} أي: في أشياء ما هي إلا أسماء وليس تحتها مسميات، لأنكم تسمونها آلهة، ومعنى الإلهية فيها معدوم ومُحال وجوده. وهذا كقوله تعالى: {مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ}- كذا في الكشاف-.
قال الشهاب: جعل الأسماء عبارة عن الأصنام الباطلة، كما يقال لما لا يليق: ما هو إلا مجرد إسم، فالمعنى: والضمير حينئذ راجع لأسماء وهي المفعول الأول للتسمية، والثاني آلة، ولو عكس لزم الإستخدام. انتهى.
وقوله تعالى: {مَّا نَزَّلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ} أي: حجة ودليل على هذه التسمية، لأن المستحق للمعبودية بالذات ليس إلا من أوجد الكل، وإنها لو استحقت لكان ذلك بجعله تعالى، إما بإنزال آية أو نصب حجة وكلاهما مستحيل، فتحقق بطلان ما هم عليه.
قال الجشمي: دلت الآية على فساد التقليد، حين ذمهم بسلوك طريقة آبائهم. وتدل على أن المعارف مكتسبة، وتدل على بطلان كل مذهب لا دليل عليه.
ويدل قوله: {أَتُجَادِلُونَنِي} على أن المبطل مذموم في جداله، والواجب عليه النظر ليعرف الحق. انتهى.
وقال القاضي: بين تعالى أن منتهى حجتهم وسندهم، أن الأصنام تسمى آلهة من غير دليل يدل على تحقيق المسمى، وإسناد الإطلاق إلى من لا يؤبه بقوله، إظهارًا لغاية جهالتهم، وفرط غباوتهم.
{فَانتَظِرُواْ} أي: نزول العذاب الذي طلبتموه بقولكم: {فَأْتِنا بِما تَعِدُنَا}، لأنه وضح الحق، وأنتم مصرون على العناد.
{إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ} أي: لما يحل بكم.
قال المهايمي: جاء منتظرهم بحيث لا ينجو منه بمجرى العادة أحد، وجعل من قبيل الريح التي تتقدم الأمطار، لكفرهم برياح الإرسال. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والأظهر أنّ: {وقع} معناه حَق وثبت، من قولهم للأمر المحقّق: هذا وَاقع، وقولهم للأمر المكذوب: هذا غير واقع، فالمعنى حَقّ وقُدر عليكم رجس وغضب.
فالرّجس هو الشّيء الخبيث، أطلق هنا مجازًا على خبث الباطن، أي فساد النّفس كما في قوله تعالى: {فزادتهم رجسًا إلى رجسهم} [التوبة: 125] وقوله: {كذلك يجعل الله الرّجس على الذين لا يؤمنون} [الأنعام: 125].
والمعنى أصاب الله نفوسهم بالفساد لكفرهم فلا يقبلون الخير ولا يصيرون إليه، وعن ابن عبّاس أنّه فَسَّر الرّجس هنا باللّعنة، والجمهور فسّروا الرّجس هنا بالعذاب، فيكون فعل: {وقَعَ} من استعمال صيغة المضي في معنى الاستقبال، إشعارًا بتحقيق وقوعه؟ ومنهم من فسّر الرّجس بالسّخط، وفسّر الغضب بالعذاب، على أنّه مجاز مرسَل لأنّ العذاب أثر الغضب، وقد أخبَر هود بذلك عن علم بوحي في ذلك الوقت أو من حين أرسله الله، إذْ أعلمه بأنّهم إن لم يرجعوا عن الشّرك بعد أن يُبَلِّغهم الحجّة فإنّ عدم رجوعهم علامة على أنّ خبث قلوبهم متمكّن لا يزول، ولا يرجى منهم إيمان، كما قال الله لنوح: {لن يُؤمن من قومك إلاّ مَن قد آمن} [هود: 136].
وغضب الله تقديره: الإبعاد والعقوبة والتّحقير، وهي آثار الغضب في الحوادث، لأنّ حقيقة الغضب: انفعال تنشأ عنه كراهيّة المغضوب عليه وإبعادُه وإضراره.
وتأخير الغضب عن الرّجس لأنّ الرّجس، وهو خبث نفوسهم، قد دلّ على أنّ الله فطرهم على خبث بحيث كان استمرارهم على الضّلال أمرًا جِبلّيًا، فدلّ ذلك على أنّ الله غضب عليهم.
فوقوع الرجس والغضب عليهم حاصل في الزّمن الماضي بالنّسبة لوقت قول هود.
واقترانُه بـ {قد} للدّلالة على تقريب زمن الماضي من الحال: مثل قَد قامت الصّلاة.
وتقديم: {عليكم من ربّكم} على فاعل الفعل للاهتمام بتعجيل ذكر المغضوب والغاضب، إيقاظًا لبصائرهم لعلّهم يبادرون بالتّوبة، ولأنّ المجرورين متعلّقان بالفعل فناسب إيلاؤهما إياه، ولو ذُكرا بعد الفاعل لتُوهِّم أنّهما صفتان له، وقدم المجرور الذي هو ضميرهم، على الذي هو وصف ربّهم لأنّهم المقصود الأوّل بالفعل.
ولمّا قَدّم إنذارهم بغضب الله عاد إلى الاحتجاج عليهم بفساد معتقدهم فأنكر عليهم أن يجادلوا في شأن أصنامهم.
والمجادلة: المحاجة.
وعبّر عن الأصنام بأنّها أسماء، أي هي مجرّد أسماء ليست لها الحقائق التي اعتقدوها ووضعوا لها الأسماء لأجل استحضارها، فبذلك كانت تلك الأسماء الموضوعة مجرّد ألفاظ، لانتفاء الحقائق التي وضعوا الأسماء لأجلها.
فإنّ الأسماء توضع للمسمّيات المقصودة من التّسمية، وهم إنّما وضعوا لها الأسماء واهتمّوا بها باعتبار كون الإلهيّة جزءًا من المسمَّى الموضوع له الاسم، وهو الدّاعي إلى التّسميّة، فمعاني الإلهية وما يتبعها ملاحظةٌ لمن وَضَع تلك الأسماء، فلمّا كانت المعاني المقصودة من تلك الأسماء منتفية كانت الأسماء لا مسمّياتتٍ لها بذلك الاعتبار، سواء في ذلك ما كان منها له ذوات وأجسام كالتّماثيل والأنصاب، وما لم تكن له ذات، فلعلّ بعص آلهة عاد كان مجرّد اسم يذكرونه بالإلهيّة ولا يجعلون له تمثالًا ولا نُصبًا، مثل ما كانت العزى عند العرب، فقد قيل: إنهم جعلوا لها بيتًا ولم يجعلوا لها نصبًا وقد قال الله تعالى في ذلك: {إن هي إلاّ أسماء سمّيتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان} [النجم: 23].
وذكر أهل الأخبار أنّ عادا اتّخذوا أصنامًا ثلاثة وهي صَمُود بفتح الصّاد المهملة بوزن زَبُور.
و{صُداء} بضمّ الصّاد المهملة مضبوطًا بخط الهَمَذاني محشي الكشاف في نسخة من حاشيته المسمّاة توضيح المشكلات ومنسوخة بخطّه، وبدال مهملة بعدها ألف ولم أقف على ضبط الدّال بالتّشديد أو بالتّخفيف: وقد رأيت في نسخة من الكشاف مخطوطة موضوعًا على الدّال علامة شدّ، ولستُ على تمام الثّقة بصحّة النّسخة، وبعد الألف همزة كما هو في نسخ الكشاف وتفسير البغوي، وكذلك هو في أبيات موضوعة في قصّة قوم عاد في كتب القَصص.
ووقع في نسخة تفسير ابن عطيّة وفي مروج الذّهب للمسعودي، وفي نسخه من شرح ابن بدرون على قصيدة ابن عبدون الأندلسِي بدون همزة بعد الألف.