فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الألوسي:

{وإلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالحا}.
عطف على ما سبق من قوله تعالى: {وإلى عَادٍ أَخَاهُمْ} [الأعراف: 65] موافق له في تقديم المجرور على المنصوب، وثمود قبيلة من العرب كانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى وسميت باسم أبيهم الأكبر ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح، وقيل: ابن عاد بن عوص بن إرم إلخ وهو المنقول عن الثعلبي.
وقال عمرو بن العلاء: إنما سموا بذلك لقلة مائهم فهو من ثمد الماء إذا قل، والثمد الماء القليل وورد فيه الصرف وعدمه، أما الأول: فباعتبار الحي أو لأنه لما كان في الأصل اسمًا للجد أو للقليل من الماء كان مصروفًا لأنه علم مذكر أو اسم جنس فبعد النقل حكى أصله، وأما الثاني: فباعتبار أنه اسم القبيلة ففيه العلمية والتأنيث.
وصالح عليه السلام من ثمود فالأخوة نسبية، وهو على ما قال محيي السنة البغوي ابن عبيد بن آسف بن ماشح بن عبيد بن حاذر بن ثمود وهو أخو طسم وجديس فيما قيل، وقال وهب: هو ابن عبيد بن جابر بن ثمود بن جابر بن سام بن نوح بعث إلى قومه حين راهق الحلم وكان رجلًا أحمر إلى البياض سبط الشعر فلبث فيهم أربعين عامًا.
وقال الشامي: إنه بعث شابًا فدعا قومه حتى شمط وكبر، ونقل النووي أنه أقام فيهم عشرين سنة ومات بمكة وهو ابن ثمان وخمسين سنة.
{قَالَ يَاءادَمُ قَوْمٌ اعبدوا الله مَا لَكُم مّنْ إله غَيْرُهُ} قد مر الكلام في نظائره {قَدْ جَاءتْكُم بَيّنَةٌ} أي آية ومعجزة ظاهرة الدلالة شاهدة بنبوتي وهي من الألفاظ الجارية مجرى الأبطح والأبرق في الاستغناء عن ذكر موصوفاتها حالة الإفراد والجمع، والتنوين للتفخيم أي بينة عظيمة {مّن رَّبّكُمْ} متعلق بمحذوف وقع صفة لبينة على ما مر غير مرة أو بجاءتكم، و{مِنْ} لابتداء الغاية مجازًا أو للتبعيض إن قدر من بينات ربكم، والمراد بهذه البينة الناقة وليس هذا الكلام منه عليه السلام أول ما خاطبهم به إثر الدعوة إلى التوحيد بل إنما قاله بعدما نصحهم وذكرهم بنعم الله تعالى فلم يقبلوا كلامه وكذبوه كما ينبئ عن ذلك ما في سورة هود (16).
وقوله تعالى: {هذه نَاقَةُ الله لَكُمْ ءايَةً} استئناف نحوي مسوق لبيان البينة والمعجزة.
وجوز أن يكون استئنافًا بيانيًا جوابًا لسؤال مقدر تقديره أين هي؟ وعلى التقديرين لا محل للجملة من الإعراب.
وجوز أن يكون بدلًا من {بَيّنَةً} بدل جملة من مفرد للتفسير ولا يخفى بعده، وإضافة الناقة إلى الاسم الجليل لتعظيمها كما يقال: بيت الله للمسجد بيد أن الإضافة فيه لأدنى ملابسة ولا كذلك ما نحن فيه أو لأنها ليست بواسطة نتاج معتاد وأسباب معهودة كما سيتضح إن شاء الله تعالى لك ولذلك كانت آية وأي آية.
وقيل: لأنها لم يملكها أحد سواه سبحانه.
وقيل: لأنها كانت حجة الله على قوم صالح.
وانتصاب {ءايَةً} على الحالية من {نَاقَةُ} والعامل فيها معنى الإارة وسماه النحاة العامل المعنوي و{لَكُمْ} بيان لمن هي آية له كما في سقيا لك فيتعلق بمقدر.
وجوز أن يكون {نَاقَةُ} بدل من {هذه} أو عطف بيان له أو مبتدأ ثانيًا و{لَكُمْ} خبرًا فآية حينئذٍ حال من الضمير المستتر فيه والعامل هو أو متعلقه.
{فَذَرُوهَا} تفريع على كونها آية من آيات الله تعالى.
وقيل: على كونها ناقة له سبحانه فإن ذلك مما يوجب عدم التعرض لها أي فاتركوها {تَأْكُلْ في أَرْضِ الله} العشب وحذف للعلم به.
والفعل مجزوم لأنه جواب الأمر.
وقرأ أبو جعفر في رواية عنه {تَأْكُلُ} بالرفع فالجملة حالية أي آكلة.
والجار والمجرور متعلق بما عنده أو بالأمر السابق فهما متنازعان.
وأضيفت الأرض إلى الله سبحانه قطعًا لعذرهم في التعرض كأنه قيل: الأرض أرض الله تعالى والناقة ناقة الله تعالى فذروا ناقة الله تأكل في أرضه فليست الأرض لكم ولا ما فيها من النبات من إنباتكم فأي عذر لكم في منعها.
وعدم التعرض للشرب للاكتفاء عنه بذكر الأكل.
وقيل: لتعميمه له أيضًا كما في قوله:
علفتها تبنًا وماءً باردًا

وقد ذكر ذلك بقوله سبحانه: {لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ} [الشعراء: 155].
{وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء} نهى عن المس الذي هو مقدمة الإصابة بالشر الشامل لأنواع الأذى مبالغة في الزجر فهو كقوله تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ اليتيم} [الأنعام: 152، والإسراء: 34].
والجار والمجرور متعلق بالفعل.
والتنكير للتعميم أي لا تتعرضوا لها بشيء مما يسوؤها أصلًا كالطرد والعقر وغير ذلك.
وقيل: الجار والمجرور متعلق بمحذوف وقع حالًا من فاعل الفعل.
والمعنى لا تمسوها مع قصد السوء بها فضلًا عن الإصابة فهو كقوله تعالى: {لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنتُمْ سكارى} [النساء: 43].
{فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} منصوب في جواب النهي.
والمعنى لا تجمعوا بين المس وأخذ العذاب إياكم.
والأخير وإن لم يكن من صنيعهم حقيقة لكن لتعاطيهم أسبابه كأنه من صنيعهم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.
الواو في قوله: {وإلى ثمود} مثلها في قوله: {وإلى عاد أخاهم هودًا} [الأعراف: 65]، وكذلك القول في تفسيرها إلى قوله تعالى: {من إله غيره}.
وثمود أمّة عظيمة من العرب البائدة وهم أبناء ثمود بن جَاثَر بجيم ومثلّثة كما في القاموس ابن إرَم بن سام بن نوح فيلتقون مع عاد في إرَم وكانت مساكنهم بالحِجْر بكسر الحاء وسكون الجيم بَين الحجاز والشّام، وهو المكان المسمّى الآن مَدائِن صالح وسُمّي في حديث غزوة تبوك: حِجْرَ ثَمُودَ.
وصالحٌ هو ابن عَبِيل بلام في آخره وبفتح العينْ ابن آسف بن ماشج أو شالخ بن عَبيل بن جاثر ويقال كاثرَ ابن ثمود.
وفي بعض هذه الأسماء اختلاف في حروفها في كتب التاريخ وغيرها أحسبه من التّحريف وهي غير مضبوطة سوى عبيل فإنّه مضبوط في سَميه الذي هو جَد قبيلةٍ، كما في القاموس.
وثمودَ هنا ممنوع من الصّرف لأنّ المراد به القبيلة لا جدّها.
وأسماء القبائل ممنوعة من الصّرف على اعتبار التّأنيث مع العلميّة وهو الغالب في القرآن، وقد ورد في بعض آيات القرآن مصروفًا كما في قوله تعالى: {ألاَ إنّ ثمودًا كفروا ربّهم} [هود: 68] على اعتبار الحيّ فينتفي موجب منع الصّرف لأنّ الاسم عربي.
وقوله: {ما لكم من إله غيره} يدلّ على أنّ ثمود كانوا مشركين، وقد صُرح بذلك في آيات سورة هود وغيرها.
والظّاهر أنّهم عبدوا الأصنام التي عبدتها عاد لأنّ ثمود وعادا أبناء نسب واحد، فيشبه أن تكون عقائدهم متماثلة.
وقد قال المفسّرون: أنّ ثمود قامت بعد عاد فنمَتْ وعظمت واتسعت حضارتها، وكانوا مُوحدين، ولعلّهم اتّعظوا بما حلّ بعاد، ثمّ طالت مدّتهم ونعم عيشهم فَعَتوا ونسُوا نعمة الله وعَبَدوا الأصنام فأرسل الله إليهم صالحًا رسولًا يدعوهم إلى التّوحيد فلم يتَّبعه إلاّ قليل منهم مُستضعفون، وعصاه سادتهم وكبراؤهم، وذكر في آية سورة هود أنّ قومه لم يغلظوا له القول كما أغلظت قوم نوح وقوم هود لرسولهم، فقد: {قالوا يا صالح قد كنتَ فينا مرجُوّا قبل هذا أتَنْهَانا أن نعبد ما يَعْبُد آباؤُنا لفي شكّ ممَّا تدعُونا إليه مُريب} [هود: 62].
وتدلّ آيات القرآن وما فُسّرت به من القصص على أنّ صالحًا أجَّلهم مدّة للتّأمّل وجعل النّاقة لهم آية، وأنّهم تَارَكُوها ولم يُهيجوها زمنًا طويلًا.
فقد أشعرت مجادلتهم صالحًا في أمر الدّين على أنّ التّعقّل في المجادلة أخذ يدبّ في نفوس البشر، وأنّ غُلواءهم في المكابرة أخذت تقصر، وأنّ قناة بأسهم ابتدأت تلين، للفرق الواضح بين جواب قوم نوح وقوممِ هود، وبين جواب قوم صالح.
ومن أجل ذلك أمهلهم الله ومادّهم لينظروا ويفكّروا فيما يدعوهم إليه نبئهم ولِيَزِنوا أمرهم، وجعل لهم الانكفاف عن مسّ النّاقة بسوء علامة على امتداد الإمهال؛ لأنّ انكفافهم ذلك علامة على أنّ نفوسهم لم تحْنق على رسولهم، فرجاؤه إيمانهم مستمرّ، والإمهال لهم أقطعُ لعذرهم، وأنهض بالحجّه عليهم، فلذلك أخّر الله العذاب عنهم إكرامًا لنبيّهم الحريص على إيمانهم بقدر الطّاقة، كما قال تعالى لنوح: {إنّه لم يؤمن من قومك إلاّ من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون} [هود: 36].
وجملة: {قد جاءتكم بينة من ربكم} إلخ، هي من مقوللِ صالححٍ في وقت غير الوقت الذي ابتدأ فيه بالدّعوة، لأنّه قد طوي هنا جواب قومه وسُؤَالُهم إياه آية كما دلّت عليه آيات سورة هود وسورة الشّعراء، ففي سورة هود (61، 62): {قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثمّ تُوبوا إليه إنّ ربّي قريب مجيب قالوا يا صالح قد كنتَ فِينا مرجُوّا قبل هذا} الآية.
وفي سورة الشّعراء (153 155): {قالوا إنّما أنت من المسحرين ما أنت إلاّ بشر مثلنا فأتتِ بآية إن كنت من الصّادقين قال هذه ناقة لها شرب} الآية.
فجملة: {قد جاءتكم بينة من ربكم} تعليل لجملة: {اعبدوا الله}، أي اعبدوهُ وحده لأنّه جعل لكم آية على تصديقي فيما بلغتُ لكم، وعلى انفراده بالتّصرف في المخلوقات.
وقوله: {هذه ناقة الله} يقتضي أن النّاقة كانت حاضرة عند قوله: {قد جاءتكم بينة من ربكم} لأنّها نفس الآية.
والبيّنة: الحجّة على صدق الدّعوى، فهي ترادف الآية، وقد عُبّر بها عن الآية في قوله تعالى: {لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين مُنفكِّينَ حتى تأتيهم البيّنة} [البينة: 1].
و{هذه} إشارة إلى النّاقة التي جعلها الله آية لصدق صالح ولما كانت النّاقة هي البيّنة كانت جملة: {هذه ناقة الله لكم آية} منزّلة من التي قبلها منزلة عطف البيان.
وقوله: {آية} حال من اسم الإشارة في قوله: {هذه ناقة الله} لأنّ اسم الإشارة فيه معنى الفعل، واقترانَه بحرف التّنبيه يقوي شبهه بالفعل، فلذلك يكون عاملًا في الحال بالاتّفاق، وتقدّم عند قوله: {ذلك نتلوه عليك من الآيات} في سورة آل عمران (58)، وسنذكر قصّة في هذا عند تفسير قوله تعالى: {وهذا بعلي شيخًا} في سورة هود (72).
وأكّدت جملة: {قد جاءتكم بينة}، وزادت على التّأكيد إفادةُ ما اقتضاه قوله: {لكم} من التّخصيص وتثبيت أنّها آية، وذلك معنى اللاّم، أي هي آية مقنِعة لكم ومجعولة لأجلكم.
فقوله: {لكم} ظرف مستقرّ في موضع الحال من {آية}، وأصله صفة فلمّا قُدم على موصوفه صار حالًا، وتقديمه للاهتمام بأنّها كافية لهم على ما فيهم من عناد.
وإضافة ناقة إلى اسم الله تعالى تشريف لها لأنّ الله أمر بالإحسان إليها وعدم التّعرّض لها بسوء، وعظَّم حرمتها، كما يقال: الكعبة بيت الله، أو لأنّها وُجدت بكيفية خارقة للعادة، فلانتفاء ما الشانُ أن تضاف إليه من أسباب وجود أمثالها أضيفت إلى اسم الجلالة كما قيل: عيسى عليه السّلام كلمةُ الله.
وأمّا إضافة {أرض} إلى اسم الجلالة فالمقصود منه أنّ للنّاقة حقًّا في الأكل من نبات الأرض لأنّ الأرض لله وتلك النّاقة من مخلوقاته فلها الحقّ في الانتفاع بما يصلح لانتفاعها.
وقوله: {هذَا} مقدمةٌ لقوله: {ولا تمسوها بسوء} أي بسوء يعوّقها عن الرّعي إمّا بموت أو بجرح، وإمّا لأنّهم لما كذّبوه وكذّبوا معجزته راموا منع النّاقة من الرّعي لتموت جوعا على معنى الإلجاء النّاشيء عن الجهالة.
والأرض هنا مراد بها جنس الأرض كما تقتضيه الإضافة.
وقد جعل الله سلامة تلك النّاقة علامة على سلامتهم من عذاب الاستيصال للحكمة التي قدّمتُها آنفًا، وأن ما أوصى الله به في شأنها شبيه بالحَرَم، وشبيه بحمى الملوك لما فيه من الدّلالة على تعظيم نفوس القوم لمن تُنسب إليه تلك الحُرمة، ولذلك قال لهم صالح: {فَذروها تأكلْ في أرض الله ولا تمسّوها بسوء} لأنّهم إذا مسّها أحد بسوء، عن رضى من البَقيّة، فقد دلُّوا على أنّهم خلعوا حرمة الله تعالى وحنقوا على رسوله عليه السّلام.
وجُزم {تأكل} على أنّ أصله جواب الأمر بتقدير: إنْ تذروها تأكُل، فالمعنى على الرّفع والاستعمالُ على الجزم، كما في قوله تعالى: {قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصّلاة} [إبراهيم: 31] أي يقيمون وهو كثير في الكلام، ويُشبه أن أصل جزم أمثاله في الكلام العربي على التّوهم لوجود فِعل الطّلب قبل فعلٍ صالح للجزم، ولعلّ منه قوله تعالى: {وأذّنْ في النّاس بالحجّ يأتوك رجالا} [الحج: 27] وانتصب قوله: {فيأخُذكم} في جواب النّهي لِيُعتبر الجواب للمنهي عنه لأنّ حرف النّهي لا أثر له: أي إن تمسُّوها بسوءٍ يأخذْكم عذاب.
وأنيط النّهي بالمس بالسّوء لأنّ المس يصدق على أقل اتّصال شيء بالجسم، فكلّ ما ينالُها ممّا يراد منه السّوء فهو منهي عنه، وذلك لأنّ الحيوان لا يسوؤه إلاّ ما فيه ألم لذاته، لأنّه لا يفقه المعاني النّفسانيّه.
والباء في قوله: {بسوء} للملابسة، وهي في موضع الحال من فاعل تَمسوها أي بقصد سوء. اهـ.