فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {مثلهم} مبتدأ و{كمثل} جار ومجرور خبره، فيتعلّق بمحذوف على قاعدة الباب، ولا مُبَالاة بخلاف من يقول: إنّ كاف التشبيه لا تتعلّق بشيء، والتقدير: مثلهم مستقر كَمَثَلِ.
وأجاز أبو البقاء وابن عطية أن تكون الكاف اسمًا هي الخبر، ونظيره قول الشاعر: البسيط:
أَتَنْتَهُونَ وَلَنْ يَنْهَى ذَوِي شَطَطٍ ** كَالطَّعْنِ يَذْهَبُ فيهِ الزَّيْتُ والفُتُلُ

وهذا مذهب الأخفش: يجيز أن تكون الكاف اسمًا مطلقًا.
وأما مذهل سيبويه فلا يُجِيزُ ذلك إلا في شعر، وأمّا تنظيره بالبيت فليس كما قال؛ لأنّ في البيت نضطر إلى جعلها اسمًا لكونها فاعلة، بخلاف الآية.
والذي ينبغي أن يقال: إن كاف التشبيه لها ثلاثة أحوال:
حال يتعيّن فيها أن تكون اسمًا، وهي ما إذا كانت فاعلة، أو مجرورة بحرف، أو إضافة.
مثال الفاعل: البسيط:
أَتَنْتَهونَ وَلَنْ يَنْهَى

البيت.
ومثال جَرِّها بحرف قول امرئ القَيْسِ: الطويل:
وَرُحْنَا بكَابْنِ المَاءِ يُجْنَبُ وَسْطَنَا ** تَصَوَّبُ فِيهِ العَيْنُ طَوْرًا وَتَرْتَقِي

وقوله: الوافر:
وَزَعْتُ بِكَالْهِرَاوَةِ أَعْوَجِيِّ ** إذَا وَنَتِ الرُّكَابُ جَرَى وَثابَا

ومثال جَرِّها بالإضافة قوله: السريع أو الرجز:
فَصُيِّرُوا مِثْلَ كَعَصْفٍ مَأْكُولْ

وحال يتعيّن أن تكون فيها حرفًا، وهي الواقعة صلة، نحو: جاء الذي كزيد؛ لأن جعلها اسما يستلزم حذف عائد مبتدأ من غير طول الصِّلة، وهذا ممتنع عند البصريين.
وحال يجوز فيها الأمران، وهي ما عدا ذلك نحو: زيد كعمرو.
وأبعد من جعلها زائدة في الآية الكريمة، أي: مثلهم مثل الذي، ونظّره بقوله: ونظّره يقوله: فَصُيِّرُوا مثل {كعصف} كأنه جعل المثل والمثل بمعنى واحد، والوجه أن المثل- هنا- بمعنى القصّة والتقدير: صفتهم وقصتهم كقصّة المستوقد، فليست زائدةً على هذا التأويل، وهذا جواب عن سؤال أيضًا، وهو أن يقال: قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذي استوقد} يقتضي تشبيه مثلهم مثل المستوقد، فما مثل المنافقين ومثل المُسْتَوْقِدِ حتّى شّبّه أحدهما بالآخر؟
فالجواب: أن يقال: استعير المثل للقصّة وللصفة إذا كان لها شأن وفيها غرابة، كأنه قيل: قصتّهم العجيبةُ كقصّة الذي استوقد نارًا، وكذا قوله: {مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون} [الرعد: 35] أي فيما قصصنا عليه من العَجَائب قصّة الجنّة العجيبة.
{وَلِلَّهِ المثل الأعلى} [النحل: 60] أي: الوصف الذي له شأن من العظمة والجلالة.
{مَثَلُهُمْ فِي التوراة} [الفتح: 29] أي: وصفهم وشأنهم المتعجّب منه، ولكن المَثَل- بالفتح- ولذلك حوفظ في لفظه فلم يغير.
و{الذي} في محلّ خفض بالإضافة، وهو موصول للمفرد المذكّر، ولكن المراد به- هنا- جمع ولذلك روعي مّعٍنَاه في قوله: {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ} فأعاد الضمير عليه جمعًا، والأولى أن يقال: إنَّ {الذي} وقع وصفًا لشيء يفهم الجمع، ثم حذف ذلك الموصوف للدّلالة عليه.
والتقدير: ومثلهم كمثل الفريق الذي استوقد، أو الجمع الذي اسْتَوْقَدَ؛ ويكون قد روعي الوصف مرة، فعاد الضمير عليه مفردًا في قوله: {استوقد نَارًا} و{حوله} والموصوف أخرى فعاد الضمير عليه مجموعًا في قوله: {بنورهم} و{تركهم}.
وقيل: إنَّ المنافقين ذاتهم لم يشبهوا بذات المُسْتوقد، وإنما شبهت قصّتهم بقصّة المستوقد، ومثله قوله: {مَثَلُ الذين حُمِّلُواْ التوراة ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الحمار} [الجمعة: 5]، وقوله: {يَنظُرُونَ إِلَيْكَ نَظَرَ المغشي عَلَيْهِ مِنَ الموت} [محمد: 20].
وقيل: المعنى: ومثل كل واحد منهم كقوله: {يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا} [غافر: 67] أي: يخرج كلّ واحد منكم.
ووهم أبو البقاء، فجعل هذه الآية من باب ما حذفت منه النُّون تخفيفًا، وأنّ الأصْل: {الذين} ثم خففت بالحذف، وكأنه مثل قوله تعالى: {وَخُضْتُمْ كالذي خاضوا} [التوبة: 69]، وقول الشاعر: الطويل:
وَإِنَّ الَّذي حَانَتْ بِفَلْجٍ دِمَاؤُهُمْ ** هُمُ القَمْمُ كُلُّ القَوْمِ يَا أُمُّ خَالِدِ

والأصل: كالذين خَاضُوا، وإنَّ الذين حانت.
وهذا وَهْم؛ لأنه لو كان من باب ما حذفت النون منه لوجب مُطَابقة الضمير جمعًا كما في قوله تعالى: {كالذي خاضوا} [التوبة: 69] ودِماؤُهُمْ، فلما قال تعالى: {استوقد} بلفظ الإفراد تبيّن أحد الأمرين المتقدّمين: إمّا بصلة من باب وقوع المفرد موقع الجمع؛ لأن المراد به الجنس، أو أنه من باب ما وقع فيه من صفة لموصوف يفهم الجمع.
وقال الزمخشري ما معناه: إنَّ هذه الآية مثل قوله تعالى: {كالذي خاضوا} [التوبة: 69]، واعتل لتسويغ ذلك بأمرين.
أحدهما: أن {الذي} لما كان وصلةً لوصف المعارف ناسب حذف بعضه لاستطالته، قال: ولذلك نهكوه بالحذف، فحذفوا ياءه ثم كسرته، ثم اقتصروا منه على اللاَّم في أسماء الفاعلين والمفعولين.
والأمر الثاني: أنّ جمعه ليس بمنزلة جمع غيره بالواو والنون، إنما ذلك علامةٌ لزيادة الدّلالة، ألا ترى أنَّ سائر المَوْصُولاَتِ لَفْظُ الجَمْعِ والمفرد التي نظر بها.
والوجه الثاني: أنه اعتقد كون الموصول بقيته {الذي} وليس كذلك، بل أل الموصولة اسم موصول مستقلّ، أي: غير مأخوذ من شيء، على أنَّ الراجح من جهة الدَّليل كون أل الموصولة حرفًا لا اسمًا كما سيأتي.
وليس لمرجّح أن يرجّح قول الزمخشري بأنهم قالوا: إنَّ الميم في قولهم: مُ الله بقية أيمن، فإذا انتهكوا أيمن بالحذف حتى صار على حرف واحد، فأولى أن يقال بذلك فيما بقي على حرفين، لأن أل زائدة على ماهية الذي، فيكونون قد حذفوا جميع الاسم، وتركوا ذلك الزائد عليه، بخلاف ميم أيمن، وأيضًا فإن القول بأن الميم بقية أيمن قول ضعيف مردود يأباه قول الجُمًهُور.
وفي الذي لُغَاتٌ، أشهرها ثبوت الياء ساكنةً ود تُشَدِّد مكسورة مطلقًا، أو جاريةً بوجوه الإعراب، كقوله: الوافر:
وَلَيْسَ المَالُ فَاعْلَمْهُ بِمَالٍ ** وَإِنْ أَرْضَاكَ إلا لِلِّذِيِّ

يَنَالُ بِهِ العَلاَءَ وَيَصْطَفِيِهِ ** لأَقْرَبِ أَقْرَبَيْهِ وَلِلْقَصِيِّ

فهذا يحتمل أن يكون مبنيَّا، وأن يكون معربًا.
وقد تُحْذَفُ ساكنًا ما قبلها؛ كقول الآخر: الطويل:
فَلَمْ أَرَ بَيْتًا كَانً أَحْسَنَ بَهْجَةً ** مِنَ اللِّذْ بِهِ مِنْ آلِ عَزَّةَ عَامِرُ

أو مكسورًا؛ كقوله: الرجز:
واللِّذِ لَوْ شاءَ لَكَانَتْ بَرَّا ** أَوْ جَبَلًا أَشَمَّ مُشَمَخِرَّا

ومثل هذه اللغات في التي أيضًا.
قال بعضهم: وقولهم: هذه لغات ليس بجيِّد؛ لأن هذه لم ترد إلاّ ضرورةً، فلا ينبغي أن تسمى لغاتٍ.
و{استوقد} استفعل بمعنى أَفْعَل، نحو: استجاب بمعنى أَجَابَ، وهو رأي الأخفش وعليه قول الشاعر: الطويل:
وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يَجِيبُ إلى الهُدَى ** فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذَاكَ مُجِيبُ

لأي: فلم يجبه.
وقيل: بل السّين للطلب، ورجّح قول الأخفش بأن كونه للطَّلب يستدعي حذف جملة، ألا ترى أن المعنى: استدعوا نارًا فأوقدوها، فلما أضاءت؛ لأن الإضاءة لا تنشأ عن الطلب إنما تنشأ عن الإيقاد.
والفاء في قوله: {فَلَمَّا} للسبب.
وقرأ ابن السَّميفع: {كمثل الذين} بلفظ الجمع، واستوقد بالإقراد، وهي مُشْكلة، وقد خرجوها على أوجه أضعف منها وهي التوهّم، أي: كأنه نطق بمن؛ إذا أعاد ضمير المفرد على الجمع كقولهم، ضربني وضربت قومك أي: ضربني من، أو يعود على اسم فاعل مفهوم من {استوقد} والعائد على الموصول مَحْذوف، وإن لم يكمل شرط الحذف، والتقدير: استوقدها مستوقدٌ لهم.
وهذه القراءة تقوّي قول من يقول: إنّ أصل الذي الذين فحذفت النون.
ولما: حرف وجوب لوجوب هذا مذهب سيبويه.
وزعم الفارسي وتبعه أبو البقاء، أنها ظرف بمعنى حين، وأن العامل فيها جوابها، وقد ردّ عليه بأنها أجيبت بما النافية، وإذا الفُجائية، قال تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلاَّ نُفُورًا} [فاطر: 42].
وقال تعالى: {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} [العنكبوت: 65]، وما النافية، وإذا الفجائية لا يعمل ما بعدهما فيما قبلهما، فانتفى أن تكون ظرفًا.
وتكون بمعنى إلاّ قال تعالى: {وَإِن كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الحياة الدنيا} [الزخرف: 35] في قراءة من قرأ بالتَّشديد.
وأضاء: يكون لازمًا ومتعديًا، فإن كان متعديًا، فما مفعول به، وهي موصولة، و{حوله} ظرف مكان مخفوض به، صِلةٌ لها، ولا يتصرّف، وبمعناه: حَوَال؛ قال الشاعر: الرجز:
وأَنَا أَمْشِي الدَّأَلَى حَوَالَكَا

ويُثَنَّيان؛ قال عليه الصلاة والسلام: «اللَّهُمَّ حَوَالَيْنَا».
ويجمعان على أَحْوال.
ويجوز أن تكون ما نكرة موصوفة، و{حوله} صفتها، وإن كان لازمًا، فالفاعل ضمير النار أيضًا، وما زائدى، و{حوله} منصوب على الظرف العامل فيه أضاء.
وأجاز الزمخشري أن تكون ما فاعلة موصولة، أو نكرة موصولة، وأُنِّثَ الفعل على المعنى، والتقدير: فلما أضاءت الجهةُ التي حوله أو جهةٌ حوله.
وأجاز أبو البقاء فيها أيضًا أن تكون منصوبة على الظرف، وهي حينئذ: إما بمعنى الذي، أو نكرة موصوفة، والتقدير: فلما أضاءت النَّار المكان الذي حوله، أو مكانًا حوله، فإنه قال: يقال: ضاءت النّار، وأضاءت بمعنى، فعلى هذا تكون ما ظرفًا.
وفي ما ثلاثة أوجه:
أحدها: أن تكون بمعنى الذي.
والثاني: هي نكرة موصوفة، أي: مكانًا حوله.
والثالث: هي زائدة.
وفي عبارته بعض مُنَاقشته، فإنه بعد حكمه على ما بأنها ظرفية كيف يُجَوِّزُ فيها- والحالة هذه- أن تكون زائدة، وإنما أراد في ما هذه من حيث الجملة ثلاثة أوجه.
وقول الشاعر: الطويل:
أَضَاءَتٍ لَهُمْ أَحْسَابُهُمْ وَوُجُوهُهُمْ ** دُجَى اللَّيْلِ حَتَّى نَظَّمَ الجَزْعَ ثَاقِبُهْ

يحتمل التعدّي واللزوم كالآية الكريمة.
وقرأ ابن السَّمَيْفع: {ضاءت} ثلاثيًا.
قوله: {ذهب الله بنورهم} هذه الجملة الظاهر أنها جواب لما.
وقال الزمخشري: جوابها محذوف، تقديره: فلما أضاءت خَمَدَتْ وجعل هذا أبلغ من ذكر الجواب، وجعل جملة قوله: {ذَهَبَ الله بِنُورِهِمْ} مستأنفة أو بدلًا من جملة التمثيل.
وقد رد عليه بعضهم هذا بوجهين:
أحدهما: أن هذا التقدير مع وجود ما يغني عنه، فلا حاجة إليه؛ إذ التقديرات إنما تكون عند الضَّرورات.
والثَّاني: أنه لا تبدل الجملة الفعلية من الجملة الاسمية.
و{بنورهم} متعلّق ب {ذهب} والباء فيه للتَّعدية وهي مُرادفة للهمزة في التَّعدية، هذا مذهب الجمهور.
وزعم أبو العباس أنَّ بينهما فرقًا، وهو أن الباء يلزم معها مُصاحبة الفاعل للمفعول في ذلك الفِعْلِ الذي فبله، والهزة لا يلزم فيها ذلك.
فإذا قلت: ذهبت بزيد فلابد أن تكون قد صاحبته في الذِّهَاب فذهبت معه.
وإذا قلت: أذهبته جاز أن يكون قد صحبته وألاَّ يكون.
وقد رد الجمهور على المُبَرّد بهذه الآية؛ لأن مصاحبته- تعالى- لهم في الذهاب مستحيلة.
ولكن قد أجاب أبو الحسن ابن عُصْفور عن هذا بأنه يجوز أن يكون- تعالى- قد أسند إلى نفسه ذهابًا يليق به، كما أسند إلى نفسه- تعالى- المجيء والإتيان على معنى يليق به، وإنما يُرَد عليه بقول الشاعر: الطويل:
دِيارُ الَّتِي كَانَتْ وَنَحْنُ عَلَى مِنَى ** تَحُلُّ بِنَا لَوْلاَ نَجَاءُ الرَكائِبِ

أي: تجعلنا جلالًا بعد أن كُنَّا مُحْرِمِين بالحج، ولم تكن هي مُحْرِمَة حتى تصاحبهم في الحِلِّ؛ وكذا قول امرئ القيس: الطويل:
كُمِيْتٍ يَزِلُّ اللِّبْدُ عَنْ حَالِ مَتْنِهِ ** كَمَا زَلَّتِ الصَّفْواءُ بِالمُتَنَزِّلِ

الصفواء الصخرة، وهي لم تصاحب الذي تزله.
والضمير في {بنورهم} عائد على مَعْنَى الذي كما تقدم.
وقال بعضهم: هو عائد على مُضاف محذوف وتقديره: كمثل أصحاب الذي استوقد، واحتاج هذا القائل إلى هذا التقدير، قال: حتى يتطابق المشبه والمشبه به؛ لأنّ المشبه جمع، فلو لم يقدر هذا المُضاف، وهو أصحاب لزم أن يشبه الجمع بالمفرد وهو الذي استوقد.
ولا أدري ما الذي حمل هذا القائل على مَنْعِ تشبيه الجمع بالمفرد في صفة جامعة بينهما، وأيضًا فإنَّ المشبّه والمشبه به إنما هو القصّتان، فلم يقع التشبيه إلاَّ بين قصَّتين إحداهما مُضافة إلى جمع، والأخرى إلى مُفْرد.
وقوله: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ} هذه جملة معطوفة على قوله: {ذهب الله} وأصل الترك: التخلية، ويراد به التّصيير، فيتعدّى لاثنين على الصَّحيح؛ كقول الشَّاعر: البسيط:
أَمَرْتُكَ الخَيْرَ فَافْعَلْ مَا أُمِرْتَ بِهِ ** فَقَدْ تَرَكْتَكَ ذَا مالٍ وَذَا نَضَبِ

فإن قلنا: هو متعدّ لاثنين كان المفعول الأول هو الضمير، والمفعول الثاني: {في ظلمات} و{لا يبصرون} حال، وهي حال مؤكدة؛ لأن من كان في ظلمة فهو لا يُبْصِرُ.
وصاحب الحال: إما الضمير المنصوب، أو المرفوع المُسْتَكِنّ في الجار والمجرور.
ولا يجوز أن يكون {في ظلمات} حالًا و{لا يبصرون} هو المفعول الثاني؛ لأن المفعول الثاني خبر في الأصل، والخبر لا يؤتى به للتأكيد، فإذا جعلت {في ظلمات} حالًا فهم من عدم الإبصار، فلو يفد قولك بعد ذلك: {لا يبصرون} إى التَّأكيد، لكن التأكيد ليس من شَاْنِ الأخبار، بل من شأن الأحوال؛ لأنها فضلات.
ويؤيّد ما ذكرت أن النحويين لما أعربوا قول امرئ القيس: الطويل:
إِذَا مَا بَكَى مِنْ خَلْفِهَا انْصَرَفَتْ لَهُ ** بِشِقِّ وَشِقٌّ عِنْدَنَا لَمْ يُحَوِّلِ

أعربوا: شقّ مبتدأ وعندنا خبره، ولم يُحَوَّلِ خبرًا، وعندنا صفة لشق مُسَوِّغًا للابتداء به قالوا: لأنه فهم معناه من قوله: {عندنا}؛ لأنه إذا كان عنده عُلِمَ منه أنه لم يُحَوَّل.
وقد أعربه أبو البَقَاءِ كذلك، وهو مردود بما ذكرت.
ويجوز إذا جعلنا {لا يبصرون} هو المفعول الثاني أن يتعلّق {في ظُلُمَاتٍ} به، أو ب {تركهم} التقدير: وتركهم لا يبصرون في ظلمات.
وإن كان ترك متعديًا لواحد كان {في ظُلُمَاتٍ} متعلّقًا ب {تركهم} و{لا يبصرون} حال مؤكّدة، ويجوز أن يكون {في ظُلُمَاتٍ} حالًا من الضَّمير المنصوب في {تركهم} فيتعلّق بمحذوف، و{لا يبصرون} حال أيضًا، إما من الضمير في تركهم، فيكون له حالان، ويجري فيه الخلاف المتقدّم، وإما من الضمير المرفوع المستكنّ في الجار والمجرور قبله، فتكون حالين متداخلتين.
فصل في سبب حذف المفعول:
فإن قيل: لم حذف المفعول من {يبصرون}؟
فالجواب: أنه من قبيل المَتْرُوك الذي لا يلتفت إلى إخطاره بِالبَالِ، لا من قبيل المقدّر المَنْوِيّ كأنّ الفعل غير متعدٍّ أصلًا.
والنَّار: جوهر لطيف مضيء حامٍ محرق، واشتقاقها من نَارَ يَنُورُ إذا نفر؛ لأن فيها حركةً واضطرابًا، والنور مشتق منها، وهو ضوؤها، والمنار العلامة، والمَنَارة هي الشَّيء الذي يؤذن عليها ويقال أيضًا للشيء الذي يوضع عليه السّراج منارة، ومنه النُّورَة لأنها تطهر البدن، والإضاءة فرط الإنارة، ويؤيده قوله تعالى: {هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِياءً والقمر نُورًا} [يونس: 5].
وما حول الشيء فهو الذي يتّصل به تقول: دار حوله وحواليه.
والحًوْل: السَّنة؛ لأنها تحول، وحال العَهْدِ أي: تغير، ومنه حال لونه.
والحوالة: انقلاب الحّقّ من شخص إلى شخص، والمُحَاولة: طلب الفعل بعد أن لم يكن طالبًا له، والحَوَل: انقلاب العَيْنِ، وَالحِوَل: الانقلاب قال تعالى: {لاَ يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا} [الكهف: 108].
والظّلمة: عدم النُّور عما من شأنه أنْ يَسْتَنِيرَ، والظّلم في الأصل عِبَارةٌ عن النُّقصان قال تعالى: {ءَاتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمِ مِّنْهُ شَيْئًا} [الكهف: 33] أي: لم تَنْقُص.
والظّلم: الثلج، لأنه ينقص سريعًا.
والظَّلَمُ: ماء آسنٌ وطلاوته وبياضه تشبيعًا له بالثلج. اهـ. باختصار.