فصل: قال البيضاوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين} أطلقوا الوعد وأرادوا ما وعدهم من العذاب واستعجالهم العذاب إنما كان لأجل تكذيبهم بكل ما أخبر عنه من الوعد والوعيد، ولذلك علقوه بما كانوا ينكرونه وهو كونه من المرسلين {فأخذتهم الرجفة} قال الفراء والزجاج: هي الزلزلة الشديدة قال تعالى: {يوم ترجف الأرض والجبال} [المزمل: 14] قال الليث: هي كرجفان البعير تحت الرحل وكما ترجف الشجرة إذا أرجفتها الريح وهذا لا يناقض ما ورد في موضع آخر أنهم أهلكوا بالطاغية وفي آخر أنهم أهلكوا بالصيحة لأن الطغيان مجاوزة الحد. قال تعالى: {إنا لما طغا الماء حملناكم} [الحاقة: 11] فالزلزلة هي الحركة الخارجة عن الحد المعتاد، والغالب أن الزلزلة لا تنفك عن الصيحة الهائلة. {فأصحبوا في دارهم} أي في بلدهم كقولك: دار الحرب ودار الإسلام. وقد جمع في آية أخرى فقال: {في ديارهم} [هود: 67] لأنه أراد بالدار ما لكل واحد من منزلة الخاص إلا أنه حيث ذكر الرجفة وحد وحيث ذكر الصيحة جمع لأن الصحية كأنها من السماء فبلوغها أكثر وأبلغ من الزلزلة. ومعنى {جاثمين} موتى لا حراك بهم. قال أبو عبيدة: الجثوم للناس والطير بمنزلة البروك للإبل فجثوم الطير هو وقوعه لاطئًا بالأرض في حال سكونه بالليل ومنه المجثمة التي جاء النهي عنها وهي البهيمة التي تربط وتجمع قوائمها لترمى {فتولى عنهم} الفاء للتعقيب. فالظاهر أن صالحًا عليه السلام أدبر عنهم بعدما أبصرهم جاثمين وكأنه تولى وهو مغتم متحسر على ما فاته من إيمانهم {وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي} وحد الرسالة بخلاف ما مر في قصتي نوح وهود لأن المراد هناك أشياء كانا يأمران بها قومهما بعد الإيمان بالله، وهاهنا وقع في آخر القصة فأراد بها مجموع ما أدى من الرسالة، أو أراد بذلك أداء حديث الناقة فقط. {ونصحت لكم} لم آل جهدًا في النصيحة {ولكن لا تحبون الناصحين} حكاية لحال ماضية. واعترض على هذا التفسير بأنه كيف يصح خطاب الموتى؟ وأجيب بأنه قد يقول الرجل لصاحبه وهو ميت وكان قد نصحه في حياته فلم يصغ إليه يا أخي كم نصحتك وكم قلت لك فلم تقبل مني حتى ألقيت بنفسك إلى التهلكة. والفائدة في مثل هذا الكلام أن يسمعه بعض الإحياء فيعتبر به. ولعل القائل أيضًا يتسلى بذلك وتزول بعض الغصة عن قلبه ويخف عليه ما نزل به، وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف على قليب قتلى بدر وقال: يا فلان ويا فلان قد وجدنا ربنا حقًا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا؟ فقيل له: كيف تتكلم مع هؤلاء الجيف؟ فقال: ما أنتم بأسمع منهم ولكنهم لا يقدرون على الجواب.
وتفسير آخر وهو أن يكون تولى غنهم تولى ذاهب عنهم منكر لإصرارهم حين رأى العلامات قبل نزول العذاب. وجملة قصتهم ما روي أن عادًا لما أهلكت عمرت ثمود بلادها وخلفوهم في الأرض فكثروا وعمروا أعمارًا طوالًا حتى إن الرجل كان يبني المسكن المحكم فينهدم في حياته فنحتوا البيوت من الجبال وكانوا في سعة ورخاء من العيش، فعتوا عن أمر الله وأفسدوا في الأرض وعبدوا الأوثان فبعث الله إليهم صالحًا وكانوا قومًا عربًا. وصالح من أوسطهم نسبًا. فدعاهم إلى الله فلم يتبعه إلا قليل منهم مستضعفون فحذرهم وأنذرهم فسألوه آية فقال: أية آية تريدون؟ قالوا: تخرج معنا إلى عيدنا في يوم معلوم لهم من السنة فندعو آلهتنا وتدعوا إلهك، فإن استجيب لك اتبعناك وإن استجيب لنا اتبعتنا. فقال صالح: نعم. فخرج معهم ودعوا أوثانهم وسألوها الاستجابة فلم تجبهم. ثم قال سيدهم جندع بن عمرو، وأشار إلى صخرة منفردة في ناحية الجبل يقال لها الكاثبة أخرج لنا من هذه الصخرة ناقة مخترجة جوفاء وبراء، والمخترجة التي شاكلت البخت فإن فعلت صدّقناك وأجبناك، فأخذ صالح عليهم المواثيق لئن فعلت ذلك لتؤمنن ولتصدّقن. قالوا: نعم. فصلى ودعا ربه فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء كما وصفوا، وكانت في غاية العظم حتى قال أبو موسى الأشعري: أتيت أرض ثمود فذرعت مصدر الناقة يعني- موضع بروكها- فوجدته ستين ذراعًا. ثم نتجت ولدًا مثلها في العظم فآمن به جندع ورهط من قومه ومنع بقاياهم ناس من رؤوسهم أن يؤمنوا فمكثت الناقة وولدها ترعي الشجر وتشرب الماء وكانت ترد غبًا كما قال عز من قائل: {لها شرب ولكم شرب يوم معلوم} [الشعراء: 155] وذلك أن الماء كان عندهم قليلًا فجعلوا ذلك الماء بالكلية شربًا لها يومًا وشربًا للقوم يومًا. قال السدي: وكانت الناقة في اليوم الذي شرب فيه الماء تحلب فيكفي الكل فكأنها كانت تصب اللبن صبًا، وفي اليوم الذي يشربون الماء لا تأتيهم وكانت إذا وقع الحر تصيف بظهر الوادي فتهرب منها أنعامهم فتهبط إلى بطن الوادي، وإذا وقع البرد كان الأمر بالعكس فشق ذلك عليهم وقال لهم صالح: يولد في شهركم هذا غلام يكون هلاككم على يديه فذبحوا تسعة نفر من أبنائهم ثم ولد العاشر فأبى أن يذبح ابنه فنبت نباتًا سريعًا، ولما كبر الغلام جلس مع قوم يشربون الشراب فأرادوا ماء يمزجونه به وكان يوم شرب الناقة فما وجدوا الماء فاشتد ذلك عليهم. فقال الغالم: هل لكم في أن أعقر هذه الناقة فشدّ عليها لما بصرت به شدّت عليه فهرب منها إلى جانب صخرة فردّوها عليه، فلما مرت به تناولها فعقرها فسقطت فذلك قوله تعالى: {فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر} [القمر: 29] وأظهروا حينئذ كفرهم وقيل: زينت لهم عقرها امرأتان- عنيزة أم غنم وصدقة بنت المختار- لما أضرت الناقة بمواشيهما وكانتا كثيرتي المواشي فعقروها واقتسموا لحمها وطبخوه فانطلق فصيلها حتى رقي جبلًا اسمه قارة فرغا ثلاثًا وكان صالح قال لهم: أدركوا الفصيل عسى أن يرفع عنكم العذاب فلم يقدروا عليه وانفجرت الصخرة بعد رغائه فدخلها فقال لهم صالح: تصبحون غدًا ووجوهكم مصفرة، وبعد غد ووجوهكم محمرة، واليوم الثالث ووجوهكم مسودة، ثم يصبحكم العذاب. فلما رأوا العلامات طلبوا أن يقتلوه فأنجاه الله إلى أرض فلسطين. ولما كان اليوم الرابع وارتفع الضحى تحنطوا بالصبر وتكفنوا بالأنطاع فأتتهم صيحة من السماء فتقطعت قلوبهم فهلكوا. واستبعد بعضهم أن العاقل مع مشاهدة هذه المعجزات والعلامات كيف يبقى مصرًا على كفره؟ وأجيب بأنهم عنده مشاهدة العلامات خرجوا عن حدّ التكليف وأن تكون توبتهم مقبولة. عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما مر بالحجر قال: «لا تسألوا الآيات فقد سألها قوم صالح فأخذ بهم الصيحة فلم يبق منهم إلا رجل واحد كان في حرم الله. قالوا: من هو قال صلى الله عليه وسلم: ذاك أبو رغال» فلما خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه، وروي أن صالحًا كان بعثه إلى قوم فخالف أمره. وروي أن نبينا صلى الله عليه وسلم مر بقبر أبي رغال فقال: أتدرون من هذا؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. فذكر قصة أبي رغال وأنه دفن هاهنا وأنه دفن معه غصن من ذهب فابتدروه وبحثوا عنه بأسيافهم فاستخرجوا الغصن. وروي أن عقرهم الناقة كان يوم الأربعاء ونزل بهم العذاب يوم السبت. وروي أنه خرج في مائة وعشرة من المسلمين وهو يبكي فالتفت فرأى الدخان ساطعًا فعلم أنهم قد هلكوا وكانوا ألفًا وخمسمائة دار، وروي أنه رجع بمن معه فسكنوا ديارهم، ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين مر بالحجر في غزوة تبوك قال لأصحابه: لا يدخلن أحد منكم القرية ولا تشربوا من مائها ولا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين أن يصيبكم مثل الذي أصابهم. اهـ.

.قال البيضاوي:

{وَإِلَى ثَمودَ}.
قبيلة أخرى من العرب سموا باسم أبيهم الأكبر ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح. وقيل سموا به لقلة مائهم من الثمد وهو الماء القليل. وقرئ {مصروفًا} بتأويل الحي أو باعتبار الأصل، وكانت مساكنهم الحجر بين الحجاز والشام إلى وادي القرى. {أَخَاهُمْ صَالِحًا} صالح بن عبيد بن آسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود. {قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا الله مَا لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ} معجزة ظاهرة الدلالة على صحة نبوتي وقوله: {هذِهِ نَاقَةُ الله لَكُمْ آيَةً} استئناف لبيانها، وآية نصب على الحال والعامل فيها معنى الإشارة، ولكم بيان لمن هي له آية، ويجوز أن تكون {ناقة الله} بدلًا أو عطف بيان ولكم خبرًا عاملًا في {آية}، وإضافة الناقة إلى الله لتعظيمها ولأنها جاءت من عنده بلا وسائط وأسباب معهودة ولذلك كانت آية. {فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ الله} العشب. {وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ} نهى عن المس الذي هو مقدمة الإصابة بالسوء الجامع لأنواع الأذى مبالغة في الأمر وإزاحة للعذر. {فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} جواب للنهي.
{وَاذْكُرُوا إذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ في الأَرْضِ} أرض الحجر. {تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصورًا} أي تبنون في سهولها، أو من سهولة الأرض بما تعملون منها كاللبن والآجر. {وَتَنْحِتْونَ الجِبَالَ بُيُوتًا} وقرئ {تنحتون} بالفتح وتنحاتون بالإِشباع، وانتصاب {بيوتًا} على الحال المقدرة أو المفعول على أن التقدير بيوتًا من الجبال، أو تنحتون بمعنى تتخذون {فَاذْكُرُوا آلاءَ الله وَلاَ تَعثَوا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}.
{قَالَ المَلأَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمهِ} أي عن الإِيمان. {لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا} أي للذين استضعفوهم واستذلوهم. {لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ} بدل من الذين استضعفوا بدل الكل إن كان الضمير لقومه وبدل البعض إن كان للذين. وقرأ ابن عامر وقال الملأ بالواو. {أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ} قالوه على الاستهزاء. {قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤمِنُونَ} عدلوا به عن الجواب السوي الذي هو نعم تنبيهًا على أن إرساله أظهر من أن يشك فيه عاقل ويخفى على ذوي رأي، وإنما الكلام فيمن آمن به ومن كفر فلذلك قال: {قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} على وجه المقابلة، ووضعوا {آمنتم به} موضع {أرسل به} ردًا لما جعلوه معلومًا مسلمًا.
{فَعَقَرُوا النَّاقَةَ} فنحروها. أسند إلى جميعهم فعل بعضهم للملابسة، أو لأنه كان برضاهم. {وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ} واستكبروا عن امتثاله، وهو ما بلغهم صالح عليه الصلاة والسلام بقوله: {فذروها}. {وَقَالُوا يَا صَالِح ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إنْ كُنْتَ مِنَ المُرْسَلِينَ}.
{فَأَخَذْتْهُمُ الرَّجْفَةُ} الزلزلة. {فَأَصْبِحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمينَ} خامدين ميتين. روي: أنهم بعد عاد عمروا بلادهم وخلفوهم وكثروا، وعمروا أعمارًا طوالًا لا تفي بها الأبنية، فنحتوا البيوت من الجبال، وكانوا في خصب وسعة فعتوا وأفسدوا في الأرض وعبدوا الأصنام، فبعث الله إليهم صالحًا من أشرافهم فأنذرهم، فسألوه آية فقال أية آية تريدون قالوا: اخرج معنا إلى عيدنا فتدعو إلهك وندعو آلهتنا فمن استجيب له اتبع، فخرج معهم فدعوا أصنامهم فلم تجبهم، ثم أشار سيدهم جندع بن عمرو إلى صخرة منفردة يقال لها الكاثبة وقال: له أخرج من هذه الصخرة ناقة مخترجة جوفاء وبراء إن فعلت صدقناك، فأخذ عليهم صالح مواثيقهم لئن فعلت ذلك لتؤمنن فقالوا: نعم، فصلى ودعا ربه فتمخضت الصخرة تمخض النتوج بولدها، فانصدعت عن ناقة عشراء جوفاء وبراء كما وصفوا وهم ينظرون، ثم نتجت ولدًا مثلها في العظم فآمن به جندع في جماعة، ومنع الباقين من الإِيمان ذؤاب بن عمرو والحباب صاحب أوثانهم ورباب بن صغر كاهنهم، فمكثت الناقة مع ولدها ترعى الشجر وترد الماء غبًا فما ترفع رأسها من البئر حتى تشرب كل ما فيها، ثم تتفحج فيحلبون ما شاؤوا حتى تمتلىء أوانيهم، فيشربون ويدخرون وكانت تصيف بظهر الوادي فتهرب منها أنعامهم إلى بطنه، وتشتو ببطنه فتهرب مواشيهم إلى ظهره، فشق ذلك عليهم وزينت عقرها لهم عنيزة أم غنم وصدقة بنت المختار، فعقروها واقتسموا لحمها، فرقي سقبها جبلًا اسمه قارة فرغا ثلاثًا فقال صالح لهم ادركوا الفصيل عسى أن يرفع عنكم العذاب، فلم يقدروا عليه إذ انفجرت الصخرة بعد رغائه فدخلها فقال لهم صالح: تصبح وجوهكم غدًا مصفرة وبعد غد محمرة واليوم الثالث مسودة، ثم يصبحكم العذاب، فلما رأوا العلامات طلبوا أن يقتلوه فأنجاه الله إلى أرض فلسطين، ولما كان ضحوة اليوم الرابع تحنطوا بالصبر وتكفنوا بالأنطاع فأتتهم صيحة من السماء فتقطعت قلوبهم فهلكوا.
{فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمٍ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِنْ لاَ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ}.
ظاهره أن توليه عنهم كان بعد أن أبصرهم جاثمين، ولعله خاطبهم به بعد هلاكهم كما خاطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل قليب بدر وقال: «إنا وجدنا ما وعدنا ربنا حقًا فهل وجدتم ما وعد ربكم حقًا». أو ذكر ذلك على سبيل التحسر عليهم. اهـ.