فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {فتولى عَنْهُمْ}.
قيل: إنه تولى عنهم بعد موتهم لقوله تعالى: {فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ فتولى} والفاءُ تقتضي التعقيب.
وقيل: تولّى عنهم قبل موتهم لقوله: {وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ الناصحين} فدلَّ ذلك على كونهم أحياء من ثلاثة أوْجُهٍ:
الأول: قوله لهم {يَا قَوْم}، والأموات لا يوصفون بالقوم، لاشتقاق لفظ القوم من القيام، وهو مفقود في حقِّ الميت.
والثاني: أنَّ هذه الكلمات خِطَاب معهم، وخطاب الميت لا يجوز.
والثالث: قوله: {وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ الناصحين} يقتضي كونهم بحيث تصحُّ حصول المحبّة فيهم.
ويمكن الجوابُ: بأنَّه قد يقولُ الرَّجلُ لصاحبه الميت، وقد كان نصحه فلم يقبل النَّصيحة، حتى ألقى نفسه في الهلاك: يا أخي منذ كم نصحتك فلم تقبل، وكمن منعتك فلم تمتنع، فكذا هاهنا.
وفائدتُهُ: إمّا لأن يسمعه الحيُّ فيعتبر به، وينزجِر عن مثل تلك الطريقة، وإما لإحراق قلبه بسبب تلك الواقعة، فإذا ذكر ذلك الكلام فرَّجت تلك القضية من قلبه.
وذكروا جوابًا آخر، وهو أن صالحًا عليه السلام خاطبهم بعد كونهم جَاثِمِينَ، كما خاطب نبينا- عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- قتلى بدر.
فقيل: تتكلم مع هؤلاء الجيف؟ فقال: «مَا أنْتُمْ بأسْمَعَ مِنْهُم، ولكنْ لا يَقْدِرُونَ على الجوابِ».
وقيل: في الآية تقديمٌ وتأخير، تقديره: فتولَّى عنهم وقال: يا قَوْم لَقَدْ أبْلَغَتُكم رسالةَ ربِّي، فأخذتهم الرجفة. اهـ.

.موعظة:

.قال ابن الجوزي:

.المجلس السادس في قصة ثمود:

الحمد لله الذي مهد لطالبيه سبيلا واضحًا وكم ابتعث نبيًا مرشدًا ناصحا فأرسل آدم غاديًا على بنيه بالتعليم ورائحا فخلفه شيث ثم إدريس وجاء نوح نائحًا وأمر هودًا بهداية عاد فلم يزل مكادحًا {وإلى ثمود أخاهم صالحًا} أحمده ما بدا برق لائحًا وأصلي على رسوله محمد ما دام الفلك سابحًا وعلى صاحبه أبي بكر الصديق وقل في الصديق مادحًا وعلى عمر الفاروق الذي لم يزل بنور الحق لامحًا وعلى عثمان واعجب بمثل دمه طائحًا وعلى علي وأعلن بفضائله صائحًا وعلى عمه العباس وما زال عرف طيبه نافحًا قال الله تعالى: {وإلى ثمود أخاهم صالحًا} ثمود هو ابن عابر بن إرم بن سام بن نوح أرسل إلى أولاده وهو صالح بن عبيد بن أنيف بن ماشح بن عبيد بن جادر ابن ثمود والثمد الماء القليل الذي لا مادة له وإنما قال أخاهم لأنه من قبيلتهم {قال يا قوم اعبدوا الله} أي وحدوه فلم يزدهم دعاؤه إلا طغيانا فقالوا ائتنا بآية فاقترحوا عليه ناقة فأخرجهم إلى صخرة ملساء فتمخضت تمخض الحامل ثم انفلقت عن ناقة على الضفة التي طلبوها ثم انفصل عنها فصيل فقال: {ذروها تأكل في أرض الله} أي ليس عليكم مؤنتها ولا علفها وتأكل مجزومة على جواب الشرط المقدر والمعنى إن تذروها تأكل {ولا تمسوها بسوء}.
والسوء في القرآن على عشرة أوجه أحدها الشدة {يسومونكم سوء العذاب} والثاني الزنا {ما علمنا عليه من سوء} والثالث البرص {تخرج بيضاء من غير سوء} والرابع العذاب {لا يمسهم السوء} والخامس الشرك {ما كنا نعمل من سوء} والسادس السب {وألسنتهم بالسوء} والسابع الضر {ويكشف السوء} والثامن الذنب {يعملون السوء بجهالة} والتاسع القتل والهزيمة {لم يمسسهم سوء} والعاشر العقر {ولا تمسوها بسوء} فكانت تشرب ماء الوادي كله في يوم وتسقيهم الدر مكانه قوله تعالى: {وبوأكم في الأرض} أي أنزلكم {تتخذون من سهولها قصورا} السهل ضد الحزن والقصر ما شيد وعلا من المنازل قال ابن عباس رضي الله عنهما اتخذوا القصور في سهول الأرض للصيف ونقبوا في الجبال للشتاء قال وهب بن منبه كان الرجل منهم يبني البنيان فيمر عليه مائة سنة فيخرب ثم يجدده فيمر عليه مائة سنة فيخرب فأضجرهم ذلك فاتخذوا من الجبال بيوتًا قال علماء السير لم يلتفتوا إلى قول صالح واحتالوا على قتله فذلك قوله تعالى: {لنبيتنه وأهله} وقعدوا في أصل جبل ينتظرونه فوقع الجبل عليهم فهلكوا ثم أقبل قوم منهم يريدون قتل الناقة فقال لهم صالح {ناقة الله وسقياها} أي احذروا ناقة الله وشربها من الماء فكمن لها قاتلها وهو قدار بن سالف في أصل شجرة فرماها بسهم فانتظم به عضلة ساقها ثم شد عليها بالسيف فكشف عرقوبها ثم نحرها وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا من العذاب فقال لهم صالح تمتعوا في داركم ثلاثة أيام قال المفسرون لما عقروها صعد فصيلها إلى الجبل فرغا ثلاث مرات فقال صالح لكل رغوة أجل يوم إلا أن اليوم الأول تصبح وجوهكم مصفرة واليوم الثاني محمرة واليوم الثالث مسودة فلما أصبحوا في اليوم الأول إذا وجوههم مصفرة فصاحوا وبكوا وعرفوا أنه العذاب فلما أصبحوا في اليوم الثاني إذا وجوههم محمرة فضجوا وبكوا فلما أصبحوا في اليوم الثالث إذا وجوههم مسودة كأنما طليت بالقار فصاحوا بأجمعهم ألا قد حضركم الموت فتكفنوا وألقوا أنفسهم بالأرض لا يدرون من أين يأتيهم العذاب فلما أصبحوا في اليوم الرابع أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة فتقطعت قلوبهم في صدورهم وقال مقاتل حفروا لأنفسهم قبورًا فلما ارتفعت الشمس من اليوم الرابع ولم يأتهم العذاب ظنوا أن الله قد رحمهم فخرجوا من قبورهم يدعو بعضهم بعضا فقام جبريل عليه السلام فوق المدينة فسد ضوء الشمس فرجعوا إلى قبورهم فصاح بهم صيحة عظيمة موتوا عليكم اللعنة فماتوا وزلزلت بيوتهم فوقعت عليهم {فدمدم عليهم ربهم} أي أطبق عليهم العذاب ولما مر النبي صلى الله عليه وسلم على ديارهم قال لا تدخلوا على هؤلاء المعذبين إلا أن تكونوا باكين اعتبروا إخواني بهؤلاء الهالكين وانظروا سوء تدبير الخاسرين لا بالناقة اعتبروا ولا لتعويضهم اللبن شكروا وعتوا عن النعم وبطروا وعموا عن الكرم فما نظروا وأوعدوا بالعذاب فما حذروا كلما رأوا آية من الآيات كفروا الطبع الخبيث لا يتغير والمقدّر ضلالة لا يزال يتحير خرجت إليهم ناقة من أحسن النعم ودر لبنها لهم فتواترت النعم فكفروا وما شكروا فأقبلت النقم أعاذنا الله وإياكم من الكفران وحفظنا من موجبات الخسران إنه إذا لطف صان.

.الكلام على البسملة:

أيها السكران بالآمال ** قد حان الرحيل

ومشيب الرأس والفودين ** للموت دليل

فانتبه من رقدة الفغفلة ** فالعمر قليل

واطرح سوف وحتى ** فهما داء دخيل

يا من صبح شيبه بعد ليل شبابه قد تبلج ونذيره قد حام حول حماه وعرج كأنك بالموت قد أتى سريعًا وأزعج ونقلك عن دار أمنت مكرها وأخرج وحملك على خشونة النعش بعد لين الهودج وأفصح بهلاكك وقد طال ما مجمج وأفقرك إلى قليل من الزاد وأحوج يا لاهيًا في دار البلاء ما أقبح فعلك وما أسمج ويا عالمًا نظر الناقد وبضاعته كلها بهرج ويا غافلًا عن رحيله سلب الأقران أنموذج.
سيقطع ريب الدهر بين الفريقين ** لكل اجتماع فرقة من يد البين

وكل يقضي ساعة بعد ساعة ** تخاتله عن نفسه ساعة الحين

وما العيش إلا يوم موت له غد ** وما الموت إلا رقدة بين يومين

وما الحشر إلا كالصباح إذا انجلى ** يقوم له اليقظان من رقدة العين

فيا عجبًا مني ويا طول غفلتي ** أؤمل أن أبقى وأني ومن أين

يا من يبارز مولاه بما يكره ويخالفه في أمره آمنًا مكره وينعم عليه وهو ينسى شكره والرحيل قد دنا وماله فيه فكرة يا من قبائحه ترفع عشيًا وبكرة يا قليل الزاد ما أطول السفرة والنقلة قد دنت والمصير الحفرة متى تعمل في قلبك المواعظ متى تراقب العواقب وتلاحظ أما تحذر من أوعد وهدد أما تخاف من أنذر وشدد متى تضطرم نار الخوف في قلبك وتتوقد إلى متى بين القصور والتواني تتردد متى تحذر يومًا فيه الجلود تشهد متى تترك ما يفنى رغبة فيما لا ينفد متى تهب بك ريح الخوف كأنك غصن يتأود البدار البدار إلى الفضائل والحذار الحذار من الرذائل فإنما هي أيام قلائل.
اغتنم في الفراغ فضل ركوع ** فعسى أن يكون موتك بغتة

كم صحيح رأيت من غير سقم ** ذهبت نفسه السليمة فلتة

حج مسروق فما نام إلا ساجدًا وكان مجير بن الربيع يصلي حتى ما يأتي فراشه إلا حبوا.
اغتنم ركعتين زلفى إلى الله ** إذا كنت فارغًا مستريحا

وإذا ما هممت أن تفعل الباطل ** فاجعل مكانه تسبيحا

يا سكران الهوى وإلى الآن ما صحا يا مفنيًا زمانه الشريف لهوا ومرحا يا معرضا عن لوم من لام وعتب من لحا متى يعود هذا الفاسد مصلحا متى يرجع هذا الهالك مفلحا لقد أتعبت النصحاء الفصحاء أما وعظمت بما يكفي أما رأيت من العبرة ما يشفي فانظر لنفسك قبل أن يعمى الناظر وتفكر في أمرك بالقلب الحاضر ولا تساكن الفتور فإنك إلى مسكن القبور صائر فالحي للممات والجمع للشتات والأمر ظاهر.
عاص الهوى إن الهوى مركب ** يصعب بعد اللين منه الذلول

إن يجلب اليوم الهوى لذة ** ففي غد منه البكا والعويل

ما بين ما يحمد فيها وما ** يدعو إليه الذم إلا القليل

.الكلام على قوله تعالى: {واستمع يوم ينادي المنادي}

والمعنى استمع حديث ذلك اليوم والمنادي إسرافيل يقف على صخرة بيت المقدس فينادي يا أيها الناس هلموا إلى الحساب إن الله تعالى يأمركم أن تجتمعوا لفصل القضاء وهذه الصيحة هي الأخيرة قوله تعالى: {من مكان قريب} المكان القريب هو الصخرة قال كعب ومقاتل هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلًا وقال ابن المسيب باثني عشر ميلا قال الزجّاج ويقال إن تلك الصخرة في وسط الأرض.

.سجع:

يا من يُدعى إلى نجاته فلا يجيب يا من قد رضي أن يخسر ويخيب إن أمرك طريف وحالك عجيب اذكر في زمان راحتك ساعة الوجيب {واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب} ويحك إن الحق حاضر ما يغيب تحصى عليك أعمال الطلوع وأفعال المغيب ضاعت الرياضة في غير نجيب سيماك تدل وما يخفى المريب اسمع لابد لغربان الفراق من نعيب أنساكن الغفلة ولغيرنا نعيب يا من سلعه كلها معيب اذكر يوم الفزع والتأنيب {واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب} لابد والله من فراق العيش الرطيب والتحاف البلى مكان الطيب واعجبًا للذات بعد هذا كيف تطيب ويحك أحضر قلبك لوعظ الخطيب {واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب} تذكر من قد أصيب كيف نزل بهم يوم عصيب وانتبه لأحظ الحظ والنصيب واحترز فعليك شهيد ورقيب إذا حل الموت حل الترركيب وتقلب مقل القلوب في قلب التقليب فتنزعج الروح انزعاج الصرمة إذا أحست بذيب فالتفت يا محب الهوى عن هذا الحبيب {واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب} ستخرج والله من هذا الوادي الرحيب ولا ينفعك البكاء والنحيب لابد من يوم يتحير فيه الشبان والشيب ويذهل فيه الطفل للهول ويشيب يا من عمله كله رديء فليته قد شيب {واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب} كيف بك إذا أحضرت في حال كئيب وعليك ذنوب أكثر من رمل كثيب والمهيمن الطالب والعظيم الحسيب فحينئذ يبعد عنك الأهل والنسيب النوح أولى بك يا مغرور من التشبيب أتؤمن أم عندك تكذيب أم تراك تصبر على التعذيب كأنك بدمع العين ومائها قد أذيب اقبل نصحي وأقبل على التهذيب {واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب} يا مطالبًا بأعماله يا مسئولًا عن أفعاله يا مكتوبًا عليه جميع أقواله يا مناقشًا على كل أحواله نسيانك لهذا أمر عجيب أتسكن إلى العافية وتساكن العيشة الصافية وتظن أيمان الغرور واقية لابد من سهم مصيب {واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب} لو أحسنت الخلاص أحسنت لو آمنت بالعرض لتجملت وتزينت يا من قد انعجمت عليه الأمور لو سألت لتبينت ويحك أحضر قلبك إنما أنت في الدنيا غريب {واستمع يوم ينادي المنادي من مكان قريب} إلى متى أنت مع أغراضك متى ينقضي زمان إعراضك يا زمن البلى متى زمن إنهاضك تالله لقد كع من أمراضك الطبيب قوله تعالى: {يوم يسمعون الصيحة} وهي النفخة الثانية {بالحق} أي بالبعث الذي لا شك فيه {ذلك يوم الخروج} من القبور تنشق السماء ذات البروج انشقاق الثوب المنسوج بأعجب فطور وأظرف فروج وينثر حب السماء ويسقط الدملوج وتقبل الملائكة إقبال الفيوج وتميد الأرض فتفلق وتموج وتعود جرداء بعد الرياض والمروج وتذل العتاة وتنكسر العلوج وتستوي أقدام العرب والعجم والزنوج فأخس الخلائق يومئذ يأجوج ومأجوج وأحقر الناس على طوله عوج ويقرب الحساب ويروج وينصب الصراط والريح خجوج أين حرارة القلوب أضربت بالثلوج {يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج} قوله تعالى: {إنا نحن نحيي ونميت} أي نميت في الدنيا ونحيي بالبعث {وإلينا المصير} بعد البعث {يوم تشقق الأرض عنهم سراعًا} المعنى فيخرجون منها سراعًا يا له من يوم لا تستطيع له دفاعًا صاح بهم من لم يزل أمره مطاعًا فنازلتهم الحسرات فأسرتهم فزاعًا واستسلموا للهلاك وما مد بعد باعًا سماعًا لما يجري يومئذ سماعًا {يوم تشقق الأرض عنهم سراعًا} مزقتهم اللحود تمزيقًا مشاعًا وصيرت تلك الأبدان رفاتًا شياعًا ونفخ في الصور فقاموا عطاشًا جياعًا وعلموا أن الهوى كان لهم خداعًا فتداعى بالويل من كان بالسرور تداعى {يوم تشقق الأرض عنهم سراعًا} حضروا من صحراء القيامة قاعًا فوجدوه أصعب البقاع بقاعًا وتناولوا بالأيمان والشمائل رقاعًا حفظت أعمالهم فما وجدوا شيئًا مضاعًا وكيل الجزاء بكف الوكيل كما كالوا صاعًا بصاعًا ذلك يوم لا يراعى فيه إلا من كان راعى {يوم تشقق الأرض عنهم سراعًا} قوله تعالى: {ذلك حشر علينا يسير} أي هين {نحن أعلم بما يقولون} أي في تكذيبك وهذه تسلية له {وما أنت عليهم بجبار} أي بمسلط فتقهرهم على الإسلام وهذا منسوخ بآية السيف قوله تعالى: {فذكر بالقرآن} أي فعظ به قال بعض السلف من لم يعظه القرآن ولا الشيب فلو تناطحت بين يديه الجبال ما اتعظ يا ذا النفس اللاهية تقرأ القرآن وهي ساهية أمالك ناهية في الآية الناهية كم خوفك القرآن من داهية أما أخبرك أن أركان الحياة واهية أما أعلمك أن أيام العمر متناهية أما عرفك أسباب الغرور كما هيه.
قد يرعوي المرء يومًا بعد هفوته ** ويحكم الجاهل الأيام والعبر

والعلم يجلي العمى عن قلب صاحبه ** كما يجلي سواد الظلمة القمر

والذكر فيه حياة للقلوب كما ** يحيي البلاد إذا ما ماتت المطر

لا ينفع الذكر قلبًا قاسيًا أبدًا ** وهل يلين لقول الواعظ الحجر

والموت جسر لمن يمشي على قدم ** إلى الأمور التي تخشى وتنتظر

فهم يجوزون أفواجًا وتجمعهم ** دار إليها يصير البدو والحضر

لا يلبث الشيء أن يبلى إذا اختلفت ** يومًا على نقصه الروحات والبكر

وكل بيت خراب بعد جدته ** ومن وراء الشباب الموت والكبر

بينا يرى الغصن لدنًا في أرومته ** ريان صار حطامًا جوفه نخر

كم من جميع أشت الدهر شملهم ** وكل شمل جميع سوف ينتشر

أبعد آدم ترجون البقاء وهل ** تبق فروع لأصل حين ينقعر

لكم بيوت بمستن السيول وهل ** يبقى على الماء بيت أسه مدر

إلى الفناء وإن طالت سلامتهم ** مصير كل بني أم وإن كثروا

والمرء ما عاش في الدنيا له أمل ** إذا انقضى سفر منهما أتى سفر

لها حلاوة عيش غير دائمة ** وفي العواقب منها المر والصبر

إذا قضت زمر آجالها نزلت ** على منازلها من بعدها زمر

وليس بزجركم ما توعظون به ** والبهم يزجرها الراعي فتنزجر

ما لي أرى الناس والدنيا مولية ** وكل جيل عليها سوف ينبتر

لا يشعرون بما في دينهم نقصوا ** جهلًا وإن نقصت دنياهم شعروا

يا متحيرا في طريقه قد بان البيان يا بليد الإعتبار وقد أنذره الأقران يا من تقرع قلبه المواعظ وهو قاس مالأن لو حضرت بالذهن كفاك زجر القرآن.
كتب زر بن حبش إلى عبد الملك بن مروان لا يطمعنك في طول الحياة ما ترى من صحة بدنك واذكر قول الأول:
إذا الرجال ولدت أولادها ** وبليت من كبر أجسادها

وجعلت أسقامها تعتادها ** تلك زروع قد دنا حصادها

فلما قرأ الكتاب بكى حتى بل طرف ثوبه كان الربيع بن خثيم يقول أما بعد فأعد زادك وجد في جهازك وكن وصي نفسك وكان إذا جن عليه الليل لا ينام فتناديه أمه ألا تنام فيقول يا أماه من جن عليه الليل وهو يخاف البيات حق له أن لا ينام فلما بلغ ورأت ما يلقى من البكاء والسهر قالت يا بني لعلك قتلت قتيلًا فقال نعم يا أماه فقالت ومن هذا القتيل فلو علم أهله ما تلقى من البكاء والسهر لرحموك فقال هي نفسي وقالت له ابنته يا أبت ألا تنام فقال يا بنية إن جهنم لا تدعني أنام أيها الغافل زاحم أهل العزم وبادر فكأن قد نزل بك ما تخاف وتحاذر فيختم الكتاب على الرذائل ويفوت تحصيل الفضائل فالدنيا منزل قلعة كأنها يوم أو جمعة.
كل حي إلى فناء وما الدار ** بدار ولا المقام مقام

يستوي ساعة المنية في الرتبة ** وجد الغني والإعدام

والذي زال وانقضى من نعيم ** أو شقاء كأنه أحلام