فصل: السجع على قوله تعالى: {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد}:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.السجع على قوله تعالى: {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد}:

لقد وعظ القرآن المجيد يبدي التذكار عليكم وبعيد غير أن الفهم منكم بعيد ومع هذا فقد سبق العذاب التهديد {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} إن في القرآن ما يلين الجلاميد لو فهمه الصخر كأن الصخر يميد كم أخبرك بإهلاك الملوك الصيد وأعملك أن الموت بالباب والوصيد {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} إن مواعظ القرآن تذيب الحديد وللفهوم كل لحظة زجر جديد وللقلوب النيرة كل يوم به عيد غير أن الغافل يتلوه ولا يستفيد {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} أما الموت للخلائق مبيد أما تراه قد مزقهم في البيد أما داسهم بالهلاك دوس الحصيد لا بالبسيط ينتهون ولا بالتشديد أين من كان لا ينظر بين يديه أين من أبصر العبر ولم ينتفع بعينيه أين من بارز بالذنوب المطلع عليه {ونحن أقرب إليه من حبل الوريد} أين من كان يتحرك في أغراضه ويميد ويغرس الجنان لها طلع نضيد ويعجبه نغمات الورق على الورق بتغريد كان قريبًا منا فهو اليوم بعيد {فذكر بالقرآن من يخاف وعيد} أحضروا قلوبكم فإلى كم تقليد يا معشر الشيوخ في عقل الوليد أما فيكم من يذكر أنه في قبره وحيد أما فيكم من يتصور تمزيقه والتبديد غدًا يباع أثاث البيت فمن يزيد غدًا يتصرف الوارث كما يريد غدًا يستوي في بطون اللحود الفقير والسعيد يا قوم ستقومون للمبدئ المعيد يا قوم ستحاسبون على القريب والبعيد يا قوم المقصود كله وبيت القصيد فمنهم شقي وسعيد ألهمنا الله وإياكم ما ألهم الصالحين وأيقظنا من رقاد الغافلين إنه أكرم منعم وأعز معين. اهـ.

.قصص الأنبياء:

.قال مجد الدين الفيروزابادي:

.بصيرة في ذكر صالح عليه السلام:

وصالح اسم علَم عربىّ.
وهو أَوّل من سُمِّىَ بهذا الاسم.
قال الثعلبي: هو صالح بن عبيد ابن آسف بن ماسح بن عبيد بن حاذر بن ثمود بن عَوْص بن إِرَم بن سام بن نُوح.
قال أَبو عمرو بن العلاء: سُمِّيت ثَمُود لقلة مائها.
والثَّمَدُ: الماءُ القليل.
وكانت مساكن ثَمُود الحِجْر بين الحِجاز والشام، وكانوا عَرَبًا، وكان صالحٌ عليه السّلام من أَفضلهم نَسَبًا، فبعثه الله إِليهم رسولًا وهو شابّ، فدعاهم إِلى أَنْ شَمِطَ ولم يتَّبعه منهم إِلاَّ قليل مستضعَفون.
ولمّا طال دعاؤه إِيّاهم اقترحوا أَن تَخْرُجَ له النَّاقةُ من الحَجَرِ آية، وكان من أَمرها وأَمرهم ما ذكره الله عزّ وجلّ في كتابه، وكان عَقْر النَّاقة يَوْم الأَربعاء.
وانتقل صالحٌ بعد هلاك قومه إِلى الشام بمن أَسْلَم معه، فنزلوا رَمْلَة فِلَسْطِين، ثم انتقل إِلى مَكَّة، فتوفِّىَ صالحٌ بها، وهو ابن ثمانٍ وخمسين نسة، وكان أَقام في قومه عشرين سنة وقيل صار بقيّة المؤمنين من قوم صالح بمدينة جَابَلْص من ناحية المشرق، وبقية المؤمنين من قوم هود بمدينة جَابَلْق من ناحية المغرب.
والعامة تلحن وتقول: جابَلْقا وجابَلْصا.
وعُرِضَ القَوْمان على النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ليلة المعراج، فدعاهم إِلى دِينه وشَريعته فآمنوا به وصاروا من أُمّته، وسيدخلون يوم القيامة في شفاعته.
ودَعا الله تعالى صالحًا في القرآن بعشرة أَسماء: مُرْسَلٌ {كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ} رَسولٌ وأَمِينٌ {إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ}، أَخٌ {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ}، مُبَلِّغ {لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي}، صادِقٌ {فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ} ناجِى {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا}، بَشَرٌ وواحد {فَقَالُواْ أَبَشَرًا مِّنَّا وَاحِدًا نَّتَّبِعُهُ} ناصِح {وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ}، صالِحٌ {ياصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا}، وقال تعالى: {إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ}، {يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا}، {نَجَّيْنَا صَالِحًا} إِلى قوله: {أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ}.
قال بعضهم:
يَعِيبُك قَومٌ حين لُقِّيْتَ صالِحا ** ولاَمك قَوْمٌ حين سُمِّيت طالِحَا

لَقِيتَ البَلايا إِنْ عُدِدْتَ محارِبًا ** وجُرْتَ العَطايا إِن أَتَيْت مُصالحا

أَلَمْ يُنْجِيَنَّ الله بيت نبيّه ** وأَرْدَى ثَمُودًا حين كَذَّبَ صالِحا

.بصيرة في ذكر ثمود:

وهم قومُ صالح، وقد قدّمنا أَنَّهم سُمُّوا بهذا الاسم لقلَّة مائهم.
والثَّمَدُ: الماء القليلُ، وكانوا سَبْعَمائة قبيلة، كُلّ قبيلة لها عددٌ لا يحصيه إِلاَّ الله تعالى، وكان لهم بئرٌ واحدة بوادِى القُرَى من ديار الحِجْر، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ}، وقال تعالى: {جَابُواْ الصَّخْرَ بِالْوَادِ}.
وكانوا من القوّة والمَهارة والحَذاقة بحدٍّ يَبْنُون من الصَّخْر الأَصمّ والجَبل الراسى بَيْتًا عظيمًا مَنْحُوتًا.
وهم كانوا أَيضًا شَعْبًا من عاد قوم هُود، وهم الَّذين قيل لهم عادٌ الأُولَى.
وقيل لثَمُودَ الأخْرَى.
ولمّا دعاهم صالح إِلى الله طلبوا منه المعجزة، فقالوا عَيِّنُوا لى ما شئتم.
فقالوا: على سبيل الاستهزاء أَخْرِج لنا ناقةً من هذا الحجر.
فأَوحى الله إِليه إِنَّا قد خلقنا ناقةً في قلب هذه الصَّخْرة منذ أَربعة آلافِ سنةٍ، وقد ضاق صَدْرها وضاق مكانُها، فادع الله بخلاصها من هذا المَضيق، فدَعاه تعالى فانشقت الصّخرةُ من ساعته، وخرجت ناقةٌ ونُتِجَت في الحال.
ولم يترك القوم تَمَرُّدَهم وتكذيبهم فأَشْرَكها الله معهم في الماء، وظنُّوا أَنَّها تضيّق عليهم فقصدوها وعقروها، وكان سببَ دَمارهم وخرابَ ديارهم.
فذكرهم الله عزَّ وجلّ في مواضع من القرآن.
وقال: {كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِطَغْوَاهَا}، وقال: {وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً}، وقال: {وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا}، وقال: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ}، وقال: {وَعَادٌ وَثَمُودُ * وَقَوْمُ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمُ لُوطٍ * وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ}، وقال: {وَفِي ثَمُودَ إِذْ قِيلَ لَهُمْ تَمَتَّعُواْ حَتَّى حِينٍ} وقال: {فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُواْ بِالطَّاغِيَةِ}، وقال: {وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى}.
قال بعضهم:
أَإِخْوانِى إِلى الرّحمان عُودُوا ** يَنَلْكُم من كَرامَتِه السُّعودُ

ومَنْ يَعْصى الإِله به اغْتِرارًا ** لَهُ في القَبْرِ من نارٍ مُهُودُ

يُقالُ له عَدا من كُلّ خَيْر ** أَلاّ بُعْدًا كما بَعدَتْ ثَمُودُ

. اهـ.

.قال ابن كثير:

.قصة صالح نبي ثمود عليه السلام:

وهم قبيلة مشهورة يقال ثمود باسم جدهم تمود أخي جديس وهما ابنا عابر بن إرم بن سام بن نوح وكانوا عربا من العارية يسكنون الحجر الذي بين الحجاز وتبوك وقد مر به رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ذاهب إلى تبوك بمن معه من المسلمين كما سيأتي بيانه وكانوا بعد قوم عاد وكانوا يعبدون الأصنام كأولئك فبعث الله فيهم رجلا منهم وهو عبدالله ورسوله صالح بن عبد بن ماسح (1) بن عبيد بن حاجر بن ثمود بن عابر بن إرم بن سام بن نوح فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له وأن يخلعوا الأصنام والأنداد ولا يشركوا به شيئا فآمنت به طائفة منهم وكفر جمهورهم ونالوا منه بالمقال والفعال وهموا بقتله وقتلوا الناقة التي جعلها الله حجة عليهم فأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر كما قال تعالى في سورة الأعراف: {وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره قد جاءتكم بينة من ربكم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب أليم واذكروا إذ جعلكم خلفاء من بعد عاد وبوأكم في الأرض تتخذون من سهولها قصورا وتنحتون من الجبال بيوتا فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الأرض مفسدين قال الملأ الذين استكبروا من قومه للذين استضعفوا لمن آمن منهم أتعلمون أن صالحا مرسل من ربه قالوا إنا بما أرسل به مؤمنون قال الذين استكبروا إنا بالذي آمنتم به كافرون فعقروا الناقة وعتوا عن أمر ربهم وقالوا يا صالح ائتنا بما تعدنا إن كنت من المرسلين فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين فتولى عنهم وقال يا قوم لقد أبلغتكم رسالة ربي ونصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحين} وقال تعالى في سورة هود: {وإلى ثمود أخاهم صالحا قال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب قالوا يا صالح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أتنهانا أن نترك ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير ويا قوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب فلما جاء أمرنا نجينا صالحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزي يومئذ إن ربك هو القوي العزيز وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في دارهم جاثمين كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمود كفروا ربهم ألا بعد الثمود} وقال تعالى في سورة الحجر: {ولقد كذب أصحاب الحجر المرسلين وآتيناهم آياتنا فكانوا عنها معرضين وكانوا ينحتون من الجبال بيوتا آمنين فأخذتهم الصيحة مصبحين فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون} وقال سبحانه وتعالى في سورة سبحان: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا} وقال تعالى في سورة الشعراء: {كذبت ثمود المرسلين إذ قال لهم أخوهم صالح ألا تتقون إني لكم رسول أمين فاتقوا الله وأطيعون وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين أتتركون فيما هاهنا آمنين في جنات وعيون وزروع ونخل طلعها هضيم وتنحتون من الجبال بيوتا فارهين فاتقوا الله وأطيعون ولا تطيعوا أمر المسرفين الذين يفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا إنما أنت من المسحرين ما أنت إلا بشر مثلنا فأت بآية إن كنت من الصادقين قال هذه ناقة لها شرب ولكم شرب يوم معلوم ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب عظيم فعقروها فأصبحوا نادمين فأخذهم العذاب إن في ذلك لآية وما كان أكثرهم مؤمنين وإن ربك لهو العزيز الرحيم} وقال تعالى في سورة النمل: {ولقد أرسلنا إلى ثمود أخاهم صالحا أن اعبدوا الله فإذا هم فريقان يختصمون قال يا قوم لم تستعجلون بالسيئة قبل الحسنة لولا تستغفرون الله لعلكم ترحمون قالوا اطيرنا بك وبمن معك قال طائركم عند الله بل أنتم قوم تفتنون وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون قالوا تقاسموا بالله لنبيتنه وأهله ثم لنقولن لوليه ما شهدنا مهلك أهله وإنا لصادقون ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون وأنجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون} وقال تعالى في سورة حم السجدة: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون} وقال تعالى في سورة اقتربت: {كذبت ثمود بالنذر فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر أألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر سيعلمون غدا من الكذاب الأشر إنا مرسلو الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر} وقال تعالى: {كذبت ثمود بطغواها إذ انبعث أشقاها فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقياها فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواها ولا يخاف عقباها} وكثيرا ما يقرن الله في كتابه بين ذكر عاد وثمود كما في سورة براءة وإبراهيم والفرقان وسورة ص وسورة ق والنجم والفجر ويقال إن هاتين الأمتين لا يعرف خبرهما أهل الكتاب وليس لهما ذكر في كتابهم التوراة ولكن في القرآن ما يدل على أن موسى أخبر عنهما كما قال تعالى في سورة إبراهيم: {وقال موسى إن تكفروا أنتم ومن في الأرض جميعا فإن الله لغني حميد ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات} الآية الطاهران هذا من تمام كلام موسى مع قومه ولكن لما كان هاتان الأمتان من العرب لم يضبطوا خبرهما جيدا ولا اعتنوا بحفظه وإن كان خبرهما كان مشهورا في زمان موسى عليه السلام وقد تكلمنا على هذا كله في التفسير متقصيا ولله الحمد والمنة.