فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} يعني وأرسلنا لوطًا إلى قومه.
ويقال: معناه واذكروا لوطًا إذ قال لقومه {أَتَأْتُونَ الفاحشة} يعني: اللواطة {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا} يعني: لم يعمل بمثل عملكم {مِنْ أَحَدٍ مّن العالمين} قبلكم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَلُوطًا} يعني وأرسلنا لوطًا وقيل معناه: واذكر لوطًا. وهو لوط بن هاران بن تارخ أخي إبراهيم عليه السلام {إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} وهم أهل سدوم، وذلك أنّ لوطًا شخص من أرض بابل مع عمّه إبراهيم عليه السلام مؤمنًا به مهاجرًا معه إلى الشام فنزل إبراهيم عليه السلام فلسطين وأنزل ابن أخيه لوطًا الأردن فأرسل الله إلى أهل سدوم فقال لهم: {أَتَأْتُونَ الفاحشة} يعني إتيان الذكران {مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِّن العالمين} قال عمرو بن دينار: ما كان يزني ذكر على ذكر في الدنيا حتّى كان قوم لوط. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ}.
لوط عليه السلام بعثه الله إلى أمة تسمى سدوم وروي أنه ابن أخي إبراهيم عليه السلام، ونصبه إما {أرسلنا} المتقدم في الأنبياء وإما بفعل مضمر تقديره واذكر {لوطَا} واستفهامه لهم هو على جهة التوقيف والتوبيخ والتشنيع، و{الفاحشة} هنا إتيان الرجال في الأدبار، وروي أنه لم تكن هذه المعصية في أمم قبلهم.
قال القاضي أبو محمد: وإن كان لفظ الآية يقتضي هذا فقد كانت الآية تحتمل أن يراد بها ما سبقكم أحد إلى لزومها وتشهيرها وروي أنهم إن كانوا يأتي بعضهم بعضًا، وروي أنهم إنما كانوا يأتون الغرباء قاله الحسن البصري، قال عمرو بن دينار ما زنا ذكر على ذكر قبل قوم لوط، وحكى النقاش: أن إبليس كان أصل عملهم بأن دعاهم إلى نفسه، وقال بعض العلماء عامل اللواط كالزاني، وقال مالك رحمه الله وغيره: يرجم أحصن أو لم يحصن، وحرق أبو بكر الصديق رضي الله عنه رجلًا يسمى الفجأة حين عمل عمل قوم لوط. اهـ.

.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {وَلُوطًا إذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعَالَمِينَ}.
فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: الْفَاحِشَةُ: قَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا؛ وَإِنَّمَا ذَكَرَ اللَّهُ هَذِهِ الْمَعْصِيَةَ، وَهِيَ إتْيَانُ الرِّجَالِ بِاسْمِ الْفَاحِشَةِ لِيُبَيِّنَ أَنَّهَا زِنًا، كَمَا قَالَ: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً}.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ لَمَّا ارْتَكَبُوا هَذِهِ الْفَاحِشَةَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ جَزَاءً عَلَى فِعْلِهِمْ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ يُعَزَّرُ؛ قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ.
الثَّانِي: قَالَ الشَّافِعِيُّ وَجَمَاعَةٌ: يُحَدُّ حَدُّ الزَّانِي، مُحْصَنًا بِجَزَائِهِ وَبِكْرًا بِجَزَائِهِ.
الثَّالِثُ: قَالَ مَالِكٌ: يُرْجَمُ أَحْصَنَ أَوْ لَمْ يُحْصَنْ؛ وَقَالَهُ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَالنَّخَعِيُّ وَعَطَاءٌ وَجَمَاعَةٌ.
أَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ يُعَزَّرُ فَتَعَلَّقَ بِأَنَّ هَذَا لَمْ يَزْنِ، وَعُقُوبَةُ الزَّانِي مَعْلُومَةٌ؛ فَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْمَعْصِيَةُ غَيْرَهَا وَجَبَ أَلَّا يُشَارِكَهَا فِي حَدِّهَا.
وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ زِنًا فَنَحْنُ الْآنَ نُثْبِتُهُ مَعَ الشَّافِعِيِّ رَدًّا عَلَى أَبِي حَنِيفَةَ الَّذِي يَجْعَلُهُ بِمَنْزِلَةِ الْوَطْءِ بَيْنَ الْفَخِذَيْنِ، فَيَقُولُ: قَدْ بَيَّنَّا مُسَاوَاتَهُ لِلزِّنَا فِي الِاسْمِ، وَهِيَ الْفَاحِشَةُ، وَهِيَ مُشَارَكَةٌ لَهُ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُ مَعْنًى مُحَرَّمٌ شَرْعًا، مُشْتَهًى طَبْعًا؛ فَجَازَ لَهُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ الْحَدُّ إذَا كَانَ مَعَهُ إيلَاجٌ وَهَذَا الْفِقْهُ صَحِيحٌ.
وَذَلِكَ أَنَّ الْحَدَّ لِلزَّجْرِ عَنْ الْمَوْضِعِ الْمُشْتَهَى، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ الْمَعْنَى كَامِلًا؛ بَلْ هَذَا أُحْرَمُ وَأَفْحَشُ؛ فَكَانَ بِالْعُقُوبَةِ أَوْلَى وَأَحْرَى.
فَإِنْ قِيلَ: هَذَا وَطْءٌ فِي فَرْجٍ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ إحْلَالٌ وَلَا إحْصَانٌ، وَلَا وُجُوبُ مَهْرٍ، وَلَا ثُبُوتُ نَسَبٍ؛ فَلَمْ يَتَعَلَّقْ بِهِ حَدٌّ.
قُلْنَا: هَذَا بَيَانٌ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ؛ فَإِنَّ بَقَاءَ هَذِهِ الْمَعَانِي فِيهِ لَا يُلْحِقُهُ بِوَطْءِ الْبَهِيمَةِ، إنَّمَا يُعَظِّمُ أَمْرَهُ عَلَى الْوَطْءِ فِي الْقُبُلِ تَعْظِيمًا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْعُقُوبَةَ فِيهِ، أَحْصَنَ أَوْ لَمْ يُحْصِنْ؛ أَلَا تَرَى إلَى عُقُوبَةِ اللَّهِ عَلَيْهِ مَا أَعْظَمَهَا.
فَإِنْ قِيلَ: عُقُوبَةُ اللَّهِ لَا حُجَّةَ فِيهَا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَوْمَ لُوطٍ إنَّمَا عُوقِبُوا عَلَى الْكُفْرِ.
الثَّانِي: أَنَّ صَغِيرَهُمْ وَكَبِيرَهُمْ دَخَلَ فِيهَا.
فَدَلَّ عَلَى خُرُوجِهَا عَنْ بَابِ الْحُدُودِ.
فَالْجَوَابُ أَنَّا نَقُولُ: أَمَّا قَوْلُهُمْ إنَّ اللَّهَ عَاقَبَهُمْ عَلَى الْكُفْرِ لِهَذَا غَلَطٌ؛ فَإِنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا عَلَى مَعَاصٍ فَأَخَذَهُمْ مِنْهَا بِهَذِهِ، أَلَا تَسْمَعُهُ يَقُولُ: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنْ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ عَادُونَ}.
قَالُوا لَهُ: لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَنَفْعَلَنَّ بِك يَا لُوطُ، فَفَعَلَ اللَّهُ بِهِمْ قَبْلَ ذَلِكَ.
الثَّانِي: أَنَّهُ إنَّمَا أَخَذَ الصَّغِيرَ وَالْكَبِيرَ؛ لِسُكُوتِ الْجُمْلَةِ عَلَيْهِ وَالْجَمَاهِيرِ؛ فَكَانَ مِنْهُمْ فَاعِلٌ، وَكَانَ مِنْهُمْ رَاضٍ؛ فَعُوقِبَ الْجَمِيعُ، وَبَقِيَ الْأَمْرُ فِي الْعُقُوبَةِ عَلَى الْفَاعِلِينَ مُسْتَمِرًّا.
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُد، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَالنَّسَائِيُّ، وَغَيْرُهُمْ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَنْ وَجَدْتُمُوهُ يَعْمَلُ عَمَلَ قَوْمِ لُوطٍ فَاقْتُلُوا الْفَاعِلَ وَالْمَفْعُولَ بِهِ}.
فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ رَوَى هَؤُلَاءِ الْأَئِمَّةُ وَغَيْرُهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {مَنْ وَجَدْتُمُوهُ قَدْ أَتَى بَهِيمَةً فَاقْتُلُوهُ وَاقْتُلُوا الْبَهِيمَةَ}.
قُلْنَا: هَذَا الْحَدِيثُ مَتْرُوكٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَلَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ إذَا سَقَطَ حَدِيثٌ بِالْإِجْمَاعِ أَنْ يَسْقُطَ مَا لَمْ يُجْمَعْ عَلَيْهِ. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {أتأتون الفاحشة} يعني إتيان الرجال.
{ما سبقكم بها من أحد} قال عمرو بن دينار: ما نزا ذكَر على ذكر في الدنيا حتى كان قوم لوط.
وقال بعض اللغويين: لوط: مشتق من لطت الحوض: إذا ملسته بالطين.
قال الزجاج: وهذا غلط، لأنه اسم أعجمي كاسحاق، ولا يقال: إنه مشتق من السحق وهو البعد. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ}.
فيه أربع مسائل:
الأولى: قوله تعالى: {وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ} قال الفرّاء: لوط مشتق من قولهم: هذا ألْيَط بقلبي، أي ألصق.
وقال النحاس: قال الزجاج زعم بعض النحويين يعني الفرّاء أن لوطًا يجوز أن يكون مشتقًا من لُطْتُ الحوض إذا ملسته بالطين.
قال: وهذا غلط؛ لأن الأسماء الأعجمية لا تشتقّ كإسحاق، فلا يقال: إنه من السُّحق وهو البُعد.
وإنما صرف لوط لخفته لأنه على ثلاثة أحرف وهو ساكن الوسط.
قال النقاش: لوط من الأسماء الأعجمية وليس من العربية.
فأما لُطْتُ الحوض، وهذا ألْيَط بقلبي من هذا، فصحيح.
ولكن الاسم أعجميّ كإبراهيم وإسحاق.
قال سيبويه: نُوحٌ ولُوطٌ أسماء أعجمية، إلا أنها خفيفة فلذلك صرِفت.
بعثه الله تعالى إلى أمة تسمى سدوم، وكان ابن أخي إبراهيم.
ونَصْبُه إما ب {أَرْسَلْنَا} المتقدّمة فيكون معطوفًا.
ويجوز أن يكون منصوبًا بمعنى واذكر.
الثانية: قوله تعالى: {أَتَأْتُونَ الفاحشة} يعني إتْيَان الذكور.
ذكرها الله باسم الفاحشة ليبيِّن أنها زِنًى؛ كما قال تعالى: {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً} [الإسراء: 32].
واختلف العلماء فيما يجب على من فعل ذلك بعد إجماعهم على تحريمه؛ فقال مالك: يُرْجَم؛ أحْصِن أو لم يُحصَن.
وكذلك يرجم المفعول به إن كان محتلمًا.
وروي عنه أيضًا: يرجم إن كان مُحْصَنًا، ويحبس ويؤدّب إن كان غير محصن.
وهو مذهب عطاء والنخعيّ وابن المسيب وغيرهم.
وقال أبو حنيفة: يُعَزَّز المحصن وغيره؛ وروي عن مالك.
وقال الشافعِيّ: يحدّ حَدّ الزِّنَى قياسًا عليه.
احتج مالك بقوله تعالى: {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ} [الحجر: 74].
فكان ذلك عقوبة لهم وجزاءً على فعلهم.
فإن قيل: لا حجة فيها لوجهين؛ أحدهما أن قوم لوط إنما عوقبوا على الكفر والتكذيب كسائر الأمم.
الثاني أن صغيرهم وكبيرهم دخل فيها؛ فدلّ على خروجها من باب الحدود.
قيل: أمّا الأوّل فغلط؛ فإن الله سبحانه أخبر عنهم أنهم كانوا على معاصي فأخذهم بها؛ منها هذه.
وأمّا الثاني فكان منهم فاعل وكان منهم راضٍ، فعُوقب الجميع لسكوت الجماهير عليه.
وهي حكمة الله وسنته في عباده.
وبَقِي أمرُ العقوبة على الفاعلين مستمرًا.
والله أعلم.
وقد رَوَى أبو داود وابن ماجه والترمِذيّ والنسائِي والدَّارَقُطْنِيّ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به» لفظ أبي داود وابن ماجه.
وعند الترمذِيّ «أحْصنا أو لم يحصنا» وروى أبو داود والدارقطنِيّ عن ابن عباس في البِكر يوجد على اللُّوطِية قال: يرجم.
وقد رُوي عن أبي بكر الصدّيق رضي الله عنه أنه حرَّق رجلًا يُسمّى الفُجاءة حين عمل عمل قوم لوط بالنار.
وهو رأي عليّ بن أبي طالب؛ فإنه لما كتب خالد بن الوليد إلى أبي بكر في ذلك جمع أبو بكر أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم واستشارهم فيه؛ فقال عليّ: إن هذا الذنب لم تَعْصِ به أُمّةٌ من الأُمم إلا أُمّة واحدة صنع الله بها ما علمتم، أرى أن يُحرق بالنار.
فاجتمع رأي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحرق بالنار.
فكتب أبو بكر إلى خالد ابن الوليد أن يحرقه بالنار فأحرقه.
ثم أحرقهم ابن الزبير في زمانه.
ثم أحرقهم هشام بن الوليد.
ثم أحرقهم خالد القَسْرِي بالعراق.