فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

{وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مِّنكُمْ} يعني الرؤساء الذين تعالوا عن الإيمان به {لَنُخْرِجَنَّكَ يا شعيب والذين آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} لترجعن إلى ديننا الذي نحن عليه وتدعون دينكم.
قال شعيب: {قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} لذلك يعني ولو كنّا كارهين لذلك تجبروننا عليه فأُدخلت الف الاستفهام على ولو. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا}.
المعنى: وإن كنتم يا قوم قد اختلفتم عليَّ وشعبتم بكفركم أمري فآمنت طائفة وكفرت طائفة فاصبروا أيها الكفرة حتى يأتي حكم الله بيني وبينكم، وفي قوله: {فاصبروا} قوة التهديد والوعيد، هذا ظاهر الكلام وأن المخاطبة بجميع الآية للكفار، وحكى منذر بن سعيد عن ابن عباس أن الخطاب بقوله: {فاصبروا} للمؤمنين على معنى الوعد لهم، وقاله مقاتل بن حيان، قال النقاش وقال مقاتل بن سليمان المعنى {فاصبروا} يا معشر الكفار.
قال القاضي أبو محمد: وهذا قول الجماعة. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به طائفة لم يؤمنوا} أي: إن أختلفتم في رسالتي، فصرتم فريقين، مصدِّقين ومكذِّبين {فاصبروا حتى يحكم الله بيننا} بتعذيب المكذبين، وإنجاء المصدِّقين {وهو خير الحاكمين} لأنه العدل الذي لا يجور. اهـ.

.قال الخازن:

{وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا} يعني وإن اختلفتم في رسالتي فصرتم فرقتين فرقة آمنت بهي وصدق برسالتي وفرقة كذبن وجحدت رسالتي {فاصبروا} فيه وعيد وتهديد {حتى يحكم الله بيننا} يعني حتى يقضي الله ويفصل بيننا فيعجز المؤمنين المصدقين وينصرهم ويهلك المكذبين الجاحدين ويعذبهم {وهو خير الحاكمين} يعني أنه حاكم عادل منزه عن الجور والميل والحيف في حكمه وإنما قال خير الحاكمين لأنه قد يسمى بعض الأشخاص حاكمًا على سبيل المجاز والله تعالى هو الحاكم في الحقيقة فلهذا قال وهو خير الحاكمين. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذي أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا فاصبِروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين}.
هذا الكلام من أحسن ما تلطف به في المحاورة إذ برز المتحقق في صورة المشكوك فيه وذلك أنه قد آمن به طائفة بدليل قول المستكبرين عن الإيمان {لنخرجنّك يا شعيب والذين آمنوا معك} وهو أيضًا من بارع التقسيم إذ لا يخلو قومه من القسمين والذي أرسل به هنا ما أمرهم به من إفراد الله تعالى بالعبادة وإيفاء الكيل والميزان ونهاهم عنه من البخس والإفساد والقعود المذكور ومتعلق {لم يؤمنوا} محذوف دلّ عليه ما قبله وتقديره لم يؤمنوا به والخطاب بقوله: {منكم} لقومه وينبغي أن يكون قوله: {فاصبِروا} خطابًا لفريقي قومه من آمن ومن لم يؤمن {بيننا} أي بين الجميع فيكون ذلك وعدًا للمؤمنين بالنصر الاذي هو نتيجة الصّبر فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا وعيدًا للكافرين بالعقوبة والخسار، وقال ابن عطية: المعنى وإن كنتم يا قوم قد اختلفتم علي وشعبتم بكفركم أمري فآمنت طائفة وكفرت طائفة فاصبروا أيها الكفرة حتى يأتي حكم الله بيني وبينكم ففي قوله فاصبروا قوة التهديد والوعيد هذا ظاهر الكلام وأنّ المخاطبة بجميع الآية للكفار، قال النقاش وقال مقاتل بن سليمان: المعنى {فاصبِروا} يا معشر الكفار قال: وهذا قول الجماعة انتهى، وهذا القول بدأ به الزمخشري، فقال: {فاصبروا} فتربصوا وانتظروا {حتى يحكم الله بيننا} أي بين الفريقين بأن ينصر المحقين على المبطلين ويظهرهم عليهم وهذا وعيد للكافرين بانتقام الله تعالى منهم لقوله تعالى: {فتربصوا إنا معكم متربصون} انتهى.
قال ابن عطية: وحكى منذر بن سعيد عن أبي سعيد أنّ الخطاب بقوله: {فاصبروا} للمؤمنين على معنى الوعد لهم وقاله مقاتل بن حيان انتهى وثنى به الزمخشري فقال أو هو موعظة للمؤمنين وحثّ على الصبر واحتمال ما كان يلحقهم من أذى المشركين إلى أن يحكم الله بينهم وينتقم لهم منهم انتهى، والذي قدمناه أولًا من أنه خطاب للفريقين هو قول أبي علي وأتى به الزمخشري ثالثًا فقال: ويجوز أن يكون خطابًا للفريقين ليصبر المؤمنون على أذى الكفار وليصبر الكفار على ما يسوءهم من إيمان من آمن منهم حتى يحكم الله فيميز الخبيث من الطيّب انتهى، وهو جار على عادته من ذكر تجويزات في الكلام توهّم أنها من قوله وهي أفعال للعلماء المتقدمين {وهو خير الحاكمين} لأنّ حكمه عدل لا يخشى أن يكون به حيف وجور. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مّنكُمْ ءامَنُواْ بالذى أُرْسِلْتُ بِهِ} من الشرائع والأحكام {وَطَائِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ} أي به أو لم يفعلوا الإيمان {فاصبروا حتى يَحْكُمَ الله بَيْنَنَا} أي بين الفريقين بنصر المُحقّين على المبطلين فهو وعدٌ للمؤمنين ووعيدٌ للكافرين {وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين} إذ لا معقِّبَ لحكمه ولا حَيْفَ فيه. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَإِن كَانَ طَائِفَةٌ مّنكُمْ ءامَنُواْ بالذى أُرْسِلْتُ بِهِ} من الشرائع والأحكام {وَطَائِفَةٌ لَّمْ يْؤْمِنُواْ} به أو لم يفعلوا الإيمان {فاصبروا حتى يَحْكُمَ الله بَيْنَنَا} خطاب للكفار ووعيد لهم أي تربصوا لتروا حكم الله تعالى بيننا وبينكم فإنه سبحانه سينصر المحق على المبطل ويظهره عليه، أو هو خطاب للمؤمنين وموعظة لهم وحث على الصبر واحتمال ما كان يلحقهم من أذى المشركين إلى أن يحكم الله تعالى بينهم وينتقم لهم منهم.
ويجوز أن يكون خطابًا للفريقين أي ليصبر المؤمنون على أذى الكفار وليصبر الكفار على ما يسوؤهم من إيمان من آمن منهم حتى يحكم فيميز الخبيث من الطيب، والظاهر الاحتمال الأول.
وكان المقصود أن إيمان البعض لا ينفعكم في دفع بلاء الله تعالى وعذابه {وَهُوَ خَيْرُ الحاكمين} إذ لا معقب لحكمه ولا حيف فيه فهو في غاية السداد. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا}.
و{الطائفة} الجماعة ذاتُ العدد الكثير وتقدّمت عند قوله تعالى: {فلتقُم طائفة منهم معك} في سورة النّساء (102).
والشّرط في قوله: {وإن كان طائفة} أفاد تعليق حصول مضمون الجزاء في المستقبل، أعني ما تضمّنه الوعيد للكافرين به والوعدُ للمؤمنين، على تحقّق حصول مضمون فعل الشّرط، لا على ترقّب حصول مضمونه، لأنّه معلوم الحصول، فالماضي الواقع فعلًا للشّرط هنا ماض حقيقي وليس مؤولًا بالمستقبل، كما هو الغالب في وقوع الماضي في سياق الشّرط بقرينة كونه معلوم الحصول، وبقرينة النّفي بلم المعطوف على الشّرط فإنّ لَمْ صَريحة في المضيّ، وهذا مثل قوله تعالى: {إنْ كنتُ قلتُه فقد علمتَهُ} [المائدة: 116] بقرينة قد إذ الماضي المدخول لقد لا يقلب إلى معنى المستقبل.
فالمعنى: إن تبيَّن أن طائفة آمنوا وطائفة كفروا فسيحكم الله بيننا فاصبروا حتّى يحكم ويَؤول المعنى: إن اختلفتم في تصديقي فسيظهر الحكم بأنّي صادق.
وليست إنْ بمفيدة الشكّ في وقوع الشّرط كما هو الشان، بل اجْتلبت هنا لأنّها أصل أدوات الشّرط، وإنَّما يفيد معنى الشكّ أو ما يَقرب منه إذا وقع العدول عن اجتلاب إذَا حين يصحّ اجتلابها، فأمّا إذا لم يصحّ اجتلاب إذا فلا تدلّ إنْ على شكّ وكيفَ تفيد الشكّ مع تحقّق المضي، ونظيره قول النّابغة:
لَئِنْ كنتَ قد بُلِّغْتَ عنّي وشَايَةً ** لَمُبْلغكَ الواشي أغَشّ وأكذب

والصّبر: حبس النّفس في حال التّرقب، سواء كان ترقب محبوب أم ترقب مكروه، وأشهر استعماله أن يطلق على حبس النّفس في حال فِقدان الأمر المحبوب، وقد جاء في هذه الآية مستعملًا في القدْر المشترك لأنّه خوطب به الفريقان: المؤمنون والكافرون، وصبر كلّ بما يناسبه، ولعلّه رجح فيه حال المؤمنين، ففيه إيذان بأنّ الحكم المترقّب هو في منفعة المؤمنين، وقد قال بعض المفسّرين: إنّه خطاب للمؤمنين خاصة.
و{حتّى} تفيد غاية للصّبر، وهي مؤذنة بأن التّقدير: وإن كان طائفة منكم آمنوا وطائفة لم يؤمنوا فسيحكم الله بيْننا فاصبروا حتّى يحكم.
وحكم الله أريد به حكم في الدّنيا بإظهار أثر غضبه على أحد الفريقين ورضاه على الذين خالفوهم، فيظهر المحقّ من المبطل، وهذا صدر عن ثقة شّعيب عليه السّلام بأنّ الله سيحكم بينه وبين قومه استنادًا لوعد الله إياه بالنَّصْر على قومه، أو لعلمه بسنّة الله في رسله ومَن كذّبهم بإخبار الله تعالى إياه بذلك، ولولا ذلك لجاز أن يتأخر الحكم بين الفريقين إلى يوم الحساب، وليس هو المراد من كلامه لأنّه لا يناسب قوله: {فاصبروا} إذا كان خطابًا للفريقين، فإن كان خطابا للمؤمنين خاصة صحّ إرادة الحُكمين جميعًا.
وأدْخَل نفسه في المحكوم بينهم بضمير المشاركة لأنّ الحكم المتعلّق بالفريق الذين آمنوا به يعتبر شاملًا له لأنّه مؤمن برسالة نفسه.
وجملة: {وهو خير الحاكمين} تذييل بالثّناء على الله بأنّ حكمه عَدْل محض لا يحتمل الظلم عَمدًا ولا خطأ، وغيره من الحاكمين يقع منه أحد الأمرين أو كلاهما.
و{خير}: اسم تفضيل أصله أخْيَر فخفّفوه لكثرة الاستعمال. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَإِنْ كَانَ طَائِفَةٌ مِنْكُمْ آَمَنُوا بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ وَطَائِفَةٌ لَمْ يُؤْمِنُوا فَاصْبِرُوا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَنَا}.
وهذا القول يوضح لنا أن طائفة آمنت، وطائفة لم تؤمن، ثم جاء الأمر للطائفتين، فأمر المؤمنين بالصبر تأنيس لهم، وأمر الكافرين بالصبر تهديد لهم.
وهذه دقة القرآن في الأداء وعظمة البيان والبلاغة. إذن، فكلمة: فاصبروا نفعت في التعبير عن الأمر بالصبر للذين آمنوا، ونفعت في كشف المصير الذي ينتظر الذين لم يؤمنوا، فصبر الكافرين مآله وعاقبته، إما أن يخجلوا من أنفسهم فيؤمنوا، وإما أن يجدوا العذاب، وصبر المؤمنين يقودهم إلى الجنة، وأن الذي يحكم هو الله وهو خير الحاكمين؛ لأن المحكوم عليهم بالنسبة له سواء، فلا أحد منهم له أفضلية على أحد، ولا أحد منهم قريبه، وإلا قرابة القربى والزلفى إليه، وسبحانه هو العادل بمطلق العدل، ولا يظلم أحدًا. اهـ.

.من فوائد صاحب المنار في الآيات السابقة:

قال رحمه الله:
{وَإِلَى مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ}.
قِصَّةُ شُعَيْبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ:
هُوَ مِنْ أَنْبِيَاءِ الْعَرَبِ الْمُرْسَلِينَ وَاسْمُهُ مُرْتَجَلٌ وَقِيلَ: مُصَغَّرُ شَعْبٍ بِفَتْحِ الْمُعْجَمَةِ أَوْ كَسْرِهَا، وَمَا قِيلَ مِنْ حَظْرِ تَصْغِيرِ أَسْمَاءِ الْأَنْبِيَاءِ لَا يَدْخُلُ فِيهِ الْوَضْعُ الْأَوَّلُ، بَلِ الْمُرَادُ بِهِ تَصْغِيرُ الِاسْمِ الْمَعْرُوفِ بِمَا يُوهِمُ الِاحْتِقَارَ، كَأَنْ تَقُولَ فِي شُعَيْبٍ شُعَيْعِيبٌ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُصَغَّرٍ فِي الْأَصْلِ، وَقَصْدُ الِاحْتِقَارِ لَا يَقَعُ مِنْ مُؤْمِنٍ بِأَنَّهُ مِنْ رُسُلِ اللهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ.
أَخْرَجَ ابْنُ عَسَاكِرَ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ بِشْرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبِيدُ اللهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ عَنْ بَعْضِ مَنْ قَرَأَ الْكُتُبَ قَالَ: إِنَّ أَهْلَ التَّوْرَاةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ شُعَيْبًا اسْمُهُ فِي التَّوْرَاةِ مِيكَائِيلُ وَاسْمُهُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ خَبْرِيُّ بْنُ يَشْخُرَ بْنِ لَاوَى بْنِ يَعْقُوبَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِهِ عَنِ الشَّرْقِيِّ بْنِ الْقَطَامِيِّ وَكَانَ نَسَّابَةً عَالِمًا بِالْأَنْسَابِ قَالَ: هُوَ يتروب بِالْعِبْرَانِيَّةِ وَشُعَيْبٌ بِالْعَرَبِيَّةِ ابْنُ عَيْفَا بْنِ يَوْبَبِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَوْبَبُ بِوَزْنِ جَعْفَرٍ أَوَّلُهُ مُثَنَّاةٌ تَحْتِيَّةٌ وَبَعْدَ الْوَاوِ مُوَحَّدَتَانِ انْتَهَى مِنَ الدُّرِّ الْمَنْثُورِ. وَلَعَلَّ يَشْخُرَ فِيهِ مُصْحَّفُ يَشْجُرَ.