فصل: تفسير الآية رقم (88):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (88):

قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ (88)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما انتهى كلامه عليه السلام على هذا الوجه البديع، أخبر سبحانه بما أفهم أن قومه لم يجدوا جوابًا عنه أصلًا لأنهم انتقلوا إلى الدفاع بالفعل، وهو أمارة الانقطاع، فقال مستأنفًا: {قال الملأ} أي الأشراف {الذين استكبروا} أي أوجدوا الكبر إيجاد من هو طالب له بغاية الرغبة، وخصهم ليحصل تمام التسلية بقوله: {من قومه لنخرجنك} وبين غلظتهم وحفاءهم بقولهم: {يا شعيب} من غير استعطاف ولا إجلال {والذين آمنوا} ويجوز أن يتعلق قوله: {معك} بـ {آمنوا} وب نخرج {من قريتنا} أي من المكان الجامع لنا لمفارقتكم إيانا {أو لتعودن} أي إلا أن تعودوا، أي ليكونن آخر الأمرين: إما الإخراج وإما العود {في ملتنا} أي بالسكوت عنا كما كنتم، ولم يريدوا منه العود إلى الكفر لأنه صلى الله عليه وسلم كان محفوظًا قبل النبوة كإخوانه من الأنبياء عليهم السلام، بل كانوا يعدون سكوته عليه السلام- قبل إرساله إليهم من دعائهم وسب آلهتهم وعيب دينهم- كونًا في ملتهم، ومرادهم الآن رجوعه عليه السلام إلى تلك الحالة والقناعة ممن اتبعه بذلك، فيكون مرادهم بالعود حقيقة في الجميع.
ولما كان من الإخراج والرد مستعظمًا، أخبر تعالى أنه أنكره بقوله: {قال أولو} أي أتخرجوننا أو تعيدوننا لو كنا راضين للإخراج والعود ولو {كنا كارهين}. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا}.
اعلم أن شعيبًا لما قرر تلك الكلمات قال: {الذين استكبروا} وأنفوا من تصديقه وقبول قوله لابد من أحد أمرين: إما أن ونخرجك ونخرج أتباعك من هذه القرية وإما أن تعود إلى ملتنا، والإشكال فيه أن يقال: إن قولهم: {أَوْ لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنَا} يدل على أنه عليه السلام كان على ملتهم التي هي الكفر، فهذا يقتضي أنه عليه السلام كان كافرًا قبل ذلك، وذلك في غاية الفساد، وقوله: {قَدِ افترينا عَلَى الله كَذِبًا إِنْ عُدْنَا في مِلَّتِكُمْ} يدل أيضًا على هذا المعنى.
والجواب من وجوه:
الأول: أن أتباع شعيب كانوا قبل دخولهم في دينه كفارًا فخاطبوا شعيبًا بخطاب أتباعه وأجروا عليه أحكامهم.
الثاني: أن رؤساءهم قالوا ذلك على وجه التلبيس على العوام يوهمون أنه كان منهم، وأن شعيبًا ذكر جوابه على وفق ذلك الإيهام.
الثالث: أن شعيبًا في أول أمره كان يخفي دينه ومذهبه، فتوهموا أنه كان على دين قومه.
الرابع: لا يبعد أن يقال: إن شعيبًا كان على شريعتهم، ثم إنه تعالى نسخ تلك الشريعة بالوحي الذي أوحاه إليه.
الخامس: المراد من قوله: {أَوْ لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنَا} أي لتصيرن إلى ملتنا فوقع العود بمعنى الابتداء.
تقول العرب: قد عاد إلي من فلان مكروه، يريدون قد صار إلي منه المكروه ابتداء.
قال الشاعر:
فإن تكن الأيام أحسن مدة ** إلى فقد عادت لهن ذنوب

أراد فقد صارت لهن ذنوب، ولم يرد أن ذنوبًا كانت لهن قبل الإحسان، ثم إنه تعالى بين أن القوم لما قالوا ذلك أجاب شعيب عليه السلام عن كلامهم بوجهين: الأول: قوله: {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} الهمزة للاستفهام، والواو واو الحال.
تقديره: أتعيدوننا في ملتكم في حال كراهتنا، ومع كوننا كارهين. اهـ.

.قال السمرقندي:

{قَالَ الملأ الذين استكبروا مِن قَوْمِهِ} يعني الأشراف والرؤساء تعظموا عن الإيمان من قومه {لَنُخْرِجَنَّكَ ياشعيب والذين ءامَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} أي لتدخلنا في ديننا الذي نحن عليه.
ويقال: هذا الخطاب لقومه الذين آمنوا لترجعن إلى ديننا كما كنتم {قَالَ} لهم شعيب {أَوْ لَوْ كُنَّا كارهين} يعني: أتجبروننا على ذلك؟ قالوا: نعم قال لهم شعيب: {قَدِ افترينا عَلَى الله كَذِبًا إِنْ عُدْنَا في مِلَّتِكُمْ}. اهـ.

.قال ابن عطية:

{قَالَ الملأ الذين استكبروا مِن قَوْمِهِ}.
وتقدم القول في معنى {الملأ} ومعنى الاستكبار، وقولهم: {لنخرجنك يا شعيب} تهديد بالنفي، والقرية المدينة الجامعة للناس لأنها تقرت أي اجتمعت، وقولهم أو {لتعودون في ملتنا} معناه أو لتصيرن، وعاد: تجيء في كلام العرب على وجهين. أحدهما عاد الشيء إلى حال قد كان فيها قبل ذلك، وهي على هذه الجهة لا تتعدى فإن عديت فبحرف، ومنه قول الشاعر: [السريع]
إن عادت العقرب عدنا لها ** وكانت النعل لها حاضرة

ومنه قول الآخر: [الطويل]
ألا ليت أيام الشباب جديدُ ** وعصرًا تولّى يا بثين يعودُ

ومنه قوله تعالى: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا} [الأنعام: 28] ومنه قول الشاعر: [الطويل]
فإن تكن الأيام أحسن مرة ** إليّ فقد عادَتْ لَهُنَّ ذُنُوبُ

والوجه الثاني أن تكون بمعنى صار وعاملة عملها ولا تتضمن أن الحال قد كانت متقدمة. ومن هذه قول الشاعر: [البسيط]
تلك المكارم لاقعبان من لبن ** شيبًا بماء فعادوا بعد أبوالا

ومنه قول الآخر: [الرجز]
وعاد رأسي كالثغامة

ومنه قوله تعالى: {حتى عاد كالعرجون القديم} [يس: 39] على أن هذه محتملة، فقوله في الآية أو {لتعودن} و{شعيب} عليه السلام لم يكن قط كافرًا يقتضي أنها بمعنى صار، وأما في جهة المؤمنين بعد كفرهم فيترتب المعنى الآخر ويخرج عنه {شعيب} إلا أن يريدوا عودته إلى حال سكوته قبل أن يبعث، وقوله: {أو لو كنا كارهين} توقيف منه لهم على شنعة المعصية وطلب أن يقروا بألسنتهم بإكراه المؤمنين بالله على الإخراج ظلمًا وغشمًا. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {أو لتعودُنَّ في ملتنا}.
يعنون: ديننا، وهو الشرك.
قال الفراء: جعل في قوله: {لتعودن} لامًا كجواب اليمين، وهو في معنى شرط، ومثله في الكلام: والله لأضربنَّك أو تُقِرّ لي، فيكون معناه معنى: إلا أو معنى: حتى.
{قال أو لو كنا كارهين} أي: أو تجبروننا على ملتكم إن كرهناها؟! والألف للاستفهام.
فإن قيل: كيف قالوا: {لتعودن}، وشعيب لم يكن في كفر قط، فيعود إليه؟ فعنه جوابان.
أحدهما: أنهم لما جمعوا في الخطاب معه من كان كافرًا، ثم آمن، خاطبوا شعيبًا بخطاب أتباعه، وغلَّبوا لفظهم على لفظه، لكثرتهم، وانفراده.
والثاني: أن المعنى: لتصيرُنّ إلى ملتنا؛ فوقع العَود على معنى الابتداء، كما يقال: قد عاد عليَّ من فلان مكروه، أي: قد لحقني منه ذلك؛ وإن لم يكن سبق منه مكروه.
قال الشاعر:
فانْ تكنِ الأيَّامُ أحَسنَّ مَرةً ** إليَّ فقد عَادَتْ لَهُنُّ ذُنوْبُ

وقد شرحنا هذا في قوله: {وإلى الله تُرجع الأمور} في سورة [البقرة: 210]، وقد ذكر معنى الجوابين الزجاج، وابن الأنباري. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {قَالَ الملأ الذين استكبروا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ ياشعيب والذين آمَنُواْ مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا} تقدّم معناه.
ومعنى {أَوْ لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنَا} أي لتصِيرُنّ إلى ملتنا.
وقيل: كان أتباع شعيب قبل الإيمان به على الكفر، أي لتعودُنّ إلينا كما كنتم من قبل. اهـ.
وقال القرطبي:
قال الزجاج: يجوز أن يكون العود بمعنى الابتداء؛ يقال: عاد إليّ من فلان مكروه، أي صار، وإن لم يكن سبقه مكروه قبل ذلك، أي لحقني ذلك منه.
فقال لهم شعيب؛ {أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ} أي ولو كنا كارهين تجبروننا عليه، أي على الخروج من الوطن أو العود في مِلتكم.
أي إن فعلتم هذا أتيتم عظيمًا.اهـ.

.قال الخازن:

{قال الملأ الذين استكبروا من قومه} يعني قال الجماعة من أشراف قومه الذين تكبروا عن الإيمان بالله وبرسوله وتعظموا عن اتباع شعيب {لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودنّ في ملتنا} عين أن قوم شعيب أجابوه بأن قالوا لابد من أحد أمرين إما إخراجك ومن تبعك على دينك من بلدنا او لترجعن إلى ديننا وملتنا وما نحن عليه وهذا فيه إشكال وهو أن شعيبًا عليه الصلاة والسلام لم يكن قط على ملتهم حتى يرجع إلى ما كان عليه فما معنى قوله أو لتعودن في ملتنا وأجيب عن هذا الإشكال بأن اتباع شعيب كانوا قبل الإيمان به على ملة أولئك الكفار فخاطبوا شعيبا وأتباعه جميعًا فدخل هو في الخطاب وإن لم يكن على ملتهم قط.
وقيل: معناه لتصيرن إلى ملتنا فوقع العود على معنى الابتداء كما تقول قد عاد عليّ من فلان مكروه بمعنى قد لحقني منه ذلك وإن لم يكن قد سبق منه مكروه فهو كما قال الشاعر:
فإن تكن الأيام أحسن مدة ** إلي فقد عادت لهن ذنوب

أراد فقد صارت لهن ذنوب ولم يرد أن ذنوبًا كانت لهن قبل الإحسان.
وقوله تعالى: {قال أولو كنا كارهين} أي لا نعود في ملتكم وإن أكرهتمونا وأجبرتمونا على الدخول فيها فلا نقبل ولا ندخل. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنّك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا} أي الكفار {الذين استكبروا} عن الإيمان أقسموا على أحد الأمرين إخراج شعيب وأتباعه أو عودتهم في ملته والقسم يكون على فعل المقسم وفعل غيره سوّوا بين نفيه ونفي أتباعه وبين العود في الملّة وهذا يدلّ على صعوبة مفارقة الوطن إذ قرنوا ذلك بالعود إلى الكفر وفي الإخراج والعود طباق معنوي وعاد كما تقدّم لها استعمالان أحدهما أن تكون بمعنى صار والثاني بمعنى رجع إلى ما كان عليه فعلى الأوّل لا إشكال في قوله أو لتعودن إذ صار فعلًا مسندًا إلى شعيب وأتباعه ولا يدلّ على أن شعيبًا كان في ملتهم وعلى المعنى الثاني يشكل لأنّ شعيبًا لم يكن في ملتهم قط لكن أتباعهم كانوا فيها، وأجيب عن هذا بوجوه، أحدها: أن يراد بعود شعيب في الملة حال سكوته عنهم قبل أن يبعث لإحالة الضلال فإنه كان يخفي دينه إلى أن أوحى الله إليه، الثاني: أن يكون من باب تغليب حكم الجماعة على الواحد لما عطفوا أتباعه على ضميره في الإخراج سحبوا عليه حكمهم في العود وإن كان شعيب بريئًا مما كان عليه أتباعه قبل الإيمان، الثالث: أن رؤساءهم قالوا ذلك على سبيل التلبيس على العامّة والإيهام أنه كان منهم {قال أولو كنا كارهين} أي أيقع منكم أحد هذين الأمرين على كل حال حتى في حال كراهيتنا لذلك والاستفهام للتوقيف على شنعة المعصية بما أقسموا عليه من الإخراج عن مواطنهم ظلمًا أو الإقرار بالعود في ملتهم، قال الزمخشري الهمزة للاستفهام والواو واو الحال تقديره أتعيدوننا في ملّتكم في حال كراهتنا أو مع كوننا كارهين انتهى، فجعل الاستفهام خاصًا بالعود في ملتهم وليس كذلك بل الاستفهام هو عن أحد الأمرين الإخراج أو العود وجعل الواو واو الحال وقدره أتعيدوننا في حال كراهتنا وليست واو الحال التي يعبّر عنها النحويون بواو الحال بل هي واو العطف عطفت على حال محذوفة كقوله: «ردّوا السائل ولو بظلف محرق» ليس المعنى ردّوه في حال الصدفة عليه بظلف محرق بل المعنى ردّوه مصحوبًا بالصدقة ولو مصحوبًا بظلف مخرق تقدم لنا إشباع القول في نحو هذا. اهـ.