فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في الآية:
قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {قَالَ المَلأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِن قَوْمِهِ لَنُخْرِجَنَّكَ يَا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَكَ مِن قَرْيَتِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنَا قَالَ أَوَلَوْ كُنَّا كَارِهِينَ}.
كما أن أهل الخير لا يميلون إلا إلى أشكالهم فأهل الشر لا ينصرون إلا من رأوا بأنه يساعدهم على ما هم عليه من أحوالهم، والأوحد في بابه مَنْ بايَنَ نهج أضرابه. اهـ.

.تفسير الآية رقم (89):

قوله تعالى: {قَدِ افْتَرَيْنَا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا إِنْ عُدْنَا فِي مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا اللَّهُ مِنْهَا وَمَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَعُودَ فِيهَا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّنَا وَسِعَ رَبُّنَا كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا عَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْنَا رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ (89)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان العرب أبعد الناس من مطلق الكذب وأشدهم له تحاميًا ومنه نفرة فكيف بالكذب على الأكابر فكيف به على الملوك فيكف به على ملك الملوك! علق الكذب على الله تعالى بالعود إلى ملتهم بقوله مستأنفًا الإخبار لمن تشوف إلى علم ما كان منه بعد هذا الكلام اللين وتوقع غيره: {قد افترينا} أي تعمدنا الآن بما نقوله لكم، أي من أن الله حرم الكفر والإقرار عليه {على الله} أي الذي له جميع العظمة {كذبًا} ويجوز أن يكون تنوينه للتعظيم، ويجوز أن يكون للتحقير، ولكل وجه يدعو إليه المقام لا يخفى {إن عدنا} أي ساعة من الدهر {في ملتكم} أي بسكوتنا أو بسكوتي وكفر من كان ممن تبعني كافرًا {بعد إذ نجانا الله} أي الملك الأعلى خارقًا للعادة بما كنا جديرين بالانغماس فيه متابعة للآباء والأجداد والعشيرة بما له من القدرة والعظمة {منها} أي إن فعلنا ذلك فقد ارتكبنا أقبح القبائح على بصيرة منا بذلك، فهو تعليق على محال عادة، وهو من وادي قول الأشتر النخعي:
بقّيت وفري وانحرفت عن العلى ** ولقيت أضيافي بوجه عبوس

إن لم أشنَّ على ابن هند غارة ** لم تخل يومًا من نهاب نفوس

غير أن المعلق في البيت تقديري، وفي الآية تحقيقي، لأنهم أخبروهم أن الله تعالى نهى عن الكفر وأمرهم بإنذار كل كافر، فمتى تركوا ذلك لزمهم الكذب حتمًا {وما يكون لنا} أي ما يصح وما يتفق {أن نعود فيها} أي ملكتم.
ولما كان الله سبحانه أن يفعل ما يشاء لا واجب عليه ولا قبيح منه، أشار إلى ذلك بقوله: {إلا أن يشاء الله} فذكر اسم الذات إشارة إلى أن له جميع الحمد لذاته؛ ثم ذكر صفه الإحسان عياذًا من أن يراد بهم الهوان فقال: {ربنا} أي خرق العادة فله ذلك، فهو من باب التذكر للمخاوف والإشراف على إمكان سوء العواقب للصدق في التضرع إلى الله تعالى والالتجاء إليه والاستعاذة من مكره، ولذلك أتى باسم الجلالة الجامع لجميع معاني الأسماء الحسنى وصفة الربوبية الملتمس بذكرها فعل ما يفعل لمربي الشفيق، فكأنه قال: إن عودنا في ملتكم غير ممكن عادة، والمحال عادة لا يقدر عليه إلا بقدر من الله، بل ولا توجه الهمم إليه، والله تعالى أكرام من أن يعود فيما وهبه لنا من هذا الأمر الجليل، وينزع عنا هذا اللباس الجميل، وهو صريح في أن الكفر يكون بمشيئة الله، بل ولا يكون إلا بمشيئته، وقوله: {وسع ربنا} أي المحسن إلينا {كل شيء علمًا} زيادة في حث أمته على الالتجاء والتبري من الحول والقوة، أي لا علم لنا بخواتم العمال والعلم لله فهو التام العلم الكامل القدرة، فهذه الجملة كالتعليل للتعليق بالمشيئة قطعًا- لما عساه أن يحدث من طمع المخاطبين في عودهم، كأنه قيل: وإنما علقنا العود بالمشيئة لنقص علومنا، فربما كان في سعة علمه قسم ثالث، وهو أن نكون في القرية على ديننا وتكونون أنتم أو لا، أو توافقوننا على ما نحن عليه، وهكذا ينبغي للمربوب، ولا ينبغي الجزم بأمر يستقبل إلا الله ربنا لإحاطة علمه، والآية تدل على انه كان في الأزل عالمًا بكل شيء من الكليات والجزئيات لأن {وسع} ماض، وقد تقدم في الأنعام أن قول الخليل عليه السلام وهذا وآية الكهف من مخبر واحد- والله أعلم.
ولما كان المراد من هذا ما ذكر، كان مزعجًا للقلوب مقلقًا للنفوس مزعزعًا للخواطر مزلزلًا للأفكار بتأمل هذه الأخطار المشفية على غاية الخسار، فكأن المؤمنين قالوا: ما العمل وأين المفر؟ فقال: {على الله} أي الذي له الأمر كله ولا أمر لأحد معه، وحده لا على غيره {توكلنا} أي فوضنا جميع أمورنا إليه، وهو أكرم من أن يختار لنا غير الأرشد وقد تبرأنا من حولنا وقوتنا واعتصمنا بحوله وقوته، وجعلنا جميع أمورنا كلها محمولة على قدرته كما يحمل الوكيل أمر موكله عنه ويريحه من همه وقلقه منه.
ولما جرت العادة بأن الموكل يخبر الوكيل بما يريد ليفعله، أتبع ذلك الدعاء بالحكم بما يقتضيه ظاهر الحال من نصر المحقّ وخذل المبطل فقال: {ربنا} أي أيها المحسن إلينا {افتح} أي احكم {بيننا} ولما كان يريد استعطافهم لإسعادهم قال: {وبين قومنا} وفيه إشارة إلى ميله إلى الدعاء بهدايتهم، وأدب بعدم التصريح بما لم يؤذن له فيه {بالحق} أي بالأمر الفيصل من معاملة كل من المحقّ والمبطل بما يستحقه شرعًا وعرفًا بحيث يكون لكل فريق باب يصل به إلى غاية أمره وهذا مقام الإنصاف، فقد علم من إشارة قوله العناية بقومه، ومن عبارته الإنصاف من نفسه، ولو أراد ترجيح نفسه ومتبعيه لدعا لهم أن يعاملوا بالفضل وأن يعامل ضدهم بالعدل، والآية معلمة بأن له تعالى أن يفعل ما يريد من خذلان الظالم ونصر المظلوم وتعذيب العاصي وإثابة الطائع وعكس ذلك، {لا يسئل عما يفعل} [الأنبياء: 23] لأنه التام المِلك العظيم المُلك الشامل القدرة الحكيم الخبير، ويجوز أن يكون المراد: لا نعود إلى ما كنا عليه من السكوت عن دعائكم إلى الله ونهيكم عن أفعال الضلال لأنا أمرنا بإنذاركم إلا أن يشاء الله سكوتنا بامر يحدثه إلينا في ذلك لمصلحة اقتضاها علمه وقصرت عنها علومنا، فإذا أراد ذلك وأمرنا به فعلنا، فله الخلق والأمر.
ولما اشار الدعاء لقومه، أشار- بالعطف على غير معطوف عليه ظاهر- إلى أن التقدير: فأنت خير الراحمين: {وأنت خير الفاتحين} أي على من سدت عليه الأبواب ولم يجد مخلصًا. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قوله: {قَدِ افترينا عَلَى الله كَذِبًا إِنْ عُدْنَا في مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا الله مِنْهَا} والجواب الأول يجري مجرى الرمز في أنه لا يعود إلى ملتهم، وهذا الجواب الثاني تصريح بأنه لا يفعل ذلك فقال: إنه إن فعلنا ذلك فقد افترينا على الله.
وأصل الباب في النبوة والرسالة صدق اللهجة، والبراءة عن الكذب، فالعود في ملتكم يبطل النبوة، ويزيل الرسالة.
وقوله: {إِذْ نَجَّانَا الله مِنْهَا} فيه وجوه:
الأول: معنى {إِذْ نَجَّانَا الله مِنْهَا} علمنا قبحه وفساده، ونصب الأدلة على أنه باطل.
الثاني: أن المراد أن الله نجى قومه من تلك الملة، إلا أنه نظم نفسه في جملتهم، وإن كان بريئًا منه إجراء الكلام على حكم التغليب.
والثالث: أن القوم أوهموا أنه كان على ملتهم، أو اعتقدوا أنه كان كذلك.
فقوله: {بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا الله مِنْهَا} أي حسب معتقدكم وزعمكم.
أما قوله: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلا أَن يَشَاءَ الله}.
فاعلم أن أصحابنا يتمسكون بهذه الآية على أنه تعالى قد يشاء الكفر، والمعتزلة يتمسكون بها على أنه تعالى لا يشاء إلا الخير والصلاح.
أما وجه استدلال أصحابنا بهذه، فمن وجهين: الأول: قوله: {إِنْ عُدْنَا في مِلَّتِكُمْ بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا الله مِنْهَا} يدل على أن المنجي من الكفر هو الله تعالى، ولو كان الإيمان يحصل بخلق العبد، لكانت النجاة من الكفر تحصل للإنسان من نفسه، لا من الله تعالى، وذلك على خلاف مقتضى قوله: {بَعْدَ إِذْ نَجَّانَا الله مِنْهَا} الثاني: أن معنى الآية أنه ليس لنا أن نعود إلى ملتكم إلا أن يشاء الله أن يعيدنا إلى تلك الملة، ولما كانت تلك الملة كفرًا، كان هذا تجويزًا من شعيب عليه السلام أن يعيدهم إلى الكفر، فكاد هذا يكون تصريحًا من شعيب بأنه تعالى قد شاء رد المسلم إلى الكفر، وذلك غير مذهبنا.
قال الواحدي: ولم تزل الأنبياء والأكابر يخافون العاقبة وانقلاب الأمر.
ألا ترى إلى قول الخليل عليه السلام: {واجنبنى وَبَنِىَّ أَن نَّعْبُدَ الاصنام} [إبراهيم: 35] وكثيرًا ما كان محمد عليه الصلاة والسلام يقول: «يا مقلب القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك وطاعتك» وقال يوسف: {تَوَفَّنِى مُسْلِمًا} [يوسف: 101] أجابت المعتزلة عنه من وجوه: الأول: أن قوله ليس لنا أن نعود إلى تلك الملة إلا أن يشاء الله أن يعيدنا إليها قضية شرطية، وليس فيها بيان أنه تعالى شاء ذلك أو ما شاء.
والثاني: أن هذا مذكور على طريق التبعيد، كما يقال: لا أفعل ذلك إلا إذا ابيض القار، وشاب الغراب: فعلق شعيب عليه السلام عوده إلى ملتهم على مشيئته.
ومن المعلوم أنه لا يكون نفيًا لذلك أصلًا، فهو على طريق التبعيد، لا على وجه الشرط.
الثالث: أن قوله: {إِلاَّ أَن يَشَاء الله} ليس فيه بيان أن الذي شاءه الله ما هو، فنحن نحمله على أن المراد إلا أن يشاء الله ربنا بأن يظهر هذا الكفر من أنفسنا إذا أكرهتمونا عليه بالقتل، وذلك لأن عند الإكراه على إظهار الكفر بالقتل يجوز إظهاره، وما كان جائزًا كان مرادًا لله تعالى، وكون الضمير أفضل من الإظهار، لا يخرج ذلك الإظهار من أن يكون مراد الله تعالى، كما أن المسح على الخفين مراد الله تعالى وإن كان غسل الرجلين أفضل.
الرابع: أن قوله: {لَنُخْرِجَنَّكَ ياشعيب} المراد الإخراج عن القرية، فيحمل قوله: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا} أي القرية، لأنه تعالى قد كان حرم عليه إذا أخرجوه عن القرية، أن يعود فيها إلا بإذن الله ومشيئته.
الخامس: أن نقول يجب حمل المشيئة هاهنا على الأمر، لأن قوله: {وَمَا كَانَ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلا أَن يَشَاء الله} معناه: أنه إذا شاء كان لنا أن نعود فيها.
وقوله: {لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا} أي يكون ذلك العود جائزًا، والمشيئة عند أهل السنة لا يوجب جواز الفعل، فإنه تعالى يشاء الكفر من الكافر عندهم، ولا يجوز له فعله، إنما الذي يوجب الجواز هو الأمر.
فثبت أن المراد من المشيئة هاهنا الأمر، فكان التقدير: إلا أن يأمر الله بعودنا في ملتكم فإنا نعود إليها، والشريعة التي صارت منسوخة، لا يبعد أن يأمر الله بالعمل بها مرة أخرى، وعلى هذا التقدير يسقط استدلالكم.
والوجه السادس: للقوم في الجواب ما ذكره الجبائي، فقال: المراد من الملة الشريعة التي يجوز اختلاف العبادة فيها بالأوقات، كالصلاة والصيام وغيرهما، فقال شعيب: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِي مِلَّتِكُمْ} ولما دخل في ذلك كل ما هم عليه، وكان من الجائز أن يكون بعض تلك الأحكام والشرائع باقيًا غير منسوخ، لا جرم قال: {إِلاَّ أَن يَشَاءَ الله} والمعنى: إلا أن يشاء الله إبقاء بعضها فيدلنا عليه، فحينئذ نعود إليها فهذا الاستثناء عائد إلى الأحكام التي يجوز دخول النسخ والتغيير فيها، وغير عائد إلى ما لا يقبل التغير ألبتة فهذه أسئلة القوم على هذه الطريقة وهي جيدة، وفي الآيات الدالة على صحة مذهبنا كثرة، ولا يلزم من ضعف استدلال أصحابنا بهذه الآية دخول الضعف في المذهب.
وأما المعتزلة فقد تمسكوا بهذه الآية على صحة قولهم من وجهين:
الوجه الأول: لما قالوا ظاهر قوله: {وَمَا يَكُونُ لَنَا أَن نَّعُودَ فِيهَا إِلا أَن يَشَاء الله رَبُّنَا} يقتضي أنه لو شاء الله عودنا إليها لكان لنا أن نعود إليها، وذلك يقتضي أن كل ما شاء الله وجوده، كان فعله جائزًا مأذونًا فيه، ولم يكن حرامًا.
قالوا: وهذا عين مذهبنا أن كل ما أراد الله حصوله، كان حسنًا مأذونًا فيه، وما كان حرامًا ممنوعًا منه لم يكن مرادًا لله تعالى.
والوجه الثاني: لهم أن قالوا: إن قوله: {لَنُخْرِجَنَّكَ... أَوْ لَتَعُودُنَّ في مِلَّتِنَا} لا وجه للفصل بين هذين القسمين على قول الخصم، لأن على قولهم خروجهم من القرية بخلق الله وعودهم إلى تلك الملة أيضًا بخلق الله، وإذا كان حصول القسمين بخلق الله، لم يبق للفرق بين القسمين فائدة.