فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل}.
فيه خمسة أقوال:
أحدها: فما كانوا ليؤمنوا عند مجيء الرسل بما سبق في علم الله أنهم يكذِّبون به يوم أقروا به بالميثاق حين أخرجهم من صلب آدم، هذا قول أُبيِّ بن كعب.
والثاني: فما كانوا ليؤمنوا عند إرسال الرسل بما كذِّبوا به يوم أخذ ميثاقهم حين أخرجهم من صلب آدم، فآمنوا كرهًا حيث أقروا بالألسن، وأضمروا التكذيب، قاله ابن عباس، والسدي.
والثالث: فما كانوا لو رددناهم إلى الدنيا بعد موتهم ليؤمنوا بما كذَّبوا به من قبل هلاكهم، هذا قول مجاهد.
والرابع: فما كانوا ليؤمنوا بما كذَّب به أوائلهم من الأمم الخالية، بل شاركوهم في التكذيب، قاله يمان بن رباب.
والخامس: فما كانوا ليؤمنوا بعد رؤية المعجزات والعجائب بما كذَّبوا قبل رؤيتها. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {تِلْكَ القرى} أي هذه القرى التي أهلكناها؛ وهي قرى نُوحٍ وعادٍ ولُوطٍ وهُودٍ وشُعَيْب المتقدّمة الذكر.
{نَقُصُّ} أي نتلو.
{عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا} أي من أخبارها.
وهي تسلية للنبيّ عليه السلام والمسلمين.
{فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ} أي فما كان أولئك الكفار ليؤمنوا بعد هلاكهم لو أحييناهم؛ قاله مجاهد.
نظيره {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ} [الأنعام: 28].
وقال ابن عباس والرّبيع: كان في علم الله تعالى يوم أخذ عليهم الميثاق أنهم لا يؤمنون بالرسل.
{بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ} يريد يوم الميثاق حين أخرجهم من ظهر آدم فآمنوا كرهًا لا طوعًا.
قال السدي: آمنوا يوم أخذ عليهم الميثاق كرهًا فلم يكونوا ليؤمنوا الآن حقيقة.
وقيل: سألوا المعجزات، فلما رأوها ما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل رؤية المعجزة.
نظيره {كَمَا لَمْ يُؤْمِنُواْ بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: 110].
{كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الكافرين} أي مثل طبعه على قلوب هؤلاء المذكورين كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين بمحمد صلى الله عليه وسلم. اهـ.

.قال الخازن:

{تلك القرى} يعني هذه القرى التي ذكرنا لك يا محمد أمرها وأمر أهلها وهي قرى قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وشعيب {نقصّ عليك من أنبائها} يعني نخبرك عنها وعن أخبار أهلها وما كان من أمرهم وأمر رسلهم الذين أرسلوا إليهم لتعلم يا محمد إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا معهم على أعدائنا وأعدائهم من أهل الكفر والعناد وكيف أهلكناهم بكفرهم وبمخالفتهم رسلهم ففيه تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم وتحذير لكفار قريش أن يصيبهم مثل ما أصابهم {ولقد جاءتهم} يعني لأهل تلك القرى {رسلهم بالبينات} يعني جاءتهم رسلهم المعجزات الباهرات والبراهين الدالة على صدقهم {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل} اختلف أهل التفسير في معنى ذلك فقيل: معناه فما كانوا هؤلاء المشركين الذين أهلكناهم من أهل القرى ليؤمنوا عند إرسالنا إليهم رسلهم بما كذبوا من قبل ذلك وهو يوم أخذ ميثاقهم حين أخرجهم من ظهر آدم عليه السلام فأقروا باللسان وأضمروا التكذيب وهذا معنى قول ابن عباس والسدي.
قال السدي: آمنوا كرهًا يوم أخذ الميثاق، وقال مجاهد: ما كانوا لو أحييناهم بعد إهلاكهم ومعاينتهم العذاب ليؤمنوا بما كذبوا من قبل هلاكهم وقيل معناه فما كانوا يؤمنوا عند مجيء الرسل بما سبق لهم في علم الله أنهم يكذبون به حين أخرجهم من صلب آدم عليه الصلاة والسلام.
قال أبيّ بن كعب: كان سبق لهم في علمه يوم أقروا له بالميثاق أنهم لا يؤمنون به وقال الربيع بن أنس يحق على العباد أن يأخذوا من العلم ما أبدى لهم ربهم وأن لا يتأولوا علم ما أخفى الله تعالى عنهم فإن علمه نافذ فيما كان وفيما يكون وفي ذلك قال تعالى: {ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين} قال: نفذ علمه فيهم أيهم المطيع من العاصي حيث خلقهم في صلب آدم عليه الصلاة والسلام.
قال الطبري: وأولى الأقوال بالصواب قول أبيّ بن كعب والربيع بن أنس وذلك أن من سبق في علم الله أنه لا يؤمن به فلا يؤمن أبدًا وقد كان سبق في علم الله لمن هلك من الأمم الذين قص خبرهم في هذه السورة أنهم لا يؤمنون أبدًا فأخبر عنهم أنهم لم يكونوا ليؤمنوا بما هم مكذبون به في سابق علمه قبل مجيء الرسل عند مجيئهم إليهم {كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين} يعني كما طبع الله على قلوب كفار الأمم الخالية وأهلكهم كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين الذين كتب الله عليهم أنهم لا يؤمنون من قومك. اهـ.

.قال أبو حيان:

{تلك القرى نقصّ عليك من أنبائها}.
الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم و{القرى} هي بلاد قوم نوح وهود وصالح وشعيب بلا خلاف بين المفسرين وجاءت الإشارة بتلك إشارة إلى بعد هلاكها وتقادمه وحصل الرّبط بين هذه وبين قوله و{لو أن أهل القرى} {ونقص} يحتمل إبقاؤه على حاله من الاستقبال والمعنى قد قصصنا عليك {من أنبائها} ونحن نقصّ عليك أيضًا منها مفرقًا في السّور ويجوز أن يكون عبر بالمضارع عن الماضي أي {تلك القرى} قصصنا والأنباء هنا إخبارهم مع أنبيائهم ومآل عصيانهم، و{تلك} مبتدأ {والقرى} خبر {ونقص} جملة حالية نحو قوله: {فتلك بيوتهم خاوية} وفي الإخبار بالقرى معنى التعظيم لمهلكها، كما قيل في قوله تعالى: {ذلك الكتاب} وفي قوله عليه السلام: «أولئك الملأ من قريش» وكقول أمية:
تلك المكارم لا قعبان من لبن

ولما كان الخبر مقيّدًا بالحال أفاد كالتقييد بالصفة في قولك هو الرجل الكريم وأجازوا أن يكون {نقص} خبرًا بعد خبر وأن يكون خبرًا {والقرى} صفة ومعنى {من} التبعيض فدلّ على أنّ لها أنباء أخر لم تقصّ عليه وإنما قصّ ما فيه عظة وازدجار وادكار بما جرى على من خالف الرّسل ليتّعظ بذلك السامع من هذه الأمة.
{ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل} قال أبي بن كعب ليؤمنوا اليوم بما كذبوا من قبل يوم الميثاق، وقال ابن عباس ما كانوا ليخالفوا علم الله فيهم، وقال يمان بن رئاب بما كذبوا أسلافهم من الأمم الخالية لقوله: {ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا ساحر أو مجنون} فالفعل في {ليؤمنوا} لقوم وفي {بما كذبوا} لقوم آخرين.
وقيل {جاءتهم رسلهم} بالمعجزات التي اقترحوها {فما كانوا ليؤمنوا} بعد المعجزات {بما كذبوا} به قبلها كما قال: {قد سألها قوم من قبلكم ثم أصبحوا بها كافرين}، وقال الكرماني: {من قبل} يعود على الرسل تقديره من قبل مجيء الرسل لم يسلب عنهم اسم الكفر والتكذيب بل بقوا كافرين مكذبين كما كانوا قبل الرسل، قال الزمخشري: فما كانوا ليؤمنوا عند مجيء الرسل بالبينات بما كذبوه من آيات الله قبل مجيء الرسل أو مما كانوا ليؤمنوا إلى آخر أعمارهم بما كذبوا به أولًا حتى جاءتهم الرسل أي استمروا على التكذيب من لدن مجيء الرسل إليهم إلى أن باتوا مصرّين لا يرعوون ولا تلين شكيمتهم في كفرهم وعنادهم مع تكرار المواعظ عليهم وتتابع الآيات وقال ابن عطية: يحتمل أربعة وجوه من التأويل، أحدها أن يريد أن الرسول جاء لكل فريق منهم فكذّبوه لأول أمره ثم استبانت حجته وظهرت الآيات الدالة على صدقه مع استمرار دعوته فلجّوا هم في كفرهم ولم يؤمنوا بما سبق به تكذيبهم من قبل وكأنه وصفهم على هذا التأويل باللجاج في الكفر والصّرامة عليه ويؤيد هذا التأويل قوله: {كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين} ويحتمل في هذا الوجه أن يكون المعنى فما كانوا ليوفقهم الله إلى الإيمان بسبب أنهم كذبوا من قبل فكان تكذيبهم سببًا لأن يمنعوا الإيمان بعد.
والثاني من الوجوه أن يريد فما كان آخرهم في الزمن والعصر ليهتدي ويؤمن بما كذب به أولهم في الزمن والعصر بل كفر كلهم ومشى بعضهم على سنن بعض في الكفر أشار إلى هذا القول النقاش، فكان الضمير في قوله: {كانوا} يختص بالآخرين والضمير في قوله: {كذبوا} يختص بالقدماء منهم، والثالث من الوجوه يحتمل أن يريد فما كان هؤلاء المذكورون بأجمعهم لو ردّوا إلى الدنيا ومكنوا من العودة ليؤمنوا بما قد كذبوا به في حال حياتهم ودعا الرسول لهم قاله مجاهد وقرّبه بقوله تعالى: {ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه} وهذه أيضًا صفة بليغة في اللحاج والثبوت على الكفر بل هي غاية في ذلك.
والرابع من الوجوه أنه يحتمل أن يريد وصفهم بأنهم لم يكونوا ليؤمنوا بما قد سبق في علم الله تعالى بأنهم مكذبون به فحمل سابق القدر عليهم بمثابة تكذيبهم بأنفسهم لاسيما وقد خرج تكذيبهم إلى الوجود في وقت مجيء الرّسل وذكر هذا القول المفسرون وقربوه بأن الله تعالى حتم عليهم التكذيب وقت أخذ الميثاق وهو قول أبي بن كعب انتهى كلام ابن عطية.
والذي يظهر أنّ الضمير في {كانوا} وفي {ليؤمنوا} عائد على أهل القرى وأن الباء في {بما} ليست سببية فالمعنى أنهم انتفت عنهم قابلية الإيمان وقت مجيء الرسل بالمعجزات بما كذبوا به قبل مجيء الرسل بالمعجزات بل حالهم واحد قبل ظهور المعجزات وبعد ظهورها لم تجد عنهم شيئًا وفي الإتيان بلام الجحود في {ليؤمنوا} مبالغة في نفي القابلية والوقوع وهو أبلغ من تسلّط النفي على الفعل بغير لام وما في {بما كذبوا} موصولة والعائد منصوب محذوف أي بما كذبوه وجوّز أن تكون مصدرية، قال الكرماني: وجاء هنا {بما كذبوا} فحذف متعلق التكذيب لما حذف المتعلق في {ولو أنّ أهل القرى آمنوا} وقوله: {ولكن كذبوا} وفي يونس أبرزه فقال: {بما كذبوا به من قبل} لما كان قد أبرز في {فكذبوه فنجيناه ثم كذّبوا بآياتنا} فوافق الختم في كل منهما بما يناسب ما قبله انتهى، ملخصًا.
{كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين} أي مثل ذلك الطبع على قلوب أهل القرى حين انتفت عنهم قابلية الإيمان وتساوي أمرهم في الكفر قبل المعجزات وبعدها {يطبع الله على قلوب الكافرين} ممن أتى بعدهم، قال الكرماني تقدم ذكر الله بالصريح وبالكناية فجمع بينهما فقال: {ونطبع على قلوبهم} وختم بالصريح فقال: {كذلك يطبع الله}، وفي يونس بني على ما قبله بنون العظمة في قوله: {فنجيناه وجعلناهم ثم بعثنا} فناسب لطبع بالنون. اهـ.