فصل: قال ابن عاشور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عاشور:

{تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا}.
لما تكرر ذكر القرى التي كذب أهلها رسل الله بالتعيين وبالتعميم، صارت للسامعين كالحاضرة المشاهدة الصالحة لأن يشار إليها، فجاء اسم الإشارة لزيادة إحضارها في أذهان السامعين من قوم محمد صلى الله عليه وسلم ليعتبروا حالهم بحال أهل القرى، فيروا أنهم سواء فيفيئوا إلى الحق.
وجملة: {تلك القرى} مستأنفة استئناف الفذلكة لما قبلها من القصص من قوله: {لقد أرسلنا نوحًا إلى قومه} [الأعراف: 59] ثم قوله تعالى: {وما أرسلنا في قرية من نبيء} [الأعراف: 94] الآية.
و{القرى} يجوز أن يكون خبرًا عن اسم الإشارة لأن استحضار القرى في الذهن بحيث صارت كالمشاهد للسامع، فكانت الإشارة إليها إشارة عبرة بحالها، وذلك مفيد للمقصود من الإخبار عنها باسمها لمن لا يجهل الخبر كقوله تعالى: {هذا ما كنزتم لأنفسكم} [التوبة: 35] أي هذا الذي تشاهدونه تُكْوَون به هو كنزكم، وهم قد علموا أنه كنزهم، وإنما أريد من الإخبار بأنه كنزهم إظهارُ خطأ فعلهم، ويجوز أن يكون القرى بيانًا لاسم الإشارة.
وجملة: {نقص عليك من أنبائها} إما حال من {القرى} على الوجه الأول.
وفائدة هذه الحال الامتنان بذكر قَصصها، والاستدلال على نبوءة محمد صلى الله عليه وسلم إذ علمه الله من علم الأولين ما لم يسبق له علمه، والوعدُ بالزيادة من ذلك، لما دل عليه قوله: {نقص} من التجدد والاستمرار، والتعريضُ بالمعرضين عن الإتعاظ بأخبارها.
وإمّا خبر عن اسم الإشارة على الوجه الثاني في محمل قوله: {القرى}.
و{منْ} تبعيضية لأن لها أنباء غير ما ذكر هنا مما ذكر بعضه في آيات أخرى وطوى ذكر بعضه لعدم الحاجة إليه في التبليغ.
والأنباء: الأخبار، وقد تقدم في قوله تعالى: {ولقد جاءك من نبإ المرسلين} في سورة الأنعام (34).
والمراد بالقرى وضمير أنبائها: أهلها، كما دل عليه الضمير في قوله: {رسلهم}.
وجملة: {ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات} عطف على جملة: {تلك القرى} لمناسبة ما في كلتا الجملتين من قصد التنظير بحال المكذبين بمحمد صلى الله عليه وسلم.
وجمع البينات يشير إلى تكرر البينات مع كل رسول، والبينات: الدلائل الدالة على الصدق وقد تقدمت عند قوله تعالى: {قد جاءتكم بينة من ربكم} في قصة ثمود في هذه السورة (73).
والفاء في قوله: {فما كانوا ليؤمنوا} لترتيب الإخبار بانتفاء إيمانهم عن الإخبار بمجيء الرسل إليهم بما من شأنه أن يحملهم على الإيمان.
وصيغة {ما كانوا ليؤمنوا} تفيد مبالغة النفي بلام الجحود الدالة على أن حصول الإيمان كان منافيًا لحالهم من التصلب في الكفر.
وقد تقدم وجه دلالة لام الجحود على مبالغة النفي عند قوله تعالى: {ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب} الآية في سورة آل عمران (79).
والمعنى: فاستمر عدم إيمانهم وتمكّن منهم الكفر في حين كان الشأن أن يقلعوا عنه.
و{ما كذبوا} موصول وصلته وحُذف العائد المجرور على طريقة حذف أمثاله إذا جر الموصول بمثل الحرف المحذوف، ولا يشترط اتحاد متعلقي الحرفين على ما ذهب إليه المحققون منهم الرضي كما في هذه الآية.
وما صْدَقُ ما الموصولة: ما يدل عليه {كذبوا}، أي: فما كانوا ليؤمنوا بشيء كذبوا به من قبل مما دُعوا إلى الإيمان به من التوحيد والبعث.
وشأن ما الموصولة أن يراد بها غير العاقل، فلا يكون ما صْدقُ ما هنا الرسل، بل ما جاءت به الرسل، فلذلك كان فعل {كذبوا} هنا مقدرًا متعلّقهُ لفظُ به كما هو الفرق بين كذّبه وكذّب به، قال تعالى: {فكذّبوه فأنجيناه} [الأعراف: 64] وقال: {وكذّب به قومُك وهو الحق} [الأنعام: 66] وحُذف المتعلق هنا إيجازًا، لأنه قد سبق ذكر تكذيب أهل القرى، ابتداء من قوله تعالى: {وما أرسلنا في قرية من بنيء إلاّ أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون} [الأعراف: 94] وقد سبق في ذلك قوله: {ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون} [الأعراف: 96] ولهذا لم يحذف متعلق فعل {كذبوا} في نظير هذه الآية من سورة يونس.
والمعنى: ما أفادتهم البينات أن يؤمنوا بشيء كان بَدَرَ منهم التكذيب به في ابتداء الدعوة، فالمضاف المحذوف الذي دل عليه بناء {قبلُ} على الضم تقديره: من قبللِ مجيء البينات.
وأسند نفي الإيمان إلى ضمير جميع أهل القرى باعتبار الغالب، وهو استعمال كثير، وسيُخرج المؤمنون منهم بقوله: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين}.
ومعنى قولهن: {كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين} مثلَ ذلك الطبع العجيب المستفاد من حكاية استمرارهم على الكفر، والمؤذن به فعل {يطبع}، وقد تقدم نظائره غير مرة، منها عند قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطًا} في سورة البقرة (143).
وتقدم معنى الطبع عند قوله تعالى: {بل طبع الله عليها بكفرهم} في سورة النساء (155).
وإظهار المسند إليه في جملة {يطبع الله} دون الإضمار: لما في إسناد الطبع إلى الاسم العلم من صراحة التنبيه على أنه طبع رهيب لا يغادر للهدى منفذًا إلى قلوبهم كقوله تعالى: {هذا خلق الله} [لقمان: 11] دون أن يقول: هذا خلقي، ولهذا اختير له الفعل المضارع الدال على استمرار الختم وتجدده.
والقلوب: العقول، والقلب، في لسان العرب: من أسماء العقل، وتقدم عند قوله تعالى: {ختم الله على قلوبهم} في سورة البقرة (7).
والتعريف في {الكافرين} تعريف الجنس، مفيد للاستغراق، أي: جميع الكافرين ممن ذكر وغيرهم.
وفي قوله: {ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات} إلى آخر الآية، تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم بأن ما لقيه من قومه هو سنّة الرسل السابقين، وأن ذلك ليس لتقصير منه، ولا لضعف آياته، ولكنه للختم على قلوب كثير من قومه. اهـ.

.قال الشنقيطي:

قوله تعالى: {تِلْكَ القرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا} الآية.
ذكر أنباءهم مفصلة في مواضع كثيرة. كالآيات التي ذكر فيها خبر نوح وهود، وصالح ولوط، وشعيب وغيرهم، مع أممهم صلوات الله وسلامه عليهم.
قوله تعالى: {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ} الآية.
في هذه الآية الكريمة للعلماء أوجه من التفسير: بعضها يشهد له القرآن.
منها: أن المعنى فما كانوا ليؤمنوا بما سبق في علم الله يوم أخذ الميثاق أنهم يكذبون به، ولم يؤمنوا به، لاستحالة التغير فيما سبق به العلم الأزلي، ويروى هذا عن أبي بن كعب وأنس، واختاره ابن جرير، ويدل لهذا الوجه لآيات كثيرة كقوله: {إِنَّ الذين حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ} [يونس: 96] الآية، وقوله: {وَمَا تُغْنِي الآيات والنذر عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101] ونحو ذلك من الآيات.
ومنها: أن المعنى الآية أنهم أخذ عليهم الميثاق، فآمنوا كرهًا، فما كانوا ليؤمنوا بعد ذلك طوعًا. ويروى هذا عن السدي وهو راجع في المعنى إلى الأول.
ومنها: أن معنى الآية أنهم لو ردوا إلى الدنيا مرة لكفروا أيضًا، فما كان ليؤمنوا في الرد إلى الدنيا بما كذبوا به من قبل أي في المرة الأولى.
ويروى هذا عن مجاهد. ويدل لمعنى هذا القول قوله تعالى: {وَلَوْ رُدُّواْ لَعَادُواْ لِمَا نُهُواْ عَنْهُ} [الأنعام: 28] الآية. لكنه بعيد من ظاهر الآية.
ومنها: أن معنى الآية. فما كانوا ليؤمنوا بما جاءتهم به الرسل بسبب تكذيبهم بالحق أول ما ورد عليهم، وهذا القول حكاه ابن عطية، واستحسنه ابن كثير، وهو من أقرب الأقوال لظاهر الآية الكريمة. ووجهه ظاهر، لأن شؤم المبادرة إلى تكذيب الرسل سبب للطبع على القلوب والإبعاد عن الهدى، والآيات الدالة على هذا المعنى كثيرة. كقوله تعالى: {بَلْ طَبَعَ الله عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ} [النساء: 155]، وقوله: {فَلَمَّا زاغوا أَزَاغَ الله قُلُوبَهُمْ} [الصف: 5]، وقوله: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ الله مَرَضًا} [البقرة: 10]، وقوله: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُواّ ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ على قُلُوبِهِمْ} [المنافقون: 3] إلى غير ذلك من الآيات.
وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أن الآية قد تكون فيها أوجه من التفسير كلها يشهد له قرآن، وكلها حق. فنذكر جميعها- والعلم عند الله تعالى. اهـ.

.قال الشعراوي:

{تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ}.
هذا هو المراد في سرد القصص بالنسبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي أوضحه الحق في موضع آخر من القرآن فقال: {وَكُلًا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرسل مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ...} [هود: 120].
فإذا ما حدث لك من أمتك وقومك شيء من العناد والإِصرار والمكابرة فاعلم أنك لست بدعًا من الرسل؛ لأن كل رسول قد قابلته هذه الموجة الإِلحادية من القوم الذين خاطبهم. وإذا كان رسول يأخذ حظه من البلاء بقدر ما في رسالته من العلو فلابد أن تأخذ أنت ابتلاءات تساوي ابتلاءات الرسل جميعًا. {تِلْكَ القرى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ مِن قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الكافرين} [الأعراف: 101].
والطبع- كما قلنا- هو الختم؛ لأن قلوبهم ممتلئة بالضلال؛ لذلك يعلنون التكذيب للرسول. وقد طبع الله على قلوبهم لا قهرًا منه، ولكن لاستبطان الكفر وإخفائه في قلوبهم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ} وفى سورة يونس: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِنْ بَعْدِهِ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ نَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِ الْمُعْتَدِينَ (74)} وورد في أول هذه السورة أيضا: {وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13)}.
فيها أربع سؤالات الأول: ورود الضمير المجرور في الآية الثانية من سورة يونس وهو قوله: {به} وسقوطه مما سواها والثانى قوله: {كذلك يطبع الله} فجئ بالاسم الظاهر في سورة الأعراف بالكفر وفى ثانية يونس بالاعتداء والرابع قوله تعالى في الأولى في سورة يونس عدولا عما في السورتين: {كذلك نجزى القوم المجرمين}.
للسائل أن يسأل عن ذلك؟
والجواب عن الأول: أنه لما تقدم في سورة الأعراف قوله تعالى: {وتصدون عن سبيل الله من آمن به} وقوله: {وإن كان طائفة منكم آمنوا بالذى أرسلت به وطائفة لم يؤمنوا} ثم قال بعد: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا} وقع الاكتفاء بما تقدم من قوله: {بالذى أرسلت به} والذى أرسل به هو الذي طلب منهم الإيمان به فحصل المقصود فلو قيل أخيرا {به} لكان تكرارا فاقتضى الإيجاز وإحراز البلاغة حذفه لحصوله كما حذف من قوله: {وطائفة لم يؤمنوا} مع أنه مراد فحذف الموصول وصلته ورابطها إذ التقدير وطائفة لم يؤمنوا بالذى أرسلت به لحصول ذلك مما تقدم وأما قوله في يونس: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل} فإنه لما تقدم هنا ما تقدم هناك فلم يكن بد من الإتيان بالضمير ليحصل ما وقع من التكذيب ولترتبط الصلة بالموصول.
والجواب عن الثانى: أن قوله تعالى في سورة يونس: {كذلك نطبع على قلوب المعتدين} مناسب ومرتبط بما افتتحت به الآية من قوله تعالى: {ثم بعثنا} فأخبر تعالى بإنعامه على عباده- ممن هداه- بنعمة الرسل إحسانا وامتنانا ولتقوم الحجة على الخلق فقال تعالى: {بعثنا} بإضافة هذا الفعل إلى الكناية العلية وهى ضمير المتكلم فناسب ذلك ما بنى عليه وارتبط به من قوله تعالى: {كذلك نطبع} مراعاة للتناظر والتقابل وأما آية الأعراف فمبنية على مطلعها من قوله تعالى أول الآية: {ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل} فلم يتقدم ما يطلب بورود الفاعل مضمرا فجاء على ما يجب إذ لا طالب بمناسبة.
والجواب عن الثالث: أن آية الأعراف لما تقدمها قصص قد جرى فيها ذكر مكذبى الأمم أنبياءهم وما ردوا عليهم وخاطبوهم به كقول كفار قوم صالح عليه السلام لمن آمن به منهم: {إنا بالذى آمنتم به كافرون} وقولهم: {ياصالح ائتنا بما تعدنا} وقول الملإ من قوم شعيب لمن آمن منهم: {لئن اتبعتم شهيبا إنكم إذا لخاسرون} إلى ما بعد وما قبل من سئ المجاورة من مكذبى الأمم فحصل من هذه الآى من التعريف بحال هؤلاء الأمم هذه القصص بذكر غيرهم ممن سلك مسلك من تقدمهم من المذكورين ما ناسبه قوله تعالى عقب جميعها: {كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين} وأما آية يونس فلم يتقدم قبلها تفصيل ولا إفصاح بمخاطبة نبى ومواجهته بمثل ما في آى الأعراف بل ورد ذلك مورد الإجمال فناسبه وصفهم بالاعتداء وإن لم يقع إفصاح بكفرهم مع أنهم كفار وإن ذلك حاصل من مجمل ذكرهم إلا أن جليل مناسبة النظم مقتض ما ورد عليه كل مما في السورتين وذلك واضح، والله أعلم بما أراد.
والجواب عن السؤال الرابع: أن قوله تعالى: {كذلك نجزى القوم المجرمين} لم يتقدم قبله تفصيل قصص ولا بسط قصة منها بل أوجز معنى ما انطوت عليه تلك القصة فعبر عن ذلك بقوله تعالى: {ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما ظلموا} فناسب هذا الإيجاز ما بنى عليه من قوله: {كذلك نجزى القوم المجرمين} ومن التعبير عن المشار إليهم من المهلكين بالاجرام- وهو أكبر موقعا من الاعتداء- ليطابق وصفهم بالظلم والمراد به تكذيبهم الرسل وكفرهم بما جاؤوهم به، فلم يكن ليطابق ذلك الوصف الاعتداء ولم يوصفوا أيضا بالكفر إذ لم يقع به إفصاح فيما تقدم فكان وصفهم بالإجرام أنسب والله أعلم. اهـ.