فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الْكَافِرِينَ (101)}.
سلكوا طريقًا واحدًا في التمرد، واجتمعوا في خطٍ واحد في الجحد والتَّبلُّد؛ فلا للإيمان جَنَحُوا، ولا عن العدوان رجعوا، وكذلك صفة من سَبَقَتْ بالشقاء قِسمتُه، وحقت بالعذاب عليه كَلِمتُه. اهـ.

.التفسير المأثور:

{تِلْكَ الْقُرَى نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَائِهَا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا بِمَا كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر وابي أبي حاتم وأبو الشيخ عن أبي بن كعب في قوله: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل} قال: كان في علم الله يوم أقروا له بالميثاق من يكذب به ومن يصدق.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل} قال: مثل قوله: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه} [الأنعام: 28].
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن السدي في قوله: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل} قال: ذلك يوم أخذ منهم الميثاق فآمنوا كرهًا.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن الربيع في قوله: {ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا به من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين} قال: لقد علمه فيهم أيهم المطيع من العاصي حيث خلقهم في زمان آدم. قال: وتصديق ذلك حين قال لنوح {يا نوح اهبط بسلام منا وبركات عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم} [هود: 48] ففي ذلك قال: {ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون} [الأنعام: 28] وفي ذلك {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولًا} [الإِسراء: 15].
وأخرج الشيخ عن مقاتل بن حيان في قوله: {وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذرياتهم} [الأعراف: 172] قال: أخرجهم مثل الذر فركب فيهم العقول، ثم استنطقهم فقال لهم {ألست بربكم} [الأعراف: 172] قالوا جميعًا: بلى فأقروا بألسنتهم وأسر بعضهم الكفر في قلوبهم يوم الميثاق، فهو قوله: {ولقد جاءتهم رسلهم} بعد البلاغ {بالبينات فما كانوا ليؤمنوا} بعد البلوغ {بما كذبوا} يعني يوم الميثاق {كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {تِلْكَ القرى نَقُصُّ عَلَيْكَ}.
قال الزَّمَخْشَرِيُّ: كقوله: {وهذا بَعْلِي شَيْخًا} [هود: 72] في كونه مبتدأ وخبرًا وحالًا يعني أن {تِلْكَ} مبتدأ مشارٌ بها إلى ما بعدها، و{القُرَى} خبرها، و{نَقُصُّ} حال أي قاصِّينَ كقوله: {فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً} [النمل: 52].
قال الزمخشريُّ: فإن قلت: ما معنى {تِلْكَ القُرَى} حتى يكون كلامًا مفيدًا؟
قلت: هو مفيدٌ ولكن بالصِّفةِ في قولك: هو الرَّجُلُ الكريم يعني أنَّ الحال هنا لازمه ليفيد التَّركيب كما تلزم الصِّفةِ في قولك: هو الرَّجُلُ الكريمُ ألا ترى أنَّكَ لو اقتصرت على هو الرَّجُلُ لم يكن مفيدًا، ويجوزُ أن تكون {القُرَى} صفة لتلك، و{نقصُّ} الخبر، ويجوز أن يكون {نقصُّ} خبرًا بعد خبر.
و{نَقُصُّ} يجوز أن يكون على حاله من الاستقابل أي: قد قصصنا عليك من أبْنَائِهَا ونحن نَقُصُّ عليك أيضًا بعض أبنائها ويجوز أن يكون عبر به عن الماضي، أي: قد قَصَصْنَا عليك من أبنائها وأُشير بالبُعْدِ تنبيهًا على بعد هلاكها وتقادمه عن زمن الإخبار فهو من الغيب، وأراد القصص المتقدمة.
وفي قوله: {القُرَى} بأل تعظيم كقوله تعالى: {ذَلِكَ الكتاب} [البقرة: 22]، وقول الرسول- عليه الصلاة والسلام: «أوْلَئِكَ المَلأُ مِنْ قُريشٍ»، وقول أمية: [البسيط]
تِلْكَ المَكَارِمُ لا قَعْبَانِ مِنْ لَبَنٍ ** شِيبا بِمَاءٍ فَعَادَا بَعْدُ أبْوَالًا

ومِنْ للتبعيض كما تقدَّم؛ لأنَّهُ إنَّما قصَّ عليه- عليه الصلاة والسلام- ما فيه عظةٌ وانزجارٌ دون غيرهما، وإنَّما قصّ أنباء أهل القرى؛ لأنَّهم اغتروا بطول الإمهال مع كثرة النِّعم فتوهموا أنَّهُم على الحقِّن فذكرها الله تعالى لقوم محمد- عليه الصلاة والسلام- ليحترزوا عن مثل تلك الأعمال، ثم قال: {وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات}.
قوله: {فَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ بِمَا كَذَّبُواْ} الظَّاهِرُ أنَّ الضَّمائرَ عائدة على أهل القرى.
وقال يمان بن رئاب: إنَّ الضميرين الأوَّلين لأهل القرى، والضَّميرُ في {كذَّبُوا} لأسْلافِهم.
وكذا جوَّزهُ ابن عطية أيضًا أي: فما كان الأبناء ليؤمِنُوا بما كذَّب به الآباء، وقد تقدَّم الكلامُ على لام الجُحُودِ، وأنَّ نفي الفِعْلِ معها أبْلَغُ.
وما موصولة اسميَّة، وعائدها مَحْذُوفٌ؛ لأنَّه مَنصوبٌ متَّصل أي: بما كذبوه ولا يجوز أن يقدر به وإن كان الموصول مجرورا بالباء أيضًا لاختلاف المتعلقن وقال هنا {بما كذبوا} فلم يذكر متعلق التكذيب، وفي يونس ذكره فقال: {بِمَا كَذَّبُواْ بِهِ} [يونس: 74]، والفرق أنَّهُ لمَّا حذفه في قوله: {ولكن كَذَّبُواْ} [الأعراف: 96] استمرّ حذفه بعد ذلك، وأمَّا في يونس فقد أبرزه في قوله: {فَكَذَّبُوهُ فَنَجَّيْنَاهُ} [يونس 74].
{كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا} [يونس: 73] فناسب ذكره موافقة قال معناه الكرمَانِيّ.
قوله: {كَذَلِكَ يَطْبَعُ الله على قُلُوبِ الكافرين}.
قال الزَّجَّاجُ: والكاف في {كذلك} في محلِّ نصب أي: مثل ذلك الطبع على قلوب أهل القرى المنتفي عنهم الإيمان يطبع الله على قلوب الكفرة الجانين. اهـ. باختصار.

.تفسير الآية رقم (102):

قوله تعالى: {وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ (102)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان نقض العهد أفظع شيء ولاسيما عند العرب، قال عاطفًا على {فما كانوا}: {وما وجدنا} أي في عالم الشهادة {لأكثرهم} أي الناس، وأكد الاستغراق فقال: {من عهد} طبق ما كان عندنا في عالم الغيب، وهذا إما إشارة إلى الميثاق يوم {ألست بربكم} إن كان ذلك على حقيقته، أو إلى ما يفعلون حال الشدائد من الإقلاع عن المعاصي والمعاهدة على الشكر {لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين} [يونس: 22] أو إلى إقامة الحجج بإفاضة العقول ونصب الأدلة، فصار بنصبها وإيضاحها للعقول كأنه أخذ العهد على من عقل أنه يبذل الجهد في التأمل ولا يتجاوز ما أبداه له صحيح النظر {وإن} أي وإنا {وجدنا} أي علمنا في عالم الشهادة {أكثرهم لفاسقين} أي خارجين عن دائرة العهد مارقين مما أوقفهم عند الحد عريقين في ذلك طبق ما كنا نعلمه منهم في عالم الغيب، وما أبرزناه في عالم الشهادة إلا لنقيم عليهم به الحجة على ما يتعارفونه بينهم في مجاري عاداتهم ومدارك عقولهم. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ} فيه أقوال:
الأول: قال ابن عباس: يريد الوفاء بالعهد الذي عاهدهم الله وهم في صلب آدم، حيث قال: {أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ قَالُواْ بلى} [الأعراف: 172] فلما أخذ الله منهم هذا العهد وأقروا به، ثم خالفوا ذلك، صار كأنه ما كان لهم عهد، فلهذا قال: {وَمَا وَجَدْنَا لاِكْثَرِهِم مّنْ عَهْدٍ} والثاني: قال ابن مسعود: العهد هنا الإيمان، والدليل عليه قوله تعالى: {إِلاَّ مَنِ اتخذ عِندَ الرحمن عَهْدًا} [مريم: 87] يعني آمن وقال لا إله إلا الله والثالث: أن العهد عبارة عن وضع الأدلة الدالة على صحة التوحيد والنبوة، وعلى هذا التقدير فالمراد ما وجدنا لأكثرهم من الوفاء بالعهد.
ثم قال: {وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لفاسقين} أي وإن الشأن والحديث وجدنا أكثرهم فاسقين خارجين عن الطاعة، صارفين عن الدين. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {وَمَا وَجَدْنَا لاِكْثَرِهِم مّنْ عَهْدٍ}.
مِنْ زيادة للصلة يعني: ما وجدنا لأكثرهم وفاءً فيما أمروا به يعني: الذين كذبوا من الأمم الخالية.
ويقال: {مَا وَجَدْنَا لأكْثَرِهِم مّنْ عَهْدٍ} لأنهم أقروا يوم الميثاق، ثم نقضوا العهد حيث كفروا.
ويقال: {مَا وَجَدْنَا لاِكْثَرِهِم مّنْ عَهْدٍ} أي قبول العهد الذي عاهدوا على لسان الرسل.
ثم قال: {وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لفاسقين} يعني: وقد وجدنا أكثرهم لناقضين العهد، تاركين لما أمروا به. اهـ.