فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

{وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ} يعني وفاء بالعهد، والعهد الوصية {وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ} أي ما وجدنا أكثرهم إلاّ فاسقين ناقضين العهد. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِمْ مِّنْ عَهْدٍ}.
في قوله: {مِنْ عَهْدٍ} قولان:
أحدهما: أن العهد الطاعة، يريد: ما وجدنا لأكثرهم من طاعة لأنبيائهم، لأنه قال بعده {وَإن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمُ لَفَاسِقِينَ} وتكون {مِنْ} في هذا الموضع على هذا التأويل زائدة.
والثاني: أنه محمول على ظاهر العهد أي من وفاء بعهده.
وفي المراد بالعهد هنا ثلاثة أقاويل. أحدها: الميثاق الذي أخذه الله عليهم في ظهر آدم قاله أبو جعفر الطبري.
والثاني: ما جعله الله في عقولهم من وجوب شكر النعمة، وأن الله هو المنعم، قاله علي بن عيسى.
والثالث: أنه ما عهد إليهم مع الأنبياء أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا، قاله الحسن {وإن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُم لَفَاسِقِينَ} في قوله: {لَفَاسِقِينَ} وجهان:
أحدهما: خارجين عن طاعته.
والثاني: خائنين في عهده، وهذا يدل على أن العصاة أكثر من المطيعين. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد} الآية، أخبر تعالى أنه لم يجد لأكثرهم ثبوتًا على العهد الذي أخذه على ذرية آدم وقت استخراجهم من ظهره، قاله أبو العالية عن أبي بن كعب، ويحتمل أن يكون الكلام عبارة عن أنهم لم يصرفوا عقولهم في الآيات المنصوبة ولا شكروا نعم الله ولا قادتهم معجزات الأنبياء، لأن هذه الأمور عهد في رقاب العقلاء كالعهود ينبغي أن يوفى بها، وأيضًا فمن لدن آدم تقرر العهد الذي هو بمعنى الوصية وبه فسر الحسن هذه الآية فيجيء المعنى: وما وجدنا لأكثرهم التزام عهد وقبول وصاة، ذكره المهدوي، و{من} في هذه الآية زائدة، إلا أنها تعطي استغراق جنس العهد ولا تجيء هذه إلا بعد النفي، و{إن} هي المخففة من الثقيلة عند سيبويه، واللام في قوله: {لفاسقين} للفرق بين {إن} المخففة وغيرها، و{إن} عند الفراء هي بمعنى ما واللام بمعنى إلا والتقدير عنده وما وجدنا أكثرهم إلا فاسقين. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وما وجدنا لأكثرهم}.
قال مجاهد: يعني: القرون الماضية.
{من عهد} قال أبو عبيدة: أي: وفاء.
قال ابن عباس: يريد: الوفاء بالعهد الذي عاهدهم حين أخرجهم من صلب آدم.
وقال الحسن: العهد هاهنا: ما عهده إليهم مع الأنبياء أن لا يشركوا به شيئًا.
قوله تعالى: {وإن وجدنا} قال أبو عبيدة: وما وجدنا أكثرهم إلا الفاسقين. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَمَا وَجَدْنَا لأَكْثَرِهِم مِّنْ عَهْدٍ}.
{مِن} زائدة، وهي تدل على معنى الجِنس؛ ولولا {مِن} لجاز أن يتوهم أنه واحد في المعنى.
قال ابن عباس: يريد العهد المأخوذ عليهم وقت الذَّرِّ، ومن نقض العهد قيل له إنه لا عهد له، أي كأنه لم يعهد.
وقال الحسن: العهد الذي عهد إليهم مع الأنبياء أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا.
وقيل: أراد أن الكفار منقسمون؛ فالأكثرون منهم من لا أمانة له ولا وفاء، ومنهم من له أمانة مع كفره وإن قلّوا؛ روي عن أبي عبيدة. اهـ.

.قال الخازن:

{وما وجدنا لأكثرهم من عهد} يعني وما وجدنا لأكثر الأمم الخالية والقرون الماضية الذين قصصنا خبرهم عليك يا محمد من وفاء بالعهد الذي عهدناه إليهم وأوصيناهم به يوم أخذ الميثاق قال ابن عباس إنما أهلك الله أهل القرى لأنهم لم يكونوا حفظوا ما وصاهم به {وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين} أي ما وجدنا أكثرهم إلا فاسقين خارجين عن طاعتنا وأمرنا. اهـ.

.قال أبو حيان:

{وما وجدنا لأكثرهم من عهد} أي لأكثر الناس أو أهل القرى أو الأمم الماضية احتمالات ثلاثة قاله التبريزي والعهد هنا هو الذي عوهدوا عليه في صلب آدم قاله أبيّ وابن عباس أو الإيمان قاله ابن مسعود ويدلّ عليه الأمن اتخذ عند الله عهدًا وهو لا إله إلا الله فالمعنى من إيفاء أو التزام عهد، وقيل العهد هو وضع الأدلة على صحة التوحيد والنبوة إذ ذلك عهد في رقاب العقلاء كالعقود فعبر عن صرف عقولهم إلى النظر في ذلك بانتفاء وجدان العهد و{من} في {من عهد} زائدة تدلّ على الاستغراق لجنس العهد.
{وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين} إنْ هنا هي المخففة من الثقيلة ووجد بمعنى علم ومفعول {وجدنا} الأولى {لاكثرهم} ومفعول الثانية {لفاسقين} واللام للفرق بين إن المخففة من الثقيلة وإن النافية وتقدّم الكلام على ذلك في قوله: {وإن كانت لكبيرة} ودعوى بعض الكوفيين أنّ إن في نحو هذا التركيب هي النافية واللام بمعنى إلا، وقال الزمخشري: وإنّ الشأن والحديث وجدنا انتهى، ولا يحتاج إلى هذا التقدير وكان الزمخشري يزعم أنّ إن إذا خففت كان محذوفًا منها الاسم وهو الشأن والحديث إبقاءً لها على الاختصاص بالدخول على الأسماء وقد تقدّم لنا تقدير نظير ذلك ورددنا عليه. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَمَا وَجَدْنَا لأكْثَرِهِم} أي أكثرِ الأممِ المذكورين، واللامُ متعلقةٌ بالوُجدان كما في قولك: ما وجدتُ له مالًا أي ما صادفت له مالًا ولا لقِيته، أو بمحذوف وقع حالًا من قوله تعالى: {مَّنْ عَهْدٍ} لأنه في الأصل صفةٌ للنكرة فلما قُدّمت عليها انتصبت حالًا، والأصلُ ما وجدنا عهدًا كائنًا لأكثرهم ومِنْ وفاء عهدٍ فإنهم نقضوا ما عاهدوا الله عليه عند مساسِ البأساء والضراءِ قائلين: لئن أنجيتنا من هذه لنكونَنّ من الشاكرين، فتخصيصُ هذا الشأنِ بأكثرهم ليس لأن بعضَهم كانوا يوفون بعهودهم بل لأن بعضَهم كانوا لا يعهدون ولا يوفون، وقيل: المرادُ بالعهد ما عهِد الله تعالى إليهم من الإيمان والتقوى بنصب الآياتِ وإنزالِ الحُجج، وقيل: ما عهِدوا عند خطابِ {أَلَسْتَ بِرَبّكُمْ} فالمرادُ بأكثرهم كلُّهم، وقيل: الضميرُ للناس والجملةُ اعتراضٌ فإن أكثرَهم لا يوفون بالعهد بأي معنى كان {وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ} أي أكثرُ الأمم أي علِمناهم كما في قولك: وجدتُ زيدًا ذا حِفاظ وقيل: الأول أيضًا كذلك، وإن مخففةٌ من إنّ وضميرُ الشأن محذوفٌ أي إن الشأنَ وجدناهم {لفاسقين} خارجين عن الطاعة ناقضين للعهود، وعند الكوفيين أنّ إنْ نافيةٌ واللامُ بمعنى إلا أي ما وجدناهم إلا فاسقين. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَمَا وَجَدْنَا لأكْثَرِهِم} أي أكثر الأمم المذكورين، ووجد متعدية لواحد واللام متعلقة بها كما في قولك: ما وجدت لزيد مالا أي ما صادفت له مالا ولا لقيته أو بمحذوف كما قال أبو البقاء وقع حالا من قوله تعالى: {مَّنْ عاهد} لأنه في الأصل صفة للنكرة فلما قدمت عليها انتصبت حالا ومن مزيدة للاستغراق وجوز أن تكون وجد علمية والأول أظهر، والكلام على تقدير مضاف أي ما وجدنا وفاء عهد كائن لأكثرهم فإنهم نقضوا ما عاهدوا عليه الله تعالى عند مساس البأساء والضراء قائلين {لَئِنْ أَنْجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِين} [يونس: 22] وإلى هذا ذهب قتادة وتخصيص هذا الشأن بأكثرهم ليس لأن بعضهم كانوا يوفون بالعهد بل لأن بعضهم كانوا لا يعهدون ولا يوفون، وقيل: المراد بالعهد ما وقع يوم أخد الميثاق، وروي ذلك عن أبي بن كعب.
وأبي العالية، وقيل: المراد به ما عهد الله تعالى إليهم من الإيمان والتقوى بنصب الدلائل والحجج وإنزال الآيات، وفسره ابن مسعود بالإيمان كما في قوله تعالى: {اتخذ عِندَ الرحمن عَهْدًا} [مريم: 78]، وقيل: هو بمعنى البقاء أي ما وجدنا لهم بقاء على فطرتهم، والمراد بالأكثر في الكل الكل، وذهب كثير من الناس إلى أن ضمير أكثرهم للناس وهو معلوم لشهرته، والجملة إلى فاسقين اعتراض لأنه لا اختصاص له بما قبله لكن لعمومه يؤكده.
وعلى الأول تتميم على ما نص عليه الطيبي وغيره {وَإِن وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ} أي أكثر الأمم أو أكثر الناس أي علمناهم كقولك: وجدت زيدًا فاضلًا وبين وجد هذه ووجد السابق على المعنى الأول فيه الجناس التام المماثل و{إن} مخففة من الثقيلة وضمير الشأن محذوف ولا عمل لها فيه لأنها ملغاة على المشهور، وتعين تفسير وجد بعلم الناصبة للمبتدأ والخبر لدخولها عليهما، فقد صرح الجمهور أنها لا تدخل إلا على المبتدأ أو على الأفعال الناسخة وخالف في ذلك الأخفش فلا يرى ذلك.
وجوز دخولها على غيرهما، وذهب الكوفيون إلى أن إن نافية، واللام في قوله سبحانه: {لفاسقين} اللام الفارقة وعند الكوفيين أن إن نافية واللام بمعنى إلا أي ما وجدنا أكثرهم الا خارجين عن الطاعة ويدخل في ذلك نقض العهد، وذكر الطيبي أنه إذا فسر الفاسقون بالناكثين يكون في الآية الطرد والعكس، وهو أن يؤتي بكلامين يقرر الأول بمنطوقه مفهوم الثاني وبالعكس، وهو كقوله تعالى: {لِيَسْتَأْذِنكُمُ الذين مَلَكَتْ أيمانكم} إلى قوله سبحانه: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ} [النور: 58] فمنطوق الأمر بالاستئذان في الأوقات الثلاثة خاصة مقرر لمفهوم رفع الجناح فيما عداها وبالعكس، وكذا قوله تعالى: {لاَّ يَعْصُونَ الله مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] وهذا النوع من الأطناب يقابله في الإيجاز نوع الاحتباك. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وعطفت جملة: {وما وجدنا لأكثرهم من عهد} على جملة: {ولقد جاءتهم رسلهم} وما رتب عليها من قوله: {فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل} تنبيهًا على رسوخ الكفر من نفوسهم بحيث لم يقلعه منهم لا ما شاهدوه من البينات، ولا ما وضعه الله في فطرة الإنسان من اعتقاد وجود إله واحد وتصديق الرسل الداعين إليه، ولا الوفاءُ بما عاهدوا عليه الرسل عند الدعوة: إنهم إن أتوهم بالبينات يؤمنون بها.
والوجدان في الموضعين مجاز في العلم، فصار من أفعال القلوب، ونفيه في الأول كناية عن انتفاء العهد بالمعنى المقصود، أي: وفائه، لأنه لو كان موجودًا لعَلمه مَنْ شأنه أن يعلمَه ويبحث عنه عند طلب الوفاء به، لاسيما والمتكلم هو الذي لا تخفى عليه خافية كقوله: {قل لا أجد فيما أوحي إلي محرمًا} [الأنعام: 145] الآية، أي لا محرم إلاّ ما ذكر، فمعنى {وما وجدنا لأكثرهم من عهد} ما لأكثرهم عهد.
والعهدُ: الالتزامُ والوعدُ المؤكّدُ وقوعُه، والمُوَثّقُ بما يمنع من إخلافه: من يمين، أو ضمان، أو خشية مسبة، وهو مشتق من عَهِد الشيء بمعنى عَرفه، لأن الوعد المؤكد يعرفه ملتزمه ويحرص أن لا ينساه.
ويسمى إيقاع ما التزمه الملتزم من عهده الوفاءَ بالعهد، فالعهد هنا يجوز أن يراد به الوعد الذي حققَه الأممُ لرسلهم مثل قولهم: فأننا بآية إن كنت من الصادقين، فإن معنى ذلك: إن أتيتنا بآية صدقناك.
ويجوز أن يراد به وعد وثقه أسلاف الأمم من عهد آدم أن لا يعبدوا إلاّ الله وهو المذكور في قوله تعالى: {ألَمْ أعْهَدْ إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان} [يس: 60] الآية، فكان لازمًا لأعقابهم.
ويجوز أن يراد به ما وعَدت به أرواح البشر خالقها في الأزل المحكيُ في قوله تعالى: {وإذْ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريّاتهم وأشهدهم على أنفسهم ألسّتُ بربّكم قالوا بلى شهدنا} [الأعراف: 172] الآية.
وهو عبارة عن خلق الله فطرة البشرية معتقدة وجود خالقها ووحدانيتَه، ثم حرفتها النزعات الوثنية والضلالات الشيطانية.
ووقوع اسم هذا الجنس في سياق النفي يقتضي انتفاءه بجميع المعاني الصادق هو عليها.
ومعنى انتفاء وجدانه.
هو انتفاء الوفاء به، لأن أصل الوعد ثابت موجود، ولكنه لما كان تحققه لا يظهر إلاّ في المستقبل، وهو الوفاء، جعل انتفاء الوفاء بمنزلة انتفاء الوقوع، والمعنى على تقدير مضاف، أي: ما وجدنا لأكثرهم من وفاء عهد.
وإنما عدّي عدم وجدان الوفاء بالعهد في {أكثرهم} للإشارة إلى إخراج مؤمني كل أمة من هذا الذم، والمراد بأكثرهم، أكثر كل أمة منهم، لا أمة واحدة قليلة من بين جميع الأمم.
وقوله: {وإنْ وجدْنا أكثرهم لفَاسقين} إخبار بأن عدم الوفاء بالعهد من أكثرهم كان منهم عن عمد ونكث، ولكون ذلك معنى زائدًا على ما في الجملة التي قبلها عطفت ولم تجعل تأكيدًا للتي قبلها أو بيانًا، لأن الفسق هو عصيان الأمر، وذلك أنهم كذبوا فيما وعدوا عن قصد للكفر.
و{إنْ} مخففة من الثقيلة، وبعدها مبتدأ محذوف هو ضمير الشأن، والجملة خبر عنه تنويهًا بشأن هذا الخبر ليعلمه السامعون.
واللام الداخلة في خبر {وجدنا} لام ابتداء، باعتبار كون ذلك الخبر خبرًا من جملة هي خبر عن الاسم الواقع بعد {إنْ}، وجلبت اللام للتفرقة بين المخففة والنافية.
وقد تقدم نظير هذا عند قوله تعالى: {وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين} [آل عمران: 164].
وأسند حكم النكث إلى أكثر أهل القرى، تبينًا لكون ضمير {فما كانوا ليؤمنوا} جرى على التغليب، ولعل نكتة هذا التصريح في خصوص هذا الحكم أنه حكم مذمة ومسبة، فناسبت محاشاة من لم تلتصق به تلك المسبة. اهـ.