فصل: تفسير الآيات (109- 110):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (109- 110):

قوله تعالى: {قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110)}

.مناسبة الآيتين لما قبلهما:

قال البقاعي:
ولما أتى بالبيان وأقام واضح البرهان، اقتضى الحال السؤال عما أبرزوه من المقال في جوابه فقال: {قال الملأ} أي الأكابر {من قوم فرعون} ما تلقفوه من فرعون واحدًا بعد واحد، يلقيه أكبرهم إلى أصغرهم {إن هذا لساحر} أي فهذا الذي رأيتموه أيها الناس من تخييله ما لا حقيقة له، فلا تبادروا إلى متابعته.
ولما كان ذلك خارجًا عما ألفوه السحرة قالوا: {عليم} أي بما هم فيه، بالغ في علمه إلى حد عظيم، فذلك جاء ما رأيتم منه فوق العادة، فكأن فرعون قال ذلك أبتداء- كما في سورة الشورى- فتلقفوه منه وبادروا إلى قوله، يقوله بعضكم لبعض إعلامًا بأنهم على غاية الطواعية له خوفًا على رئاستهم تحقيقًا لقوله تعالى: {فاستخف قومه فأطاعوه} [الزخرف: 54] واختير هنا إسناده إليهم، لأن السياق للاستدلال على فسق الأكثر، وأما هناك فالسياق لأنه إن أراد سبحانه انزل آية خضعوا لها كما خضع فرعون عند رؤية ما رأى من موسى عليه السلام حتى رضي لنفسه بأن يخاطب عبيده- على ما يزعم- بما يقتضي أن يكون لهم عليه أمر، فلذا كان إسناد القول إليه أحسن، لأن النصرة في مقارعة الرأس أظهر، وخضوع عنقه أضخم وأكبر.
ولما خيلوهم حتى أوقفوهم عما فهموا عنهم من المبادرة إلى المتابعة بادعاء أنه ساحر؛ نفروهم من ذلك وخوفوهم بأنه يريد أن يحكم فيهم قومه الذين كانوا عبيدًا لهم ويزيحوهم من ديارهم التي هي لأشباحهم مثل أشباحهم لأرواحهم بقوله: {يريد أن يخرجكم} أي أيها القبط {من أرضكم} أي هذه التي أثلها لكم آباؤكم وبها قوامكم؛ ولما كان السياق لبيان فسقهم، أسقط قولهم في الموضع الآخر {بسحره} إفهامًا لعجلتهم في إبرام الأمر في ضره إشارة إلى تغاليهم في الفسق بعلمهم أنه محق وليس بساحر.
ولما كان المقصود بهذا الكلام استعطاف المخاطبين، استعطفوهم بعد أن أوقفوهم، ثم خوفوهم بما سببوا عن الخطاب السابق من قولهم: {فماذا تأمرون} أي تقولون في هذه المشورة أيها السادة ليمتثل. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ولما ذكر الله تعالى أن موسى عليه السلام أظهر هذين النوعين من المعجزات.
حكى عن قوم فرعون أنهم قالوا: {إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ} وذلك لأن السحر كان غالبًا في ذلك الزمان، ولا شك أن مراتب السحرة كانت متفاضلة متفاوتة، ولا شك أنه يحصل فيهم من يكون غاية في ذلك العلم ونهاية فيه فالقوم زعموا أن موسى عليه السلام لكونه في النهاية من علم السحر، أتى بتلك الصفة، ثم ذكروا أنه إنما أتى بذلك السحر لكونه طالبًا للملك والرياسة.
فإن قيل: قوله: {إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ}.
حكاه الله تعالى في سورة الشعراء أنه قاله فرعون لقومه، وحكى هاهنا أن قوم فرعون قالوه، فكيف الجمع بينهما؟ وجوابه من وجهين: الأول: لا يمتنع أنه قد قاله هو وقالوه هم، فحكى الله تعالى قوله ثم، وقولهم هاهنا.
والثاني: لعل فرعون قاله ابتداء فتلقنه الملأ منه فقالوه لغيره أو قالوه عنه لسائر الناس على طريق التبليغ، فإن الملوك إذا رأوا رأيًا ذكروه للخاصة وهم يذكرونه للعامة، فكذا هاهنا.
وأما قوله: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} فقد ذكر الزجاج فيه ثلاثة أوجه: الأول: أن كلام الملأ من قوم فرعون تم عند قوله: {يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُمْ مّنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِ} ثم عند هذا الكلام قال فرعون مجيبًا لهم: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} واحتجوا على صحة هذا القول بوجهين: أحدهما: أن قوله: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} خطاب للجمع لا للواحد، فيجب أن يكون هذا كلام فرعون للقوم.
أما لو جعلناه كلام القوم مع فرعون لكانوا قد خاطبوه بخطاب الواحد لا بخطاب الجمع.
وأجيب عنه: بأنه يجوز أن يكونوا خاطبوه بخطاب الجمع تفخيمًا لشأنه، لأن العظيم إنما يكنى عنه بكناية الجمع كما في قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر} [الحجر: 9] {إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا} [نوح: 1] {إِنَّا أنزلناه في لَيْلَةِ القدر} [القدر: 1].
والحجة الثانية: أنه تعالى لما ذكر قوله: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} قال بعده: {قَالُواْ أَرْجِهْ} ولا شك أن هذا كلام القوم، وجعله جوابًا عن قولهم: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} فوجب أن يكون القائل لقوله: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} غير الذي قالوا أرجه، وذلك يدل على أن قوله: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} كلام لغير الملأ من قوم فرعون.
وأجيب عنه: بأنه لا يبعد أن القوم قالوا: {إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ} ثم قالوا لفرعون ولأكابر خدمه {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} ثم أتبعوه بقولهم: {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} فإن الخدم والأتباع يفوضون الأمر والنهي إلى المخدوم والمتبوع أولًا، ثم يذكرون ما حضر في خواطرهم من المصلحة.
والقول الثاني: أن قوله: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} من بقية كلام القوم، واحتجوا عليه بوجهين: الأول: أنه منسوق على كلام القوم من غير فاصل، فوجب أن يكون ذلك من بقية كلامهم.
والثاني: أن الرتبة معتبرة في الأمر، فوجب أن يكون قوله: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} خطابًا من الأدنى مع الأعلى، وذلك يوجب أن يكون هذا من بقية كلام فرعون معه.
وأجيب عن هذا الثاني: بأن الرئيس المخدوم قد يقول للجمع الحاضر عنده من رهطه ورعيته ماذا تأمرون؟ ويكون غرضه منه تطييب قلوبهم وإدخال السرور في صدورهم وأن يظهر من نفسه كونه معظمًا لهم ومعتقدًا فيهم، ثم إن القائلين بأن هذا من بقية كلام قوم فرعون ذكروا وجهين: أحدهما: أن المخاطب بهذا الخطاب هو فرعون وحده، فإنه يقال للرئيس المطاع ما ترون في هذه الواقعة؛ أي ما ترى أنت وحدك، والمقصود أنك وحدك قائم مقام الجماعة.
والغرض منه التنبيه على كماله ورفعة شأنه وحاله.
والثاني: أن يكون المخاطب بهذا الخطاب هو فرعون وأكابر دولته وعظماء حضرته، لأنهم هم المستقلون بالأمر والنهي، والله أعلم. اهـ.

.قال السمرقندي:

{قَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ} يعني: الأشراف والرؤساء.
قال مقاتل: إن فرعون قال بهذه المقالة فصدقه قومه كما قال في سورة الشعراء: {قَالَ لِلْمَلإِ حَوْلَهُ إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ} [الشعراء: 34] يعني: حاذق بالسحر.
ثم قال لقومه: {إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ} تصديقًا لقوله: {يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مّنْ أَرْضِكُمْ} بسحره يعني: من أرض مصر.
فقال لهم فرعون: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} يعني: أي فماذا تشيرون في أمره؟ ويقال: إن بعضهم قال لبعض فماذا تأمرون؟ أي ماذا ترون في أمره. اهـ.

.قال ابن عطية:

{قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109)}.
الساحر كان عندهم في ذلك الزمن أعلى المراتب وأعظم الرجال، ولكن وصفهم موسى بذلك مع مدافعتهم له عن النبوة ذم عظيم وحط، وذلك قصدوا إذ لم يمكنهم أكثر، وقولهم: {يريد أن يخرجكم من أرضكم} يعنون بأنه يحكم فيكم بنقل رعيتكم في بني إسرائيل فيفضي ذلك إلى خراب دياركم إذا ذهب الخدمة والعمرة، وأيضًا فلا محالة أنهم خافوا أن يقاتلهم وجالت ظنونهم كل مجال، وقال النقاش: كانوا يأخذون من بني إسرائيل خرجًا كالجزية فرأوا أن ملكهم يذهب بزوال ذلك، وقوله: {فماذا تأمرون} الظاهر أنه من كلام الملأ بعضهم إلى بعض، وقيل هو من كلام فرعون لهم، وروى كردم عن نافع {تأمرونِ} بكسر النون، وكذلك في الشعراء وفي استفهام وذا بمعنى الذي فهما ابتداء وخبر، وفي {تأمرون} ضمير عائد على الذي تقديره تأمرون به ويجوز أن تجعل {ماذا} بمنزلة اسم واحد في موضع نصب ب {تأمرون} ولا يضمر فيه على هذا، قال الطبري: والسحر مأخوذ من سحر المطر الأرض إذا جادها حتى يقلب نباتها ويقلعه من أصوله فهو يسحرها سحرًا والأرض مسحورة.
قال القاضي أبو محمد: وإنما سحر المطر الطين إذا أفسده حتى لا يمكن فيه عمل، والسحر الآخذة التي تأخذ العين حتى ترى الأمر غير ما هو، وربما سحر الذهن، ومنه قول ذي الرمة: [الوافر]
وساحرة السراب من الموامي ** يرقص في نواشزها الأروم

أراد أنه يخيل نفسه ماء للعيون. اهـ.

.قال أبو حيان:

{قال الملأ من قوم فرعون إنّ هذا لساحر عليم}.
وفي الشعراء {قال للملإ حوله إنّ هذا لساحر عليم} والجمع بينهما أن فرعون وهم قالوا هذا الكلام فحكى هنا قولهم وهناك قوله أو قاله ابتداء فتلقفه منه الملأ فقالوه لأعقابهم أو قالوه عنه للناس على طريق التبليغ كما تفعل الملوك يرى الواحد منهم الرأي فيكلم به من يليه من الخاصّة ثم تبلغه الخاصة العامة والدليل عليه أنهم أجابوه في قوله: {أرجه} وكان السحر إذ ذاك في أعلى المراتب فلما رأوا انقلاب العصا ثعبانًا والأدماء بيضاء وأنكروا النبوة ودافعوه عنها قصدوا ذمه بوصفه بالسحر وحطّ قدره إذ لم يمكنهم في ظهور ما ظهر على يده نسبة شيء إليه غير السحر وبالغوا في وصفه بأن قالوا: {عليم} أي بالغ الغاية في علم السّحر وخدعه وخيالاته وفنونه وأكثر استعمال لفظ هذا إذا كان من كلام الكفار في التنقص والاستغراب كما قال: {أهذا الذي يذكر آلهتكم} {أهذا الذي بعث الله رسولًا} {إن هذا إلا أساطير الأولين} {ما هذا إلا بشر مثلكم} {إنّ هذان لساحران} {إن كان هذا هو الحق من عندك} يعدلون عن لفظ اسم ذلك الشيء إلى لفظ الإشارة وأكدّوا نسبة السحر إليه بدخول إن واللام.
من بني إسرائيل فبعث بهم إلى قرية.
قال البغوي: هي الفرما يعلمونهم السحر كما يعلمون الصبيان في المكتب فعلموهم سحرًا كثيرًا وواعد فرعون موسى موعدًا ثم دعاهم وسألهم فقال: ماذا صنعتم قالوا علمناهم من السحر ما لا يقاومهم به أهل الأرض إلا أن يكون أمرًا من السماء فإنه لا طاقة لنا به، وقرأ الأخوان بكل سحّار هنا وفي يونس والباقون {ساحر} وفي الشعراء أجمعوا على سحار وتناسب سحار {عليم} لكونهما من ألفاظ المبالغة ولما كان قد تقدّم {إن هذا لساحر عليم} ناسب هنا أن يقابل بقوله: {بكل ساحر عليم}. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ} أي الأشرافُ منهم وهم أصحابُ مشورتِه {إِنَّ هذا لساحر عَلِيمٌ} أي مبالغٌ في علم السحر ماهرٌ فيه، قالوه تصديقًا لفرعون وتقريرًا لكلامه فإن هذا القولَ بعينه مَعْزيٌّ في سورة الشعراء إليه.
{يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مّنْ أَرْضِكُمْ} أي من أرض مصرَ {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} بفتح النون وما في ماذا في محل النصب على أنه مفعول ثان لتأمرون بحذف الجار، والأولُ محذوف والتقديرُ بأي شيء تأمرونني، وهذا من كلام فرعونَ كما في قوله تعالى: {ذلك لِيَعْلَمَ أَنّى لَمْ أَخُنْهُ بالغيب} أي فإذا كان كذلك فماذا تشيرون عليّ في أمره؟ وقيل: قاله الملأ بطريق التبليغِ إلى العامة فقوله تعالى: {قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} على الأول وهو الأظهرُ حكايةً لكلام الملأ الذين شاورهم فرعونُ وعلى الثاني لكلام العامة الذين خاطبهم الملأ ويأباه أن الخطابَ لفرعون وأن المشاورةَ ليست وظائفَهم أي أخِّرْه وأخاه، وعدمُ التعرض لذكره لظهور كونِه معه حسبما تنادي به الآياتُ الأُخَرُ. اهـ.