فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

اعلم أن في الآية مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ نافع والكسائي {أَرْجِهْ} بغير همز وكسر الهاء والإشباع، وقرأ عاصم وحمزة {أَرْجِهْ} بغير الهمز وسكون الهاء.
وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمر {وأرجئه} بالهمز وضم الهاء، ثم أن ابن كثير أشبع الهاء على أصله والباقون لا يشبعون.
قال الواحدي: رحمه الله: {قَالُواْ أَرْجِهْ} مهموز وغير مهموز لغتان يقال أرجأت الأمر وأرجيته إذا أخرته، ومنه قوله تعالى: {وَءاخَرُونَ مُرْجَوْنَ} [التوبة: 106] {ترجي مَن تَشَاء} [الأحزاب: 51] قرئ في الآيتين باللغتين، وأما قراءة عاصم وحمزة بغير الهمز، وسكون الهاء فقال الفراء: هي لغة العرب يقفون على الهاء المكني عنها في الوصل إذا تحرك ما قبلها وأنشد:
فيصلح اليوم ويفسده غدًا

قال وكذلك يفعلون بهاء التأنيث فيقولون: هذه طلحة قد أقبلت، وأنشد:
لما رأى أن لا دعه ولا شبع

ثم قال الواحدي: ولا وجه لهذا عند البصريين في القياس.
وقال الزجاج: هذا شعر لا نعرف قائله، ولو قاله شاعر مذكور لقيل له أخطأت.
المسألة الثانية:
في تفسير قوله: {أَرْجِهْ} قولان: الأول: الإرجاء التأخير فقوله: {أَرْجِهْ} أي أخره.
ومعنى أخره: أي أخر أمره ولا تعجل في أمره بحكم، فتصير عجلتك حجة عليك، والمقصود أنهم حاولوا معارضة معجزته بسحرهم، ليكون ذلك أقوى في إبطال قول موسى عليه السلام.
والقول الثاني: وهو قول الكلبي وقتادة {أَرْجِهْ} احبسه.
قال المحققون هذا القول ضعيف لوجهين: الأول: أن الإرجاء في اللغة هو التأخير لا الحبس، والثاني: أن فرعون ما كان قادرًا على حبس موسى بعد ما شاهد حال العصا.
أما قوله: {وَأَرْسِلْ في المدائن حاشرين} ففيه مسألتان:
المسألة الأولى:
هذه الآية تدل على أن السحرة كانوا كثيرين في ذلك الزمان وإلا لم يصح قوله: {وَأَرْسِلْ في المدائن حاشرين يَأْتُوكَ بِكُلّ ساحر عَلِيمٍ} ويدل على أن في طباع الخلق معرفة المعارفة، وإنها إذا أمكنت فلا نبوة، وإذا تعذرت فقد صحت النبوة، وأما بيان أن السحر ما هو وهل له حقيقة أم لا بل هو محض التمويه، فقد سبق الاستقصاء فيه، في سورة البقرة.
المسألة الثانية:
نقل الواحدي عن أبي القاسم الزجاجي: أنه قال اختلف أصحابنا في المدينة على ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنها فعيلة لأنها مأخوذة من قولهم مدن بالمكان يمدن مدونا إذا أقام به، وهذا القائل يستدل بإطباق القراء على همز المدائن، وهي فعائل كصحائف وصحيفة وسفائن وسفينة والياء إذا كانت زائدة في الواحد همزت في الجمع كقبائل وقبيلة، وإذا كانت من نفس الكلمة لم تهمز في الجمع نحو معايش ومعيشة.
والقول الثاني: أنها مفعلة، وعلى هذا الوجه، فمعنى المدينة المملوكة من دانه يدينه، فقولنا مدينة من دان، مثل معيشة من عاش، وجمعها مداين على مفاعل.
كمعايش، غير مهموز، ويكون اسمًا لمكان والأرض التي دانهم السلطان فيها أي ساسهم وقهرهم.
والقول الثالث: قال المبرد مدينة أصلها مديونة من دانه إذا قهره وساسه، فاستثقلوا حركة الضمة على الياء فسكنوها ونقلوا حركتها إلى ما قبلها، واجتمع ساكنان الواو المزيدة التي هي واو المفعول، والياء التي هي من نفس الكلمة، فحذفت الواو لأنها زائدة، وحذف الزائد أولى من حذف الحرف الأصلي، ثم كسروا الدال لتسلم الياء، فلا تنقلب واوًا لانضمام ما قبلها فيختلط ذوات الواو بذوات الياء، وهكذا القول في المبيع والمخيط والمكيل، ثم قال الواحدي: والصحيح أنها فعيلة لاجتماع القراء على همز المدائن.
المسألة الثالثة:
{وَأَرْسِلْ في المدائن حاشرين}.
يريد وأرسل في مدائن صعيد مصر رجالًا يحشروا إليك ما فيها من السحرة.
قال ابن عباس: وكان رؤساء السحرة بأقصى مدائن الصعيد، ونقل القاضي عن ابن عباس، أنهم كانوا سبعين ساحرًا سوى رئيسهم، وكان الذي يعلمهم رجلًا مجوسيًا من أهل نينوى بلدة يونس عليه السلام، وهي قرية بالموصل.
وأقول هذا النقل مشكل، لأن المجوس أتباع زرادشت، وزرادشت إنما جاء بعد مجيء موسى عليه السلام.
أما قوله: {يَأْتُوكَ بِكُلّ ساحر عَلِيمٍ} ففيه مسائل:
المسألة الأولى:
قرأ حمزة والكسائي بكل سحار، والباقون بكل ساحر، فمن قرأ سحار فحجته أنه قد وصف بعليم، ووصفه به يدل على تناهيه فيه وحذقه به، فحسن لذلك أن يذكر بالاسم الدال على المبالغة في السحر، ومن قرأ ساحر فحجته قوله: {وَأُلْقِىَ السحرة} [الأعراف: 120] {لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السحرة} [الشعراء: 40] والسحرة جمع ساحر مثل كتبه وكاتب وفجرة وفاجر.
واحتجوا أيضًا بقوله: {سَحَرُواْ أَعْيُنَ الناس} [الأعراف: 116] واسم الفاعل من سحروا ساحر.
المسألة الثانية:
الباء في قوله: {بِكُلّ ساحر} يحتمل أن تكون بمعنى مع، ويحتمل أن تكون باء التعدية والله أعلم.
المسألة الثالثة:
هذه الآية تدل على أن السحرة كانوا كثيرين في ذلك الزمان، وهذا يدل على صحة ما يقوله المتكلمون، من أنه تعالى يجعل معجزة كل نبي من جنس ما كان غالبًا على أهل ذلك الزمان فلما كان السحر غالبًا على أهل زمان موسى عليه السلام كانت معجزته شبيهة بالسحر وإن كان مخالفًا للسحر في الحقيقة، ولما كان الطب غالبًا على أهل زمان عيسى عليه السلام كانت معجزته من جنس الطب، ولما كانت الفصاحة غالبة على أهل زمان محمد عليه الصلاة والسلام لا جرم كانت معجزته من جنس الفصاحة. اهـ.

.قال السمرقندي:

{قَالُواْ أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} يعني احبسهما ولا تقتلهما.
وأصله في اللغة التأخير أي أخر أمرهما حتى تجتمع السحرة فيغلبوهما.
فإنك إن قتلتهما قبل أن يظهر حالهما يظن الناس أنهما صادقان.
فإذا تبين كذبهما عند الناس فاقتلهما حينئذٍ.
فذلك قوله: {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ} أي: ابعث {فِى المدائن حاشرين} يعني: الشرط يحشرون الناس إليكم أي: {يَأْتُوكَ بِكُلّ ساحر عَلِيمٍ} أي: حاذق بالسحر قرأ ابن كثير أرجئهو بالهمزة والواو بعد الهاء.
وقرأ الكسائي أرجهي إلا أنه بكسر الهاء ولا يتبع الياء.
وقرأ أبو عمر وعاصم في رواية أبي بكر وابن عامر في إحدى الروايتين أرجئه بالهمز بغير مد والضمة.
وهذه اللغات كلها مروية عن العرب.
وقرأ حمزة وعاصم في رواية أبي بكر والكسائي بكل سَحَّار عليم على وجه المبالغة في السحر.
وقرأ الباقون بكل ساحر وهكذا في يونس واتفقوا في الشعراء. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله عز وجل: {قَالُواْ أَرْجِه وَأَخَاهُ}.
فيه قولان:
أحدهما: معناه أخِّرْهُ، قاله ابن عباس والحسن.
والثاني: أحبسه، قاله قتادة والكلبي.
{وَأَرْسِلْ فِي المَدَائِنِ حَاشِرِينَ} قال ابن عباس: هم أصحاب الشُرَط وهو قول الجماعة أرسلهم في حشر السحرة وكانوا اثنين وسبعين رجلًا. اهـ.

.قال ابن عطية:

{قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111)}.
ثم أشار الملأ على فرعون بأن يؤخر موسى وهارون ويدع النظر في أمرهما ويجمع السحرة من كل مكان حتى تكون غلبة موسى بحجة واضحة معلومة بينة، وقرأ ابن كثير {أرجئهو} بواو بعد الهاء المضمومة وبالهمز قبل الهاء، وقرأ أبو عمرو {أرجئه} بالهمز، دون واو بعدها وقرأ نافع وحده في رواية قالون: {أرجهِ} بكسر الهاء، ويحتمل أن يكون المعنى: أخره فسهل الهمزة، ويحتمل من الرجا بمعنى أطعمه ورجه قاله المبرد، وقرأ ورش عن نافع: {أرجهِي} بياء بعد كسرة الهاء، وقرأ ابن عامر: {أرجئهِ} بكسر الهاء وبهمزة قبلها، قال الفارسي وهذا غلط وقرأ عاصم والكسائي {أرجهُ} بضم الهاء دون همز، وروى أبان عن عاصم: {أرجهْ} بسكون الهاء وهي لغة تقف على هاء الكناية إذا تحرك ما قبلها، ومنه قول الشاعر: [منظور بن حبة الأسدي]
أنحى عليًّ الدهرُ رجلًا ويدا ** يقسم لا أصلَحَ إلا أفسدا

فيصلح اليوم ويفسد غدًا.
وقال الآخر:
لما رأى أن لا دعة ولا شبع ** مال إلى أرطاة حقق فاضطجع

وحكى النقاش أنه لم يكن يجالس فرعون ولد غية وإنما كانوا أشرافًا ولذلك أشاروا بالإرجاء ولم يشيروا بالقتل وقالوا: إن قتلته دخلت على الناس شبهة ولكن اغلبه بالحجة، و{المدائن} جمع مدينة وزنها فعيلة من مدن أو مفعلة من دان يدين وعلى هذا يهمز مدائن أو لا يهمز، و{حاشرين} معناه جامعين، قال المفسرون: وهم الشرط، وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر {بكل ساحر} وقرأ حمزة والكسائي: {بكل سحار} على بناء المبالغة وكذلك في سورة يونس، وأجمعوا على {سحار} في سورة الشعراء، وقال قتادة: معنى الإرجاء الذي أشاروا إليه السجن والحبس. اهـ.

.قال أبو السعود:

{قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111)}.
والمعنى أخِّرْ أمرَهما وأصدِرْهما عنك حتى ترى رأيك فيهما وتدبرَ شأنهما، وقرئ {أرجِئْه} و{أرجِهِ} من أرْجَأَه وأرْجاه {وَأَرْسِلْ في المدائن حاشرين} قيل: هي مدائنُ صعيدِ مصرَ وكان رؤساءُ السحرةِ ومَهَرتُهم بأقصى مدائنِ الصعيد. وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم كانوا سبعين ساحرًا أخذوا السحرَ من رجلين مجوسيين من أهل نينَوى مدينةِ يونسَ عليه السلام بالمَوْصِل، ورُد ذلك بأن المجوسيةَ ظهرت بزرادَشْت وهو إنما جاء بعد موسى عليه الصلاة والسلام {يَأْتُوكَ بِكُلّ ساحر عَلِيمٍ} أي ماهرٍ في السحر، وقرئ بكل {سحّار عليم}، والجملةُ جوابُ الأمر. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111)} أي أخر أمرهما وأصدرهما عنك ولا تعجل في أمرهما حتى ترى رأيك فيهما، وقيل: احبسهما، واعترض بأنه لم يثبت منه الحبس.
وأجيب بأن الأمر به لا يوجب وقوعه؛ وقيل عليه أيضًا: إنه لم يكن قادرًا على الحبس بعد أن رأى ما رأى، وقوله: {لاجْعَلَنَّكَ مِنَ المسجونين} [الشعراء: 29] في الشعراء كان قبل هذا، وأجيب بأن القائلين لعلهم لم يعلموا ذلك منه، وقال أبو منصور: الأمر بالتأخير دل على أنه تقدم منه أمر آخر وهو الهم بقتله، فقالوا: أخره ليتبين حاله للناس، وليس بلازم كما لا يخف؛ وأصل أرجه أرجئه بهمزة ساكنة وهاء مضمونة دون واو ثم حذفت الهمزة وسكنت الهاء لتشبيه المنفصل بالمتصل، وجعل جه وكابل في إسكان وسطه، وبذلك قرأ أبو عمرو وأبو بكر ويعقوب على أنه من أرجات، وكذلك قراءة ابن كثير وهشام.