فصل: قال الشعراوي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الشعراوي:

{قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111)}.
و{أَرْجِهْ} أي أَخّره مثل قوله الحق: {وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ...} [التوبة: 106].
أي أنهم مؤخرون للحكم عليهم وهم الثلاثة الذين تخلفوا عن الغزو فخلفوا وأرجئ أمرهم حتى نزل فيهم قوله سبحانه: {وَعَلَى الثلاثة الذين خُلِّفُواْ} إلخ الآية.
وقولهم: {أَرْجِهْ وَأَخَاهُ} [الأعراف: 111].
وهكذا كان طلب الإرجاء لأن المسألة أخطر من أن يُتَصَرَّف فيها تصرفًا سريعًا بل تحتاج إلى أن يؤخَّر الرأي فيها حتى يجتمع الملأ، ويرى الجميع كيفية مواجهتها، فهي مسألة ليست هينة لأن فيها نقض ألوهية فرعون، وفي هذا دك لسلطان الفرعون وإنهاء لانتفاعهم هم من هذا السلطان. فإذا كان قد قال لهم: {فَمَاذَا تَأْمُرُونَ}.
فكأنه كان يطلب منهم الرأي فورًا، لكنهم قالوا إن المسألة تحتاج إلى تمهل وبطء، وأول درجات البطء والتمهل أن يُستدعى القوم الذين يفهمون في السحر. فما دمنا نقول عن موسى: إنه ساحر، فلنواجهه بما عندنا من سحر: وقبول فرعون لهذه المشورة هدم لألوهيته؛ لأنه يدعي أنه إله ويستعين بمألوه هم السحرة، والسحرة أتباع له. وقوله الحق كان على ألسنتهم: {وَأَرْسِلْ فِي المدائن حَاشِرِينَ} [الأعراف: 111].
يدل على أن السحر كان منتشرًا، ومنبثقًا في المدائن وقد أتبع سبحانه هذا القول على لسان الملأ بقوله: {يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ}.
ولأن المستشرقين يريدون أن يشككونا في القرآن قالوا: ولماذا قال في سورة الشعراء: {يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ}. وكان هؤلاء المستشرقين يريدون أن يفرقوا بين {سَاحِرٍ عَلِيمٍ} و{سَحَّارٍ عَلِيمٍ}؛ ولأنهم لا يعرفون اللغة لم يلتفتوا إلى أن {سحّار} تفيد المبالغة من جهتين. فكلمة {ساحر} تعني أنه يعمل بالسحر، و{سحّار} تعني أنه يبالغ في إتقان السحر، والمبالغات دائمًا تأتي لضخامة الحدث، أو تأتي لتكرر الحدث. ف {سحّار} تعني أن سحره قوي جدًّا، أو يسحر في كل حالة، فمن ناحية التكرار هو قادر على السحر، ومن ناحية الضخامة هو قادر أيضًا. ومادام القائلون متعددين.. فواحد يقول: ساحر، وآخر يقول: سحَّار وهكذا. والقرآن يغطي كل اللقطات. {قالوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي المدائن حَاشِرِينَ * يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} [الأعراف: 111- 112].
و{حاشرين} تعني مَن يحشر لك السحرة ويجمعهم لا بإرادتهم ولكن بقوة فرعون وبطش جنده. اهـ.

.التفسير المأثور:

{وَقَالَ مُوسَى يَا فِرْعَوْنُ إِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (104) حَقِيقٌ عَلَى أَنْ لَا أَقُولَ عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ قَدْ جِئْتُكُمْ بِبَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَرْسِلْ مَعِيَ بَنِي إِسْرَائِيلَ (105) قَالَ إِنْ كُنْتَ جِئْتَ بِآَيَةٍ فَأْتِ بِهَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (106) فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ (107) وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنَّاظِرِينَ (108) قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (109) يُرِيدُ أَنْ يُخْرِجَكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ (110) قَالُوا أَرْجِهْ وَأَخَاهُ وَأَرْسِلْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ (111) يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ (112)}.
أخرج أبو الشيخ عن مجاهد. انه كان يقرأ {حقيق عليّ أن لا أقول}.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {فألقى عصاه} قال: ذكر لنا أن تلك العصا عصا آدم، اعطاه اياها ملك حين توجه إلى مدين، فكانت تضيء له بالليل ويضرب بها الأرض بالنهار، فيخرج له رزقه ويهش بها على غنمه، قال الله عز وجل: {فإذا هي ثعبان مبين} قال: حية تكاد تساوره.
وأخرج ابن جرير وأبو الشيخ عن المنهال قال: ارتفعت الحية في السماء ميلًا، فأقبلت إلى فرعون فجعلت تقول: يا موسى مرني بما شئت. وجعل فرعون يقول: يا موسى أسألك بالذي أرسلك قال: وأخذه بطنه.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لقد دخل موسى على فرعون وعليه زرمانقة من صوف ما تجاوز مرفقه، فاستؤذن على فرعون فقال: ادخلوه. فدخل فقال: إن ألهي أرسلني إليك. فقال للقوم حوله: ما علمت لكم من إله غيري خذوه. قال إني قد جئتك بآية: {قال فائت بها إن كنت من الصادقين فألقى عصاه} فصارت ثعبانًا ما بين لحييه ما بين السقف إلى الأرض، وأدخل يده في جيبه فأخرجها مثل البرق تلتمع الأبصار فخروا على وجوههم، وأخذ موسى عصاه ثم خرج ليس أحد من الناس إلا يفر منه، فلما أفاق وذهب عن فرعون الروع قال للملأ حوله: ماذا تأمرون؟ قالوا: أرجئه وأخاه لا تأتنا به ولا يقربنا، وأرسل في المدائن حاشرين، وكانت السحرة يخشون من فرعون، فلما أسرع إليهم قالوا: قد احتاج إليكم إلهكم قال: إن هذا فعل كذا وكذا. قالوا: إن هذا ساحر يسحر، أئن لنا لأجرًا إن كنا نحن الغالبين؟ قال: ساحر يسحر الناس ولا يسحر الساحر الساحر؟ قال: نعم وإنكم إذًا لمن المقربين.
وأخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحكم قال: كانت عصا موسى من عوسج، ولم يسخر العوسج لأحد بعده.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: عصا موسى اسمها ماشا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مسلم قال: عصا موسى هي الدابة يعني دابة الأرض.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس في قوله: {فإذا هي ثعبان مبين} قال: الحية الذكر.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طريق معمر عن قتادة في قوله: {فإذا هي ثعبان مبين} قال: تحوّلت حية عظيمة. قال معمر، قال غيره: مثل المدينة.
وأخرج أبو الشيخ عن الكلبي قال: حية صفراء ذكر.
وأخرج ابن أبي حاتم عن وهب ابن منبه قال: كان بين لحيي الثعبان الذي من عصا موسى إثنا عشر ذراعًا.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن فرقد السبخي قال: كان فرعون إذا كانت له حاجة ذهبت به السحرة مسيرة خمسين فرسخًا، فإذا قضى حاجته جاءوا به، حتى كان يوم عصا موسى فإنها فتحت فاها فكان ما بين لحييها أربعين ذراعًا، فأحدث يومئذ أربعين مرة.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {فإذا هي ثعبان مبين} قال: الذكر من الحيات فاتحة فمها واضعة لحيها الأسفل في الأرض والأعلى على سور القصر ثم توجهت نحو فرعون لتأخذه، فلما رآها ذعر منها ووثب فأحدث ولم يكن يحدث قبل ذلك، وصاح: يا موسى خذها وأنا أومن بك وأرسل معك بني إسرائيل. فأخذها موسى فصارت عصا.
وأخرج أبو الشيخ عن مجاهد {ونزع يده} قال: الكف.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله: {يريد أن يخرجكم} قال: يستخرجكم من أرضكم.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس في قوله: {ارجئه} قال: أخِّره.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة قالوا: {ارجئه وأخاه} قالف احبسه وأخاه.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ من طرق عن ابن عباس في قوله: {وأرسل في المدائن حاشرين} قال: الشرط. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.قال في ملاك التأويل:

قوله تعالى: {قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر يريد أن يخرجكم من أرضكم فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين يأتوك بكل ساحر عليم وجاء السحرة فرعون} وقال في الشعراء: {قال للملإ حوله إن هذا لساحر عليم يريد أن يخرجكم من أرضكم بسحره فماذا تأمرون قالوا أرجه وأخاه وابعث في المدائن حاشرين يأتوك بكل سحار عليم فجمع السحرة}.
فى هذا أربع سؤالات: أولها قوله تعالى في الأعراف: {قال الملأ من قوم فرعون} وفى الشعراء: {قال للملإ من حوله} والثانى قوله في الشعراء: {بسحره} ولم يثبت ذلك في الأعراف، والثالث قوله في الأعراف: {وأرسل} وفى الشعراء: {وابعث} ولارابع قوله في الأعراف عقب قوله: {يأتوك بكل ساحر عليم}.
{وجاء السحرة فرعون} وأعقب في السعراء قوله: {يأتوك بكل سحار عليم فجمع السحرة لميقات يوم معلوم وقيل للناس هل أنتم مجتمعون لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين} وبعد ذلك قيل: {فلما جاء السحرة}.
والجواب عن الأول أنه لا توقف في أن موسى عليه السلام خاطب فرعون وملأه وأنه أمر بخطابهم وإليهم أرسل قال تعالى: {ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرون وملئه} وإنه لما دعاهم لتصديقه والإيمان به جاوب فرعون وجاوب ملأه بقول فرعون: {إن هذا لساحر عليم} إنما قاله لملئه ولمن حضره ثم قال ذلك ملؤه لحاضريهم وبعضهم لبعض وإذا وضح أن ذلك القول صدر من فرعون وقاله أيضا ملؤه بقى السؤال عن جه اختصاص كل سورة بما خصت به؟
والجواب أنه لما تقدم في سورة الأعراف قوله تعالى: {ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملئه} فوقع ذكر الملأ مبعوثا إليهم مع فرعون ناسب ذلك أن يذكروا في الجواب حتى يكون في قوة أن لو قيل: بعث إليهم وخوطبوا فقالوا ولم يكن ليناسب {بعث إليهم} فقال: فرعون.
ولما تقدم في سورة الشعراء قوله: {فأتيا فرعون} ثم جرى ما بعد المحاورة ومراجعة الكلام بين موسى عليه السلام، وفرعون ولم يقع الملأ هنا ناسب ذلك قوله: {قال فرعون} لأنه الذي راجع وخوطب فجاء كل على ما يناسب.
فإن قيل: فقد قيل في الأعراف: {إلى فرعون وملئه} فقد فرعون فهو أعمد من الملأ لأنهم أتباعه وآله فلم لم يبن الجواب على ذلك فيقال: {قال فرعون} فالجواب أنه لو قيل: قال فرعون لبقى التشوف إلى تعريفهم قول الملأ وهم قد بعث إليهم وخوطبوا ولابد من تعرف جوابهم وبه يحصل تعرف جوابه هو لأنه اله وتابعوه إنما يتكلمون غالبا بما يريد ويصدر عنه ويبدأ به وقد تبين ذلك في سورة الشعراء وان فرعون خاطبهم وذلك في قوله تعالى: {قال للملإ حوله} فجاوبوا فحصل من جوابهم جوابه ولو جاوب هو وسكت ملؤه لأمكن أن يكونوا قد استوضحوا الحق وخالفوا فرعون كما جرى للسحرة وقد كانوا ناصرين لفرعون ومن معه فجاء جواب الملأ منصوصا وحصل منه جواب متبوعهم ولم يكن ليحصل من جوابه على انفراده وحصلت مناسبة ما تقدم من قوله: {إلى فرعون وملئه}.
فإن قلت ورد في الشعراء جواب فرعون دون جواب ملئه؟.
فالجواب: أنه قد جاوبوا بعد وذلك أنه لما خاطب فرعون ملأه الأقربين وألقى إليهم ما اعتقده بضلاله في أمر بنى الله موسى عليه السلام، واستشارتهم بقوله: {فماذا تامرون} وجاوبوه بموافقته العائدة على جميعهم بالخسران المبين بين ذلك قوله تعالى مخبرا عنهم: {قال للملإ حوله} وهذا يوضح أن جوابهم في الأعراف مبنى على استطلاع ما عنده وسماع ذلك منه كما وضح منه كما وضح هنا، ثم روعى تناسب النظم والتقابل كما تقدم.
فقد تبين أن الوارد في سورة الأعراف ليناسب ما تقدم في سورة الشعراء بوجه: {ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا}.