فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{فَوَقَعَ الحق} أي استبان الحق وظهر أنه ليس بسحر {وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} من السحر أي: ذهب وهلك واضمحل {فَغُلِبُواْ هُنَالِكَ} أي وغَلَب موسى السحرة عند ذلك {وانقلبوا صاغرين} يعني: رجعوا ذليلين.
قالوا: لو كان هذا سحرًا فأين صارت حبالنا وعصينا.
ولو كانت سحرًا لبقيت حبالنا وعصينا وهذا من الله تعالى وليس بسحر.
فآمنوا بموسى.
قوله تعالى: {وَأُلْقِىَ السحرة ساجدين} يعني: خروا ساجدين لله تعالى.
قال الأخفش: من سرعة ما سجدوا كأنهم ألقوا.
ويقال: وفّقهم الله تعالى للسجود {قَالُواْ ءامَنَّا بِرَبّ العالمين} فقال لهم فرعون: إياي تعنون.
فأراد أن يلبس على قومه فقالوا: {رَبّ موسى وهارون} فقدم فرعون لما سألهم، لأن بعض الناس كانوا يظنون عند مقالتهم رب العالمين أنهم أرادوا به فرعون.
فلما سألهم فرعون وقالوا: برب موسى وهارون، ظهر عند جميع الناس أنهم لم يريدوا به فرعون، وإنما أرادوا به الإيمان بموسى وبرب العالمين. اهـ.

.قال الماوردي:

قوله: {فَوَقَعَ الْحَقُّ} أي ظهر الحق، قاله الحسن، ومجاهد، وفي الحق الذي ظهر فيه قولان:
أحدهما: ظهرت عصا موسى على حبال السحرة.
والثاني: ظهرت نبوة موسى على ربوبية فرعون.
قوله عز وجل: {وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ} في سجودهم قولان:
أحدهما: أنهم سجدوا لموسى تسليمًا له وإيمانًا به.
والثاني: أنهم سجدوا لله إقرارًا بربوبيته، لأنهم {قَالُوا ءَامَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}.
وفي سجودهم قولان:
أحدهما: أن الله ألهمهم ذلك لطفًا بهم.
والثاني: أن موسى وهارون سجدا شكرًا لله عند ظهور الحق على الباطل فاقتدوا بهما في السجود لله طاعة. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {فوقع الحق} الآية، وقع معناه نزل ووجد، و{الحق} يريد به سطوع البرهان وظهور الإعجاز واستمر التحدي إلى الدين على جميع العالم، و{ما كانوا يعلمون} لفظ يعم سحر السحرة وسعي فرعون وشيعته.
والضمير في قوله: {فغلبوا} عائد على جميعهم من سحرة وسعي فرعون وشيعته، وفي قوله: {وانقلبوا صاغرين} إن قدرنا انقلاب الجمع قبل إيمان السحرة فهم في الضمير وإن قدرناه بعد إيمانهم فليسوا في الضمير ولا لحقهم صغار يصفهم الله به لأنهم آمنوا واستشهدوا رضي الله عنهم.
وقوله تعالى: {وألقي السحرة ساجدين} الآيات، لما رأى السحرة من عظيم القدرة وما تيقنوا به نبوة موسى آمنوا بقلوبهم وانضاف إلى ذلك الاستهوال والاستعظام والفزع من قدرة الله تعالى فخروا سجدًا لله تعالى متطارحين وآمنوا نطقًا بألسنتهم، وتبينهم الرب بذكر موسى وهارون زوال عن ربوبية فرعون وما كان يتوهم فيه الجهال من أنه رب الناس، وهارون أخو موسى أسن منه بثلاث سنين. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فوقع الحقّ وبطل ما كانوا يعملون}.
قال ابن عباس والحسن ظهر واستبان، وقال أرباب المعاني الوقوع ظهور الشيء بوجوده نازلًا إلى مستقره، قال القاضي: فوقع الحقّ يفيد قوة الظهور والثبوت بحيث لا يصحّ فيه البطلان كما لا يصح في الواقع أن يصير إلا واقعًا ومع ثبوت الحقّ بطلب وزالت تلك الأعيان التي أتوا بها وهي الحبال والعصي، قال الزمخشري: ومن بدع التفاسير فوقع في قلوبهم أي فأثر فيها من قولهم فاس وقيع أي مجرد انتهى، و{ما كانوا يعملون} يعم سحر السحرة وسعى فرعون وشيعته.
{فغلبوا هنالك وانقلبوا صاغرين} أي غلب جميعهم في مكان اجتماعهم أو ذلك الوقت {وانقلبوا} أذلاّء وذلك أنّ الانقلاب إن كان قبل إيمان السحرة فهم شركاؤهم في ضمير {انقلبوا} وإن كان بعد الإيمان فليسوا داخلين في الضمير ولا لحقّهم صغار يصفهم الله به لأنهم آمنوا واستشهدوا وهذا إذا كان الانقلاب حقيقة أما إذا لوحظ فيه معنى الصيرورة فالضمير في {وانقلبوا} شامل للسحرة وغيرهم ولذلك فسّره الزمخشري بقوله وصاروا أذلاّء بهوتين.
{وألقى السحرة ساجدين} لما كان الضمير قبل مشتركًا جرد المؤمنون وأفردوا بالذكر والمعنى خرُّوا سجدًا كأنما ألقاهم ملق لشدة خرورهم، وقيل: لم يتمالكوا مما رأوا فكأنهم ألقوا وسجودهم كان لله تعالى لما رأوا من قدرة الله تعالى فتيقنوا نبوّة موسى عليه السلام واستعظموا هذا النوع من قدرة الله تعالى، وقيل: ألقاهم الله سجدًا سبب لهم من الهدى ما وقعوا به ساجدين، وقيل سجدوا موافقة لموسى وهارون فإنهم سجدا لله شكرًا على وقوع الحقّ فوافقوهما إذ عرفوا الحقّ فكأنما ألقياهم، قال قتادة: كانوا أول النهار كفارًا سحرة وفي آخره شهداء بررة، وقال الحسن: تراه ولد في الإسلام ونشأ بين المسلمين يبيع دينه بكذا وكذا وهؤلاء كفار نشؤوا في الكفر بذلوا أنفسهم لله تعالى.
{قَالوا آمنّا برب العالمين رب موسى وهارون} أي ساجدين قائلين فقالوا في موضع الحال من الضمير في {ساجدين} أو من السحرة وعلى التقديرين فهم ملتبسون بالسجود لله شكرًا على المعرفة والإيمان والقول المنبئ عن التصديق الذي محله القلوب ولما كان السجود أعظم القرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد بادروا به متلبسين بالقول الذي لابد منه عند القادر عليه إذ الدخول في الإيمان إنما يدل عليه القول وقالوا رب العالمين وفاقًا لقول موسى إني رسول من ربّ العالمين ولما كان قد يوهم هذا اللفظ غير الله تعالى كقول فرعون أنا ربكم الأعلى نصّوا بالبدل على أنّ ربّ العالمين {ربّ موسى وهارون} وأنهم فارقوا فرعون وكفروا بربوبيته والظاهر أن قائل ذلك جميع السحرة، وقيل: بل قاله رؤساؤهم وسمى ابن إسحاق منهم الرؤساء فقال هم سابور وعازور وخطخط ومصفى وحكاه ابن ماكولا أيضًا، وقال مقاتل: أكبرهم شمعون وبدأوا بموسى قبل هارون وإن كان أكبر سنًا من موسى قيل بثلاث سنين لأنّ موسى هو الذي ناظر فرعون وظهرت المعجزتان في يده وعصاه ولأن قوله: {وهارون} فاصلة وجاء في طه: {رب هارون وموسى} لأنّ موسى فيها فاصلة ويحتمل وقوع كل منهما مرتّبًا من طائفة وطائفة فنسب فعل بعض إلى المجموع في سورة وبعض إلى المجموع في شورة أخرى، قال المتكلمون: وفي الآية دلالة على فضيلة العلم لأنهم لما كانوا كاملين في علم السحر علموا أنّ ما جاء به موسى حقّ خارج عن جنس السحر ولولا العلم لتوهّموا أنه سحر وأنه أسحر منهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{فَوَقَعَ الحق} أي فثبت لظهور أمره {وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي ظهر بطلانُ ما كانوا مستمرِّين على عمله {فَغُلِبُواْ} أي فرعونُ وقومُه {هُنَالِكَ} أي في مجلسهم {وانقلبوا صاغرين} أي صاروا أذلأَ مبهوتين أو رجَعوا إلى المدينة أذلأَ مقهورين، والأولُ هو الظاهرُ لقوله تعالى: {وَأُلْقِىَ السحرة ساجدين} فإن ذلك كان بمحضر من فرعون قطعًا أي خروا سجدًا كأنما ألقاهم مُلْقٍ لشدة خرورِهم كيف لا وقد بهرهم الحقُّ واضْطَّرّهم إلى ذلك.
{قَالُواْ ءامَنَّا بِرَبّ العالمين * رَبّ موسى وهارون} أبدلوا الثانيَ من الأول لئلا يُتوهم أن مرادَهم فرعون. عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لما آمنت السحرةُ اتبع موسى من بني إسرائيلَ ستُّمائةِ ألف. اهـ.

.قال الألوسي:

{فَوَقَعَ الْحَقُّ وَبَطَلَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (118)}.
{فَوَقَعَ} أي ظهر وتبين كما قال الحسن ومجاهد والفراء {الحق} وهو أمر موسى عليه السلام، وفسر بعضهم وقع بثبت على أنه قد استعير الوقع للثبوت والحصول أو للثبات والدوام لأنه في مقابل بطل والباطل زائل، وفائدة الاستعارة كما قيل: الدلالة على التأثير لأن الوقع يستعمل في الأجسام، وقيل: المراد من وقع الحق صيرورة العصاحية في الحقيقة وليس بشيء {وَبَطَلَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} أي ظهر بطلان ما كانوا مستمرين على عمله {فَغُلِبُواْ} أي فرعون وقومه.
{فَغُلِبُواْ} أي فرعون وقومه {هُنَالِكَ} أي في ذلك المجمع العظيم {وانقلبوا صاغرين} أي صاروا أذلاء أو رجعوا إلى المدينة كذلك فالانقلاب إما مجاز عن الصيرورة والمناسبة ظاهرة أو بمعنى الرجوع فصاغرين حال ورجح الأول بقوله سبحانه: {وَأُلْقِىَ السحرة ساجدين} لأن ذلك كان بمحضر من فرعون قطعًا، وجوز رجوع ضمير غلبوا {وانقلبوا} [الأعراف: 119] على الاحتمال الأول إلى السحرة أيضًا، وتعقب بأنهم لا ذلة لهم؛ والحمل على الخوف من فرعون أو على ما قبل الإيمان لا يخفى ما فيه، والمراد من {ألقى السحرة} إلخ أنهم خروا ساجدين، وعبر بذلك دونه تنبيهًا على أن الحق بهرهم واضطرهم إلى السجود بحيث لم يبق لهم تمالك فكأن أحدًا دفعهم وألقاهم أو أن الله تعالى ألهمهم ذلك وحملهم عليه فالملقى هو الله تعالى بالهامه لهم حتى ينكسر فرعون بالذين أراد بهم كسر موسى عليه السلام وينقلب الأمر عليه، ويحتمل أن يكون الكلام جاريًا مجرى التمثيل مبالغة في سرعة خرورهم وشدته وإليه يشير كلام الأخفش، وجوزأن يكون التعبير بذلك مشاكلة لما معه من الإلقاء إلا أنه دون ما تقدم، يروى أن الاجتماع القوم كان بالإسكندرية وأنه بلغ ذنب الحية من وراء البحر وأنها فتحت فاها ثمانين ذراعًا فابتلعت متا صنعوا واحدًا بعد واحد وقصدت الناس ففزعوا ووقع الزحام فمات منهم لذلك خمسة وعشرون ألفًا ثم أخذها موسى عليه السلام فعادت في يده عصا كما كانت وأعدم الله تعالى بقدرته تلك الأجرام العظام، ويحتمل أنه سبحانه فرقها أجزاء لطيفة فلما رأى السحرة ذلك عرفوا أنه من أمر السماء وليس من السحر في شيء فعند ذلك خروا سجدًا، والمتبادر من السجود حقيقته ولا يبعد أنهم كانوا عالمين بكيفيته، وقيل: إن موسى وهرون عليهما السلام سجدًا شكرًا لله تعالى على ظهور الحق فاقتدوا بهما وسجدوا معهما، وحمل السجود على الخضوع أي أنهم خضعوا لما رأوا ما رأوا خلاف الظاهر الذي نطقت به الآثار من غير داع إلى ارتكابه.
{قَالُواْ} استئناف.
وجوز أبو البقاء كونه حالًا من ضمير {انقلبوا} [الأعراف: 119] وليس بشيء، وقيل: هو حال من {السحرة} [الأعراف: 120] أو من ضميرهم المستتر في {ساجدين} [الأعراف: 120] أي أنهم ألقوا ساجدين حال كونهم قائلين {ءامَنَّا بِرَبّ العالمين} أي مالك أمرهم والمتصرف فيهم.
{رَبّ موسى وهارون}.
بدل مما قبل وإنما أبدلوا لئلا يتوهم أنهم أرادوا فرعون ولم يقتصروا على موسى عليه السلام إذ ربما يبقى للتوهم رائحة لأنه كان ربي موسى عليه السلام في صغره، ولذا قدم هارون في محل آخر لأنه أدخل في دفع التوهم أو لأجل الفاصلة أو لأنه أكبر سنًا منه، وقدم موسى هنا لشرفه أو للفاصلة، وأما كون الفواصل في كلام الله تعالى لا في كلامهم فقد قيل: إنه لا يضر، وروى أنهم لما قالوا: {آمَنَّا بِرَبِّ العَالَمِين} [الأعراف: 121] قال فرعون: أنا رب العالمين فقالوا ردًا عليه: رب موسى وهرون، وإضافة الرب إليهما كإضافته إلى العالمين، وقيل: إن تلك الإضافة على معنى الاعتقاد أن الرب الذي يعتقد ربوبيته موسى وهرون ويكون عدم صدقه على فرعون بزعمه أيضًا ظاهرًا جدًّا إلا أن ذلك خلاف الظاهر من الإضافة، ويعلم مما قدمنا سر تقديم السجود على هذا القول.
وقال الخازن في ذلك: إن الله تعالى لما قذف في قلوبهم الإيمان خروا سجدًا لله تعالى على ما هداهم إليه وألهمهم من الإيمان ثم أظهروا بذلك إيمانهم، وقيل: إنهم بادروا إلى السجود تعظيمًا لشأنه تعالى لما رأوا من عظيم قدرته ثم إنهم أظهروا الإيمان، ومن جعل الجملة حالا قال بالمقارنة فافهم، وأول من بادر بالإيمان كما وري عن ابن إسحاق الرؤساء الأربعة الذيت ذكرهم ابن الجوزي ثم اتبعتهم السحرة جميعًا. اهـ.