فصل: قال القرطبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الإشارة إلى قصتهم:
اختلفوا في عدد السحرة على ثلاثة عشر قولًا.
أحدها: اثنان وسبعون، رواه أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: اثنان وسبعون ألفًا، روي عن ابن عباس أيضًا، وبه قال مقاتل.
والثالث: سبعون، روي عن ابن عباس أيضًا.
والرابع: اثنا عشر ألفا، قاله كعب.
والخامس: سبعون ألفًا، قاله عطاء، وكذلك قال وهب في رواية، ألا أنه قال: فاختار منهم سبعة آلاف.
والسادس: سبعمائة، وروى عبد المنعم بن إدريس عن أبيه عن وهب أنه قال: كان عدد السحرة الذين عارضوا موسى سبعين ألفًا متخيَّرين من سبعمائة ألف، ثم إن فرعون اختار من السبعين الألف سبعمائة.
والسابع: خمسة وعشرون ألفًا، قاله الحسن.
والثامن: تسعمائة، قاله عكرمة.
والتاسع: ثمانون ألفًا، قاله محمد بن المنكدر.
والعاشر: بضعة وثلاثون ألفًا، قاله السدي.
والحادي عشر: خمسة عشر ألفًا، قاله ابن اسحاق.
والثاني عشر: تسعة عشر ألفًا، رواه أبو سليمان الدمشقي.
والثالث عشر: أربع مائة، حكاه الثعلبي.
فأما أسماء رؤسائهم، فقال ابن اسحاق: رؤوس السحرة ساتور، وعاذور، وحُطحُط، ومُصَفَّى، وهم الذين آمنوا، كذا حكاه ابن ماكولا.
ورأيت عن غير ابن اسحاق: سابورًا، وعازورًا.
وقال مقاتل: اسم أكبرهم شمعون.
قال ابن عباس: ألقوا حبالًا غلاظًا، وخشبًا طُوالا، فكانت ميلًا في ميل، فألقى موسى عصاه، فإذا هي أعظم من حبالهم وعصيهم، قد سدت الأفق، ثم فتحت فاها ثمانين ذراعًا، فابتلعت ما ألقوا من حبالهم وعصيِّهم، وجعلت تأكل جميع ما قدرت عليه من صخرة أو شجرة، والناس ينظرون، وفرعون يضحك تجلُّدًا، فأقبلت الحيَّة نحو فرعون، فصاح: يا موسى، يا موسى، فأخذها موسى، وعرفت السحرة أن هذا من السماء، وليس هذا بسحر، فخرُّوا سُجَّدًا، وقالوا: آمنا برب العالمين، فقال فرعون: إياي تعنون، فقالوا: ربَّ موسى وهارون، فأصبحوا سحرة، وأمسوا شهداء.
وقال وهب بن منبه: لما صارت ثعبانًا حملت على الناس فانهزموا منها، فقتل بعضهم بعضًا، فمات منهم خمسة وعشرون ألفًا.
وقال السدي: لقي موسى أمير السحرة، فقال: أرأيت إن غلبتك غدا، أتؤمن بي؟ فقال الساحر: لآتين غدا بسحر لا يغلبه السحر، فوالله لئن غلبتني لأومننَّ بك.
فإن قيل: كيف جاز أن يأمرهم موسى بالإلقاء، وفعل السحر كفر؟ فعنه ثلاثة أجوبة.
أحدها: أن مضمون أمره: إن كنتم محقين فألقوا.
والثاني: ألقوا على ما يصح، لا على ما يفسد ويستحيل، ذكرهما الماوردي.
والثالث: إنما أمرهم بالإلقاء لتكون معجزته أظهر، لأنهم إذا ألقوا، ألقى عصاه فابتلعت ذلك، ذكره الواحدي.
فإن قيل: كيف قال: {وأُلقي السحرة ساجدين} وإنما سجدوا باختيارهم؟ فالجواب: أنه لما زالت كل شبهة بما أظهر الله تعالى من أمره، اضطرهم عظيم ما عاينوا إلى مبادرة السجود، فصاروا مفعولين في الإلقاء تصحيحًا وتعظيمًا لشأن ما رأوا من الآيات، ذكره ابن الأنباري.
قال ابن عباس: لما آمنت السحرة، اتبع موسى ستمائة ألف من بني إسرائيل.
قوله تعالى: {آمنتم به} قرأ نافع، وابن عامر، وأبو عمرو: {ءآمنتم به} بهمزة ومدة على الاستفهام.
وقرأ حمزة، والكسائي، وأبو بكر عن عاصم: {أآمنتم به} فاستفهموا بهمزتين، الثانية ممدودة.
وقرأ حفص عن عاصم: {آمنتم به} على الخبر.
وروى ابن الإخريط عن ابن كثير: {قال فرعون وأمنتم به} فقلب همزة الاستفهام واوًا، وجعل الثانية مليَّنة بين بين.
وروى قنبل عن القواس مثل رواية ابن الإخريط، غير أنه كان يهمز بعد الواو.
وقال أبو علي: همز بعد الواو لأن هذه الواو منقلبة عن همزة الاستفهام، وبعد همزة الاستفهام همزة {أفَعَلْتُم} فحققها ولم يخففها.
قوله تعالى: {إن هذا لمكر مكرتموه} قال ابن السائب: لصنيع صنعتموه فيما بينكم وبين موسى في مصر قبل خروجكم إلى هذا الموضع لتستولوا على مصر فتخرجوا منها أهلها {فسوف تعلمون} عاقبة ما صنعتم، {لأقطعنَّ أيديَكم أرجلَكم من خلاف} وهو قطع اليد اليمنى، والرجل اليسرى.
قال ابن عباس: أول من فعل ذلك، وأول من صلب، فرعونُ.
قوله تعالى: {وما تنقم منا} أي: وما تكره منا شيئًا، ولا تعطن علينا إلا لأنا آمنا.
{ربنا أفرغ علينا صبرًا} قال مجاهد: على القطع والصلب حتى لا نرجع كفارًا {وتوفَّنا مسلمين} أي: مخلصين: على دين موسى. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {ثُمَّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم} أي من بعد نوح وهود وصالح ولوط وشعيب.
{موسى} أي موسى بن عمران.
{بِآيَاتِنَا} أي بمعجزاتنا.
{فَظَلَمُواْ بِهَا} أي كفروا ولم يصدقوا بالآيات.
والظلم: وضع الشيء في غير موضعه.
قوله تعالى: {فانظر كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ المفسدين} أي آخر أمرهم.
{حَقِيقٌ عَلَى} أي واجب.
ومن قرأ {على ألاَّ} فالمعنى حريص على ألا أقول.
وفي قراءة عبد الله: {حقِيق ألا أقول} بإسقاط {على}.
وقيل: {على} بمعنى الباء، أي حقيق بألا أقول.
وكذا في قراءة أُبيّ والأعمش {بألا أقول}.
كما تقول: رميت بالقوس وعلى القوس.
ف {حقِيقٌ} على هذا بمعنى محقوق ومعنى {فَأَرْسِلْ معي بَنِي إسْرِائِيلَ} أي خلّهم.
وكان يستعملهم في الأعمال الشاقة.
{فألقى عَصَاهُ} يستعمل في الأجسام والمعاني.
وقد تقدّم.
والثعبان: الحية الضخم الذكر، وهو أعظم الحيات.
{مُّبِينٌ} أي حية لا لبس فيها.
{وَنَزَعَ يَدَهُ} أي أخرجها وأظهرها.
قيل: من جيبه أو من جناحه؛ كما في التنزيل {وَأَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضَاءَ مِنْ غَيْرِ سواء} [النمل: 12] أي من غير بَرَص.
وكان موسى أسمر شديد السّمرة، ثم أعاد يده إلى جيبه فعادت إلى لونها الأوّل.
قال ابن عباس: كان لِيَدِهِ نور ساطع يضيء ما بين السماء والأرض.
وقيل: كانت تخرج يده بيضاء كالثلج تَلُوح.
فإذا ردّها عادت إلى مثل سائر بدنه.
ومعنى {عَلِيمٌ} أي بالسحر.
{مِّنْ أَرْضِكُمْ} أي من مُلْكِكم معاشِرَ القبط، بتقديمه بني إسرائيل عليكم.
{فَمَاذَا تَأْمُرُونَ} أي قال فرعون: فماذا تأمرون.
وقيل: هو من قول الملأ؛ أي قالوا لفرعون وحده: فماذا تأمرون.
كما يخاطب الجبّارون والرؤساء: ما تَرَوْن في كذا.
ويجوز أن يكون قالوا له ولأصحابه.
وما في موضع رفع، على أن ذا بمعنى الذي.
وفي موضع نصب، على أن ما وذا شيء واحد.
{قالوا أَرْجِهْ} قرأ أهل المدينة وعاصم والكسائيّ بغير همز؛ إلاّ أنّ وَرْشًا والكسائيّ أَشْبعا كسرة الهاء.
وقرأ أبو عمرو بهمزة ساكنة والهاء مضمومة.
وهما لغتان؛ يقال: أرجأته وأرجيته، أي أخرته.
وكذلك قرأ ابن كَثير وابن مُحَيْصِن وهشام؛ إلا أنهم أشبعوا ضَمّة الهاء.
وقرأ سائر أهلِ الكوفة {أرجِهْ} بإسكان الهاء.
قال الفرّاء: هي لغة للعرب، يقفون على الهاء المكنّى عنها في الوصل إذا تحرّك ما قبلها، وكذا هذه طلحةُ قد أقبلت.
وأنكر البصريون هذا.
قال قتادة: معنى {أرْجِهِ} احبسه.
وقال ابن عباس: أخرّه.
وقيل: {أرجِه} مأخوذ من رجا يرجو؛ أي أطْمِعه ودَعْه يرجو؛ حكاه النحاس عن محمد بن يزيد.
وكسرُ الهاء على الاتباع.
ويجوز ضَمّها على الأصل.
وإسكانها لَحْنٌ لا يجوز إلا في شذوذ من الشعر.
{وَأَخَاهُ} عطف على الهاء.
{حَاشِرِينَ} نصب على الحال.
{يَأْتُوكَ} جزم؛ لأنه جواب الأمر ولذلك حذفت منه النون.
قرأ أهل الكوفة إلا عاصمًا {بِكُلِّ سَحَّارِ} وقرأ سائر الناس {ساحِرٍ} وهما متقاربان؛ إلا أنّ فَعّالًا أشدّ مبالغة.
قوله تعالى: {وَجَاءَ السحرة فِرْعَوْنَ} وحُذف ذِكر الإرسال لعلم السامع.
قال ابن عبد الحكم: كانوا اثني عشر نَقِيبًا، مع كل نَقِيب عشرون عَرِيفا، تحت يدي كل عريف ألفُ ساحرٍ.
وكان رئيسهم شمعون في قول مقاتل بن سليمان.
وقال ابن جُريح: كانوا تسعمائة من العريش والفيوم والإسكندرية أثلاثا.
وقال ابن إسحاق: كانوا خمسة عشر ألف ساحر؛ وروي عن وهب.
وقيل: كانوا اثني عشر ألفًا.، وقال ابن المنكدر ثمانين ألفًا.
وقيل: أربعة عشر ألفًا.
وقيل: كانوا ثلاثمائة ألف ساحر من الرِّيف، وثلاثمائة ألف ساحر من الصعيد، وثلاثمائة ألف ساحر من الفيُّوم وما والاها.
وقيل: كانوا سبعين رجلًا.
وقيل: ثلاثة وسبعين؛ فالله أعلم.
وكان معهم فيما رُوي حِبالٌ وِعصِيّ يحملها ثلاثمائة بعير.
فالتقمت الحية ذلك كله.
قال ابن عباس والسُّدّي: كانت إذا فتحت فَاهَا صار شِدْقُها ثمانين ذراعًا؛ واضعة فكَّها الأسفل على الأرض، وفكّها الأعلى على سُور القصر.
وقيل: كان سعة فمها أربعين ذراعًا؛ والله أعلم.
فقصدت فرعون لتبتلعه، فوثب من سريره فهرب منها واستغاث بموسى؛ فأخذها فإذا هي عصًا كما كانت.
قال وهب: مات من خوف العَصَا خمسة وعشرون ألفًا.
{قالوا إِنَّ لَنَا لأَجْرًا} أي جائزة ومالًا.
ولم يقل فقالوا بالفاء؛ لأنه أراد لما جاءوا قالوا: وقرئ {إنَّ لَنَا} على الخبر.
وهي قراءة نافع وابن كثير.
ألزموا فرعونَ أن يجعل لهم مالًا إن غَلَبوا؛ فقال لهم فرعون: {نَعَمْ وَإِنَّكُمْ لَمِنَ المقربين} أي لمن أهل المنزلة الرفيعة لدينا، فزادهم على ما طلبوا.