فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقَومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك}.
قال ابن عباس: لما آمنت السحرة اتبع موسى ستمائة ألف من بني إسرائيل، قال مقاتل: ومكث موسى بمصر بعد إيمان السحرة عامًا أو نحوه يريهم الآيات وتضمن قول: {الملأ} إغراء فرعون بموسى وقومه وتحريضه على قتلهم وتعذيبهم حتى لا يكون لهم خروج عن دين فرعون ويعني بقومه من اتبعه من بني إسرائيل فيكون الاستفهام على هذا استفهام إنكار وتعجّب، وقيل: هو استخبار والغرض به أن يعلموا ما في قلب فرعون من موسى ومن آمن به، قال مقاتل: والإفساد هو خوف أن يقتلوا أبناء القبط ويستحيوا نساءهم على سبيل المقاصّة منهم كما فعلوا هي ببني إسرائيل، وقيل الإفساد دعاؤهم الناس إلى مخالفة فرعون وترك عبادته.
وقرأ الجمهور {ويذرك} بالياء وفتح الراء عطفًا على {ليفسدوا} أي للإفساد ولتركك وترك آلهتك وكان التّرك هو لذلك وبدؤوا أوّلًا بالعلة العامة وهي الإفساد ثم اتبعوه بالخاصة ليدلّوا على أن ذلك الترك من فرعون لموسى وقومه هو أيضًا يؤول إلى شيء يختصّ بفرعون قدحوا بذلك زند تغيظه على موسى وقومه ليكون ذلك أبقى عليهم إذ هم الأشراف وبترك موسى وقومه بمصر يذهب ملكهم وشرفهم، ويجوز أن يكون النصب على جواب الاستفهام والمعنى أنى يكون الجمع بين تركك موسى وقومه للإفساد وبين تركهم إياك وعبادة آلهتك أي إنّ هذا مما لا يمكن وقوعه، وقرأ نعيم بن ميسرة والحسن بخلاف عنه {ويذرك} بالرفع عطفًا على {أتذر} بمعنى أتذره ويذرك أي أتطلق له ذلك أو على الاستئناف أو على الحال على تقدير وهو يذرك، وقرأ الأشهب العقيلي والحسن بخلاف عنه {ويذرك} بالجزم عطفًا على التوهّم كأنه توهم النطق يفسدوا جزمًا على جواب الاستفهام كما قال: {فأصدّق وأكن من الصالحين} أو على التخفيف من {ويذرك}، وقرأ أنس بن مالك ونذرك بالنون ورفع الراء توعدوه بتركه وترك آلهته أو على معنى الإخبار أي إنّ الأمر يؤول إلى هذا، وقرأ أبيّ وعبد الله: {ف الأرض} وقد تركوك أن يعبدوك {وآلهتك}، وقرأ الأعمش وقد تركك وآلهتك.
وقرأ الجمهور {وآلهتك} على الجمع والظاهر أنّ فرعون كان له آلهة يعبدها، وقال سليمان التيمي: بلغني أنه كان يعبد البقر، وقيل: كان يعبد حجرًا يعلقه في صدره كياقوتة أو نحوها، وقيل: الإضافة هي على معنى أنه شرع لهم عبادة آلهة من بقر وأصنام وغير ذلك وجعل نفسه الإله الأعلى فقوله على هذا {أنا ربكم الأعلى} إنما هو بمناسبة بينه وبين سواه من المعبودات، قيل: كانوا قبطًا يعبدون الكواكب ويزعمون أنها تستجيب دعاء من دعاها وفرعون كان يدعي أن الشمس استجابت له وملَّكته عليهم، وقرأ ابن مسعود وعليّ وابن عباس وأنس وجماعة غيرهم وإلهتك وفسروا ذلك بأمرين أحدهما أنّ المعنى وعبادتك فيكون إذ ذاك مصدرًا، قال ابن عباس: كان فرعون يعبد ولا يعبد، والثاني أن المعنى ومعبودك وهي الشمس التي كان يعبدها والشمس تمسى إلهة علمًا عليها ممنوعة الصرف.
{قال سنقتل أبناءهم ونستحيِي نساءهم وإنّا فوقهم قَاهرون} وإنما لم يعاجل موسى وقومه بالقتال لأنه كان مليء من موسى رعبًا والمعنى أنه قال سعيد عليهم ما كنا فعلنا بهم قبل من قتل أبنائهم ليقل رهطه الذين يقع الإفساد بواسطتهم والفوقية هنا بالمنزلة والتمكّن في الدنيا و{قَاهرون} يقتضي تحقيرهم أي قاهرون لهم قهرًا قلّ من أن نهتم به فنحن على ما كنا عليه من الغلبة أو أنّ غلبة موسى لا أثر لها في ملكنا واستيلائنا ولئلا يتوهم العامة أن المولود الذي تحدّث المنجمون عنه والكهنة بذهاب ملكنا على يده فيثبطهم ذلك عن طاعتنا ويدعوهم إلى اتباعه وإنه منتظر بعد وشدّد {سنقتل} ويقتلون الكوفيون والعربيان وخففهما نافع وخفف ابن كثير {سنقتل} وشدد ويقتلون. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَقَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ}.
مخاطِبين له بعد ما شاهدوا من أمر موسى عليه السلام {أَتَذَرُ موسى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ في الأرض} أي في أرض مصرَ بتغيير الناسِ عليك وصرفِهم عن متابعتك {وَيَذَرَكَ} عطفٌ على {يُفسدوا}، أو جوابُ الاستفهام بالواو كما في قول الحطيئة:
ألم أكُ جارَكم ويكونَ بيني ** وبينكم المودةُ والإخاءُ

أي أيكونُ منك تركُ موسى ويكونَ تركُه إياك؟ وقرئ بالرفع عطفًا على {أتذرُ} أو استئنافًا أو حالًا، وقرئ بالسكون كأنه قيل: يفسدوا ويذرْك كقوله تعالى: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن} {وَءالِهَتَكَ} ومعبوداتِك، قيل: إنه كان يعبد الكواكبَ وقيل: صنع لقومه أصنامًا وأمرهم بأن يعبُدوها تقربًا إليه ولذلك قال: {أنا ربكم الأعلى}، وقرئ {وإلهتك} أي عبادتَك {قَالَ} مجيبًا لهم {سَنُقَتّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِى نِسَاءهُمْ} كما كنا نفعل بهم ذلك من قبلُ ليُعلم أنا على ما كنا عليه من القهر والغلبةِ ولا يُتَوَهّم أنه المولودُ الذي حكم المنجمون والكهنةُ بذهاب مُلكِنا على يديه وقرئ {سنقتل} بالتخفيف {وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهرون} كما كنا لم يتغير حالُنا أصلًا وهم مقهورون تحت أيدينا كذلك. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَقَالَ الملأ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ}.
مخاطبين له بعدما شاهدوا من أمر موسى عليه السلام ما شاهدوا.
{أَتَذَرُ موسى} أي أتتركه {وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ في الأرض} أي في أرض مصر.
والمراد بالإفساد ما يشمل الديني والدنيوي، ومفعول الفعل محذوف للتعميم أو أنه منزل منزلة اللازم أو يقدر يفسدوا الناس بدعوتهم إلى دينهم والخروج عليك.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: لما آمنت السحرة أتبع موسى عليه السلام ستمائة ألف من بني إسرائيل {وَيَذَرَكَ} عطف على يفسدوا المنصوب بأن، أو منصوب على جواب الاستفهام كما ينصب بعد الفاء، وعلى ذلك قول الحطيئة:
ألم أك جارك ويكون بيني ** وبينكم المودة والأخاء

والمعنى كيف يكون الجمع بين تركك موسى عليه السلام وقومه مفسدين في الأرض وتركهم إياك إلخ أي لا يمكن وقوع ذلك.
وقرأ الحسن.
ونعيم بن ميسرة بالرفع على أنه عطف على {تذر} أو استئناف أو حال بحذف المبتدأ، أي وهو يذرك لأن الجملة المضارعية لا تقترن بالواو على الفصيح، والجملة على تقدير الاستئناف معترضة مؤكدة لمعنى ما سبق، أي تذره وعادته وتركك، ولابد من تقدير هو على ما قال الطيبي كما في احتمال الحال ليدل على الدوام، وعلى تقدير الحالية تكون مقررة لجهة الإشكال.
وعن الأشهب أنه قرأ بسكون الراء، وخرج ذلك ابن جني على أنه تركت الضمة للتخفيف كما في قراءة أبي عمرو {يَأْمُرُكُمْ} [البقرة: 67] بإسكان الراء استقلالًا للضمة عند توالي الحركات، واختاره أبو البقاء، وقيل: إنه عطف على ما تقدم بحسب المعنى، ويقال له في غير القرآن عطف التوهم، كأنه، قيل: يفسدوا ويذرك كقوله تعالى: {فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مّنَ الصالحين} [المنافقين: 10].
{وَءالِهَتَكَ} أي معبوداتك.
يروى أنه كان يعبد الكواكب فهي آلهته وكان يعتقد أنها المربية للعالم السفلى مطلقًا وهو رب النوع الإنساني، وعن السدي أن فرعون كان قد اتخذ لقومه أصنامًا وأمرهم بأن يعبدوها تقربًا إليه، ولذلك قال: {أَنَاْ رَبُّكُمُ الاعلى} [النازعات: 24] وقيل: إنه كانت له بقرة يعبدها وكان إذا رأى بقرة حسنة أمر قومه بعبادتها، ولذلك أخرج السامري لبني إسرائيل عجلًا وهو رواية ضعيفة عن ابن عباس، وقال سليمان التيمي: بلغني أنه كان يجعل في عنقه شيئًا يعبده، وأمر الجمع عليه يحتاج إلى عناية وقرأ ابن مسعود والضحاك ومجاهد والشعبي و{إلهتك} كعبادتك لفظًا ومعنى فهو مصدر.
وأخرج غير واحد عن ابن باس أنه كان ينكر قراءة الجمع بالجمع ويقرأ بالمصدر ويقول: إن فرعون كان يعبد ولا يعبد، ألا ترى قوله: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مّنْ إله غَيْرِى} [القصص: 38] ومن هنا قال بعضهم: الأقرب أنه كان دهريًا منكرًا للصانع، وقيل: الآلهة اسم للشمس وكان يعبدها؛ وأنشد أبو علي:
وأعجلنا الآلهة أن تؤبا

{قَالَ} مجيبًا لهم {سَنُقَتّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِى نِسَاءهُمْ} كما كنا نفعل بهم ذلك من قبل ليعلم أنا على ما كنا عليه من القهر والغلبة، ولا يتوهم أنه المولود الذي حكم المنجمون والكهنة بذهاب ملكنا على يده.
وقرأ ابن كثير.
ونافع {سنقتل} بالتخفيف والتضعيف كما في موتت الإبل.
{وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهرون} أي غالبون كما كنا لم يتغير حالنا وهم مقهورون تحت أيدينا، وكان فرعون قد انقطع طمعه عن قتل موسى عليه السلام فلم يعد الملأ بقتله لما رأى من علو أمره وعظم شأنه وكأنه لذلك لم يعد بقتل قومه أيضًا، والظاهر على ما قيل: إن هذا من فرعون بيان لأنهم لا يقدرون على أن يفسدوا في الأرض وإيذان بعدم المبالاة بهم وأن أمرهم فيما بعد كأمرهم فيما قبل وأن قتلهم عبث لا ثمرة فيه، وذكر الطيبي أنه من الأسلوب الحكيم وإن صدر من الأحمق، وأن الجملة الاسمية كالتذليل لما قبلها فافهم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَقَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآَلِهَتَكَ}.
جملة: {وقال الملأ} عطف على جملة: {قال فرعون آمنتم به} [الأعراف: 123] أو على حملة {قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحر عليم} [الأعراف: 109].
وإنما عطفت ولم تفصل لأنها خارجة عن المحاورة التي بين فرعون ومن آمن من قومه بموسى وآياته، لأن أولئك لم يعرجوا على ذكر ملأ فرعون، بل هي محاورة بين ملإ فرعون وبينه في وقت غير وقت المحاورة التي جرت بين فرعون والسحرة، فإنهم لمّا رأوا قلة اكتراث المؤمنين بوعيد فرعون، ورأوا قلة اكتراث المؤمنين بوعيد فرعون، ورأوا نهوض حجتهم على فرعون وإفحامَه.
وأنه لم يَحرْ جَوَابًا.
راموا إيقاظ ذهنه، وإسعارَ حميته، فجاءوا بهذا الكلام المثير لغضب فرعون، ولعلهم رأوا منه تأثرًا بمعجزة موسى وموعظة الذين آمنوا من قومه وتوقعوا عدوله عن تحقيق وعيده، فهذه الجملة معترضة بين ما قبلها وبين جملة: {قال موسى لقومه استعينوا بالله}.
والاستفهام في قوله: {أتذر موسى} مستعمل في الإغراء بإهلاك موسى وقومه والإنكار على الإبطاء بإتلافهم، وموسى مفعول {تذر} أي تتركه متصرفًا ولا تأخذ على يده.
والكلام على فعل {تذر} تقدم في قوله: {وذر الذين اتخذوا دينهم لعبًا} في الأنعام (70).