فصل: قال أبو حيان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو حيان:

{وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين} الضمير في {وقالوا} عائد على آل فرعون لم يزدهم الأخذ بالجذوب ونقص الثمرات إلا طغيانًا وتشدّدًا في كفرهم وتكذيبهم ولم يكتفوا بنسبة ما يصيبهم من السيئات إلا أن ذلك بسبب موسى ومن معه حتى واجهوه بهذا القول الدالّ على أنه لو أتى بما أتى من الآيات فإنهم لا يؤمنون بها وأتوا بمهما التي تقتضي العموم ثم فسّروا بآية على سبيل الاستهزاء في تسميتهم ذلك آية كما قالوا في قوله: {إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله} وتسميه لها بآية أي على زعمك ولذلك علّلوا الإتيان بقولهم: {لتسحرنا بها} وبالغوا في انتفاء الإيمان بأن صدّروا الجملة بنحن وأدخلوا الباء في {بمؤمنين} أي أنّ إيماننا لك لا يكون أبدًا {ومهما} مرتفع بالابتداء أو منتصب بإضمار فعل يفسره فعل الشرط فيكون من باب الاشتغال أي أيّ شيء يحضر تأتنا به والمضير في {تحرك به} عائد على {مهما} وفي {بها} عائد أيضًا على معنى مهما لأنّ المراد به أية آية كما عاد على ما في قوله: {ما ننسخ من آية أو ننسها}، وكما قال زهير:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة ** وإن خالها تخفى على الناس تُعلم

فأنث على المعنى، قال الزمخشري: وهذه الكلمة في عداد الكلمات التي يحرّفها من لا يد له في علم العربية فيضعها غير موضعها ويحسب مهما بمعنى متى ما ويقول مهما جئتني أعطيتك وهذا من وضعه وليس من كلام واضع العربية في شيء ثم يذهب فيفسر مهما تأتنا به من آية بمعنى الوقت فيلحد في آيات الله تعالى وهو لا يشعر وهذا وأمثاله مما يجوب الجثو بين يدي الناظر في كتاب سيبويه انتهى، وهذا الذي أنكره الزمخشري من أن مهما لا تأتي ظرف زمان وقد ذهب إليه ابن مالك ذكره في التسهيل وغيره من تصانيفه إلا أنه لم يقصر مدلولها على أنها ظرف زمان بل قال وقد ترد ما ومهما ظرفي زمان وقال في أرجوزته الطويلة المسماة بالشافية الكافية:
وقد أتت مهما وما ظرفين في ** شواهد من يعتضد بها كفى

وقال في شرح هذا البيت جميع النحويين يجعلون ما ومهما مثل من في لزوم التجرّد عن الظرف مع أنّ استعمالها ظرفين ثابت في استعمال الفصحاء من العرب وأنشد أبياتًا عن العرب زعم منها أنّ ما ومهما ظرفا زمان وكفانا الرّد عليه فيها ابنه الشيخ بدر الدين محمد وقد تأوّلنا نحن بعضها وذكرنا ذلك في كتاب التكميل لشرح التسهيل من تأليفنا وكفاه ردًّا نقله عن جميع النحويين خلاف ما قاله لكن من يعاني علمًا يحتاج إلى مثوله بين يدي الشيوخ وأما من فسّر مهما في الآية بأنها ظرف زمان فهو كما قال الزمخشري ملحد في آيات الله وأما قول الزمخشري وهذا وأمثاله إلى آخر كلامه فهو يدلّ على أنه جثا بين يدي الناظر في كتاب سيبويه وذلك صحيح رحل من خوارزم في شيبته إلى مكة شرفها الله تعالى لقراءة كتاب سيبويه على رجل من أصحابنا من أهل جزيرة الأندلس كان مجاورًا بمكة وهو الشيخ الإمام العلاّمة المشاور أبو بكر عبد الله بن طلحة بن محمد بن عبد الله الأندلسي من أهل بابرة من بلاد جزيرة الأندلس فقرأ عليه الزمخشري جميع كتاب سيبويه وأخبره به قراءة عن الإمام الحافظ أبي علي الحسين بن محمد بن أحمد الغساني الجياني قال قرأته على أبي مروان عبد الملك بن سراج بن عبد الله بن سراج القرطبي قال قرأته على أبي القاسم بن الإفليلي عن أبي عبد الله محمد بن عاصم العاصمي عن الرباحي بسنده، وللزمخشري قصيد يمدح به سيبويه وكتابه وهذا يدلّ على أنه ناظر في كتاب سيبويه بخلاف ما كان يعتقد فيه بعض أصحابنا من أنه إنما نظر في نتف من كلام أبي علي الفارسي وابن جني وقد صنف أبو الحجاج يوسف بن معزوز كتابًا في الردّ على الزمخشري في كتاب المفصل والتنبيه على أغلاطه التي خالف فيها إمام الصناعة أبا بشر عمرو بن عثمان سيبويه رحم الله جميعهم. اهـ.

.قال أبو السعود:

{وَقَالُواْ} شروعٌ في بيان بعضٍ آخَرَ مما أُخذ به آلُ فرعونَ من فنون العذاب التي هي في أنفسها آياتٌ بيناتٌ. وعدمُ ارعوائِهم مع ذلك عما كانوا عليه من الكفر والعناد أي قالوا بعد ما أرادوا ما أرادوا من شأن العصا والسنينَ ونقصِ الثمرات: {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ} كلمةُ مهما تستعمل للشرط والجزاءِ وأصلُها ما الجزائية ضُمت إليها ما المزيدةُ للتأكيد كما ضُمّت إلى أين وإن في {أَيْنَمَا تَكُونُواْ} {أَمَّا نَذْهَبَنَّ بِكَ} خلا أن ألِفَ الأولى قُلبت هاءً حذَرًا من تكرير المتجانسين. هذا هو الرأيُ السديدُ، وقيل: مه كلمةٌ يصوِّتُ بها الناهي ضُمّت إليها ما الشرطيةُ ومحلُّها الرفعُ بالابتداء أو النصبُ بفعل يفسره ما بعدها، أي أيُّ شيءٍ تظهره لدينا وقوله تعالى: {مّنْ ءايَةٍ} بيانٌ لهما، وتسميتُهم إياها آيةً لمجاراتهم على رأي موسى عليه السلام واستهزائِهم بها وللإشعار بأن عنوانَ كونِها آيةً لا يؤثر فيهم وقوله تعالى: {لّتَسْحَرَنَا بِهَا} إظهارٌ لكمال الطغيانِ والغلوّ فيه وتسميةِ الإرشادِ إلى الحق بالسحر وتسكير الأبصار، والضميران المجروران راجعان إلى مهما وتذكيرُ الأولِ لمراعاة جانب اللفظِ لإبهامه، وتأنيثُ الثاني للمحافظة على جانب المعنى لتبيينه بآية كما في قوله تعالى: {مَّا يَفْتَحِ الله لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ} {فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} بمصدِّقين لك ومؤمنين لنبوتك. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}.
{وَقَالُواْ} شروع في بيان بعض آخر مما أخذوا به من فنون العذاب التي هي في أنفسها آيات بينات وعدم إرعوائهم عما هم عليه من الكفر والعناد أي قالوا بعد ما رأوا ما رأوا من العصا والسنين ونقص الثمرات {مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ} كلمة مهما مما اختلف فيها فقيل هي كلمة برأسها موضوعة لزيادة التعميم.
وقيل: هي مركبة من مه اسم فعل للكف إما باق على معناه أو مجرد عنه وما الشرطية.
وقال الخليل: أصلها ما ما على أن الأولى شرطية والثانية إبهامية متصلة بها لزيادة التعميم فقلبت ألف ما الأولى هاء فرارًا من بشاعة التكرار، وأسلم الأقوال كما قال غير واحد القول بالبساطة.
وفي حاشية التسهيل لابن هشام ينبغي لمن قال بالبساطة أن يكتب مهما بالياء ولمن قال أصلها ماما أن يكتبها بالألف، وفي الشرح وكذا إذا قيل أصلها مه ما.
وتعقب ذلك الشمني بأن القائلين بالأصلين المذكورين متفقون على أن مهما أصل آخر فما ينبغي في كتب آخرها على القول الأولى ينبغي على القول الثاني، وفيه نظر.
وهي اسم شرط لا حرف على الصحيح، ومحلها الرفع هنا على الابتداء وخبرها إما الشرط أو الجزاء أو هما على الخلاف أو النصب على أنها مفعول به لفعل يفسره ما بعد أي أي شيء تحضره لدينا تأتنا به، ومن الناس من جوز مجيئها في محل نصب على الظرفية، وشدد الزمخشري الإنكار عليه في الكشاف، وذكر ابن المنير أنه غير القائل بظرفيتها كلام الخليل أو شبهها بمتى ما، وخالف ابن مالك في ذلك وقال: إنه مسموع عن العرب كقوله:
وإنك مهما تعط بطنك سؤهل ** وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا

ويوافقه كما قال الشهاب استعمال المنطقيين لها بمعنى كلما وجعلها سور الكلية فإنها تفيد العموم كما صرحوا به وليس من مخترعاتهم كما توهم، وأنت تعلم أن كونها هنا ظرفًا مما لا ينبغي الإقدام عليه بوجه لإباء قوله تعالى: {مّنْ ءايَةٍ} عنه لأنه بيان لمهما وليس بزمان، وتسميتهم إياها آية من باب المجاراة لموسى عليه السلام والاستهزاء بها مع الإشعار بأن هذا العنوان لا يؤثر فيهم وألا فهم ينكرون كونها آية في نفس الأمر ويزعمون أنها سحر كما ينبئ عنه قولهم: {لّتَسْحَرَنَا بِهَا} والضميران المجروران راجعان إلى مهما، وتذكير الأول لرعاية جانب اللفظ لإبهامه، وتأنيث الثاني للمحافظة على جانب المعنى لأنه إنما رجع إليه بعدما بين بآية، وادعى ابن هشام أن الأولى عود الضمير الثاني إلى آية، ولعله راعى القرب والذاهب إلى الأول راعى أن {ءايَةً} مسوقة للبيان فالأولى رجوع الضمير على المفسر المقصود بالذات وإن كان المآل واحدًا أي لتسحر بتلك الآية أعيننا وتشبه علينا {فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} أي بمصدقين لك ومؤمنين بنبوتك أصلًا. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ}.
جملة: {وقالوا} معطوفة على جملة {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} [الأعراف: 130] الآية، فهم قابلوا المصائب التي أصابهم الله بها ليذكّروا، بازدياد الغرور فأيسوا من التذكر بها، وعاندوا موسى حين تحداهم بها فقالوا: مَهْما تأتنا به من أعمال سحرك العجيبة فما نحن لك بمؤمنين، أي: فلا تتعب نفسك في السحر.
و{مهما} اسم مضمن معنى الشرط، لأن أصله ما الموصولة أو النكرة الدالة على العموم، فركبّت معها ما لتصييرها شرطية كما ركبت ما مع أي ومتى وأيْنَ فصارت أسماء شرط، وجعلت الألف الأولى هاء اسْتثقالًا لتكرير المتجانسين، ولقرب الهاء من الألف فصارت مهما، ومعناها: شيء ما، وهي مبهمة فيؤتى بعدها بمن التبْيينية، أي: إن تأتنا بشيء من الآيات فما نحن لك بمؤمنين.
و{مهما} في محل رفع بالابتداء، والتقدير: أيّما شيء تأتينا به، وخبره الشرط وجوابه، ويجوز كونها في محل نصب لفعل محذوف يدل عليه {تأتنا به} المذكور.
والتقدير: أي شيء تُحضرنا تأتينا به.
وذُكّر ضمير {به} رعيًا للفظ {مهما} الذي هو في معنى أي شيء، وأنّث ضمير {بها} رعيًا لوقوعه بعد بيان {مهما} باسم مؤنث هو {آية}.
و{من آية} بيان لإبهام {مهما}.
والآية: العلامة الدالة، وقد تقدم الكلام عليها عند قوله تعالى: {والذين كفروا وكذبوا بآياتا أولئك أصحاب النار} في سورة البقرة (39)، وفي قوله تعالى: {وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه} في سورة الأنعام (37).
وسموا ما جاء به موسى آية باعتبار الغرض الذي تحداهم به موسى حين الإتيان بها، لأن موسى يأتيهم بها استدلالًا على صدق رسالته، وهم لا يعدونها آية ولكنهم جارَوْا موسى في التسمية بقرينة قولهم: {لتسحرنا بها}، وفي ذلك استهزاء كما حكى الله عن مشركي أهل مكة وقالوا: {يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون} [الحجر: 6] بقرينة قولهم: إنك لمجنون.
وجملة {فما نحن لك بمؤمنين} مفيدة المبالغة في القطع بانتفاء إيمانهم بموسى لأنهم جاءوا في كلامهم بما حوته الجملة الاسمية التي حَكَتْهُ من الدلالة على ثبوت هذا الانتفاء ودوامه.
وبما تفيده الباء من توكيد النفي، وما يفيده تقديم متعلق مؤمنين من اهتمامهم بموسى في تعليق الإيمان به المنفي باسمه. اهـ.

.قال الشعراوي:

{وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} أي وقال قوم فرعون لموسى عليه السلام: أي شيء تأتينا به من المعجزات لتصرفنا عما نحن فلن نؤمن لك، وسموا ما جاء به موسى {آية} استهزاء منهم وسخرية. وكل هذه مقدمات تبرز الإِهلاك الذي قال الله فيه: {عسى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ...} [الأعراف: 129].
وأعلنوا أن ما جاء به موسى هو سحر على الرغم من أنهم رأوا السحرة الذين برعوا في السحر وعرفوا طرائقه وبذّوا فيه سواهم قد خروا ساجدين وآمنوا، كيف يحدث هذا والسحرة كلهم جُمِعوا إلى وقت معلوم؟ وشهد كل الناس التجربة الواقعية التي ابتلعت فيها عصا موسى كل سحر السحرة فآمنوا وسجدوا، فكيف يتأتى لمن لا يعرفون السحر أن يتهموا موسى بالسحر؟ وكيف يظنون أن ما يأتي به من آيات الله هو لون من السحر؟. إنهم يقولون كلمة {مهما} وهي تدل على استمرارية العناد في نفوسهم مثلما يقول واحد لآخر: لقد صممت على ألا أقبل كلامك، فيكرر الرجل: انتظر لتسمع حجتي الثانية فقد تقنعك، فيقول: مهما تأتني من حجج فلن أسمع لك، وهذا يعني استمرارية العناد والجحود والتمرد ويقدمون حيثيات هذا الجحود فيقولون: {وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 132].
وإذا كانوا يظنون أن آيات الله التي مع موسى من السحر، فهل للمسحور إرادة مع الساحر؟. لو كانت المسألة سحرًا لسحركم وانتهى الأمر. وقلنا قديمًا في الرد على الذين قالوا: إن محمدًا يسحر ليؤمنوا به، قلنا إذا كان هو قد سحر الناس ليؤمنوا به، فلماذا لم يسحركم لتؤمنوا وتنفض المسألة؟ إن بقاءكم على العناد دليل على أنه لا يملك شيئًا من أمر السحر.
وأنت ساعة تسمع كلمة {مهما} تعرف أن هناك شرطًا، وله جواب، ويقول العلماء: إن أصلها مه أي كُفّ عن أن تأتينا بأية آية فلن نصدقك. وهذا يعني أن هناك إصرار وعنادًا على عدم الإِيمان.
ويبين الحق عقابه لهم على ذلك: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطوفان والجراد...}. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله: {وَقَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا}.